فلسفة المشرع في قانون الأحوال الشخصية اتجهت إلى مغادرة المطولات الفقهية المتعلقة بعقود الزواج والآثار المترتبة عليها ولزوم وضع قانون موحد للأحوال الشخصية يكون أساسا لأقامة بناء العائلة العراقية في عهدها الجديد، أي الخروج من الفهم التقليدي للأسرة إلى الفهم المعاصر لوظيفتها الاجتماعية المتجهة نحو المساهمة في تأسيس المجتمع والدولة. ضمن هذا التوجه فقد أصدر وزير العدل في حكومة الثورة القاضي مصطفى علي الأمر المرقم 560 المؤرخ 7 \2 \ 1959 المتضمن تأليف لجنة من المختصين تاخذ على عاتقها وضع مشروع قانون موحد للأحوال الشخصية يشتمل على مواضيع الزواج والطلاق والولادة والنسب والحضانة والنفقة والوصية والميراث يستمد أحكامه مما هو متفق عليه من أحكام الشريعة وما هو مقبول من قوانين البلاد الإسلامية وما استقر عليه القضاء الشرعي العراقي، وقد باشرت اللجنة عملها وعندما اكتمل المشروع أصدرته السلطة التشريعية حينئذ بالقانون رقم 188 لسنة 1909 ونشر في الوقائع العراقية بالعدد 280 وتاريخ 30 \ 12 \ 1959 .
حرص المشرع على أن يكون نطاق سريان القانون ليشمل العراقيين كافة، وهذا ما افصحت عنه الأسباب الموجبة الملحقة بالقانون بالقول: (وضعت اللجنة قاعدة سريان الأحكام على الاشخاص لتشمل أحكامه العراقيين كافة إلا من استثني منهم بقانون خاص. وبذلك يكون قانون الأحوال الشخصية هو القانون العام فيما احتواه من مباديء واحكام..) وهذا يعني أن هذا القانون هو المرجع العام للأحوال الشخصية للعراقيين بمختلف أديانهم ما لم ترد قاعدة قانونية خاصة منظمة لهذه الطائفة او تلك، وبالنتيجة إذا غاب القانون الخاص فلا مناص والحالة هذه من الرجوع إلى قانون الأحوال الشخصية باعتباره المرجع العام للعراقيين كافة بما في ذلك الطوائف الدينية غير الاسلامية المعترف بها في العراق. يلاحظ عدم تشريع قوانين خاصة للطوائف الدينية غير الإسلامية في الوقت الحاضر إلا أن التطبيقات القضائية ومن خلال عمل محاكم المواد الشخصية وجد أنها تستعين بشرائعهم الدينية، ومثال ذلك أن المسيحية تعتبر العلاقة الزوجية رابطة دينية تدخل ضمن العقيدة إذ يبرم عقد الزواج بطقوس كهنوتية وعقد الزواج بهذه الصيغة اعتبرته التطبيقات القضائية قانونا خاصا مستثنى من الأحكام العامة لقانون الأحوال الشخصية، في حين أن الشريعة الاسلامية تعتير الزواج رابطة عقدية وليس دينية إلا أن الفقه الإسلامي صوّر الزواج رابطة دينية على الطريقة المسيحية ومنح نفسه سلطات كهنوتية لهذا الغرض.
إن المساغ القانوني المفضي إلى تطبيق أحكام قانون الأحوال الشخصية على أبناء الطوائف الدينية غير المسلمة يتجلى في حالات أربع هي: أولا – في حالة غياب القانون الشخصي او العرف المحلي لبعض مواد الأحوال الشخصية لأبناء تلك الطوائف. ثانيا – وجود نص ناسخ صريح في قانون الأحوال الشخصية يعطل القانون الشخصي او العرف المحلي لأبناء الطوائف تلك. ثالثا – وجود مانع مطلق يحول دون تطبيق القانون الشخصي او العرف المحلي للابناء تلك الطوائف . رابعا – إسلام أحد الزوجين. لما تقدم يلاحظ ان التطبيقات القضائية والأحكام التي تصدرها محاكم المواد الشخصية على وفق قانون الأحوال الشخصية أبناء الطوائف غير المسلمة تشمل النفقة والحضانة والوصية الواجبة والإرث وغير ذلك من المواضيع الأخرى، ولايضاح هذا الأمر نأتي على بعض الأحكام التي استقر عليها قضاء محكمة التمييز المتضمن شمول غير المسلمين بالأحكام العامة المنصوص عليها في قانون الأحوال الشخصية وعلى سبيل المثال:
الحضانة – الحضانة تقع ضمن نطاق سريان قانون الأحوال الشخصية بالنسبة للعراقيين غير المسلمين إذ قضت محكمة التمييز بأن: (المدعى عليه أقر بالزوجية والدخول وبنوة الصغيرين دونالد وكاثرين من فراش الزوجية وتطليق المدعية وحيث ان الصغيرين لا زالا في سن الحضانة ... وحيث أن الأم أحق بحضانة الصغير حال قيام الزوجية وبعد الفرقة ما لم يتضرر المحضون من ذلك عملا بأحكام المادة 57 \ 1 من قانون الأحوال الشخصية لذا قرر تصديق الحكم القاضي بحضانة الأم..) حكم محكمة التمييز المرقم 176 \ شخصية اولى في 29 \ 1 \ 2006.
المواريث – دأبت محاكم المواد الشخصية إلى تطبيق أحكام المواريث الواردة نصوصها في قانون الأحوال الشخصية على العراقيين من غير المسلمين ومثال ذلك: (... المقتضى الاستيضاح من الكنيسة التي يتبع اليها المتوفى لمعرفة المستحقين لتركة المتوفى ومقدار الأنصبة بغية توزيعها على الوارثين بالقرابة عملا باحكام المادة 90 من قانون الأحوال الشخصية ومن ثم يصار إلى اصدار القرار على ضوء ذلك استنادا لحكم المادة 210 \ 3 من قانون المرافعات المدنية..). قرار محكمة التمييز المرقم 2042 \ شخصية أولى \ 2006 المؤرخ في 19 \ 6 \ 2006.
المهر – تجدر الإشارة إلى ان الديانة الإزيدية تطبق قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 فيما يتعلق بمواد الأحوال الشخصية لأبناء هذه الطائفة فيما يتعلق بالزواج والمهر والنفقة ونسب وحضانة وفرقة وطلاق وغيرها من مواد الأحوال الشخصية الاخرى وفي هذا الصدد قضت محكمة التمييز حول تحديد مهر الإيزيدية بالشكل الاتي : ( ثبت عقد زواج المدعية على المدعى عليه من إقرار الطرفين والبينة الشخصية المستمعة على مهر معجل مقداره ألف دينار ومؤجله ألف دينار وبذلك لا يحق للشخص الثالث المطالبة بمهر بنتها المدعي طالما ثبت تسمية المهرين ... ) حكم محكمة التمييز المرقم 6794 \ شخصية \ 1989 المؤرخ في 7 \ 9 \ 1990 .
اما فلسفة المشرع في التعامل مع عمومية نصوص قانون الأحوال الشخصية بالنسبة للمذاهب الاسلامية المختلفة فان حكمته تجلت في اعتماد مباديء الشريعة الاسلامية والقواعد الفقهية وصياغتها على شكل قواعد قانونية من دون التقييد بمذهب معين، لذا فأن مرجعيته الشرعية اتكأت على الأحكام التي تضمنتها المذاهب الاسلامية العاملة منها وحتى المندثرة ومن دون استثناء وبهذا التوجه لا يصح القول إن المذهب الفلاني لا يملك حضورا في نصوص قانون الأحوال الشخصية لأن نزعة المشرع العراقي عند وضعه القانون كان يسعى إلى تحويل الرأي الفقهي أو القاعدة الشرعية إلى قاعدة قانونية للوصول إلى نتيجتين الأولى - دعم النصوص القانونية لأحكام المواطنة ولزوم الابتعاد عن احكام الهويات الفرعية . والثانية – ان يساهم النص القانوني في البناء المؤسسي للمجتمع والدولة وهذا ما هو محسوب لصالح القانون الأحوال الشخصية الذي كان محل تقدير واحترام في محيطنا الاقليمي.