دأبت وكالات الانباء على افتتاح نشراتها الصباحية بأخبار الازدحامات المرورية، ولم يعد بعض الزملاء المحررين يُجهد نفسه بكتابة جديد منها، بل يكتفى بإعادة الأخبارالسابقة مع تحديث طفيف. فالزحام في بغداد بات يشمل معظم الشوارع على الاقل.
مشاريع "فك الاختناقات" الحكومية فشلت، رغم الأموال الطائلة التي اُنفِقت عليها، وغيرها مما صُرف على الترويج لدورها الذي لم يلمسه المواطنون حتى الآن.
و أزمة الازدحامات في العراق تعود إلى أسباب عدة، أبرزها غياب مشاريع فتح طرق جديدة، وتقادم البنى التحتية الحالية، رغم حملات الترقيع المستمرة التي تنفذها أمانة بغداد، والتي لم تنجح حتى مع مبادرات شبابية حاولت طمر الحفر المنتشرة في الشوارع الرئيسية.
أما السبب الجوهري، فهو استمرار فتح أبواب استيراد السيارات على مصاريعها، دون أي مؤشرات على نية الحكومة الحد منها، ولو جزئيًا، في خطوة قد تُهدد – لا سامح الله – أرباح كبار المستوردين المتحكمين بالسوق.
وما دام الزحام غير ملحوظ أمام بوابات المسؤولين، ولا يعيق مرور مواكبهم، فلن يكون هناك حلّ، ولن تكون هناك أزمة في نظرهم. وهكذا فالاختناق الحقيقي ليس في الشوارع.. بل في عقل السلطة.
تناقلت مواقع التواصل فيديوات توثق شجارات واعتداءات داخل السجون، ثم ظهر فيديو آخر يوثق ما يبدو انه صلح على الطريقة العشائرية داخل السجن نفسه! فيما قالت وزارة العدل ان الفيديوات تعود الى اشهر سابقة.
في الاثناء تواردت معلومات بشأن انتهاكات داخل مراكز الاحتجاز، بضمنها انتزاع اعترافات بالقوة، وإجبار أهالي المتهمين على دفع حتى آلاف الدولارات، من طرف محققين فاسدين.
والظاهر أن تناول هذه الملفات بالأساليب التقليدية لم يعد مجديًا، فاعداد ضحايا الانتهاكات في السجون تتزايد، وبضمنها المرتكب من قبل عناصر أمنية، دون وضع حد لها ولكل هذه الفوضى، في مشهد يعكس حجم الخراب في إدارة مؤسسات، يُفترض بها السهر على القانون والإصلاح، لا تكريس العنف والانفلات.
اما التذرع بعقدة الأنظمة الدكتاتورية وإرثها القمعي، فانه مرفوض بعد 22 عامًا على سقوط الحكم الصدامي، ورغم أن المتنفذين والفاسدين كيّفوا تلك الأساليب القمعية وطوروها بما يخدم مصالحهم، ويغذي جيوبهم من المال العام على حساب القانون والعدالة.
وهذا كله يجري بينما قضية المهندس المغدور بشير ما زالت حاضرة، وتبقى شاهدًا صارخًا على ما آلت إليه منظومة العدالة في البلاد.
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر الموافقة على انشاء جسر عبور للمشاة على طريق التاجي – الموصل قرب السوق، واعتبر متطوعون في المجلس الأعلى للشباب ذلك انجازاً حكومياً. وقبل أيام انتشر كذلك خبر الموافقة على منح المتطوعين منهم نقاطاً إضافية، عند تقديمهم على العقود او على التعيينات الحكومية.
ومع اقتراب الانتخابات، تزداد محاولات المسؤولين في المؤسسات الحكومية تصوير ما تحققه مؤسساتهم بصورة منجزهم شخصي، عبر حصر جميع المشاريع التي تشرع في تنفذيها من خلال مكاتبهم الخاصة. وهكذا تنفرد الوزارات بتسيير الاعمال، وتسعى أيضا الى اعتبارها أداءً شخصيا للوزير.. والغاية في جميع الأحوال "انتخابية" لا غير!
ان الموافقة على الطلبات الخاصة بهذه الفئة او تلك، لا تعالج مشاكل جميع العراقيين، فجوهر الأمر ان ما يعانونه كلهم هو الازمة البنيوية التي تعصف بالبلاد.
والمطلوب هو العمل بدأب للخلاص من المحاصصة والفساد، وتنفيذ البرامج التي تضمن للعراقيين المساواة والعدالة الاجتماعية، وتوفر العيش بكرامة لهم جميعا.
في الشوارع الرئيسية لاغلب مناطق بغداد، يصادف الناس من المارّة منازل مرمّمة حديثا، وقد تم استئجارها لستة أشهر، ووُضعت في أعلى واجهاتها لافتات كتب عليها: مكتب النائب الفلاني لاستقبال شكاوى المواطنين وطلباتهم.
لم يكن هؤلاء النواب يعرفون من ذي قبل طريقا الى مشكلات الناس، وممَ يعانون. لكنهم ادركوا أخيرا أنه لا غنى عن الأصابع البنفسجية لهؤلاء الناس، لأنها هي التي اوصلتهم الى ما هم عليه، فراحوا يعيدون لعبة الاحتيال ذاتها، علّها تؤمّن لهم تجديد البيعة!
يُلاحظ هذه الأيام، إطلاق درجات وظيفية جديدة من قبل الحكومة، فيما تتوالى جولات مكوكيّة غير مسبوقة للمسؤولين والنواب، لاصطياد أصوات الناخبين في المناطق الشعبية، وفي دوائر الدولة، ومعها رعاية المؤتمرات والندوات والأمسيات السياسية والثقافية، وإطلاق شعارات وخطابات وطنية، يجمعها كلها هدف واحد: الاستحواذ على صوت الناخب!
يا ناس، كونوا أكثر وعيا وحرصا على أصواتكم، ولا تنساقوا وراء ألاعيب تبليط شارع، أو نصب محولة كهربائية، أو انشاء ملعب رياضي، أو وعد بعمل أو بتعيين..
فهذه الحقوق والأمور الواجبة على المسؤولين والسلطات، احالها رؤوس المحاصصة والفساد ويحيلونها إلى وسيلة، لسرقة اصواتكم والبقاء في كراسي السلطة!
تشكل حلقات الفساد المترابطة بانسجام داخل كثير من دوائر الدولة، توازنات رعب عند المواطن، الذي تجبره مافيات هذه الآفة على نفض جيبه الخاص في ماكيناتها.
فسائقو المركبات يلاحظون هذه الأيام تشدداً في الشارع بخصوص "إجازة السوق"، من جانب مفارز المرابطات المشتركة، ما يضطر سائقين كثيرين لا يحملون إجازات سوق، الى مراجعة دوائر المرور لإصدارها. وشيء جيد طبعا أن يكون السائق مجازا ومؤهلا للقيادة بصورة صحيحة.
لكن أكثر مراجعي دوائر المرور لا سيما من النساء، يجدون في استقبالهم عند مقتربات تلك الدوائر وداخل المرائب المحيطة، شبانا يعرضون خدماتهم: "عندك إجازة؟ تعال أعبْرك خطة واختبار!".
التعقيدات التي يواجهها المراجعون داخل مواقع المرور ببغداد، بسبب إجراءات اختبار القيادة، وامتحان الخطة، وطوابير المراجعين أمام شباك الموظف، تجبر الكثير منهم على الاستعانة بخدمات "المعقبين" خارج الدائرة، الذين يُجلسون مراجعيهم ـ معززين مكرمين ـ في كرفانات انتظار، فيما ينجزون لهم معاملاتهم خلال 50 -60 دقيقة، مقابل 150 الف دينار، يتقاسمونها مع موظفين وضباط داخل تلك المواقع.
السؤال: هل سنجد يوما دائرة حكومية يحتك بها المواطن، تحفظ للمراجع - اول ما تحفظ - ماء وجهه وجيبه؟