اخر الاخبار

لم يشهد تاريخ العراق السياسي مفارقات غريبة من نوعها كالتي شهدها بعد الاحتلال 2003 جراء اتباع الحكومات المتعاقبة نهج المحاصصة المقيت.

فالمحاصصة لم تدع مكانا إلا واستولت عليه لمصلحتها الخاصة، سواء على مستوى الكتل السياسية أم الأحزاب المتنفذة أم الأفراد، ما جر البلاد إلى حافة الهاوية، بعد أن استحوذ المتحاصصون على مفاصل الدولة المهمة وحصلوا على المغانم والمناصب والامتيازات ووزعوا الكعكة في ما بينهم. 

ولا يزال هؤلاء يلهثون وراء مصالحهم الشخصية، فيدخلون البلاد في نفق مظلم من فقر ومجاعة وتدهور في الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وصولا إلى فقدان الأمن والأمان والاستقرار. ولا يزال صراعهم دائرا على التمسك بهذا النهج المقيت، وهم يواصلون بكل ما أوتوا من قوة اتباع طرق خسيسة ملتوية غير شرعية للحفاظ على امتيازاتهم، ضاربين مطالب الجماهير الغفيرة والحراك الاحتجاجي وتضحياته الجسام عرض الحائط، غير مكترثين للمصائب والكوارث التي انتجتها محاصصتهم. 

ولا يختلف اثنان في ان الفساد الإداري والمالي المتفشي في مفاصل الدولة يشكل ظاهرة خطيرة جدا، ومصدرا مهما من مصادر التأزم الحاد في علاقة السلطة مع المجتمع، وعاملا أساسيا في هدم الروابط والبنى المؤسساتية للدولة. فقوى المحاصصة لجأت منذ التغيير حتى الآن للمماطلة والتسويف لضمان تواجدها في كافة المفاصل الحيوية. ذلك انها تستميت في الدفاع عن منافعها الخاصة.

وأدت الأوضاع السياسية المضطربة إلى تردي الواقع الاقتصادي للمواطنين، خاصة بعد رفع سعر صرف الدولار، وتصاعد أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى، وتقليص مفردات البطاقة التموينية، وتعطل الصناعة والزراعة، حتى تعاظمت نسب الفقر وتضخمت جيوش الخريجين العاطلين عن العمل. ومقابل ذلك كله بقي البلد دون موازنة مالية تذكر، وأصبح البرلمان عاجزا عن أداء مهامه الدستورية، ما أفضى إلى حالة من الاستعصاء السياسي.  

واتذكرهنا حكاية إعرابي قدم من البادية لزيارة رجل من أهل المدينة، فأنزله هذا في بيته وكان عنده دجاج كثير وله امرأة وابنان وابنتان. 

طلب المضيّف من زوجته أن تشوي دجاجة وتقدمها كغداء للضيف، ولما حضر الغداء جلست العائلة مع الإعرابي، وقدمت له الدجاجة ودعته إلى تقسيمها بين الجميع. فقال الإعرابي: لا أحسن القسمة، لكن إن رضيتم بقسمتي قسمتها لكم. 

فوافق الجميع، وأخذ الإعرابي الدجاجة فقطع رأسها وأعطاه لمضيفه، وقال أن الرأس للرئيس. ثم قطع الجناحين ووزعهما على الابنين، وقطع الساقين ووزعهما على البنتين، وقطع الدمكا (مؤخرة الدجاجة) وأعطاها لزوجة المضيف. ثم أخذ الدجاجة كلها وهو يقول: والزور للزائر! 

في اليوم الثاني طلب المضيّف من زوجته أن تشوي خمس دجاجات، ولما حضر الغداء طلبوا من الإعرابي أن يقسمها بينهم، فقال: ظننتكم غضبتم من قسمتي أمس، فقالوا: لا، اقسم. فسأل: أقسم شفعا أم وترا؟ أجابوا: وترا!

فقال الإعرابي: أنت وامرأتك ودجاجة ثلاثة، ورمى عليهما بدجاجة، وابناك ودجاجة ثلاثة ورمى بدجاجة عليهما، وابنتاك ودجاجة ثلاث ورمى بدجاجة عليهما. ثم قال: وأنا ودجاجتين ثلاثة، وأخذ الدجاجتين. 

ولما رآهم مندهشين من قسمته، قال لهم: الوتر ما تجيء إلا هكذا، فقالوا: اقسم لنا شفعا هذه المرة. فعاد وقال: أنت وابناك ودجاجة أربعة، ورمى بدجاجة عليهم. والمرأة وابنتاها ودجاجة أربعة، ورمى بدجاجة عليهم، وأنا وثلاث دجاجات أربعة. وأخذ الدجاجات ورفع رأسه إلى السماء وقال: الحمد لله!

مخلص الكلام: أن المحاصصة “تجيبها كده تجيلها كده هي كده” مع الاعتذار للفيلم المصري الذي يحمل هذا العنوان!

عرض مقالات: