اخر الاخبار

 اكثر من (65) سنة خلت، كان القانون المذكور في اعلاه قد صدر برقم (7) لسنة (1958) وما زالت نصوصه تحتفظ بأصالتها: طرية متحدية تقادم الاعوام المتلاحقة. ويلاحظ عن هذا القانون وكـأن احكامه فصلت على مقاسات زماننا هذا؛ اذ يعد متآمرا على سلامة الوطن كل من كان صاحب سلطة عامة او عضوا في السلطة التشريعية او مكلفا بخدمة عامة استغل نفوذه لدفع سياسة البلاد الى وجهة تخالف المصلحة الوطنية او التعرض لسلامتها او التآمر على قلب نظام الحكم او ايواء المتآمرين ضدها، او تحريض الدول الاجنبية على التعرض لسلامتها او التدخل في شؤونها الداخلية او صرف الاموال للتآمر عليها او تعريض الشعب واستقراره ومصالحه للخطر.

اما المفسد لنظام الحكم فقد وصفه القانون بانه هو كل من كان موظفا عاما وزيرا ام غيره او عضوا في مجلس امانة العاصمة او المجالس البلدية او الادارية على اختلاف انواعها. وعلى العموم كل شخص مكلف بخدمة عامة ارتكب او شارك في: اهدار او تعطيل او تقييد الحريات الاساسية المنصوص عليها في القانون الاساس الذي كان مرعيا وذلك باصدار القوانين او المراسيم او الانظمة او التعليمات او الاوامر المخالفة للشروط الاساسية التي رسمها ذلك القانون (يلاحظ ان هذا القانون سبق في صدوره الدستور المؤقت لسنة 1958 بأيام). والمفسد أيضا هو من اصدر القوانين والمراسم والانظمة والتعليمات او الاوامر الرسمية لمصلحة شخص او فئة معينة على حساب الصالح العام خلافا للمبادئ الرئيسة للقانون الاساس، وهو ايضا من تدخل في اعمال السلطة القضائية او التنفيذية لحملها على اصدار القرارات او الاوامر التي تتنافى او تتناقض مع احكام القانون الاساس او التشريعات المرعية، وكذلك من يتدخل في حرية الانتخابات العامة او تزييفها اوتزويرها لمصلحة فرد او فئة، فضلا عمّا تقدم؛ فالمفسد هو من يقوم بالتأثير على الروح المعنوية للشعب باشاعة الرعب بين افراده لاضعاف قدرته على تحمل مسؤولياته وممارسة حقوقه، وهو من يمنع او يعرقل تنفيذ التشريعات التي ترمي الى تحقيق العدل الاجتماعي والمساواة بين المواطنين او ان يقوم بتبديد الثروة الوطنية من خلال صرف نفقات لا تقتضيها طبيعة المشاريع او التعامل المتعارف عليه او لا تتناسب مع كلفتها الحقيقية او بالصرف على مشاريع وهمية او غير ضرورية او تعريض اموال الدولة للتلف والتهاون في تحصيل اموال الدولة في الداخل والخارج او التهرب من دفع مستحقات الدولة من الاموال كالضرائب والرسوم والعوائد الاخرى او عدم استعمال  الطرق القانونية لمن يقوم بقبول الاموال من الدول والاشخاص، خلافا لما تقتضيه المصلحة العامة وهو ما نصت عليه (المادة الثانية من القانون). ويعد التدخل من غير المذكورين في هذه المادة مفسدين لنظام الحكم اذا تدخلوا او استغلوا صلتهم باي سلطة عامة.

العقوبات – يعاقب من تآمر على سلامة الوطن بالاشغال الشاقة المؤبدة او المؤقتة او الحبس. اما مفسد نظام الحكم فيعاقب بالاشغال الشاقة المؤقتة او الحبس او بالغرامة او بهما معا، ويضاف الى منطوق الحكم ايضا نص يقضي برد ومصادرة ما يكون كل مفسد او متآمر قد افاد من تآمره او افساده، وتحدد ما يمكن رده او مصادرته وتقضي المحكمة  كذلك بالتعويض المناسب ان كان له مقتضى. وعلى المحكمة التي تصدر الحكم بالعقوبة المبينة في اعلاه ان تقضي ايضا بحرمان المتآمر او المفسد لمدة لا تقل عن خمس سنوات، ولا تزيد على عشر سنوات تبدأ من تاريخ تنفيذ العقوبة من: عضوية مجلس الامة وعضوية مجلس امانة العاصمة او المجالس البلدية او الادارية على اختلاف انواعها ويمنع للمدة ذاتها كذلك كل من تولى الوظائف العامة في الدوائر الرسمية وشبه الرسمية وعضوية ادارة الشركات والمؤسسات والمصارف، فضلا عن الانتماء الى الاحزاب السياسية او ممارسة مهنة الصحافة. واذا ما فكر المحكوم بممارسة الاعمال المحرمة عليه المذكورة في اعلاه يوجب حبسه لمدة لا تزيد على الثلاث سنوات او بالغرامة او بهما معا وتطبق بحقه العقوبة الاشد اذا وردت في قانون عقابي اخر.

اما الجهاز المختص لتطبيق هذا القانون فهو: (هيئة تحقيق) متكونة من قضاة مدنيين وضباط من الشرطة يعينهم رئيس الوزراء او من يخوله، والقضاة هؤلاء يتمتعون بذات صلاحيات قضاة التحقيق المرسومة على وفق احكام قانون اصول المحاكمات الجزائية البغدادي وعندما يكتمل التحقيق تقدم نتيجته مشفوعة بتوصيتها القانونية الى رئيس الوزراء او من يخوله للنظر في احالتها الى المحكمة المختصة. يلاحظ هنا الاجراءات الميسرة المرسومة للتحقيق بأن الهيئة المختصة بالتحقيق قد تنعقد من قاض واحد وضابط شرطة يقوم بدور التحقيق الاولي وشرطي للتعقيبات، فهذه الهيئة على قلة منتسبيها لا تتطلب أجهزة ضخمة وعدد كبير من المنتسبين كهيئة النزاهة مثلا لكونها تستطيع انجاز عملها بهذا العدد المتواضع وبالنجاعة المطلوبة.

إن نصوص هذا القانون جاءت بعبارات واضحة ومفهومة حتى للمتلقي العادي، وسهولة الفهم والوضوح سمة من سمات المشّرع الناجح بدليل ان الاحكام الواردة فيه ما زالت تحافظ على بريقها ولم يطلها الصدأ على الرغم من عديد العقود التي مرت على تشريعه والكم الهائل للتشريعات العقابية التي أعقبته، فقد بقي يعاند رياح السنين ومتغيرات الاوضاع؛ اذ ما زالت نصوصه صالحة للتطبيق في وقتنا الراهن على الرغم من حجم الفساد الكبير وكثرة المؤسسات المتصدية له، فضلا عن المؤامرات والالتفافات المستمرة على مطالب الشعب وحقوقه وحرياته وأمنه.

عرض مقالات: