توفيت زوجته رغم كل محاولات إنقاذها، والتي كلفته إضافة لجهده وسيلاً من الأحزان والدموع، ثروة تقدر بستين مليون دينار، اجور الفحوصات والتحاليل والنواظير والأشعة والعمليات والعلاج الكيمياوي، في بغداد وعمّان، رغم تمتعه بالجنسية العراقية، التي يفترض أن توفر له تأميناً صحياً حسب ما ينص عليه الدستور! بعد فترة، كان عليه أن يحصل على قسّام شرعي لتوزيع تركتها على أبنائها وبناتها. ورغم ما يستثيره هذا الإجراء من ذكريات مؤلمة، بدأ مشواره مع المؤسسات الحكومية المعنية.
أول الآلام كان حين طُلب منه كتاب بصحة صدور شهادة الوفاة، فقد أنعش الطلب وهماً في داخله أن تكون الوفاة كذبة وتعود اليه شريكة العمر، قبل أن يضطر لدفع رشوة كي يؤكد موتها. ثم كان عليه أن يُثبت مكان السكن، لأن الحكومة لا تثق تماماً في بطاقة سكن أصدرتها، وتريد من شهود ومختار أن يثبتوها لها.
ذهب للبحث عن المختار الذي طلب منه أن يأتيه الى البيت بعد صلاة العشاء، حيث سيكون من السهل عليه تنظيم تأييد السكن في منزله عنه في مكان عمله. وليس هناك من داعٍ لجلب شهود، فلدى المختار شهود يعرفون أين يسكن جميع ذوي الموتى ولا تحتاج ذاكرتهم سوى أن تُنعش بعشرة آلاف دينار فقط! قال للمختار وهو يرجوه ويغمره بمجموعة من الدعوات له ولأولاده بالصحة والعمر المديد:
- هذا أخي وذا أبن عمي وهما يعرفان أين أسكن ربما أفضل مما يعرفه شهودك.
امتعض المختار وأخذ الطلب وقال له تعال غداً. في اليوم التالي ذهب صاحبنا الأرمل للمدير مباشرة متجاوزاً المختار، فاكتشف أن لديه تعليمات أمنية جديدة، تتعلق بمدى خطورة الراحلة على استقرار البلاد وهي ترقد في وادي السلام. وعليه يجب مراجعة عدد من الموظفين للتأكد، وستستغرق العملية بين 2-4 أسابيع.
وفجأة، ظهر المنقذ. رجل بسيط يدعوه (عين) يعمل في تنظيف المكان، رغم إن هيئته لا تدل على محدودية ما يتقاضى. قال لصاحبنا الحل عندي، اعطني ورقة (مائة دولار) وتعال بعد صلاة الظهر، لتستلم التأييد. وهكذا كان.
في الأيام التالية، حين ذهبت مع الأرمل لإكمال المعاملات، لم نبحث عن المدير أو المسؤول، بل بحثنا عن (عين) الدائرة، واعطينا كل (عين) ورقة، وانتظرنا ليفرغوا من الصلاة، وهكذا، انجزنا العمل، رغم عدم بقاء تركة لنوزعها.