لم تمضِ 36 ساعة على إعلان مديرية شرطة الطاقة القضاء على تهريب المشتقات النفطية بشكل نهائي، حتى عادت يوم أمس السبت لتعلن عن إلقاء القبض على شخص قام بتشييد محطة لغسل السيارات فوق أحد المحرمات النفطية، وضبط 4 آخرين مع عجلتهم متهمين وإياه بتهريب النفط.
ومنذ سنوات يجري اطلاق الكثير من التصريحات غير الدقيقة التي تُستخدم للاستهلاك الإعلامي، فهي لا تكاد تمت الى الواقع بصلة، خاصة في ملف يُعتبر أحد مصادر التمويل لجهات متنفذة.
ونحن فيما نساند كل جهد يؤدي الى الحفاظ على موارد البلد، ويسهم في القضاء على الفساد بكافة أشكاله، لا نريد في الوقت نفسه أن تصاب الأجهزة الأمنية بعدوى التصريحات الإعلامية غير الواقعية.
إن ملف تهريب المشتقات النفطية شائك حقا، ويرتبط بجهات نافذة تديمه، والمطلوب من الجهات المعنية هو إعلان المسؤولين عن تهريب الـ 48 مليون لتر من المشتقات النفطية، التي ضبطتها القوات الأمنية خلال الـ18 شهرًا الماضية، وعن علاقة الـ 450 شخصًا الذين اعتقلتهم في المدة نفسها، بموضوعها.
بجانب تفاقم ازمة الكهرباء تبرز أزمة مياه خانقة تُهدّد المواطنين في معيشتهم وفي مختلف مناحي حياتهم. وارتباطا بها جدد المواطنون في بعض المحافظات احتجاجاتهم، مُعبّرين عن السخط على انقطاع المياه عن المنازل، وعن الأراضي الزراعية عبر الأنهر الفرعية.
ورغم تفاقم هذه الأزمة، تُبدي الحكومة عدم مبالاة ولا تتخذ أيّة خطواتٍ جادةٍ للمعالجة. بل إنّ المثير أكثر للسخط هو مجاملتها دول المنبع، وعدم المطالبة الفاعلة بالحصة العادلة للعراق من مياه نهري دجلة والفرات وروافدهما.
ويُدرك العراقيون تناقض تصريحات المسؤولين الذين يُهللون عند هطول الأمطار، وكأن الخزين المائي في العراق يفيض على الحاجة!
لكن المختصين يدركون أنّ العراق لا يزال يُواجه أزمةً ماء خانقة، وان تصريحات المسؤولين هي مجرد هواء في شبك.
أبدا لا يمكن التغاضي عن هذا الملف الحساس، ولا سبيل لمكافأة الدول التي تسهم في مفاقمة الازمة.
والغريب والمُستغرب حقاً هو صمت الحكومة حول هذا الموضوع، وكأنّ الأمر لا يعنيها في شيء. وفي الوقت الذي تُملأ فيه الدنيا ضجيجاً بتصريحاتٍ عن علاقاتها الخارجية وقوتها الدبلوماسية، تُهمل القضايا المصيرية التي تُهدّد البلد وتضعه على كف عفريت.
نُقل عن نائب أن شبكات نهب العقارات خَسّرت للعراق تريليون دينار خلال الـ 15عامًا الماضية، وانه يجب مراجعة الموقف، والكشف عن الأراضي والعقارات المملوكة للدولة، التي تمت السيطرة عليها دون وجه حق»، مبينًا أن ما كُشف عنه هو قطرة في بحر خفايا ما يحصل منذ سنين.
لا جديد في حديث النائب غير تأكيد تنامي دور عصابات الابتزاز والتزوير والاستيلاء على العقارات، سواء العائدة للدولة أو للمستضعفين من المواطنين، في ظل غياب الرادع لحمايات الجهات المتنفذة التي ينتمون إليها، والفساد المستشري في دوائر العقارات.
ويمكن لفتح ملف عقارات الدولة والتجاوزات التي تشهدها، ان يشكل فضيحة كبرى لقوى الفساد المسيطرة على كل شيء بقوة سلاحها المنفلت وعنفها ووسائلها الاخرى.
ان من واجب المؤسسات الرسمية عدم الاكتفاء بالإعلان عن تنفيذ عمليات لا تُعرف نهايتها، واذا كانت جادة في محاربة الفساد فان عليها الإعلان عن انتماءات الفاسدين، ومن الذي يساندهم ويسهل مهمتهم، وعليها كذلك استرجاع ما استحوذوا عليه، والكف عن التفريط بأراضي الدولة.
أعرب رئيس لجنة الصحة البرلمانية ماجد شنكالي عن قلقه من عدم تمويل وزارة المالية تعاقدات شركة «كيماديا» (لتوريد الأدوية الى العراق)، ومن آثار ذلك على استيراد الأدوية التي تعتبر نفقاتها من الحاكمة في الموازنة. وبيّن أن الوزارة لم تدفع تخصيصات الشركة (تريليون و660 مليار دينار)، وأن مجمل تمويل دوائر الصحة لم يتجاوز 35 في المائة، رغم أن الحكومة تضع القطاع الصحي على رأس أولويات برنامجها!
حديث النائب يؤشر التقصير في أحد أخطر الملفات ارتباطا بحياة الناس وهمومهم، فالمستشفيات الحكومية تعتبر ملاذًا لملايين المواطنين، والعلاج الذي توفره كواجب أساسي للدولة يمثل نقطة ضوء في أوضاعنا المدلهمة.
ومعلوم ان التعاقد لاستيراد العلاج يتطلب وقتا طويلا، فالشركة تتعاقد وتستخدم تخصيصات العام الحالي لشراء الادوية للسنة المقبلة، واي تأخير يعني العجز عن توفير العلاج.
فمن المسؤول عن هذه الاستهانة بالعراقيين وبارواحهم وصحتهم؟
ونسأل الحكومة ورئيسها السيد السوداني: هل عدم تمويل شركة مهمة مثل «كيماديا» هو مجرد تقصير، أم فعل عمد لرفع الدعم عن هذا القطاع وغيره، كما توصي وتنصح مؤسسات النقد الدولية؟!
جيد ان تشكل الحكومة « لجنة تنظيم وحصر السلاح بيد الدولة « وهو المطلب الذي ما زالت قوى سياسية ومجتمعية عديدة تطرحه. لكن العبرة تكمن في قدرة هذه اللجنة على القيام بمهامها في وصول قراراتها وسلطتها الى الجميع.
وقد خصصت الحكومة اموالا لشراء أسلحة معينة من المواطنين، كثيرا ما يُذكر ان ملكيتها تعود أساسا الى الدولة، وانها تُشترى منها ثم تتسرب لتُشترى ثانية في دورة محكمة يحميها المتنفذون والفاسدون بأسلحة قد يعود الكثير منها الى الدولة.
ويبدو ان اللجنة لم تحقق ما كانت تأمله بشأن السلاح الثقيل، لذا أشار المتحدث باسمها الى «عقوبات قاسية» ستُنزل بمن «يحتفظ بالسلاح الثقيل ويرفض تسليمه للوزارة «!
وهنا نسأل: من هذا الذي يمتلك السلاح الثقيل، وحتى الطائرات المسيرة؟ وهل هو غير معروف للحكومة؟ ام ان اطلاق التهديد هو مجرد اسقاط فرض؟
وهل تتوفر الامكانية والإرادة الفعلية للسيطرة على هذا السلاح وغيره، بما فيه الخفيف والمتوسط، وبضمنه كاتم الصوت؟
وأخيرا: اذا كانت الوزارة بكل ما تملك من قدرات تهدد، فمن ذا الذي ينفذ؟!