اتسمت تصريحات المسؤولين في الايام الأخيرة بـ”الفرح الغامر” عندما ارتفعت أسعار برميل النفط الخام، ووصلت الى حد القول بأنهم لا يعيرون الكثير من الاهتمام لتلك الأسعار.
وحسب التقارير المنشورة فان البعض اخذ يبشر بـ “ثورة” عمران وبناء لا سابق له. مع الإشارة الضرورية الى أن هؤلاء هم من حكموا البلاد وتحكموا بالناس طيلة الـ 20 سنة الماضية، بالحصيلة المعروفة للقاصي والداني .
ولا ادري ماذا سيقول هؤلاء اذا عاودت أسعار النفط الانخفاض، فهي لم تستقر على حال، والتحكم بها ليس محصورا بيد العراق، ولا حتى بيد “أوبك+”.
يأتي هذا في وقت ما انفكت فيه تقارير البنك الدولي ( أيلول 2023) تشير الى ان الاقتصاد العراقي هش، حتى ان هذا البنك ينصح العراق – ويا للغرابة! - بالتريث في اطلاق تخصيصات الموازنة المقرة. وهي فعلاً لم تطلق حتى الان، رغم صدور تعليماتها، وما زال الانفاق الحكومي يعتمد على أموال “الطوارئ” التي خصصت اساساً لمجالات معينة وليس لتمويل الدولة ومؤسساتها ونشاطاتها، ووفق قاعدة ١ الى ١٢ من تخصيصات الموازنة السابقة ( وهي الان لاكثر من سنتين ) .
هذا فيما اخذ الحديث يتصاعد عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ذلك؟ وهل هو حقا، كما يعلن، لمنع البعض من استغلال مواردها لأغراض الدعاية الانتخابية ؟!
ولعل من غير المفهوم وغير المنطقي ان يقول أحدهم بأن لا ضير من تأخير صرف تخصيصات الموازنة، طالما ان الموازنة ثلاثية ويمكن تدوير الأموال!
وللجدل نقول: إذا كان الامر كذلك وهناك وفرة من المال، فلماذا اعدت الموازنة بهذه الصيغة وما تتضمن من عجز كبير، سيتم سداده بطرق بينها القروض الخارجية رغم ما تفرض من فوائد وخدمة تستنزف المزيد من الأموال ، فيما البلد بأمس الحاجة اليها .
نقول البلد ولا نقول المتخمين بالمال الحرام، الذين همهم الأول والأخير هو مصالحهم ونفوذهم، وإدامة هيمنتهم بألف طريقة وطريقة “عوجة” . وان ما يسهل عليهم ذلك هو وجودهم في السلطات الثلاث، او تأثيرهم عليها بما يوفر لهم الحماية المطلوبة.
لا شك ان الموازنة مطلوبة، رغم عيوبها وثغراتها. ففي بلدنا ما زالت الدولة هي المصدر الأساس للعمل والتوظيف وتمويل المشاريع وهي اداة الحراك الاقتصادي. وقد كان الكثيرون ينتظرونها، فاذا بأموالها وتخصيصاتها تجمد. لماذا؟ هل الآن ساد الشعور والتقدير بانها مضخمة جداً، ولا قدرة او امكانية حتى على صرف ما خصص فيها من أموال ؟
وعود على بدء، فمن غير الواقعي وغير المنطقي القول بان العراق وشعبه لا تهمهم أسعار النفط، في وقت تقول فيه التقديرات ان ارتفاع او انخفاض سعر البرميل الواحد دولاراً واحداً فقط بالنسبة للعراق، يعني مليار دولار كاملا في السنة .
وربما يكون الامر مختلفا لو كان تم توظيف العائدات النفطية لتحقيق تعدد في مصادر الدخل، ولبناء اقتصاد وطني قوي ومتنوع، بوجود صناديق سيادية تمول المشاريع، وما توفر من فرص عمل.
لكن هذا لم يحصل حتى الان ، فيما التركيز يتجه نحو مواصلة انفاق اموال الدولة لتقديم المزيد من الرشى، والركض لإخماد الحرائق هنا وهناك، ما يعني المزيد والمزيد من صرف الأموال بلا وجهة واضحة المعالم، لتذهب دون ان تترك اثراً يعتمد عليه في تحقيق تراكم ضروري لانعاش الاقتصاد، ولإيقافه على رجلين لا على رجل الريع النفطي وحده.