اخر الاخبار

بعد عام 2003 طرحت الحكومة العراقية فكر إقامة مدن صناعية، نقول كانت في البداية فكرة لم تتضح وقتها تفاصيل الفكرة  ولأن الكثير من دول العالم لديها مدن صناعية ناجحة فان فكرة الحكومة لها ما يبررها  وفيها الكثير من الأمل بما ستسهم في انعاش الصناعة العراقية وانها ستمتص البطالة المنتشرة في المجتمع  وكانت أولى خطوات تطبيق الفكرة تشكيل لجنة ممثلة بالعديد من الوزارات بينها وزارة التخطيط والبلديات والصناعة والكهرباء بدعم من منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو )، كونها تهدف إلى إقامة بنية تحتية للصناعة الوطنية والخروج من أفكار لاتزال مشتتة بشان تطوير الصناعة الوطنية وتفعيل دورها في عملية التنمية الاقتصادية.

 إن إقامة مشاريع مدن صناعية وخاصة الصغيرة والمتوسطة  لا يمكن النظر اليها باعتبارها مشاريع مستقلة قائمة بذاتها، بل من خلال ارتباطها عضويا باستراتيجية صناعية وثيقة الصلة بعملية التنمية الاقتصادية في العراق وبالتالي فان التحديات التي تواجه الاقتصاد العراقي  المتمثلة بخطل السياسات الاقتصادية وارتباكها وغياب استراتيجيتها الواضحة التي كان من المفترض أن  تأخذ بالاعتبار قبل كل شيء، تفعيل القطاعات السلعية، والكفاءة في إدارة  الموارد المالية والاعتماد على الريع النفطي في إعادة البنية الاقتصادية فضلا عن التشريعات الجاذبة للاستثمار، وبخصوص هذه النقطة على  سبيل المثال كان هناك توجه لتعديل قانون المدن الصناعية رقم 2 لسنة 2019 بهدف جذب المستثمرين المطالبين بتملك الأراضي  ووضع الحجر الأساس لمشروع مدينة النجف الصناعية غير الملوثة في تشرين الثاني 2022 لكي تكون من أكبر المدن الصناعية بمساحة 6 آلاف كم2، ولكن هذه التوجهات ظلت معلقة تنتظر من يعيد تحفيزها مجددا. وإضافة إلى تلك الحلول ايجاد مصادر مالية بديلة ومستقرة عبر انشاء صندوق سيادي للاستثمار مما لم يتحقق لحد الآن ولهذه الاسباب مجتمعة كان مشروع إقامة المدن الصناعية، ولا زال يواجه التردد والاستسلام لمعوقات مصطنعة تتخذها الدوائر ذات العلاقة بالتنمية الصناعية.

إن تحويل أفكار إقامة مدن صناعية إلى أفعال حقيقية تتطلب دراسة شاملة ومعمقة للمناطق المناسبة لها في مختلف المحافظات العراقية على أساس توافر المواد الأولية ، وعوامل  الطاقة ووفرتها والعوامل اللوجستية والخدماتية ومبدأ التخصص  والتكامل في تلك الصناعات، و من المفيد دراسة التجربة العالمية في هذا المجال، فعلى سبيل المثال في الصين تعتبر شنغهاي العاصمة الاقتصادية وهي متخصصة بالصناعات الثقيلة والمعدات الصناعية وخطوط الانتاج وقطع الغيار الصناعية، ومدينة جباتشي متخصصة بصناعة الرخام والكرانيت والسيراميك  والبلاط، وفي ألمانيا تتركز الصناعة التحويلية في مدينة درسدن وأن قوة الصناعة في المانيا تتركز في الشركات الصغيرة التي لا تزيد عمالتها عن 500 ولكن هذه الشركات هي المسؤولة عن الصادرات إلى الخارج. ليس المقصود من طرح هذه الامثلة استنساخ هذه التجربة لاختلاف القدرات ومستوى التطور مع العراق وإنما نقل ما يتناسب مع خصوصية ظروف العراق سواء الافتقار إلى التكنولوجية أو حجم الموارد ومستوى التدريب والخبرات الصناعية.

من هنا فان تحقيق هدف إقامة مدن صناعية يتطلب بالإضافة إلى الإرادة الحازمة، حزمة من التدابير والإجراءات ذات فعالية واضحة وملموسة ومنها:

  1. وجود إدارة كفوء على مستوى عال تتصف بالحزم والمصداقية وتعمل بعقل رشيد وبعلم ومعرفة واسعة بطبيعة المدن الصناعية واختصاصاتها واستيعاب عوامل نجاحها، ومنحها الصلاحيات الكافية لاتخاذ القرارات المناسبة.
  2. توفير القاعدة التحتية للمدينة الصناعية المتمثلة بتوفر الطاقة من كهرباء ووقود وطرق المواصلات وكافة الخدمات التي تحتاجها وقبل كل شيء الأرض المخصصة للمدينة الصناعية التي يجب ان تكون خارج مراكز المحافظات.
  3. تشجيع الصناعيين على الاستثمار في هذه المدن عبر القروض الميسرة والإعفاءات الكمركية بالنسبة للتقنيات المستوردة التي تتطلبها الصناعات المستهدفة والإعفاءات الاخرى المتعلقة بضريبة الدخل وضريبة العقار والإعفاء من الرسوم الخدمية.