شهدت محافظتا بابل والبصرة، ثلاث وقفات احتجاجية متزامنة نظمها وكلاء البطاقة التموينية، وعاطلون عن العمل، وذوو شهداء الحشد الشعبي، والتي رفعت مطالب مختلفة تتعلق بالخدمات الأساسية، والحقوق القانونية، وفرص العمل.
تأخر إطلاق السلة الغذائية
وفي محافظة بابل، نظم عدد من وكلاء البطاقة التموينية وموظفي فرع الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية وقفة احتجاجية أمام مقر الشركة، احتجاجًا على تأخر إطلاق السلة الغذائية منذ أكثر من ثلاثة أشهر، نتيجة ما وصفوه بـ"شائعات" حول صلاحية المواد المخصصة للتوزيع.
المشاركون في الوقفة أكدوا أن هذا التأخير ألحق ضررًا بالغًا بشريحة واسعة من المواطنين، لا لا سيما ذوي الدخل المحدود، مطالبين وزارة التجارة بالإسراع في صرف السلة لمحافظة بابل، أسوة بباقي المحافظات، ووقف ما وصفوه بـ"الحملة الإعلامية التي تهدد الأمن الغذائي".
وقال حيدر مظلوم عباس، أحد وكلاء البطاقة التموينية، إن "الوكلاء على استعداد تام للتوزيع، لكن الشائعات التي تتحدث عن فساد أو تلوث في المواد حالت دون وصول السلة للمواطنين، رغم تأكيد الجهات الرقابية على صلاحيتها للاستهلاك البشري".
من جانبها، قالت سعاد مسلم علي، وهي وكيلة توزيع أخرى، إن "المواد الغذائية لم تسجل أي خلل خلال السنوات الماضية، ولم تُرصد أية شكاوى من المواطنين الذين يعتمدون على هذه السلة، خاصة مع ارتفاع الأسعار في الأسواق".
الشركة ترد..
وفي السياق، شدد مدير فرع الشركة في بابل، أمير أسعد عبد الأمير، على أن "جميع المواد خضعت لتفتيش دقيق من قبل لجان مختصة من وزارة التجارة والرقابة الصحية، ولم تُسجل أي ملاحظات سلبية".
وأضاف أن "استمرار الترويج لمثل هذه الشائعات يضر بسمعة الشركة ويقوض جهودها في توفير الغذاء للمواطنين وسط تحديات كبيرة، منها تعطل سلاسل التوريد العالمية".
وتشهد هذه القضية منذ ايام تصعيدًا سياسيًا، بعد تداول مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، نشره أحد نواب المحافظة، يظهر "صغير جرذ (درص)" في مادة الحمص المخزنة، والتي كانت مخصصة للتوزيع ضمن السلة الغذائية، الأمر الذي أشعل جدلًا واسعًا، خصوصًا بعد منع نائبين من دخول مخازن الشركة لغرض التفتيش، وسط غياب موقف رسمي موحد يوضح ملابسات الحادثة.
ويُعد ملف البطاقة التموينية من أكثر الملفات إثارة للجدل في العراق، نظرًا لارتباطه بشبهات فساد وتلاعب طالما أضرا بمصالح المواطنين، في ظل مطالبات بتحديث النظام الرقابي وضمان الشفافية في عمليات التوزيع والتجهيز.
اغلاق بوابة مشروع FCC في البصرة
وفي محافظة البصرة، تظاهر العشرات من العاطلين عن العمل والباحثين عن فرص تشغيل، أمام بوابة مشروع FCC في مصفى البصرة، مطالبين بتوفير وظائف لهم داخل المشروع، خاصة بعد دخوله مرحلة التشغيل والإنتاج. وأقدم المحتجون على إغلاق البوابة الرئيسة للموقع.
أحد المشاركين في التظاهرة أكد أن الوقفة "سلمية وتهدف إلى المطالبة بفرص عمل ضمن اختصاصاتهم"، مشيرًا إلى أن العديد من المتظاهرين هم من سكان المناطق المجاورة للمشروع، ومنهم من سبق له العمل في المصفى منذ انطلاق أعمال المشروع، قبل أن يتم إنهاء خدماتهم مؤخرًا.
المحتجون دعوا وزارة النفط، وشركة مصافي الجنوب، ونواب البصرة، إلى التدخل السريع لتوفير وظائف لهم، أسوة بما جرى في مصفى كربلاء، وشددوا على أن الاحتجاجات ستتواصل ما لم تُنفذ مطالبهم.
وأشار أحدهم إلى وجود وعود أولية من قبل إدارة شركة مصافي الجنوب بالنظر في مطالب المحتجين والاستماع إلى مشاكلهم، لكنه أكد في الوقت ذاته أنهم سيصعّدون من حراكهم الاحتجاجي في حال استمرار "المماطلة أو التسويف"، بحسب تعبيره.
ذوو شهداء الحشد الشعبي
كما نظم عدد من ذوي شهداء الحشد الشعبي في البصرة وقفة احتجاجية أمام مبنى ديوان المحافظة، مطالبين بتنفيذ الوعود السابقة المتعلقة بتخصيص قطع أراضٍ سكنية لهم، إلى جانب الحقوق القانونية والامتيازات المقررة لعوائل الشهداء.
المشاركون في الوقفة أشاروا إلى حصولهم في وقت سابق على موافقة رسمية من محافظ البصرة بشأن تخصيص قطع الأراضي، إلا أن القرار لم يُنفذ حتى الآن، وسط ما وصفوه بـ"الإهمال والتأخير غير المبرر".
وأكد المحتجون، أن مطالبهم إنسانية وقانونية، وتستند إلى استحقاق رسمي نصت عليه القوانين العراقية الخاصة برعاية ذوي الشهداء، داعين الجهات المعنية في الحكومة المحلية ووزارة البلديات إلى اتخاذ خطوات جادة لتسوية الملف وإنهاء معاناتهم.
نظم العشرات من سكان هور الحويزة في محافظة ميسان، وقفة احتجاجية معبرين عن رفضهم الشديد لمحاولات تجفيف أجزاء من الهور وتحويلها إلى مواقع نفطية، ومحذرين من تداعيات خطيرة على حياتهم وبيئتهم ومصدر رزقهم التقليدي.
ورفع محتجو هور الحويزة، لافتات تؤكد تمسكهم بهويتهم المرتبطة بالأهوار، ورفضهم لأي مشروع من شأنه المساس بهذا الإرث البيئي والثقافي. وأكد عدد من المشاركين، أنهم لا يعارضون الاستثمار النفطي في المناطق المحاذية، لكنهم يرفضون بشكل قاطع دخول الجرافات إلى عمق الأهوار التي يعتبرونها موطنهم الأصلي.
وشارك في الوقفة الناشط البيئي أحمد صالح نعمة، الذي عدّ عملية تجفيف الأهوار "تهديدًا مباشرًا للتنوع البيئي في المنطقة، وقد يؤدي إلى فقدان مواطن العديد من الأنواع النادرة من الحيوانات والنباتات، بالإضافة إلى تفاقم آثار التغير المناخي".
المحتجون طالبوا الحكومة والجهات المعنية بالتراجع عن الخطط الهادفة إلى تجفيف الأهوار، داعين إلى حلول بديلة تحفظ هذا النظام البيئي الفريد دون الإضرار بالسكان المحليين أو البيئة الطبيعية.
معلوم ان "طريق الشعب" تواظب طوال العام على رصد ونشر الوقفات الاحتجاجية والتظاهرات في مختلف مناطق البلاد، إلا أن عدد اليوم خلا من ذلك، عدا هذه الوقفة، ليس لأن الحكومة استجابت لمطالب المواطنين، التي تتمحور حول الخدمات الأساسية وفرص العمل والسكن وغيرها، بل لأنها منعتهم من التظاهر، خشية أن يعريها الشعب أمام ضيوف القمة العربية المنعقدة في بغداد يوم امس، والذين اسكنتهم في فنادقها الفارهة.
رغم قرار وزارة الداخلية القاضي بمنع التظاهرات والاحتجاجات في عموم محافظات العراق، يواصل المواطنون تحركاتهم الاحتجاجية في مختلف المدن مطالبين بحقوقهم المشروعة، في مشهد يعكس تصاعد الاستياء الشعبي من الأوضاع المعيشية، وتفاقم الأزمات الخدمية والاجتماعية، وعجز الجهات المسؤولة عن إيجاد حلول حقيقية لها.
السماوة تنتفض ضد انقطاع الكهرباء
العشرات من أهالي مناطق عشائر آل عبس خرجوا في مدينة السماوة بمحافظة المثنى في تظاهرة احتجاجية، عبّروا خلالها عن سخطهم على الانقطاع غير المبرمج للتيار الكهربائي، والذي يستمر – بحسب إفادات الأهالي – أكثر من سبع ساعات متواصلة يوميًا، في ظل درجات حرارة مرتفعة، أثّرت بشكل مباشر على حياتهم اليومية.
وأكد المتظاهرون، أن هذه الانقطاعات تسببت بخسائر مادية كبيرة نتيجة تلف الأغذية داخل الثلاجات وتعطّل أجهزة التبريد، إضافة إلى تعريض حياة الأطفال وكبار السن للخطر بسبب أمراض محتملة مثل الجفاف والإسهال، بالتزامن مع تردي نوعية المياه وعدم تصفيتها.
وطالب المحتجون الجهات المعنية بوضع جدول زمني واضح للقطع وتحسين مستوى الفولتية الكهربائية، محذرين من أن استمرار هذا الوضع سيدفعهم إلى خطوات احتجاجية تصعيدية.
وشددوا على أن مطالبهم لا تتعدى الحصول على أبسط مقومات الحياة، مثل الكهرباء والماء النقي.
وفي محافظة البصرة، تجددت يوم أمس الصدامات بين القوات الأمنية ومجموعة من خريجي كليات الهندسة والجيولوجيا المتظاهرين أمام محطة حقن الماء التابعة لحقل غرب القرنة النفطي في قضاء الهوير، لليوم الثاني على التوالي، وسط أجواء مشحونة وتوترات متصاعدة.
ووقعت حالات تدافع واشتباك بالأيدي أمام بوابة المحطة، بعد أن حاول المحتجون اقتحام الموقع مطالبين بتوفير فرص عمل ضمن مشروع FCC المرتبط بالحقل، في ظل انتشار أمني مكثف لمحاولة احتواء التوتر.
وقال المتظاهر حسن عبد الأمير، وهو من خريجي كلية الجيولوجيا، إن "الاحتجاجات ستستمر لحين الاستجابة لمطالبنا المشروعة في التعيين. وإذا لم تُلبَّ مطالبنا فسنصعّد الموقف ونلجأ إلى دعم عشائري لإيصال صوتنا إلى المسؤولين".
ويواجه المتظاهرون حالة من اليأس والغضب، في ظل ما وصفوه بـ"حرمان أبناء المناطق القريبة من المشاريع النفطية من فرص التعيين"، مقابل "تعيينات محدودة تُمنح لأشخاص من خارج المحافظة أو عبر علاقات شخصية ومحاصصة حزبية".
موظفو موانئ
وفي مدينة المعقل بالبصرة، نظم العشرات من موظفي الشركة العامة لموانئ العراق تظاهرة جديدة صباح أمس الأربعاء، مطالبين بتفعيل قرار توزيع الأراضي السكنية المخصصة لهم في مدينة السياب، وهو القرار الصادر منذ عام 2021 دون أن يتم تنفيذه حتى الآن، رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات عليه.
وأكد الموظفون، أن هذه الوقفة هي الخامسة على التوالي، مشددين على أنهم يعيشون أوضاعًا معيشية صعبة، حيث يضطر أغلبهم إلى السكن في التجاوزات أو دفع الإيجارات الباهظة، رغم سنوات الخدمة الطويلة في واحدة من أكبر المؤسسات الاقتصادية في العراق.
وقال الموظف باسم الكناني: "أنا في الخدمة منذ 24 سنة، ولم أحصل على قطعة أرض واحدة. خرجت اليوم لأطالب بحقي، وأناشد السيد المحافظ بالتدخل السريع لإنهاء هذا الملف المؤجل دون مبرر".
أما غيث عباس، وهو موظف من ذوي الشهداء، فصرّح قائلاً: "أغلب الموظفين يسكنون في بيوت تجاوز، وبعضهم على أبواب التقاعد دون أي أمل بالحصول على سكن لائق. نطالب بإنصافنا وتقدير تضحياتنا".
من جهته، عبّر الموظف حسين جبار عن استيائه من التمييز الحاصل، مشيرًا إلى أن "1700 موظف مشمولون بقرار توزيع أراضي السياب، ولكن لم يُنفذ حتى الآن. في حين تم توزيع أراضٍ في وزارات أخرى. نحن نطالب بحقوقنا، فلماذا هذا الإهمال؟".
ودعا المحتجون المحافظ والجهات التنفيذية إلى التدخل العاجل لتفعيل القرار وإنهاء معاناة المئات من العائلات التي أنهكها الإيجار وفقدان الأمل بالسكن المستقر.
احتجاجات ضد قرار بيع الأراضي بـ"الأسعار السائدة"
في ساحة الصدرين وسط محافظة النجف، شهد يوم الثلاثاء الماضي تظاهرة حاشدة شارك فيها العشرات من سكان الأراضي التابعة للبلدية، احتجاجًا على القرار الحكومي رقم 20 لسنة 2025، الذي يقضي ببيع الأراضي المشغولة من قبل المواطنين بأسعار السوق.
المتظاهرون، ومعظمهم من العائلات محدودة الدخل، عبّروا عن رفضهم لهذا القرار، واعتبروه مجحفًا وغير منصف، مطالبين بتعديله ليشمل آلية بيع تقسيطية تمتد لعشرين عامًا وبأسعار رمزية تتناسب مع واقعهم المعيشي الصعب.
وقالت "أم أحمد"، وهي أم لست بنات، إنها تقطن على منزل تعود أرضه لدائرة البلدية منذ عشرين عامًا بسبب عجزها عن دفع الإيجار، مضيفة: "نعيش على راتب رعاية لا يتجاوز 125 ألف دينار.
هذه الأرض هي مأوانا الوحيد، ولا نملك بديلاً، فكيف يُطلب منا شراءها بسعر السوق؟".
أما أبو أمير العامري فشدد على أن القانون تجاهل آلاف العائلات التي أفنت عمرها في خدمة البلد، قائلاً: "كان الأجدر بالدولة أن تمنح الأراضي للمحتاجين، لا أن تقدمها مجانًا للمستثمرين. نحن أصحاب حق وسنواصل التظاهر حتى يتم إنصافنا".
ووصف المحتج فاضل الشيباني القرار بأنه انتهاك صريح للدستور، مضيفًا ان "الدستور كفل لنا حق السكن.
كيف تطلب الحكومة من محدودي الدخل شراء أراضٍ بأسعار خيالية؟ المطلوب هو التوزيع العادل، أو البيع الرمزي والمقسط".
بدورها، أوضحت بلدية النجف أن القرار جاء استنادًا إلى تعليمات وزارة الإعمار والإسكان والبلديات، وتم تشكيل لجنة منذ 18 شباط 2025 لاستلام طلبات الشاغلين.
كما بيّنت أن البيع مشروط بأن يكون المتجاوز شاغلاً فعليًا قبل تعداد 2024، وألا يكون مالكًا لأي عقار، وأن تكون الأرض مشيدة، فيما أُعفي المواطنون من دفع بدل الإيجار للسنوات السابقة.
الشارع يغلي والحكومة تتجاهل
وتعكس هذه التحركات المتعددة في السماوة والبصرة والنجف وغيرها من المحافظات، حجم الأزمة التي يعيشها المواطن العراقي، في ظل استمرار تدهور الخدمات، وغياب العدالة في التوزيع، واتساع فجوة الثقة بين الشارع والسلطة.
ورغم محاولات منع التظاهر، يتضح أن صوت الشارع لا يزال حاضرًا وبقوة، مدفوعًا بهمومه اليومية، ومطالبًا بحقوقه المسلوبة في الكهرباء والماء والسكن والعمل، وسط مؤشرات على اتساع رقعة الغضب إذا استمر التجاهل الرسمي لهذه المطالب.
في ظل تصاعد الأزمات المعيشية وغياب السياسات التي تراعي أوضاع محدودي الدخل، شهدت محافظتا البصرة والسليمانية موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية، عبّر خلالها المواطنون عن رفضهم قرارات حكومية تتعلق بتمليك وتحويل أراضٍ سكنية وزراعية، يرون أنها تُفاقم معاناتهم وتنتزع مصادر رزقهم.
ففي البصرة، خرج العشرات من أصحاب "القطع المصفرة" مطالبين بتعديل قرار تمليك الأراضي وفق آليات عادلة، فيما تظاهر فلاحو "قمر تلي" في السليمانية ضد تحويل أراضيهم الزراعية إلى سكنية دون تعويض يُذكر، في مشهد يعكس عمق التوتر بين المواطن والسلطات المحلية بشأن إدارة ملف الأراضي.
"القطع المصفرة"
ونظم العشرات من سكان محافظة البصرة، وقفة احتجاجية أمام مجلس المحافظة، رفضًا لقرار مجلس الوزراء رقم 20 لسنة 2025، الخاص بتمليك الأراضي السكنية المشغولة ضمن التصميم الأساس للمدينة، مطالبين بتعديله بما يتناسب مع أوضاعهم المعيشية الصعبة.
ورفع المشاركون، وهم من أصحاب ما يُعرف بـ"القطع المصفرة" التابعة لبلدية البصرة، شعارات تطالب بـ"اعتماد أسعار رمزية (دفترية)" لتمليك الأراضي، وتوزيع الأقساط على مدى 20 عامًا، بالإضافة إلى إلغاء فقرة الاستفادة من القرار، التي تمنع محدودي الدخل من الاستفادة الكاملة من التمليك، مؤكدين على ضرورة إيصال صوتهم إلى رئيس مجلس الوزراء.
وفي هذا السياق، قال المتظاهر حيدر السيلاوي إن "القرار يُعد خطوة شجاعة من الحكومة العراقية، لكنه جاء منقوصًا، إذ أن تسعير الأراضي وفق سعر السوق لا يُناسب الفئات الفقيرة"، داعيًا إلى اعتماد آلية المطور العقاري التي تُقدّر أسعار الأراضي ما بين 15 إلى 20 مليون دينار، مع إمكانية التقسيط.
من جهته، قال المتظاهر أحمد أبو عباس، أن "غالبية الساكنين في هذه الأراضي لا يملكون مصدر دخل ثابت، ومن الظلم أن تُفرض عليهم أسعار تمليك تقارب أسعار السوق، رغم أنهم يسكنونها منذ سنوات طويلة".
وقال أحمد الدراجي، ممثل المحتجين، إن "القرار 20 ينطوي على نوايا حسنة، لكنه يحتاج إلى تعديل، إذ أن الغالبية من سكان المناطق المشمولة به هم من محدودي الدخل، ويستحقون دعمًا حكوميًا لا تحميلهم أعباء مالية لا يستطيعون تحملها".
وشملت المناطق المشمولة بالقرار والتي شهدت احتجاجًا، وفق المتظاهر كاظم الوائلي، مناطق الأمن الداخلي، التنومة، حي بغداد، حي 74، حي 76، والزبير، مشيرًا إلى وجود "تمييز واضح"، مطالبًا بـ"المساواة مع الإيزيديين ومسيحيي الموصل الذين حصلوا على امتيازات أفضل في تمليك الأراضي".
السليمانية
وفي سياق مماثل، شهدت محافظة السليمانية، تظاهرة نظمها سكان قرية قمر تلي احتجاجًا على قرار تحويل أراضيهم الزراعية إلى سكنية، بهدف توزيعها على موظفي حكومة إقليم كردستان، ما أثار مخاوف من فقدان مصدر رزق مئات العائلات التي تعتمد على الزراعة.
وقال كمال صلاح أحمد، المتحدث باسم المتظاهرين، إن "المئات من الفلاحين يمتلكون مئات الدونمات من الأراضي، وقد باشرت بلدية السليمانية إجراءات تحويل جنسها إلى سكني، دون أي تعويض رسمي حتى الآن".
وأشار إلى أن أحد المقترحات المقدمة يتضمن منح 3% فقط من مساحة الأرض للفلاحين كتعويض، وهو ما وصفه بـ"غير العادل ولا يضمن حياة كريمة للأسر المتضررة".
وأضاف أحمد، أن "القرار صدر من البلدية دون الرجوع إلى الجهات الرسمية في حكومة الإقليم، رغم أن تحويل جنس الأراضي يحتاج إلى موافقات من وزارات معنية"، مؤكدًا نيتهم تنظيم وقفة احتجاجية أمام مبنى المحافظة، للمطالبة بحقوقهم ووقف القرار.
وطالب المتظاهرون حكومة الإقليم بإعادة النظر في القرار، وإنصاف المزارعين، وحماية الأراضي الزراعية من التحويل غير المنصف، في وقت يتزايد فيه القلق من تآكل الرقعة الزراعية أمام التوسع العمراني غير المنظم.
تشهد مدن عراقية عدة تصاعداً في وتيرة الاحتجاجات الشعبية، وسط تفاقم الأزمات الخدمية والمعيشية، واستمرار التجاهل الحكومي لمطالب المواطنين، في مشهد يعكس عمق الغضب الشعبي من الأداء الحكومي وتراكم الإهمال عبر سنوات طويلة.
20 عامًا من الإهمال للگاطون
في حي الگاطون، غربي بعقوبة، تظاهر العشرات من السكان، عصر الجمعة، احتجاجًا على تدهور الواقع الخدمي، واصفين أوضاع منطقتهم بـ"الكارثية والمستمرة منذ أكثر من عقدين"، بسبب تأخر إنجاز مشروع مجاري بعقوبة المركزي، والذي تسبب في تعطيل مشاريع البنية التحتية والخدمات الأساسية.
ووجّه المحتجون انتقادات لاذعة إلى الجهات الحكومية والنواب المحليين، متسائلين عن دورهم بعد انتهاء الانتخابات؟
واكدوا أن الگاطون، الذي يضم أكثر من 200 ألف ناخب، لا يزال يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.
المتظاهر محمد الدليمي قال إن "أحياء غرب بعقوبة مظلومة منذ أكثر من 20 عامًا، وجميع المشاريع الخدمية الأخرى متوقفة بسبب تلكؤ مشروع المجاري"، مشيرًا إلى أن "المسؤولين لا يزورون مناطقنا إلا خلال موسم الانتخابات، رغم أهميتها الانتخابية".
فيما أكد المواطن عبدالله المعموري أن "المنطقة منكوبة ومهمشة خدمياً منذ سنوات، وتُستغل سياسيًا فقط لكسب الأصوات"، موضحًا أن "السكان يعيشون واقعًا يشبه مناطق الحرب، وسط شوارع مكسّرة، ونفايات، وحشرات، وغياب الماء، وانعدام منظومة الصرف الصحي".
وطالب المحتجون بتدخل حكومي عاجل لحسم ملف مشروع المجاري، وإنهاء ما وصفوه بـ"الانتظار القاتل"، الذي حال دون أي تطور عمراني أو خدمي منذ عقود.
قلعة القصاب تعاني العطش
في سياق متصل، شهدت قرية قلعة القصاب، التابعة لمحافظة ديالى، احتجاجًا لسكانها الذين اغلقوا طريق ناحية السلام – بعقوبة لدقائق، مطالبين بتنفيذ مشروع مياه عاجل في ظل معاناة القرية من الجفاف والعطش.
وقال شهود عيان، إن "العشرات من المواطنين عبّروا عن استيائهم من تجاهل الجهات المعنية لمطالبهم المتكررة بشأن أزمة المياه"، لافتين إلى أن القرية تعاني من شح شديد في المياه منذ فترة طويلة، دون أي استجابة رسمية.
وطالب المحتجون الحكومة المحلية بالتدخل الفوري لإطلاق مشروع مياه يضمن الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية، محذرين من تصعيد احتجاجاتهم في حال استمرار الإهمال.
أبو الخصيب تنتفض ضد ملوحة المياه
أما في قضاء أبو الخصيب جنوبي محافظة البصرة، فنُظّمت وقفة احتجاجية حاشدة، شارك فيها العشرات من الأهالي، تنديدًا بتردي الخدمات واستمرار أزمة ملوحة وتلوث مياه الشرب، وسط تجاهل حكومي ووعود لم تُنفذ منذ سنوات.
ورفع المحتجون لافتات تطالب الحكومتين المركزية والمحلية بالتدخل العاجل لمعالجة أزمة المياه، داعين رجال الدين ووكلاء المرجعية الدينية إلى الضغط على المسؤولين للاستجابة لمطالبهم.
وقال منظم التظاهرة، ماجد العراقي، إن "سوء الخدمات وارتفاع ملوحة المياه هما السبب الرئيس لخروجنا"، متسائلًا عن "دور وجهاء وشيوخ القضاء الذين يغيبون عن دعم الأهالي في تحركهم السلمي".
بدوره، قال عبد الرحمن العبودي، أحد وجهاء العشائر، إن "المواطنين لا يطلبون سوى حقوقهم الطبيعية، ولا يمتلكون ماءً صالحًا للشرب رغم مرور شط العرب بين منازلهم"، مطالبًا المرجعية الدينية بالوقوف إلى جانب الأهالي.
أما المواطن أحمد علي ناصر، فعبّر عن استيائه بالقول: "مطالبنا بسيطة... نريد ماءً صالحًا وخدمات تليق بنا، لكن الحكومة تحاربنا حين نحتج".
يُذكر أن قضاء أبو الخصيب يُعد من أكثر المناطق تضررًا من أزمة ملوحة المياه وتدهور البنى التحتية، على الرغم من قربه الجغرافي من شط العرب، وهو ما يزيد من حدة الغضب الشعبي في ظل غياب الحلول الحكومية الجذرية.
اضراب جديد في السليمانية
وفي خطوة احتجاجية جديدة، قاطع عدد كبير من موظفي مديرية ماء السليمانية الدوام الرسمي، مطالبين بصرف مستحقاتهم المالية المتأخرة عن شهر نيسان الماضي.
وقال أحد الموظفين المشاركين في الاحتجاج، إن "المقاطعة واسعة وتشمل أغلب موظفي المديرية، احتجاجًا على تأخر صرف الرواتب"، مشيرًا إلى أن "العودة إلى العمل مرهونة بصرف مستحقاتهم المالية".
وبيّن أن الموظفين المرتبطين بالمشاريع الخدمية استثنوا أنفسهم من المقاطعة نظرًا لحساسية أعمالهم، بينما امتنعت الغالبية عن الحضور.
وتشهد محافظة السليمانية احتجاجات متكررة من موظفين في دوائر مختلفة، وسط مطالبات دائمة بتحسين أوضاعهم المعيشية وضمان انتظام صرف الرواتب دون تأخير.
احتجاجات متعددة ومطالب واحدة
تجسد هذه التحركات الشعبية، من بعقوبة إلى البصرة، مرورًا بديالى والسليمانية، حالة الإحباط الجماهيري من التردي المستمر في الخدمات الأساسية، وغياب الخطط الحكومية الفاعلة، واستمرار الأزمات المعيشية التي تُثقل كاهل المواطنين.
ويجمع المحتجون، على اختلاف مواقعهم، على مطلب واحد: إنقاذ مناطقهم من الإهمال المزمن، واستعادة حقهم في العيش الكريم، في ظل دولة ترعى حقوقهم، لا تزيد من معاناتهم.