أتذكر أننا، كعدد من المعنيين بالرياضة العراقية وقياداتها، قد التقينا برئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لمناقشة الواقع الرياضي وإمكانية إصلاحه. كان حريصًا على الاستماع لوجهات نظر المعنيين بقطاعنا الرياضي وإمكانية تجاوز عيوبه ونواقصه، وقد كان لي شرف الحديث نيابة عن الصفحة الرياضية لجريدتنا طريق الشعب. تحدثت بصراحة متناهية، وكان ذلك في عام 2005 أو 2006. ركزت في حديثي على النموذج الصدامي الديكتاتوري، حيث كان الرياضيون العاملون في المؤسسات الرياضية (الأولمبية، الاتحادات، والأندية الرياضية) يحاكون النظام السابق، خصوصًا في مجالات (الزعامات) و (القيادات) كـ "نموذج" و"مثال أعلى". أكدت في حديثي أن تجربتنا في الحياة الديمقراطية كانت جديدة وطريّة، وأن علينا أن نمارسها بحذر ورعاية، وأن لا نفتح الطريق أمام البعض لاستغلالها وتشويهها. وهذا ما دفع رئيس الوزراء الأسبق ووزير الشباب والرياضة الأسبق، جاسم محمد جعفر، إلى استحسان حديثي ومطالباتي برعاية الديمقراطية الجديدة.
ومع مضي الأيام والسنوات، وجدنا أن الكثير من العاملين في الوسط الرياضي وقياداته بدأوا يسعون للكسب واحتكار المناصب وتعدد المواقع. وها نحن اليوم نعيش تجربة مشوهة، حيث أن الكثير من القيادات الرياضية أصبحت تعكس صورة مشوهة عن الديمقراطية. لقد أكدوا في سياساتهم على احتكار المواقع القيادية في المؤسسات الرياضية، فمثلاً نجد أحدهم رئيسًا لنادي رياضي في محافظته، ورئيسًا لمجلس الأندية في المحافظة، ورئيسًا لممثلية الأولمبية في المحافظة، ثم يحضر إلى العاصمة بغداد ليكون عضوًا في الاتحاد المركزي للعبته، وكذلك عضوًا في المكتب التنفيذي للجنة الأولمبية الوطنية العراقية، وفي وظيفته مستشارًا أو مديرًا عامًا لدائرة مهمة.
هنا يحق لي أن أتساءل: كيف يستطيع هذا العبقري أن يدير هذه الوظائف جميعها بكفاءة؟ كيف يحقق النجاح ويشرف على عائلته وأموره الخاصة؟ كانت مبررات شغل الوظائف الرياضية في البداية بسبب قلة الكادر الرياضي وندرة العاملين المختصين في القيادات الرياضية. أما اليوم، فقد أصبح لدينا العديد من العاملين المتخصصين في المؤسسات الرياضية، وذلك بفضل عشرات الكليات المختصة بالعلوم الرياضية والضخ المتواصل لخريجي الكليات والدراسات العليا (الدكتوراه والماجستير).
لذا، نقول لأحبائنا قادة المؤسسات الرياضية: عليكم بفتح الطريق أمام الأجيال الصاعدة من المختصين بالرياضة لقيادة العمل في المؤسسات الرياضية (الأولمبية، الاتحادات، الأندية الرياضية وكافة المؤسسات الرياضية).
أما أن تحاول بعض الجهات من الأحزاب والطوائف والقوميات احتكار هذه المواقع القيادية لنفسها ولأنصارها، وحرمان أبناء الوطن من العمل فيها بحجج متنوعة، فذلك أمر مرفوض. إن العمل الرياضي هو عمل شفاف يحتاج إلى الشجاعة والجدية والكفاءة بعيدًا عن التعصب (والشللية) والتكتل. وما دامت الظروف الحاضرة اليوم تفرض علينا خدمة الوطن وأبنائه، فالرياضة هي الوسط القادر على توفير المناخات الملائمة والصحيّة لترسيخ مفاهيم الوطن والوطنية.
إن احتكار القيادات الرياضية والتسلط عليها بشكل كامل يؤثر على طبيعة القيادة، ويولد "الديكتاتوريات الصغيرة"، وهذا يتناقض مع الهدف المركزي لتوجهاتنا المستقبلية والحضارية، التي تدعو إلى الديمقراطية الحقة. لذا نقول لأحبائنا في القيادة الرياضية: عليكم أن تساهموا في نشر الوعي الديمقراطي وتكرسوا لفهم الإرادات الديمقراطية. إن قطاعنا الرياضي هو من القطاعات المهمة والفاعلة في بناء الشباب وتعزيز الوعي والمساهمة في المهام التي تقودنا نحو آفاق المستقبل المشرق.