منذ نصف قرن، اضطر صاحبي للهرب من البلاد، مشياً على الأقدام، بعد أن حاصره جلاوزة البعث وارادوا أن يسملوا عينيه كما فعلوا مع رفاقه. بقّي الرجل صلداً في مقاومته الفاشيين، سواءً في حملات التضامن العالمية ضدهم أم في الدعم المالي لمعارضيهم أم في حمل السلاح لمقارعتهم من جبال كردستان الشماء، حتى انهاروا ورحلوا (هل حقاً رحلوا؟) الى مزبلة التاريخ مشيَّعين باللعنات.
في رحلة المنافي، رزق صاحبي ببنت، بقيت بلا اوراق ثبوتية بسبب رفض السفارات الإعتراف بعراقية المعارضين لقعقاع العوجة. وحين سقط، توقع صاحبي واهماً بأن من السهولة بمكان حصول إبنته على الجنسية العراقية.
احتاجت الفتاة لإثبات نسب، ليس عبر فحص الحمض النووي ولكن عبر شكوى تقدمها الأم وتدّعي فيها بأن الأب لا يعترف بأبوّة إبنته. رفض صاحبي بشدة هذه الإهانة له ولشريكة عمره. وفي بحثه عن حل آخر قيل له أن يحصل على شهادة ميلاد من المستشفى الذي ولدت فيه البنت. لكنها ولدت في ليبيا، التي تمزقها اليوم للأسف حرب القبائل في زمن الربيع العربي الخائب، ويصّعب على الجميع السفر اليها. تطوع صديق ليبي لإنجاز الشهادة وتصديقها من الخارجية الليبية ثم من السفارة العراقية هناك، واستبشر صاحبي خيراً، ولكن الى حين!
كان على الفتاة أن تراجع ثلاث وزارات، الخارجية والصحة والداخلية، لتحصل على اختام تؤكد وجودها على الأرض والإنتماء لها. ثم كان عليها مراجعة دائرة النفوس، فاكتشفت بأن المواعيد تحجز مسبقاً ومن خلال المنصة الإلكترونية، فنحن بلد متقدم في الرقمنة! لكن المنصة لا تعمل، كما هو حال أغلب المنصات. لا بأس يمكن الإنتظار شهراً، أو … أو ماذا؟
"ألست قادمة من الخارج، إذن يمكن حل المشكلة بأن تدفعي لنا 400 دولار وتعودي غداً لتستلمي هويتك، واهلاً بك في العراق الجديد"!