اخر الاخبار

يثار الجدل في كل مرة بشأن (المنحة) التي تخصصها الحكومة للأدباء والفنانين والصحفيين وغيرهم من الفئات المشتغلة في المجال الثقافي، ووضوع هذا الجدل هو طبيعة تلك الـ (المنحة وضئالة مبلغها وتأخرها وعدم انتظامها وحالة الضن التي تمارسها الجهات المسؤولة عند صرفها، كما لو كانت منة أو هبة بائسة تُمنح لمتسول، الأمر الذي يعيد إلى أذهاننا الـ (مكرمات) التي دأب النظام السابق على صرفها لمتملقيه، إذلالا للمثقفين الذين سحقتهم الحاجة نتيجة للأوضاع الاقتصادية والمعيشية المختلة الناجمة عن السياسات الخطلاء لحكومات المحاصصة المتعاقبة.

وقد ازداد الجدل والاحتجاج والاستهجان بشأن تلك الـ (المنحة) مؤخرًا بسبب ضئالة قيمتها التي لا تتجاوز الـ 350 ألف دينار، وإذا ما أدركنا أن تلك الـ (منحة) سنوية، سنعلم تفاهة قيمتها وعدم جدواها وسط تساؤلات محيرة عن الفارق المهول بينها وبين المرتبات الباذخة التي ينعم بها المسؤولون على أتباعهم وبطاناتهم.

إن استمرار العمل بطريقة المنح والهبات والمساعدات الإستثنائية والبطاقات التموينية على مدى أكثر من عشرين عامًا، لهو دليل قاطع على فشل النخبة الحاكمة في بناء اسس دولة حقيقية عصرية تستند إلى القانون والنظام وتحفظ كرامة الناس من السؤال والحاجة.

 إن الحل الأجدى والأنفع هو تأسيس صندوق للضمان الاجتماعي خاص بالمثقفين بالتعاون مع اتحاداتهم ومنظماتهم وجمعياتهم كما معمول به في معظم بلدان العالم، لضمان وصول الدعم لمن يحتاجه من المثقفين، ممن يعانون من حالات إضطرارية طارئة كالمرض أو الحاجة إلى العلاج والتداوي داخل أو خارج العراق.

ولعلنا لا نجانب الحقيقة إذا ما قلنا بأن الكثير من المثقفين العراقيين على الرغم من أوضاعهم المعيشية الصعبة، لا يعني لهم مبلغ المنحة شيئًا، بينما يعاني آخرون من أقرانهم وهم في أمس الحاجة لأي دعم مالي أو عون، مهما بلغت ضالته وبالتالي، فأن صندوق التكافل الاجتماعي أجدى وأنفع وأكثر جدوى ،وعملية لأن الاتحادات والجمعيات الثقافية أدرى بشؤون أعضائها وحالاتهم الاجتماعية وفي الوقت نفسه، قد يغني هذا الحل المثقفين عن الحاجة إلى السؤال والوقوف في طابور استلام المنحة المذلة أمام أبواب المسؤولين ودوائر الدولة المختلفة التي لا تراعي أي احترام لمكانة المثقف العراقي ودوره بالغ الأهمية في توطيد الحالة الاجتماعية وتماسك اللحمة الوطنية.

وعلى الرغم مما تقدم، وبالنظر لاستمرار سوء الأحوال السياسية للبلاد في ظل هيمنة الأحزاب المتحاصصة التي جاءت في أعقاب الاحتلال البغيض، وعدم ظهور أية علامات تعافي للأوضاع الاقتصادية، وتفاقم الأزمات المتعاقبة، فأن الحاجة باتت ضرورية لأن تسعى الاتحادات والمنظمات الثقافية إلى تعظيم ،مواردها، سواء بالاستثمارات أو بالضغط المتواصل بالوسائل كافة على (صناع) القرار والمتصدين للسلطة والبرلمانيين من أجل استخلاص مبالغ دعم خاصة بطريقة دستورية من ميزانية الدولة للثقافة وعدم الركون وربط تمويل تلك الاتحادات والنقابات والجمعيات وأعضائها بما يتصدق به السياسيون الفاسدون من سراق المال العام الذين لا يرون سوى مصالحهم ومصالح اتباعهم، بينما يضعون الثقافة، بمجملها، كأنشطة وفعاليات ومماراسات وحالات وطنية متقدمة في أسفل سلم أولوياتهم.

* افتتاحية “الطريق الثقافي” العدد 126

عرض مقالات: