اخر الاخبار

أعاد انهيار مسرح “ماجستك الهلال” في منطقة الميدان، الذي يعود تاريخه إلى العام 1918، خراب شارع الرشيد المهول إلى الأذهان، وما زال المئات، بل الآلاف من رواد الشارع العريق الذي يمثل خاصرة بغداد وشريانها النابض بالحركة والعراقة والتاريخ والإرث الثقافي، حائرين وهم يبحثون عن السبب الحقيقي الذي يدفع سلطات ما بعد الاحتلال لتجاهل الشارع والإصرار على عدم اعماره، على الرغم مما يحمله من أهمية فائقة، لا تشكل بعدًا معماريًا جماليًا وحسب، بل تتعداه إلى البعد السيادي والرمزية الوطنية.

لقد تحدثنا اكثر من مرّة، في هذا المكان، كما تحدث المئات غيرنا، رافعين نداءات الاستغاثة، من اجل انقاذ الشارع ومرتاديه والعاملين فيه، لكن من دون جدوى تذكر، على الرغم من تبجح الكثير من المسؤولين بأهميته وعراقته، الأمر الذي يوحي بوجود قرار سري غامض باهماله وتركه مهدمًا وآيلًا للسقوط في الكثير من مواقعه، بسبب غل مبهم لا يُدرك كنهه. ولا نريد أن نصدق ما يردده البعض من إشاعات مضحكة، عن أن الأمر يعود لأسمه وحسب.

لقد رأينا، كما رأى الملايين، على شاشات التلفزة، ردة فعل زوار بطولة خليجي 25 الذين أصطحبتهم إحدى الجهات لزيارة “المتحف البغدادي”، وهم يرون البنايات الآيلة للسقوط والشناشيل المتهرئة التي تتدلى عوارضها من بين الأسلاك، وهم يمرون في ساحة الرصافي، التي تحولت بدورها إلى محطة لتجميع الصناديق الكارتونية المحطمة ومرأب لوقوف عربات الحمل.

ولعل الذين يمرون من هناك بشكل شبه يومي، سواء للزيارة أو بسبب طبيعة عملهم، قد اعتادوا منظر تلك البنايات المهدمة ومنظرها الذي يخمش الروح، لكن بالنسبة للزائرين الذين يقصدون مشاهدة ذلك المعلم العريق المرتبط باسم بغداد العاصمة، لابد سيصدمون بذلك المنظر المهول للبنايات المستندة إلى الأعمدة الشهيرة، وهي تتكئ على بعضها البعض، تشكو جور الزمان والإجحاف والتجاهل الحكومي المشين.

وكما حدث لبقايا المسرح العريق الذي شهد العشرات من الحفلات الموسيقية والعروض السينمائية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، تشهد بقايا بنايات الشارع، التي طالما احتضنت عيادات الأطباء الشهيرين والفنادق  والبيوتات البغدادية، المصير المتوقع نفسه، إن لم تكن قد تهدمت بالفعل. ولا نريد أن نعيد الحديث عن مشاريع التطوير وإعادة تعمير الشارع وأحياء المحلات المحيطة به، التي ما زال يكررها المسؤولون الجدد في امانة العاصمة أو الوزارات المعنية، وهم في فورة حماستهم عند استلام المنصب، قبل أن تصلهم الإشارات الغامضة التي تطلقها جهات سريّة غير معروفة، ويغضوا الطرف ويتناسوا ذلك الشارع ومصيره الأسود الذي يشهده منذ حدوث التغيير وسقوط النظام السابق في أعقاب الاحتلال الأمريكي. ومنذ ذلك الحين، لم يجرؤ أحد على المطالبة بكشف السر الكامن وراء الأهمال المتعمد للشارع، والإصرار على ترك الزمن يفعل فعله فيه حتى يستحيل إلى ركام، ربما لاستغلاله في بناء المولات التّجارية أو الجامعات الأهلية التي يصر السياسيون الجدد على اعتمادها، كوسيلة سهلة لتحقيق الأرباح وجني المال، حتى لو تحولت بغداد إلى مزبلة كبرى تحيط بها الروائح العطنة وينعق البوم وسط خرائبها، وإلا لماذا هذا الإصرار المبهم على تدمير شارع الرشيد؟! 

 

افتتاحية «الطريق الثقافي» 

العدد 117

عرض مقالات: