يمثل شارع الرشيد، الذي يتجاوز عمره قرناً من الزمان، أحد أبرز المعالم التاريخية والحضرية في بغداد، وذاكرة نابضة تختزن ملامح الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للعاصمة، إلا أن الشارع، الذي كان يوماً القلب التجاري والثقافي للمدينة، يعاني منذ عقود من الإهمال والتراجع العمراني، ما جعله محوراً دائماً للنقاش حول جدوى مشاريع التأهيل وإعادة الإحياء.
ومع انطلاق جولة جديدة من أعمال التطوير التي أعلنتها أمانة بغداد مؤخراً، تباينت المواقف بين مختصين في العمارة يؤكدون أن ما يجري يفتقر إلى الأسس العلمية ويهدر الأموال دون تحقيق الأهداف المرجوة، وبين جهات رسمية ترى أن المشروع يمثل خطوة متكاملة لإعادة الشارع إلى صورته الحضارية.
حلة جديدة تليق بتاريخ العاصمة
من جهته، كشف مسؤول الإعلام في أمانة بغداد عدي الجنديل لـ "طريق الشعب"، عن انطلاق أعمال تطوير متكاملة في شارع الرشيد، بهدف إعادة الشارع إلى صورته الحضارية والتاريخية التي تليق بالعاصمة.
وأوضح الجنديل أن المرحلة الأولى من المشروع تشمل المقطع الممتد من ساحة الميدان وصولاً إلى تمثال الرصافي، مشيراً إلى أن الأعمال لا تقتصر على الواجهات الخارجية للمباني، بل تشمل البنى التحتية بالكامل، بما في ذلك شبكات المياه والمجاري والكهرباء والاتصالات، بالإضافة إلى استحداث فوهات الدفاع المدني.
وأضاف أن المشروع يشمل تطوير وتأهيل كامل لأكتاف الشارع ورصفه باستخدام مادة البازلت التركي، مع إضافة مسارات جديدة تشمل مناطق الترامبول لتعزيز الحركة والتنقل في الشارع.
وبخصوص تمويل إعادة تأهيل المباني المتضررة، أكد الجنديل أن الأمانة تعمل على توفير الموارد اللازمة لإعادة بناء المباني بما يتوافق مع الطابع التاريخي للشارع، بهدف الحفاظ على هوية بغداد العمرانية والثقافية.
وأشار إلى أن الأعمال تهدف إلى تقديم شارع الرشيد في حلة جديدة تليق بتاريخ العاصمة ومكانتها، مشدداً على أن المشروع يشمل كافة عناصر الشارع من البنى التحتية إلى الواجهات والمرافق العامة، لضمان تطويره بشكل متكامل ومستدام.
يفتقد الاساس العلمي!
يقول المهندس علي أمير، رئيس فريق "معماريون"، إن أعمال تأهيل شارع الرشيد ما زالت تعاني من التلكؤ وهدر المال دون تحقيق النتائج المرجوة، مبينا ان "المشروع يُنفذ بطريقة لا تستند إلى أسس صحيحة لإعادة التأهيل، إذ يجري التركيز على الجوانب الشكلية أكثر من المضمون الوظيفي".
ويضيف أمير في حديث لـ ’"طريق الشعب"، أن الشارع "ليس مجرد واجهة عمرانية، بل هو قلب بغداد التاريخي، ومن الضروري أن يُعاد إليه دوره الحيوي عبر معالجة مدروسة وشاملة، لا عبر حلول مؤقتة أو سطحية. كان الأجدر أن تُستثمر الموارد الكبيرة المرصودة للمشروع بطريقة علمية تضمن الحفاظ على قيمة الشارع وإعادة الحياة إليه".
ويشير أمير إلى أنه أجرى جولات عديدة في شارع الرشيد رفقة معماريين أجانب، لتعريفهم بالعمارة البغدادية وفرادتها، مؤكداً أن الشارع يمتلك قيمة تاريخية عالمية يجب الحفاظ عليها بعناية ودقة.
أعمال ترقيعية!
ويعلق أستاذ العمارة الهندسية بلال سمير على مشاريع التأهيل، قائلا: أن "فكرة الانطلاق من مراكز المدن أو المناطق القديمة لإعادة تأهيلها تُعد خطوة مهمة جداً للحفاظ على هوية المدن"، واكد إن هذه المقاربة هي الأسلوب الذي تتبعه معظم المدن في العالم لتثبيت ملامحها التاريخية وإعادة إحياء روحها العمرانية والاجتماعية.
لكن سمير يستدرك في تصريحه لـ"طريق الشعب"، قائلاً أن "المختصين في مجال العمارة، وخاصة المتخصصين في إعادة التأهيل والتوثيق المعماري، غالباً ما يعبرون عن عدم رضاهم عن طبيعة الأعمال المنفذة حالياً"، مشيراً إلى وجود سببين رئيسيين لذلك: "التركيز على الواجهات فقط، حيث يجري الاهتمام بالشكل الخارجي للمباني دون الالتفات إلى إعادة تأهيلها وظيفياً".
ويضيف أن المباني يجب أن تُعاد إليها الحياة من خلال استخدامات جديدة، سواء عبر استعادة الوظائف التقليدية التي اعتاد عليها سكان بغداد مثلاً، أو عبر إدخال وظائف حديثة، المهم أن تكون هذه المباني فاعلة من الداخل لا مجرد قوالب جميلة من الخارج". اما السبب الاخر فيتعلق بـ"طرق التنفيذ ومواد البناء، حيث لا تُطبق بشكل كامل المعايير العالمية في إعادة التأهيل، مثل استخدام نفس المواد الأصلية أو التعامل بعناية مع الإضافات المعمارية".
يؤكد أن ما يجري حالياً يبتعد عن الدقة المطلوبة في هذا النوع من المشاريع.
ويردف سمير كلامه بضرورة "النظر بإيجابية إلى مثل هذه المبادرات: بدل أن نلعن الظلام، لنشعل شمعة"، مضيفا أن القبول بهذه المشاريع بحدها الأدنى قد يكون مبرراً في ظل الإمكانيات الحالية، لكن الإشكال الحقيقي يظهر عند الكشف عن ضخامة الأموال المصروفة عليها، ما يثير تساؤلات حول سبب عدم استثمار تلك الموارد في تطبيق الأساليب العلمية الدقيقة لإعادة التأهيل.
وختم بالقول إن الفكرة في جوهرها جيدة وتمثل الطريق الصحيح لإحياء الهوية، لكن ذلك يتطلب صياغة استراتيجية واضحة تحدد الغاية من المشروع، مع توفير الأدوات المادية والبشرية اللازمة لإنجازه وفق معايير تحفظ القيمة التاريخية والمعمارية وتضمن استدامتها.
التاريخ البغدادي مغيب
وفي السياق، قال أ.د. جاسم الدباغ، المعماري وعميد كلية الهندسة بجامعة النهرين سابقاً، أن الحديث عن مدينة بغداد اليوم بمعزل عن جذورها التاريخية لا يمكن أن يفي بمتطلبات إنقاذها من التدهور العمراني الذي تشهده. وشدد على أن استعادة ملامح العمارة البغدادية يستلزم العودة إلى مختصر من تاريخها الممتد لآلاف السنين.
وأوضح الدباغ لـ "طريق الشعب"، أن "جذور البيت البغدادي تمتد عميقاً في التاريخ، وصولاً إلى مساكن الأهوار التي تعود إلى عشرة آلاف عام، ومنها إلى البيت السومري الذي أسس لنمط معماري ظل مستمراً عبر العصور"، وأضاف أن هذا النمط تطور ببطء شديد، متأثراً باحتكاك العراق بالمحتلين، لكنه حافظ في جوهره على خصوصيته الفريدة في تشكيل البيت، ثم المحلة، فالمدينة.
وأشار إلى أن التحولات الاجتماعية والاقتصادية كان لها أثر بالغ على هذا التراث، حيث أصبحت البيوت البغدادية القديمة والأحياء التراثية مأوى للعائلات الفقيرة والمحتاجة. ورغم قيمتها التاريخية، فإن سوء الاستعمال وقلة الموارد ساهم في تدمير هذه الأحياء الحيوية وتشويه معالمها.
وحمل الدباغ بعض غير المختصين وضعيفي الكفاءة مسؤولية كبيرة في ما أصاب العمارة المحلية من أضرار، مؤكداً أن غياب الرؤية المعمارية الرصينة فتح الباب أمام اجتهادات خاطئة. ولفت إلى أن بعض الآراء المعمارية التي لا تحترم الموروث البغدادي ساهمت في إضعاف هوية المدينة، خصوصاً عبر استنساخ أنماط أوروبية بالية تُقدَّم تحت مسمى "العمارة الكلاسيكية"، من دون أي ارتباط بروح المكان أو احتياجاته.
وختم الدباغ بالتأكيد على أن صيانة الموروث المعماري لبغداد وتطويره لا ينبغي أن يكون مجرد شأن تراثي، بل هو ركيزة أساسية لتأسيس عمارة مستقبلية أصيلة، قادرة على الجمع بين الحداثة والهوية المحلية.
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، تواصل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات جهودها التحضيرية لضمان سير العملية الانتخابية بشفافية ونزاهة، مؤكدة جاهزية الأجهزة والكوادر الإدارية والفنية، والإجراءات القانونية، لضمان نزاهة المنافسة بين المرشحين.
آلية استبعاد المرشحين
وقالت المتحدثة باسم المفوضية، جمانة الغلاي، إن آلية استبعاد المرشحين تخضع لإجابات الجهات المختصة، بما في ذلك وزارة الداخلية والأدلة الجنائية ووزارة الدفاع بالنسبة للمنتسبين العسكريين، إلى جانب هيئتي المساءلة والعدالة والمخابرات الوطنية وجهاز الأمن الوطني.
وأضافت الغلاي، أن أي مرشح يثبت بحقه قيد قانوني أو أمني يُستبعد من الانتخابات، مع إمكانية الاستبدال ضمن المدة المقررة، مشيرة إلى أن قرارات الهيئة القضائية ملزمة لجميع الأطراف.
وأوضحت الغلاي، أن الحملات الانتخابية تخضع لقانون الانتخابات رقم 12 لسنة 2015 المعدل، مؤكدة أن المخالفات قد تؤدي إلى غرامات أو الحبس، بينما تصل عقوبة ارتكاب جريمة انتخابية إلى استبعاد المرشح من العملية الانتخابية.
الجدول الزمني المقرر
من جانبه، أكد رئيس الفريق الإعلامي للمفوضية، عماد جميل، أن المفوضية مستمرة في عملها وفق الجدول الزمني المقرر، مشيرًا إلى وصول التحضيرات إلى مراحل متقدمة. وأوضح أن تدريب موظفي شعب التدريب والبيانات سيبدأ في الفترة من 3 إلى 11 أيلول، يعقبه تدريب نحو ثمانية آلاف موظف من مراكز التسجيل لتأهيلهم لتدريب موظفي مراكز الاقتراع، الذين يقدر عددهم بين 250 ألفًا و260 ألف موظف.
وأشار جميل إلى أن أجهزة الاقتراع موجودة حاليًا في مخازن مكاتب المحافظات وتخضع لتدريبات مستمرة، مؤكدًا إجراء محاكاة جديدة اليوم الأحد للتأكد من جاهزية الأجهزة بعد نجاح المحاكاة السابقة.
وتابع، أن المفوضية مستمرة في حملاتها الإعلامية، وتستعد لإطلاق حملة توزيع بطاقة الناخب البايومترية للمحدثين في أيلول المقبل، مع وضع خطة لوجستية لتوزيع مواد الاقتراع وتجهيز قاعات التدريب للموظفين.
نظام الباركود
من جهته، قال عضو مجلس المفوضين السابق، حازم الرديني، إن عمل المفوضية يسير بشكل صحيح حتى الآن، مؤكداً عدم وجود ملاحظات كبيرة على سير العملية الانتخابية.
وأضاف أن موضوع المحاكاة يعد مهمًا لتعزيز الثقة بين جميع شركاء العملية الانتخابية، مشيرًا إلى أن الأجهزة المستخدمة تم تطويرها لتشمل إضافة الصورة الشخصية للناخب بدل الاعتماد الكامل على البصمة، مما يقلل احتمالية وجود أصوات مهدورة كما حصل في الانتخابات السابقة.
وأوضح الرديني، أن المفوضية اعتمدت أيضًا نظام الباركود للنتائج في كل محطة انتخابية، ما يتيح التقاط الصور عبر الهاتف من قبل وكلاء الكيانات، ويساعد في القضاء على الارتباك الناتج عن العدد المحدود من الأشرطة في المحطات السابقة. وشدد على أن هذه الإجراءات الجديدة تعد إضافة إيجابية للانتخابات المقبلة، متوقعًا أن تسير العملية الانتخابية وفق الجدول الزمني المحدد وضمن المعايير الصحيحة للشفافية والنزاهة.
حذر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، محمد الحسان، أمس السبت، من الفساد المالي والإداري المتفشي في مؤسسات الدولة العراقية ودوائرها وانعكاسه وتمدده في مجالات أخرى داخل البلاد، في وقت يرى مراقبون ان الفساد أصبح جزءا من بنية المنظومة السياسية، وأن الحديث عن معالجة هذا الفساد، في جميع الحكومات المتعاقبة، يجري للاستهلاك الإعلامي، لا أكثر.
عثرة أمام العدالة والتنمية
وقال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق محمد الحسان، إن الفساد عثرة أمام العدالة والتنمية، مؤكدا أن محاربته واجب ومسؤولية دينية واخلاقية لأن المجتمعات الفاسدة لا تقوم لها قائمة.
وتطرق ايضا الى دور بعثة الأمم المتحدة في العراق في مكافحة الفساد، مبيناً إنها عملت على مدى السنوات الماضية، ولا تزال تعمل على وضع برامج واضحة لمكافحة الفساد، وسعت على مدى السنوات إلى تعزيز قدرات الهيئات الرقابية في مجال التحقق والشفافية، كما وضعت نُظما وأُسسا إذا ما طُبقت سترسخ قضاءً نزيهاً مستقلا خالياً من الفساد
واستطرد ممثل الأمين العام لبعثة الأمم المتحدة قائلا: أخشى ما أخشى على أي بلد عزيز كالعراق أن ينتشر فيه، ويتفشى الفساد، ولا احصره في الفساد السياسي فحسب - وهو خطير جدا - بل في الفساد بمفهومه الواسع سواء كان فسادا اخلاقيا أم ماليا أو إداريا أو قضائيا أو حتى علميا ومؤسسيا.
وختاما، دعا الحسان إلى الوقوف بـ"حزم وثبات ضد الفساد"، حاثا على "تعزيز معايير النزاهة واستقلال القضاء والشفافية ومحاسبة الفاسدين والمفسدين من دون انتقاء"، مردفا بالقول "اريد من قلب حريص على هذا الوطن للجميع إلى توخي النزاهة والتحلي بالمسؤولية حفاظا على مسيرة هذا الوطن بعيدا عن الطائفية والفئوية".
تخادم سياسي مع الرأسمال
وقال الرفيق ياسر السالم، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، إن مهمة إيقاف الفساد في العراق بالمفهوم الواسع، لا تقدر على مواجهتها جهة واحدة، انما أصبح منظومة متغلغلة في مفاصل الدولة، وانتشر في المجتمع أيضًا.
وأضاف السالم في تصريح لـ"طريق الشعب"، أن كسر منظومة الفساد يتطلب إرادة سياسية من قوى نزيهة ذات منظور وطني ديمقراطي، إلى جانب إجراءات متكاملة تشمل تحقيق استقلال قضائي فعلي، وسياسات مالية شفافة، ومؤسسات رقابية فعالة.
وأوضح أن الفساد في العراق يمثل عملية تخادم سياسي مع رؤوس الأموال، حيث تكونت شبكة مصالح متشابكة بين الاقتصاديات الحزبية، والمؤسسات التنفيذية، ورؤوس الأموال النافذة على مدى السنوات الماضية.
وأكد السالم، أن القوى الحاكمة المحاصصاتية ليست لديها القدرة على إحداث تغييرات حقيقية، لأن منظومة المحاصصة تضمن توزيع إيرادات الدولة ومنافعها فيما بينها.
استهلاك إعلامي
الباحث بالشأن السياسي والقانوني د. سيف السعدي، يرى ان الفساد المالي والاداري هو جزء من بنية النظام السياسي من عام 2003 الى غاية يومنا هذا، بحيث لا يستطيع الاستمرار من دون الفساد كونه اصبح جزءا من بنيته السياسية والادارية، حتى اصبحت ديمومة هذه الطبقة السياسية مرتبطة بهذا الفساد.
وقال السعدي لـ"طريق الشعب" ان "اي حديث عن معالجة الفساد على مرّ الحكومات المتعاقبة هو للاستهلاك الاعلامي لا أكثر، كون اي عملية لمعالجة هذا الفساد تتطلب تغييرا جذريا شاملا للطبقة السياسية وهذا ما لم يحصل"، مبيناً ان "جميع الحكومات، كانت شكلت لجان لمعالجة الفساد، والمنهاج الحكومي احتوى على فقرات تتناول معالجة الفساد الاداري والمالي، ولكن ما يزال هذا الفساد يهدد مؤسسات الدولة، كوننا نتحدث عن خلل بنيوي في بنية النظام السياسي".
نظام كليبتوقراطي
وأشار إلى "وجود تخادم بين الطبقة السياسية، إضافة إلى الفساد المشرعن من اجل البقاء والاستمرار بهذا الفساد، بحيث وصلنا الى القول ان لجنة مكافحة الفساد بحاجة إلى لجنة مكافحة فساد والنزاهة كذلك والحارس بحاجة الى حارس بسبب الفساد".
وأشار السعدي إلى "التحذير الذي وثقه التقرير الاستعراضي في 24 اذار 2024 ورسالة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرتش الموجه الى رئيس مجلس الامن، وهذا التقرير يحتوي على 101 نقطة من 30 صفحة، وفي النقطة 28 قال ان العراق مهدد بسبب 3 اخطار، الاول هو هشاشة المؤسسات بسبب الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، والثاني بسبب السلاح المنفلت وهذا أيضا بسبب الفساد، والثالث هو ان تتشكل عصابات على غرار عصابات داعش واسماها بالجماعات الراديكالية وأيضا هذا الموضوع سببه الفساد، ولو كان هناك منظومة صحيحة ولا يوجد فساد لما شهدنا هشاشة في المؤسسات وسلاح منفلت وان تنبثق جماعات راديكالية".
وانهى بالقول ان "الجميع يحذر من الفساد في العراق، دول ومعاهد ومؤسسات، جميعها تحذر من خطر الفساد على النظام السياسي بعد عام 2003"، لافتاً الى ان "الفساد يهدد استمرارية النظام السياسي وممكن ان يسقط في اي لحظة بسبب توفر عوامل هذا السقوط، وبالتالي يهدد المنظومة السياسية".
محاصصات عائلية
من جانبه، قال الخبير في مجال مكافحة الفساد سعيد ياسين، ان المؤشر الدولي على العراق، وفق مؤشر مدركات الفساد، هو ان الفساد السياسي قد انتج الفساد المالي والإداري من خلال منظومة المحاصصة الطائفية التي ذهبت نحو محاصصات عائلية، وبالنتيجة حماية منظومة الفساد.
واضاف في حديث لـ"طريق الشعب"، ان "الضمان الوحيد للنهوض بالعراق هو العمل على نظام النزاهة الوطني، وتوفير إرادة سياسية ووعي عام وتعزيز القيم الإيجابية مع توزيع الأدوار بين السلطات والجهات الرقابية والإعلام والمجتمع المدني والجهات الدينية معززا بالتعاون الدولي"، لافتا الى ان "أبرز الأدوار يكمن في جودة التشريعات التي أوجدتها السلطتين التنفيذية والتشريعية، فضلا عن المؤشر الدولي مؤخرا بما يخص التشريع الفاسد".
استنزاف أموال الدولة
واوضح ياسين، ان "هناك فجوات قانونية لدى العراق تجاه الالتزامات الدولية ابتداء بالوقاية لتعزيز النزاهة، وأخرى رادعة من خلال الملاحقة. وهنا نحتاج إلى تشريع قانون جديد للعقوبات، وهو مقدم من قبل السلطة القضائية منذ أربع سنوات"، مبينا ان "التدابير الوقائية تحتاج لتشريعات ذات جودة مع تكليف الكفاءة والخبرة والنزاهة في الوظائف القيادية، مع إعادة التدريب واعادة التأهيل بشكل دوري".
واشار الى ان "من التحديات الخطرة عدم وجود قانون للعقود والمشتريات الحكومية والتي تستنزف الاموال دون تحقيق الغايات التنموية، اضافة الى استحواذ الأطراف السياسية من خلال المحاصصة على الاموال والممتلكات العامة، من خلال العقود الحكومية والاستثمارية وبما يصطلح عليه باللجان الاقتصادية".
ونوه ياسين بـ "ضرورة السيطرة على الجرائم العابرة للحدود الوطنية مثل تجارة المخدرات وتهريب النفط والمقتنيات الثمينة وغيرها، وفق المعايير الدولية"، لافتا الى انه "مع وجود تقدم في الجريمة العابرة للحدود نحتاج إلى ضبط منافذ الحدود الدولية للعراق، البرية والبحرية والمنافذ الجوية، وتطبيق برنامج اسيكودا، فضلا عن اهمية العمل على الإصلاح المصرفي وأتمتة التعاملات الحكومية وتبسيط الاجراءات وحوكمة التعاملات اليومية لمنع واحتواء جريمة الرشوة التي تعتبر تحدي كبير امام الجمهور".
رغم ما تمتلكه محافظة ديالى من إرث حضاري وتاريخي يمتد لآلاف السنين، ما زالت مواقعها الأثرية تعاني الإهمال وغياب الرعاية، في وقت يؤكد فيه باحثون ومختصون أن هذه المواقع يمكن أن تتحول إلى رافعة اقتصادية وسياحية مهمة لو جرى الاهتمام بها واستثمارها بالشكل الصحيح.
وبينما يشير خبراء إلى حجم التجاوزات والاندثار الذي يهدد معالم بارزة في خانقين ومنطقة الصدور، تؤكد هيئة الآثار والتراث أنها بدأت خطوات لإعادة التأهيل وحماية المواقع الأثرية بالتنسيق مع الجهات الأمنية. في حين يرى مختصون أن استثمار تاريخ ديالى وبيئتها الطبيعية قادر على إعادتها إلى خارطة السياحة الوطنية.
اهمال واضح للواقع الأثري
يقول الباحث الآثاري علي المندلاوي إن الواقع الأثري في ديالى، وبخاصة في خانقين ومنطقة الصدور، يعاني من إهمال كبير. ففي السنوات السابقة كانت هناك تلال مرتفعة في الصدور، لكن الشركات عملت على تسويتها حتى اختفى أكثر من نصفها، ولم يجرِ أي اهتمام أو حماية لما تحمله من قيمة تاريخية. ويضيف أن بحيرة الصدور نفسها، وما يحيط بها من مواقع، تُركت من دون رعاية أو خطة للحفاظ عليها أو تطويرها سياحياً، على الرغم من أهميتها للمنطقة.
المندلاوي يشير أيضاً إلى أن خانقين تضم مواقع أثرية متعددة، وأن في مندلي وسوقها الصغير معالم تعد من أقدم المدن في ديالى، إلى جانب جامع عتيق يعد من أقدم جوامع المحافظة، ومع ذلك لم تحظَ هذه الأماكن بأي عناية أو تسليط ضوء إعلامي.
ويؤكد أن الحديث عن الآثار في ديالى غائب تماماً، فلا توجد متابعة جدية، ولا برامج تعريفية، ولا حتى مبادرات رسمية أو أهلية تُبرز قيمة هذه المواقع.
ويرى أن غياب الاهتمام يعكس مشكلة أوسع في التعامل مع التراث الثقافي في العراق، حيث تظل المواقع عرضة للتجاوزات والطمس، في الوقت الذي يمكن أن تكون فيه رافعة اقتصادية وثقافية وسياحية.
ويخلص إلى أن آثار ديالى، من الصدور إلى خانقين، هي ثروة مهملة، وأن الصمت حيالها يجعلها عرضة للاندثار بلا أثر يُذكر.
فرق تفتيشية دورية
من جهته، ذكر مسؤول إعلام هيأة الآثار والتراث للمحافظات أحمد مرتضى، أن "الهيئة تمكنت من السيطرة على ملف حماية المواقع الأثرية بعد التحديات الكبيرة التي واجهتها خلال فترة الحروب وسيطرة عصابات "داعش" على عدد من المحافظات.
وقال مرتضى لـ"طريق الشعب"، أن "الفترة السابقة شهدت صعوبات كبيرة بسبب الحروب والأوضاع الأمنية، ما أثر على جهود حماية المواقع الأثرية. لكن بفضل الجهود الحالية، بدأنا رفع التجاوزات وإحالة المتجاوزين إلى القضاء وفق قانون الآثار رقم 55 لسنة 2002 المعدل".
وأضاف أن الهيئة أعادت تأهيل وافتتاح عدد من المواقع الأثرية أمام المواطنين، مشيرا إلى وجود فرق تفتيشية دورية لمتابعة أوضاع هذه المواقع، خاصة وأن الكثير منها يتداخل مع بساتين ومناطق زراعية، مما يؤدي أحيانًا إلى حدوث تجاوزات أو تلوث بيئي.
وتابع مرتضى، ان "التجاوزات تُرفع بشكل مستمر، وهناك تنسيق مباشر مع وزارة الداخلية وشرطة الآثار في المحافظات لحماية المواقع وضمان عدم تكرار الانتهاكات."
وأكد مدير الهيئة، أن الوضع الحالي أفضل بكثير مما كان عليه في السابق، لافتا إلى أن حماية التراث والمواقع الأثرية تمثل أولوية وطنية، ونجاحها يعتمد على تعاون المؤسسات الرسمية والمجتمع المحلي على حد سواء.
موروث تاريخي عميق
فيما شرح سيف علي، المختص في التاريخ، أن "محافظة ديالى تعد من أغنى المناطق العراقية بالموروث التاريخي والحضاري، فهي تمثل صلة وصل حضارية بين وادي الرافدين وإيران منذ آلاف السنين. وقد احتضنت مواقع أثرية مهمة تعود إلى فترات مختلفة من تاريخ العراق القديم، أبرزها موقع خفاجي، وآثار بعقوبة والمقدادية، إضافة إلى المعابد السومرية والآشورية المنتشرة في مناطق متفرقة من المحافظة".
وقال علي لـ"طريق الشعب"، ان "ديالى لا تملك فقط تاريخا عريقا بل أيضا بيئة طبيعية متنوعة من بساتين النخيل والحمضيات والجبال والأنهار، ما يجعلها مؤهلة لتكون وجهة سياحية متكاملة تجمع بين السياحة التاريخية والطبيعية"، مؤكدا أن "الاستثمار في السياحة الأثرية في ديالى يمكن أن يعزز الاقتصاد المحلي من خلال خلق فرص عمل في مجال الإرشاد السياحي، والخدمات الفندقية، والحرف التراثية، فضلا عن جذب السياح المحليين والأجانب؛ فالمحافظة قادرة على أن تكون نقطة جذب سياحي، إذا ما توفرت البنى التحتية المناسبة والترويج الإعلامي الكافي".
وخلص الى القول ان "إعادة إحياء تاريخ ديالى وتسليط الضوء على معالمها سيُعيد لها مكانتها بوصفها واحدة من المحافظات التي ساهمت بصناعة هوية العراق الحضارية، وهو استثمار ثقافي واقتصادي في الوقت نفسه".
شهدت قاعة مجلس النواب، أول أمس الثلاثاء، صخباً وجدلًا واسعين، في أثناء عرض وتصويت أعضاء البرلمان على قائمة السفراء الجدد التي أرسلها رئيس الوزراء، الى السلطة التشريعية، والتي مررتها الكتل النيابية من دون الاطلاع على السير الذاتية للمرشحين، الذين ترتبط غالبيتهم برؤساء تلك الكتل والأحزاب المتنفذة، وسط اتهامات لرئاسة المجلس بانتهاك الإجراءات القانونية والنصاب البرلماني.
ورحّب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بقرار البرلمان، مثمّنا "روح التعاون" التي أبدتها رئاسة المجلس ولجنة العلاقات الخارجية النيابية والقوى السياسية لحسم هذا الملف المعلق منذ عام 2009.
ويتناقض تصريح رئيس الحكومة مع الخلفية المهنية والتاريخية لقائمة السفراء، التي رسخت المحاصصة الحزبية والطائفية، بدلا من الكفاءة.
وبموجب "تفاهم غير معلن"، بين قوى إدارة ائتلاف الدولة، فإن كل كتلة أو حزب ضمن الائتلاف، يحصل على "نصيب" من البعثات الدبلوماسية، ويقوم بترشيح شخصيات مقرّبة منه، سواء كانت من داخل الحزب أو من الدائرة العائلية والموالين.
تشكيك بقانونية الجلسة
النائب عدنان الجابري أعرب عن استيائه من تكرار التصويت على "قضايا مهمة" دون توفر نصاب قانوني مكتمل.
وقال الجابري، انه "للأسف الشديد، نفاجأ، أكثر من مرة، من قبل رئيس مجلس النواب بالتصويت دون نصاب مكتمل في الجلسة"، مشيرا إلى أن "التصويت على مشاريع القوانين أو السفراء أو أي موضوع آخر يجب أن يكون فقط بحضور نصاب كامل، لضمان شرعيته".
وأضاف النائب، أن قائمة السفراء لم تكن معروضة مسبقًا للتصويت، إلا أن رئيس المجلس أدرجها كفقرة ضمن جدول الأعمال، وخلال التصويت أو قبله غادر العديد من النواب قاعة المجلس، ما أدى إلى كسر النصاب القانوني.
وأوضح الجابري، أن "بعض الأسماء في القائمة محترمة وتمثل شخصيات دبلوماسية وأكاديمية، لكن كثيرًا من الشخصيات غير معروفة، ولم تُعرض سيرهم الذاتية على النواب، ما أثار اعتراضات واسعة".
الطعن بالجلسة
وفي السياق ذاته، كشف النائب عامر عبد الجبار عن عزمه مع مجموعة نواب، الطعن في جلسة التصويت على السفراء، موضحا أن الجلسة عقدت بحضور 169 نائبا، وبعد عرض قائمة السفراء للتصويت انسحب نحو 30 نائبًا وغادروا القاعة، إلا أن التصويت تم على الرغم من كسر النصاب القانوني للجلسة.
وصوّت البرلمان على قائمة السفراء الجديدة بعد جدل نيابي واسع، وهي شملت أسماء 91 مرشحًا، بينهم عديد من الشخصيات المرتبطة بعلاقات أسرية وسياسية مع القوى النافذة.
واتهم زهير الفتلاوي، عضو مجلس النواب عن كتلة إشراقة كانون، رئاسة البرلمان بتمرير قائمة السفراء البالغ عددها 93 اسما دون توفير السير الذاتية للمرشحين أو اطلاع لجنة العلاقات الخارجية عليها، مؤكدًا أن التصويت تم بـ"نصاب غير مكتمل"، مشيرا إلى أن نحو 40 نائبًا غادروا القاعة أثناء التصويت.
وأضاف الفتلاوي، أن هذا النهج ليس جديدًا، وأن البرلمان سبق أن أصدر قرارًا تشريعيًا عام 2008 سمح بتقاسم المناصب العليا بين الكتل السياسية، وهو ما اعتبره خرقًا للمادة 61 من الدستور التي تشترط ترشيح السفراء وأصحاب الدرجات الخاصة بعد تقديم السير الذاتية والتصويت عليهم فرديًا. وأوضح الفتلاوي أن "75% من الأسماء المدرجة في القائمة الحالية تعود لأقارب الأحزاب والسياسيين، مقابل 25% فقط من العاملين في السلك الدبلوماسي، ما أضعف الأداء المهني".
وأكد الفتلاوي، أن كتلته ستتجه إلى المحكمة الاتحادية لتقديم طعن رسمي في شرعية التصويت داخل القبة.
من جانبه، أعرب النائب عن المكون التركماني ارشد الصالحي في مقطع مصور عن استغرابه من فوضى وعدم انتظام في آلية تمرير القوانين، محملا هيئة الرئاسة متمثلة برئيس البرلمان محمود المشهداني مسؤولية الأخطاء والمخالفات القانونية في تمرير قائمة السفراء المثيرة للجدل.
مصالح شخصية وحزبية
بدوره، وصف المحلل السياسي داوود سلمان ما جرى داخل البرلمان بأنه "فوضى معيبة" تعكس خللاً عميقًا في عمل المؤسسة التشريعية، مشيرًا إلى أن غالبية الأعضاء يسعون لتحقيق مصالح شخصية وعائلية وحزبية على حساب المصلحة الوطنية، معتبراً أن هذا السلوك يمثل انحرافًا عن القيم الأساسية للديمقراطية ومسار بناء الدولة.
وأضاف سلمان، أن ما شهده البرلمان "يعكس سيطرة فئة محددة على المؤسسات والقوانين"، وأن "برلمان بهذا الشكل لا يمتلك القيم الأساسية لقيادة الدولة، ولا يستطيع توجيهها نحو التنمية والإصلاح".
وأوضح أن إجبار الأعضاء على التصويت وفق إرادة رئيس البرلمان يعد مثالا صارخا على "الدكتاتورية السياسية داخل قبة التشريع".
وأشار سلمان إلى أن المشهد المعيب لا يرسل رسالة إيجابية للمواطنين أو للدول التي يمثلها العراق دبلوماسيًا، محذرًا من أن الأداء الحالي للبرلمان سيؤدي إلى تراجع الثقة الشعبية في المؤسسات، وزيادة عزوف المواطنين عن المشاركة في الحياة السياسية، وفتح المجال أمام فوضى مؤسساتية أكبر.
وأكد أن استمرار هذه الحالة من الفوضى والإهمال السياسي لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانحدار على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مؤكدًا أن البرلمان يفتقر للرؤية والاستراتيجية لبناء دولة قوية ومستقرة، وأن الحلول لا تأتي عبر المناورات السياسية أو المصالح الضيقة، بل بالالتزام بالقوانين والدستور واحترام إرادة الشعب.
وعلى الرغم من كل هذه الانتقادات، رحّبت وزارة الخارجية بتصويت البرلمان على قائمة السفراء، واعتبرت أن هذه الخطوة ستعزز الحضور الدبلوماسي للعراق على الساحة الدولية، وتوسع شبكة العلاقات مع الدول الأخرى، فضلاً عن دعم الجهود الرامية لحماية المصالح الوطنية العليا وخدمة الجالية العراقية في الخارج.
وأكدت الوزارة التزامها بتمكين السلك الدبلوماسي من أداء مهامه بشكل يليق بمكانة العراق ودوره الإقليمي والدولي.
في نهاية المطاف، قد تُسجّل جلسة البرلمان يوم الثلاثاء، ليس فقط كحدث برلماني لتعيين السفراء، بل كمرآة تعكس التحديات العميقة التي تواجه العملية السياسية في العراق، بين مصالح سياسية ضيقة وفوضى مؤسساتية واضحة، وسط تساؤلات متزايدة حول قدرة البرلمان على لعب دوره الوطني الفاعل في ظل هذه الانقسامات الداخلية.
وتبقى الكلمة الفصل الآن للمحكمة الاتحادية، التي سيكون عليها أن تحكم في شرعية جلسة شابها الشك من جميع النواحي: النصاب، الشفافية، والدستورية. وقرارها لن يحسم مصير سفراء فحسب، بل سيحدد مصداقية واحدة من أهم مؤسسات الدولة العراقية.