ألغى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أخيرا، الإعفاء الممنوح للعراق لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران، وذلك في إطار السياسة الأمريكية الهادفة إلى ممارسة أقصى الضغوط على طهران، لكن مختصين يرون أن هذا القرار، سيؤثر بشكل كبير على قطاع الطاقة عندنا، والذي يعاني أصلا من أزمة خانقة، ربما ستتفاقم مع اقتراب فصل الصيف وزيادة الطلب على الكهرباء.
مأزق حقيقي
وعلى أثر القرار، أضحى العراق يواجه تحديا كبيرا في تأمين مصادر بديلة للطاقة، حيث أن الخيارات المتاحة، مثل الغاز القطري أو التركمانستاني، تتطلب بنية تحتية متكاملة قد تستغرق سنوات للشروع في الاستفادة منها. وعليه، فإن البلاد قد تجد نفسها أمام مأزق حقيقي في محاولة لتغطية العجز الكبير في إنتاج الكهرباء.
يشار الى أن العراق وقع في اذار 2024 عقدًا مع إيران لاستيراد 50 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا لمدة خمس سنوات.
تفعيل الاتفاق الثلاثي؟
وللإيضاح أكثر، قال الخبير في مجال الطاقة، د. دريد عبدالله أن هذا القرار يأتي ضمن سياسة الضغط الأقصى المفروضة على طهران، كما سيدفع العراق إلى تفعيل الاتفاق الثلاثي بينه وبين كل من تركمانستان وإيران.
وأضاف عبدالله لـ"طريق الشعب"، انه من المحتمل أن يتم تفعيل هذا الاتفاق خلال ايام، والذي سيتيح ضخ نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا إلى العراق، بتكلفة تصل إلى 4 مليارات دولار.
وأشار الخبير إلى أن "الهدف الأساسي من قرار ترامب، هو فرض عقوبات مشددة على جميع التعاملات الإيرانية، خصوصًا في قطاع الطاقة"، لافتًا إلى أن طهران "كانت تمتلك هامشًا للتحرك نحو أسواق شرق آسيا، خصوصًا فيما يتعلق بصادرات النفط، لكن هذا أصبح أمرًا مقيدا حاليا.
وحول البدائل المتاحة أمام العراق، أوضح عبدالله أن هناك خيارين رئيسيين: "الأول يتمثل في بناء منصة للغاز المسال في الفاو. والثاني مدّ أنبوب غاز من محطة الزور للغاز المسال في الكويت، باتجاه البصرة، وهو مشروع لن يستغرق أكثر من ثلاثة إلى أربعة أشهر، برغم تكلفته العالية.
تداعيات القرار الأمريكي
وعن تداعيات الغاء الإعفاء، قال الخبير النفطي بلال الخليفة إن العراق "سيخسر أكثر من 4000 ميغاواط من الطاقة الكهربائية بعد القرار الأمريكي الأخير"، مضيفاً أن "الغاز الإيراني يغذي عدة محطات كهرباء حيوية، مثل محطات بسماية والقدس والمنصورية والصدر".
وأضاف في حديثه لـ "طريق الشعب"، أن محطة كهرباء بسماية وحدها تولد أكثر من 3200 ميغاواط، مشيرا إلى أن "العراق يولد حاليًا أكثر من 24 ألف ميغاواط من الكهرباء، بينما الحاجة الفعلية تتجاوز 32 ألف ميغاواط، ما يعني أن الفجوة بين التوليد والاستهلاك تبلغ حوالي 10 آلاف ميغاواط. ومن المتوقع أن تتفاقم هذه الفجوة لتصل إلى 14 ألف ميغاواط خلال ذروة الصيف".
وأكد الخليفة، أنه من الصعب في الوقت الراهن "تعويض الغاز الإيراني، حيث سيؤدي حظر التعامل مع إيران في ملف الطاقة إلى تفاقم العجز"، لافتا الى أن "البديل المتاح هو الغاز القطري أو الغاز التركمانستاني، إلا أن هناك محاذير سياسية بشأن الأخير قد تمنع هذا الخيار، حيث قد ترفض الإدارة الأمريكية هذه الطريقة".
وواصل القول إن "الرئيس الأمريكي يبدو عازمًا على تطبيق أقصى العقوبات على إيران وعلى مختلف أشكال التعامل معها، وهو ما قد يدفع الإدارة الأمريكية إلى رفض توريد الغاز التركمانستاني عبر إيران، وهو أمر محتمل، ناهيك عن ان الحلول البديلة للاعتماد على الغاز ستكون مكلفة".
حلول وبدائل مكلفة
إلى ذلك، قال الخبير النفطي حمزة الجواهري أن الغاء اعفاء العراق من استيراد الكهرباء والغاز من ايران، سيكون له تأثير كبير على إنتاج الكهرباء في العراق، حيث سيؤدي إلى تقليصه مقارنة بالفترات السابقة، ما يسبب أزمة حقيقية في توفير الطاقة الكهربائية.
وأضاف الجواهري في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "العراق يعتمد بشكل كبير على استيراد الغاز الإيراني لتوليد الكهرباء، وبالتالي فإن إلغاء الإعفاء سيمنع استيراد الغاز، ما يفاقم من الأزمة"، منوها بأن "الضرر سيكون كبيرًا، خاصة مع اقتراب فصل الصيف الذي يشهد زيادة في الطلب على الكهرباء".
وأشار في سياق حديثه إلى أن "أحد الحلول المطروحة هو شراء الغاز القطري، لكن العراق لا يستطيع ذلك في الوقت الحالي، حيث يتطلب استيراد هذا الغاز إنشاء منشآت تخزين، وهو أمر يحتاج إلى ثلاث سنوات لاستكماله، مما يعني أن العراق يواجه مأزقًا كبيرًا. كما أن الغاز التركمانستاني أصبح أمراً مستحيلاً، لان توريده يمر عبر إيران كذلك".
وفي ختام حديثه، اكد أنه "من الممكن تحويل جميع المحطات لتعمل ببدائل للغاز، ولكن هذا سيؤدي إلى خسارة في كفاءة الطاقة، حيث أن البدائل تكون أقل فعالية مقارنة بالغاز الإيراني، ما يعني فقدان جزء كبير من الطاقة الكهربائية".
الحكومة عاجزة
من جهته، قال النائب عن محافظة البصرة، هاتف الساعدي، إن "الحكومة لا تملك أية حلول لمعالجة نقص الغاز في حال توقف الإمدادات الإيرانية، برغم كثرة التوجيهات والتوصيات الصادرة عن لجان الطاقة والكهرباء".
وخمّن الساعدي، أن يكون العراق عرضة لعقوبات أميركية جديدة، خاصة فيما يتعلق بملف تهريب النفط والدولار.
تحذيرات من صيف قاس
فيما أكد عضو لجنة النفط والغاز النيابية ضرغام المالكي، أن القرار جاء بشكل مفاجئ، ما وضع البلاد في موقف صعب، يهدد استقرار قطاع الكهرباء، مردفا أن "الخيار الأقرب حينها كان الغاز القطري، إلا أن وزارة النفط لم تكن تمتلك منصات لاستيراده عبر الموانئ". وقال المالكي: "قدمنا نصيحة لوزير النفط، قبل سنة ونصف بضرورة الإسراع بإنشاء منصات لاستيراد الغاز القطري بحراً، خاصة مع احتمال حدوث متغيرات سياسية تؤثر على إمدادات الغاز من إيران. وكان من المفترض أن تستغرق مراحل الإنشاء سنة ونصف، إلا أن الوزارة لم تتخذ أي خطوة في هذا الاتجاه رغم استعداد قطر لتزويد العراق بالغاز".
وأشار المالكي إلى أن "العراق اليوم في وضع حرج بسبب عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، بالإضافة إلى منح حقل أرطاوي، وهو أكبر حقل غازي في البلاد، الى شركة أوكرانية غير مختصة، ما أدى إلى عدم إحراز أي تقدم في الإنتاج". واختتم النائب حديثه بالتحذير من "أزمة كهرباء محتملة خلال الصيف المقبل في حال توقف إمدادات الغاز الإيراني"، مشيرا الى أن "اجتماعات عاجلة ستعقد قريباً لمناقشة هذه الأزمة، مع توجيه دعوات للوزراء والمسؤولين المعنيين لتقديم إجابات حول تداعيات القرار الأمريكي والبدائل الممكنة".
يشير مراقبون إلى أن الأزمات التي يعاني منها العراق في قطاع الغاز هي نتيجة مباشرة لسياسات المنظومة الحاكمة التي عجزت على مدار سنوات عن استثمار موارد البلاد بشكل صحيح، وبناء صناعة غاز وطنية والاستفادة من احتياطات الغاز الكبيرة المنتشرة في مختلف المناطق.
وأكد المراقبون أن الحكومات المتعاقبة فشلت حتى الآن في إيقاف حرق الغاز المصاحب للعمليات النفطية، ما يزيد من معاناة البلاد ويهدر هذه الثروات الطبيعية. وأضاف المراقبون أن الوضع المتأزم في العراق، وتحديدًا في مجال الغاز، يعتبر نتيجة للسياسات الفاشلة التي اعتمدتها قوى السلطة، والتي جعلت البلد مرهونًا بالقرارات الخارجية، دون أن تتمكن من تحقيق استقلالية حقيقية في هذا القطاع الحيوي.
ردت المحكمة الاتحادية العليا، أمس الأربعاء، على بيان مجلس القضاء الأعلى بشأن إيقافها تنفيذ قوانين "السلة الواحدة" (العفو، الأحوال الشخصية، وإعادة العقارات) التي مررها مجلس النواب في وقت سابق، والتي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والمجتمعية.
وأكدت المحكمة في هذا السياق أن قراراتها ملزمة التنفيذ حسب الدستور.
سجال قضائي
وقالت المحكمة، وهي أعلى سلطة قضائية في العراق، في بيان تلقت "طريق الشعب" نسخة منه، إن "قرارات المحكمة الاتحادية العليا وبموجب أحكام المادة (94) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 التي نصت على: 'قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة'، وإن النص المذكور يشمل جميع الأحكام والقرارات الصادرة منها، بما فيها الأوامر الولائية".
وأضافت أن "هذه المادة حصنت جميع قراراتها من الطعن بها وإلزامية التنفيذ، حيث أن الدستور هو وثيقة الشعب، وقوة أحكام المحاكم الدستورية تستند إلى تلك الوثيقة التي تلزم الجميع بعدم خرقها".
وكان مجلس القضاء العراقي الأعلى قد أصدر أمس الأربعاء بياناً أكد فيه عدم جواز إيقاف تنفيذ القوانين التي يتم تشريعها من قبل مجلس النواب قبل نشرها في الجريدة الرسمية، فيما اعتبر أن قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية وإعادة العقارات إلى أصحابها يقتضي التريث في إصدار أي قرار يتعلق بهما.
كما شدد على أن المحاكم في البلاد ملزمة بتنفيذ قانون العفو العام.
ردود الفعل
وعقب صدور الأمر الولائي من المحكمة الاتحادية العليا بإيقاف تنفيذ قوانين العفو العام وتعديل الأحوال الشخصية وإعادة العقارات لأصحابها في كركوك، أصدر رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، وتحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر، والأمين العام للمشروع الوطني العراقي جمال الضاري، ونائب رئيس مجلس الوزراء، وزير التخطيط، محمد علي تميم الجبوري، ورئيس لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية في البرلمان العراقي، هيبت الحلبوسي، بيانات استنكار لقرار المحكمة الاتحادية واتهموها بأنها "مسيسة".
كما أعلنت السلطات المحلية في محافظات نينوى، والأنبار، وصلاح الدين، وكركوك عن تعطيل الدوام الرسمي أمس الأربعاء احتجاجاً على قرار المحكمة الاتحادية، وشهدت عدد من تلك المحافظات تظاهرات احتجاجية مطالبة بالمضي في تنفيذ العفو العام.
فيما رد الإطار التنسيقي بإعلان دعمه لقرار المحكمة الاتحادية العليا بإيقاف تنفيذ القوانين التي مررت خلال جلسة مجلس النواب المنعقدة بتاريخ 21 كانون الثاني 2025، بوصفه حقاً دستورياً للمحكمة ومساراً قانونياً متاحاً ضمن العملية الديمقراطية. وأشار إلى حق المحكمة في النظر بالمخالفات التي رافقت جلسة مجلس النواب، ومنها غياب النصاب القانوني وآلية التصويت على ثلاثة قوانين بسلة واحدة، في سابقةٍ خطيرةٍ ومخالفةٍ صريحةٍ وواضحةٍ للقانون والنظام الداخلي لمجلس النواب.
من جانبه، دعا رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، أمس الأربعاء، أعضاء ائتلاف إدارة الدولة إلى عقد اجتماع في القصر الحكومي السبت المقبل لمناقشة الأوضاع العامة في البلاد والبحث في عدد من الملفات على المستوى الوطني.
أزمة المحاصصة
وفشل مجلس النواب في عقد جلسته لعدم حضور النواب جلستي المجلس المقررتين يوم الثلاثاء والأربعاء الماضيين، في مشهد يعكس حالة الانقسام الكبيرة بين الكتل المتنفذة رغم ادعائها العكس.
وبحسب مراقبين للشأن السياسي، وصلت المفاوضات بين الكتل السياسية المشكلة للحكومة إلى طريق مسدود، مما كشف عن فشل ذريع لمنهج المحاصصة في إدارة شؤون الدولة. فقد حولت القوى المتنفذة القوانين والتشريعات والقرارات وحتى التمويل العام إلى أدوات انتخابية تخدم مصالحها الضيقة، وقسمت البلاد على أسس عرقية وطائفية، متجاهلة تماماً المصلحة العامة للشعب والوطن. هذا النهج لم يؤدِ إلا إلى تفاقم الأزمات وترسيخ الانقسامات، مما ويطرح ضرورة إعادة النظر في أسس الحكم واعتماد منهجيات أكثر شمولاً وعدالة لبناء دولة قادرة على تجاوز التحديات وتحقيق الاستقرار والتنمية.
لا يزال الاقتصاد العراقي يعاني من اختلالات عميقة، حيث يعتمد بشكل كبير جدا على إيرادات النفط، في ظل غياب استراتيجيات واضحة لتنويع مصادر الدخل.
ومع تفاقم معدلات البطالة والفقر، لجأت الحكومات المتعاقبة، وحتى الحالية، إلى حلول آنية، مثل التعيينات الحكومية وبرامج الرعاية الاجتماعية، التي باتت تشكل عبئًا إضافيًا على الموازنة العامة دون أن تساهم في معالجة جذور المشكلة.
"خفضنا معدلات الفقر والبطالة"
واللافت ان وزارة التخطيط أعلنت اخيراً عن أن برامج الحماية والرعاية الاجتماعية لعبت دورًا رئيسيًا في انخفاض معدلات الفقر والبطالة في العراق.
وقال المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، إن وزارته "أجرت مسحًا اقتصاديًا من خلال هيئة الإحصاء التابعة للوزارة، والذي استمر لمدة عام كامل، من آب 2023 وحتى أيلول 2024"
وأضاف الهنداوي أن "نتائج المسح أظهرت انخفاضًا في معدلات الفقر من 23 في المائة في عام 2021 إلى 17.6 في المائة عام 2024. كما انخفضت نسبة البطالة من 16.5 في المائة إلى 14 في المائة خلال نفس الفترة".
وبين أن "برامج الحماية والرعاية الاجتماعية لعبت دورًا رئيسيًا، حيث تم شمول المزيد من الأسر الفقيرة بالدعم المالي، إضافة إلى التمكين المالي للشباب من خلال القروض المُيسرة".
هل ادت غرضها؟
من جانبه، يرى استاذ الاقتصاد الدولي في جامعة بوخارست، د. نوار السعدي، ان هذه السياسات لم تؤد الغرض المنشود بشكل حقيقي، بل إنها في بعض الأحيان زادت من تعقيد المشكلة، بدلاً من حلها.
واضاف قائلاً لـ"طريق الشعب"، ان "برامج الحماية الاجتماعية، رغم أهميتها، لكنها لم تكن مصممة بحيث تحقق تحولًا اقتصاديًا حقيقيًا، بل اقتصر دورها على تقديم مساعدات مالية محدودة لا تغير من واقع الأسر الفقيرة إلا لفترات قصيرة".
وبيّن ان هذه البرامج "تعتمد على سياسات الدعم الحكومي المباشر، وهو ما قد يخفف من وطأة الفقر مؤقتًا، لكنه لا يسهم في خلق فرص عمل مستدامة أو في تحفيز النمو الاقتصادي".
وفي الحديث عن البطالة، قال السعدي أن "المشكلة الأساسية ليست في الدعم الحكومي، وجوده من عدمه ، بل في غياب استراتيجيات اقتصادية واضحة لتحفيز القطاع الخاص واستيعاب القوى العاملة. العراق يعتمد بشكل كبير على التشغيل في مؤسسات الدولة الذي أصبح عبئًا على الموازنة بدلًا من أن يكون محركًا للنمو".
ونوه الى ان "السياسات الحكومية لم تقدم حوافز حقيقية للشركات لتوظيف المزيد من العمالة، كما لم يتم تطوير برامج تدريب وتأهيل تتماشى مع احتياجات سوق العمل. وبالتالي، فإن معظم العاطلين عن العمل، خصوصًا الشباب، يجدون أنفسهم في حلقة مفرغة من الانتظار دون توفر فرص حقيقية".
واكد في سياق حديثه ان "تفشي الفساد الإداري والمالي في المؤسسات المسؤولة عن تنفيذ هذه البرامج جعلها تفقد الكثير من فعاليتها. فعوضًا عن أن تكون هذه المبادرات وسيلة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، أصبحت في بعض الحالات مجرد أدوات سياسية تستخدم لتقديم حلول شكلية دون تحقيق تغيير جوهري في معدلات الفقر والبطالة".
وعن تقييم هذه السياسيات، يرى السعدي انها "لم تكن منتجة بما يكفي، لأنها لم تؤسس لاقتصاد قوي قادر على خلق فرص العمل. المشكلة في العراق ليست في نقص الموارد المالية، بل في سوء توجيهها نحو برامج غير منتجة"، مشيراً الى ان "الحل الحقيقي يكمن في تبني سياسات اقتصادية أكثر فاعلية، تشمل تشجيع الاستثمار في القطاعات المنتجة، مثل الصناعة والزراعة، وإصلاح بيئة الأعمال لتشجيع القطاع الخاص، ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي بحيث يتم توجيهه نحو مشاريع مستدامة بدلًا من برامج مؤقتة تستهلك الميزانية دون مردود اقتصادي طويل الأمد".
وخلص الى القول ان "السياسات المتبعة حتى الآن لم تكن كافية، وإن استمرار الاعتماد على الحلول التقليدية لن يؤدي إلا إلى زيادة الأعباء على الدولة دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع. المطلوب هو رؤية اقتصادية جديدة تستند إلى إصلاحات هيكلية حقيقية، تركز على الإنتاج وليس على الاستهلاك، وعلى التوظيف المستدام وليس على المساعدات المؤقتة".
توجهات لحل الازمة ام للدعاية السياسية؟
على الصعيد نفسه، قال المحلل السياسي مناف الموسوي انه "على الرغم من وجود شريحة مستفيدة من التعيينات ورواتب الرعاية الاجتماعية، إلا أن هذه القضايا تُستثمر في الدعاية السياسية والانتخابية، في ظل غياب التخطيط الحقيقي، حيث تُوظَّف بوضوح لخدمة الشخصيات التي تدير الوزارة أو الحكومة، أو لمن يُراد استغلالها انتخابياً".
واوضح في حديثه لـ"طريق الشعب"، ان "الاساس هو ان تكون هناك استراتيجية واضحة، خصوصاً مع تصاعد الحديث عن التنمية والتنمية المستدامة. والسؤال الأهم هنا: كيف يمكن ضمان استدامة هذه التنمية؟ وهل يمكن استمرار هذه السياسات في ظل الحديث عن ازمة اقتصادية، والاعتماد على اقتصاد ريعي، مع احتمالية انخفاض أسعار النفط؟ كل هذه الإشكاليات تفرض ضرورة البحث عن حلول حقيقية لمعالجتها".
ونبه الى ان "المطلوب هو وضع استراتيجيات ناجعة، ومعالجات حقيقية، من خلال خلق فرص عمل عبر تنشيط القطاع الخاص وتفعيله ليكون شريكاً حقيقياً في التنمية، مع ضمان حماية حقوق الموظفين والعمال، وتقليل الاعتماد على التوظيف الحكومي".
وبين انه "في ظل غياب خطة استراتيجية حقيقية تُحقق التنمية وتخفض معدلات البطالة والفقر، لا يمكن القول بوجود حلول فعلية لهذه الأزمات. لا سيما في هذا التوقيت، حيث تتفاقم التحديات وتحتاج إلى معالجات جذرية، قبل الحديث عن خفض معدلات البطالة في ظل هذه الظروف".
ما المطلوب؟
وضمن سياق متصل قال الباحث في الشأن الاقتصادي عبد الرحمن الشيخلي ان "الدول الريعية التي تعتمد على موارد مثل النفط والذهب، يكون التوازن الاقتصادي قائماً على الاعتماد على ما لا يقل عن 50 في المائة من الإيرادات من هذه الموارد، بينما يتم تمويل الموازنة من النسبة المتبقية من خلال الصناعة والزراعة وقطاعات أخرى".
وذكر في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "العراق، في ظل هشاشته السياسية والاجتماعية والأمنية، وغياب الخطط والاستراتيجيات الفعالة، اعتمد النفط كمصدر وحيد لتمويل الموازنة، دون السعي الجاد إلى تطوير موارد أخرى ترفد خزينة الدولة وتحقق الاستقرار المالي".
واضاف الشيخلي بالقول ان "الفساد لعب دوراً محورياً في تفاقم أزمتي البطالة والفقر، إذ أدى إلى تعطيل آلاف المشاريع الصناعية والزراعية، ما حال دون تحقيق أي تنمية حقيقية أو خلق فرص عمل جديدة".
وتابع حديثه بالتأكيد على ضرورة واهمية "توفر إرادة سياسية واقتصادية جادة لتنويع مصادر التمويل، عبر تنشيط الصناعة والزراعة، وتفعيل القطاع الخاص ليكون قادراً على استيعاب أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل. أما برامج الحماية الاجتماعية، ورغم أهميتها في التخفيف من آثار الأزمة، لكن لا يمكن اعتبارها حلاً مستداماً لخفض معدلات الفقر والبطالة، إذ يبقى توفير فرص العمل الحقيقية أكثر جدوى من الاعتماد على الإعانات المالية".
واتم حديثه بالقول ان "معالجة مشكلة البطالة والفقر تتطلب تبني استراتيجية متكاملة، تبدأ بوضع خطط مدروسة تشمل حتى تطوير قطاع التعليم، بحيث يتم توجيه مخرجاته لتلبية احتياجات سوق العمل، بدلاً من الاستمرار في تخريج أعداد كبيرة من العاطلين. كما أن دعم القطاع الخاص يمثل الحجر الأساس في أي نهج اقتصادي ناجح، باعتباره المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي في الدول التي تعتمد سياسات السوق المفتوح".
جدد التيار الديمقراطي العراقي، موقفه الرافض للمحاصصة والفساد، مشددًا على ضرورة ضمان نزاهة الانتخابات البرلمانية المقبلة وحماية الحقوق الدستورية للمواطنين.
جاء ذلك خلال الاجتماع الدوري للمكتب التنفيذي، حيث ناقش الأعضاء المستجدات السياسية والتحديات التي تواجه القوى المدنية، إلى جانب الاستعدادات للاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
وانتقد التيار الديمقراطي العراقي في بلاغ صادر عن اجتماع مكتبه التنفيذي، بشدة، التعديلات القانونية الأخيرة التي أقرها مجلس النواب، بما في ذلك قانون الأحوال الشخصية وقانون العفو العام، معتبرًا أنها تمثل انتهاكًا لحقوق المرأة والمبادئ الدستورية.
كما حذر التيار في بلاغه الذي تسلمت "طريق الشعب" نسخة منه، من محاولات القوى السياسية المهيمنة إشغال التيارات المدنية عبر تمرير تشريعات خلافية أو تأسيس تشكيلات حزبية مشبوهة بتمويل غير معلوم المصدر، بهدف تشتيت الأصوات وإضعاف فرص التغيير الحقيقي.
وأشار إلى أن الاقتصاد العراقي يواجه أزمة عميقة بسبب التخبط الحكومي في إدارة الموازنة العامة، حيث تتحكم الأحزاب المتنفذة في توزيع الموارد المالية وفق منهجية تعزز المحاصصة والفساد.
وأكد البلاغ الحاجة إلى إصلاح اقتصادي شامل يعالج جذور المشكلة، بدلًا من الحلول الترقيعية التي تعتمد بشكل شبه كلي على الإيرادات النفطية، محذرًا من تداعيات هذه السياسات على مستقبل الاقتصاد الوطني.
ودان التيار الديمقراطي العراقي التدخلات العسكرية التركية المتكررة في الأراضي العراقية، معتبرًا أنها انتهاك صارخ للسيادة الوطنية، وسط صمت حكومي غير مبرر.
كما رفض أية محاولات لفرض الوصاية الخارجية على القرار العراقي، مؤكدًا أن مستقبل العراق يجب أن يُحدد بإرادة وطنية مستقلة بعيدًا عن التدخلات الإقليمية والدولية.
وجدّد التيار دعمه لاعتماد البطاقة الوطنية كوثيقة رئيسية في العملية الانتخابية، باعتبارها ضمانة للنزاهة والشفافية ومنعًا لمحاولات التزوير والتلاعب.
كما انتقد استمرار فرض بطاقة الناخب، معتبرا أنها أداة تحدّ من نسبة المشاركة وتصب في مصلحة القوى السياسية المتنفذة.
وشدد التيار الديمقراطي على رفضه مشروع "صفقة القرن" الذي طرحه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مشيرًا إلى أنه يمثل انحيازًا واضحًا للاحتلال الإسرائيلي ومحاولة لتصفية القضية الفلسطينية.
كما دعا التيار القوى الوطنية العراقية إلى اتخاذ موقف حاسم ضد هذه المشاريع المشبوهة، وحماية السيادة الوطنية من أية محاولات لزج العراق في أجندات خارجية.
وتناول الاجتماع عمل أعضاء المكتب التنفيذي واللجان التنظيمية، مؤكدًا أهمية العمل بفريق واحد لإنجاز المهام المطلوبة، مع الإشادة بنشاطات تنسيقيات المحافظات والخارج، خاصة نجاح المؤتمر الاستثنائي لتنسيقية كربلاء في انتخاب هيئتها الإدارية الجديدة.
كما ناقش المجتمعون أداء اللجان المختلفة، مشيرين إلى ضرورة تجاوز التحديات التي تواجه بعض اللجان وتعزيز دورها في المرحلة المقبلة.
يشكّل قطاع النفط والغاز، منذ عقود، شريان الحياة الاقتصادي للعراق، فيما يحمّل العراقيين تكلفة بيئية باهظة، نتيجة لحرق الغاز المصاحب في الغلاف الجوي، ما يخلّف تداعياتٍ كارثية على بيئة المدن، لا سيما البصرة، التي طالما تحمّل سكانها عواقبَ تلك الملوثات.
وبرغم تعهد الحكومات المتعاقبة وحتى الحالية، التي لم يتبقَ من عمرها سوى 10 أشهر، بوقف حرق الغاز المصاحب للنفط المستخرج، لا يزال هدر كميات هائلة من هذا المورد الاستراتيجي مستمرا، ما يعني مزيدا من الخسائر الضخمة، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تعزيز مواردها الاقتصادية.
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قد قال مطلع العام الجاري: ان حكومته قطعت شوطاً كبيراً في حل المشاكل، ولاسيما في موضوع حرق الغاز، من خلال العقود والاتفاقيات المبرمة، مؤكداً: "حددنا سقفاً لا يتجاوز 2028 لإيقاف حرق الغاز، وبنسبة صفر في المائة".
مواعيد متضاربة
في هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي ان "الحكومة حققت بلا شك تطورًا في استثمار الغاز الطبيعي، لكن هذا التطور، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، يُوصف بأنه “بطيء”، حيث تشير الوكالة إلى ان نسبة استثماره تبلغ 65 في المائة، في حين يذهب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى تقديرها بـ 70 في المائة".
وأضاف، ان "الأحاديث متضاربة حول موعد إيقاف عملية حرق الغاز؛ فالحكومة حددت عام 2028 موعدا لإيقاف حرق الغاز، فيما أعلنت وزارة النفط أن ذلك سيتحقق عام 2030، بينما تشير تقديرات مؤسسة التمويل الدولية إلى أن تصفير الحرق قد يستمر حتى عام 2040".
وبرغم التقديرات، أفاد المرسومي في حديث مع "طريق الشعب"، بأنه من الصعب القول: إنّ "العراق سينهي عملية حرق الغاز نهائيًا، إذ أن هذه الظاهرة موجودة في جميع الدول المنتجة للنفط، بما في ذلك الولايات المتحدة، نظرًا للجدوى الاقتصادية. فبعض الشركات تلجأ إلى حرق الغاز بدلًا من استثماره عندما تكون الكُلف مرتفعة، لا سيما في الآبار المشتتة والمتباعدة، حيث تكون كُلف إنشاء محطات لفصل ومعالجة الغاز مرتفعة".
وأشار إلى أن تحديد موعد ثابت لإيقاف حرق الغاز "غير صحيح، لأن إنتاج الغاز المصاحب مرتبط بتقلبات إنتاج النفط العراقي، فكلما ارتفع إنتاج النفط زاد حجم الغاز المصاحب، وبالتالي ارتفع معدل الحرق. إلا في حال تم تثبيت الإنتاج عند 4 ملايين برميل يوميًا، حينها يمكن تحديد موعد دقيق لوقف الحرق".
ونوه الخبير إلى ان "العراق اليوم مقيد بسقوف إنتاج “أوبك”، ومن المرجح أن يرتفع إنتاجه بنحو 650 ألف برميل يوميًا في الفترة المقبلة، بينما وزارة النفط تخطط للوصول إلى 7 ملايين برميل يوميًا، ما يعني أن عمليات حرق الغاز ستستمر لفترة أطول بكثير مما حددته الحكومة".
وخلص إلى القول: إن "ما يحتاجه العراق فعليًا هو تطوير صناعة الغاز الوطنية وزيادة الاستثمارات في هذا القطاع، إذ أن كُلف حرق الغاز مرتفعة، وهناك دراسات تشير إلى أن حرق الغاز في حقول البصرة وحدها يكلف نصف مليار دولار سنويا، في حين أن كلفة الفرصة البديلة – في حال استثماره – قد تصل إلى 6 مليارات دولار سنويا".
تحديد غير دقيق
من جهته، قال الخبير النفطي حمزة الجواهري ان استمرار العراق في حرق الغاز المصاحب يكبده خسائر كبيرة، في حين أن استثماره سيحقق جدوى اقتصادية كبيرة للبلد.
وأضاف الجواهري في حديث لـ"طريق الشعب"، بالقول إن "حديث الحكومة عن معالجة الغاز المحروق ليصبح صالحًا للاستخدام ليس جديدًا، بل يتكرر منذ سنوات دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، رغم أن إنشاء أي مشروع لمعالجة الغاز لا يستغرق أكثر من عامين".
ويرى الجواهري، ان "تحديد الحكومة لنِسَب إيقاف الحرق غير دقيق، ولا يمكن تصديقه، وهو لا يختلف عن التصريحات السابقة التي وعدت بوقف الحرق أو معالجته خلال فترات زمنية محددة دون تنفيذ فعلي".
ونوه الخبير النفطي إلى انه "إذا كانت هناك جدية حقيقية في معالجة الغاز والمضي قدمًا، فإن المنشآت اللازمة تحتاج إلى عامين فقط، لكن العائق الحقيقي ليس غياب الرؤية أو التخطيط كما يُشاع، بل الفساد الذي يعرقل تنفيذ المشاريع".
وخلص إلى القول انه "فيما يتعلق بالعوائد الاقتصادية المحتملة، فإن استثمار الغاز المصاحب يحمل جدوى اقتصادية كبيرة للعراق، حيث سيُحقق إيرادات مالية ضخمة بدلاً من استمرار الهدر الحالي، فضلًا عن أن دخول العراق بقوة إلى سوق الدول المصدرة للغاز، سيعزز مكانته الاقتصادية على المستوى العالمي".
بلو سكاي
وتقود الشركات الصينية في العراق، سلسلة من المشاريع البيئية، تسمى "مشاريع السماء الزرقاء" (بلو سكاي)، لمساعدة العراق في معركته ضد التلوث.
ومن بين تلك المشاريع، "مشروع البصرة لسوائل الغاز الطبيعي"، وهو عبارة عن منشأة تلتقط وتعالج الغاز المصاحب من ثلاثة حقول نفط رئيسية، حيث أنه تتم معالجة 4.4 مليون متر مكعب من الغاز الجاف و2600 طن متري من غاز النفط المسال يومياً.
وطبقا فرات الموسوي، الخبير في مجال الطاقة والصناعات التحويلية، فإنّ العراق كان يخسر 12 مليار دولار، نتيجة استيراد الغاز وحرقه إضافة إلى تعطيل البنى التحتية.
وأضاف، أن "العراق يروم الى استثمار الصناعات التحويلية المهمة، ويسعى ان يكون لاعبا أساسيا في سوق الطاقة العالمية؛ لذا يعمل على انشاء مصافي نفطية في كل المحافظات".
الموسوي اختتم بالتأكيد على أن "استثمار الغاز المصاحب يسهم في حل أزمة الطاقة في البلاد".