أعلن وزير العمل إطلاق حملة لاسترداد الرواتب من المتجاوزين على شبكة الرعاية الاجتماعية، مشيرًا إلى أن هناك الآلاف من الأشخاص الذين لا يستحقون هذه الرواتب، ويتقاضونها من دون وجه حق.
يبدو أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أدركت وجود هؤلاء الأشخاص بعد انتهاء الانتخابات، وبعد أن أطلقت ملايين الرواتب لمواطنين لا يستحقون الإعانات، في حين تم تجاهل العائلات التي تحتاج بشدة إليها.
نود التذكير بما أكدنا عليه سابقًا، أن ملف الرعاية الاجتماعية خاضع بشكل كامل لسيطرة الجهات والأحزاب المتنفذة، التي تتلاعب به كما تشاء. والدليل على صحة على ذلك هو تأكيدات الوزارة نفسها، فهذه ليست المرة الأولى التي يصدر فيها حديث مشابه من الوزارة.
والسؤال المطروح هنا: من المسؤول عن منح هذه الإعانات لأشخاص لا يستحقونها، خاصةً وأن الجميع يعلم بالإجراءات المعقدة التي تتبعها الوزارة مع طالبي الحصول على الإعانات، عند تقديمهم بشكل مباشر. بينما سهلت بشكل مكشوف المعاملات التي تأتي من أعضاء في مجلس النواب ومكاتب أحزاب متنفذة.
مرت أيام على قصف قوات التحالف الدولي موقعا في بغداد، وتوالت ردود الفعل عليه مجمعة على كونه خرقاً للسيادة العراقية. وبعده بساعات أعلن عن تجدد القصف التركي لمناطق في إقليم كردستان. فيما عدّ أحدهم الجيش العراقي “موسميا” في فيديو تداوله مدونون!
ويبدو ان موضوع السيادة هو آخر هموم منظومة المحاصصة. إذ عندما يحدث الخرق دوليا، ويتجاسر على السيادة، يتوجب على الأقل استدعاء سفير البلد المعني وتوجيه اللوم لبلده، وقد تصل الأمور الى تقديم الاستقالات او الرد بالمثل، لكن كل ذلك لا يحدث في العراق!
ويبدو أيضا ان الحكومة تتعامل مع الأمور لحظة حصولها، وما من خطط استراتيجية وسياقات عمل ثابتة تقوم على برنامج ومنهاج راسخين. والدليل هو مسارعة رئيس الحكومة الى تشكيل لجنة لبحث انهاء الوجود الأجنبي،
بعد حادثة شارع فلسطين، ولم نسمع رداً رسميا على اتهام الجيش العراقي بانه “مؤسسة استعراض سنوي”!
ويقينا ان السيادة ستبقى تنتهك، ما لم يُضمن الأمن والاستقرار ببناء مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية، وعلى اساس الولاء للوطن والمواطنة والكفاءة والمهنية والنزاهة، وبعيداً عن التحزب الضيق والمحاصصة.
يتوجه مجددًا وفد من حكومة إقليم كردستان إلى بغداد لبحث موضوع رواتب الموظفين، التي لم تُصرف خلال آخر ثلاثة أشهر من عام 2023، وليست هناك بوادر صرف لراتب الشهر الحالي إلا في حال إرسال الحكومة الاتحادية قرضًا جديدًا إلى الإقليم.
ووسط تبادل الاتهامات بين الطرفين حول من منهما يتحمل مسؤولية قطع رواتب المواطنين، فيما تعودا منذ سنوات على رمي الكرة في ملعب بعضهما، يبدو أن الوضع مقبل على شوط جديد من المزايدات، التي لا يجني منها المتضررون شيئًا، خاصة بعد إعلان الحكومة عزمها على تعديل قانون الموازنة، ما سيفتح الباب مجددًا أمام المهاترات وحتى المساومات الجديدة.
وتعيدنا الأزمة الحالية إلى الوعود التي أطلقتها الكتل المتنفذة عند إعلانها تشكيل الحكومة الحالية، حيث أكدت أنها ستتجاوز جميع الأزمات التي تواجهها خلال فترة وجيزة. ولكن ها ان 14 شهرا من عمر الحكومة انقضت، ولم يتحقق تصفير الازمات الموعود!
من جديد نقول ان ملف رواتب المواطنين يجب أن يُبعد عن الصراعات السياسية والمساومات، وان لقمة عيش المواطنين يجب الا تقع ضحية لهذه او تلك!
ردت هيئة الإعلام والاتصالات اخيرا على ما نُشر عن توصية مكتب مجلس الوزراء للهيئة بمنح مبالغ مالية من ميزانيتها لبعض محدد من وسائل الإعلام ، مقابل نشر مواد صحفية تدعم الدينار العراقي وتتصدى لتعاطي المخدرات وتساند القوات الأمنية.
وقالت الهيئة أن الوسائل المذكورة اختارتها لجان مختصة داخلها، وأن من أثار الموضوع هو «جهات مشبوهة ومعروفة بالابتزاز» حسب وصفها.
ويقينا ان دعم الدولة للاعلام بهدف تمكينه من أداء مهامه، امر ضروري ويقع على عاتق المؤسسات المعنية تنفيذه، ولكن منح هذا الدعم لوسائل اعلام دون أخرى، وحصرها بالتنسيق مع مكتب رئيس الوزراء، هو ما اثار التساؤلات بشأن الدوافع الحقيقية لهذه الخطوة، ولاستثناء مؤسسات إعلامية رصينة منها .
ان الجهات المعنية مطالبة بالمراجعة والشفافية بشأن هذا الاجراء المثير للشكوك، والتدقيق في عملية منح المبالغ المالية المشار اليها، ومن كان يقف وراء الاختيارات، وما الغاية منها في وقت يحجب فيه الدعم عن الاعلام الحقيقي بحجج واهية.
وفي جميع الأحوال: اذا كانت هذه محاولة لشراء الصمت واسكات الأصوات الحرة، فهي محاولة بائسة بالنسبة للطرفين: البائع والمشتري!
عاد الجدل الى الشارع العراقي بشأن الاستعدادات للاحتفال بعيد رأس السنة، ومحاولات إلغائه في محافظات ومدن معينة.
فبينما اعلن مسؤولون حكوميون انتهاء التحضيرات لتأمين الاحتفالات المليونية بالمناسبة، وقدمت قيادات سياسية واجتماعية ودينية تهانيها للمواطنين، شهدنا مظاهر تبرّم من هذه الاحتفالات المزمعة، بدعوى مساسها بالهوية الدينية والثقافية وبطبيعة بعض المدن!
في الموروث ان العوائل العراقية تستعد لعيد رأس السنة بتحضيرات متنوعة. فهناك من ينثر الخضرة في ارجاء المنزل، وهناك من يشتري الملابس الجديدة، كما لا تغيب الحلوى والمأكولات. ولا ننسى النذور التي تقدمها الأمهات في الكنائس والمواقع الدينية، لتحقيق امنياتهن في السنة الجديدة.
لذا يتوجب عدم حرمان المواطنين والعائلات من المناسبة هذه للفرح والابتهاج والتواصل والتطلع الى عام أمل آخر، هو أيضا حق للمواطن يفترض الا يحرم منه، فالحفاظ على الهوية لا يتم من خلال الاكراه والتعسف والتلويح بقوة السلطة.
وان على من يقوم بذلك ان يتمعن في السؤال: لماذا يصر المواطنون، خاصة منهم الشباب، على الاحتفال بهذه وامثالها من المناسبات، رغم تكرار إجراءات المنع ذاتها؟!