يواصل أحمد الشرع، المعروف بأبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، محاولاته التحول من إرهابي مطلوب لواشنطن، إلى وجه سياسي يسعى لنيل القبول على المستويين الإقليمي والدولي.
فهو يعمد إلى تبديل مظهره وخطابه بشكل مدروس، متنقلاً من زي عسكري يوحي بالتشدد والتطرف إلى لباس مدني يفترض انه يعكس روح التسامح السياسي. حيث يسعى لرسم صورة جديدة لنفسه، كزعيم قادر على تشكيل مستقبل سوريا. إلا أن الهفوات التي شابت ظهوره الإعلامي الهادف الى تحسين صورته، كشفت عجزه عن تجاوز أيديولوجيته المتجذرة، التي تشكل عقبة أمام أي تغيير حقيقي.
وتكشف هذه التحولات الشكلية قراءة الجولاني الذكية للواقع الإقليمي والدولي. ويبدو ان سعيه لإعادة تقديم نفسه كطرف فاعل في المعادلة السورية بعد سنوات الحرب، انما يهدف لجذب انتباه القوى الدولية. ورغم ذلك يظل هذا المسعى مفضوحاً أمام حقيقة إدارته لإدلب والمناطق الاخرى التي خضعت لسيطرته، حيث بقيت ممارساته بعيدة عن المعايير المدنية والإنسانية.
وتعيد تحركات الجولاني إلى الأذهان تجارب مشابهة لتنظيمات متشددة أخرى في المنطقة. وغالباً ما تبنت تلك التنظيمات شعارات مدنية وخطابات تسامح من اجل تحقيق مكاسب سياسية، لكنها أظهرت وجهها الحقيقي بعد إحكام سيطرتها. وتتكرر هذه السيناريوهات، حيث تنهار الأقنعة حالما تتاح لهذه القوى فرصة التحكم الكامل بالمشهد، فيبرز الوجه الاستبدادي الذي يتناقض مع خطابها الظاهري.
وتبقى الأيديولوجيا التي تنتهجها هيئة تحرير الشام تحت قيادة الجولاني حجر الزاوية في الحكم على مشروعه. ومهما لطّف خطابه السياسي، يظل القلق قائماً بشأن الحريات الشخصية، وحقوق النساء والأقليات، التي يمكن ان تتهدد تحت شعارات تتناقض مع جوهر حقوق الإنسان.
ان الخطاب الجديد الذي يقدمه الجولاني لم يخضع للاختبار بعد. لكن قدرته على اجتذاب الولاءات تستند إلى عوامل عدة، لعل أبرزها:
- الرغبة العامة في الخلاص من الدكتاتورية: فمشاعر الابتهاج بالتخلص من حكم بشار الأسد تجعل البعض يتطلع لأية قوة قد تحقق هذا الهدف.
- البحث عن منقذ: فعقود الاستبداد دفعت المجتمع نحو البحث عن قوى أو شخصيات تلعب دور المُنقذ، خاصة في ظل غياب مؤسسات وطنية قوية.
- الهروب من الماضي: فالاندفاع نحو الولاء للقوى الجديدة يعكس رغبة البعض في تجنب المحاسبة، أو الاتهامات بالتواطؤ مع النظام السابق، لا سيما في ظل المخاوف من الانتقام.
تبقى سوريا في حاجة إلى نظام ديمقراطي حقيقي يقوم على مبدأ المواطنة، ويكفل الحقوق والحريات لجميع السوريين بمختلف انتماءاتهم العرقية والدينية وتوجهاتهم السياسية. ولن تتحقق تطلعاتهم بإعادة إنتاج الاستبداد بوجوه جديدة، انما بألآيديولوجيات القديمة ذاتها. فما ينشدونه هو بناء مستقبل مشرق لائق بطموحاتهم ومكافئ لتضحياتهم.