تشهد سوريا - البلد المنهك بالأزمات - تطورات تتكشف خطورتها عند ربطها بالأوضاع الاستثنائية التي تعيشها المنطقة. فقد شنت جماعات مسلحة إرهابية هجومًا مفاجئا في شمال غربي البلاد وسيطرت على مدينة حلب بالكامل وامتدت الى مدن أخرى.
وأثار الهجوم المباغت، من ناحية قوته وتوقيته، أسئلة حول محركاته ودوافعه، وحول ارتباطه بالأوضاع التي تمر بها المنطقة، لا سيما مع وقف العدوان الصهيوني على لبنان، وفشل المساعي التركية لإيجاد تسوية تصب في مصلحتها مع سوريا.
ومعروف ان العديد من الفصائل المسلحة مرتبطة بتركيا، التي لا تخفي دعمها ورعايتها لها، ومن ناحية أخرى تتضح بصمات نفوذ الكيان الصهيوني وداعمته الولايات المتحدة الأمريكية في تحركات وتوقيتات تلك الجماعات، خاصة الإرهابية منها.
وبالنظر إلى هذه الأوضاع والتداعيات المترتبة عليها، لا يمكن إلا الارتياب في الهجمات المسلحة التي تشنها الجماعات المسلحة ذات القيادات الإرهابية المعروفة، ووضعها في صف التحركات الواضحة في نزعتها وتوجهاتها الاستعمارية والامبريالية، التي تريد فرض واقع جديد بملامح مشروع ما يسمى”الشرق الأوسط الجديد”.
ان ما يحصل لا يعفي كل اطراف الصراع في سوريا من مسؤولية الأزمة وتعقيداتها، بما فيها الطرف السوري الرسمي. خاصة بعدم ولوج المسار الديمقراطي الذي تضمنه اتفاق “أستانا” - العاصمة الكازاخية – وهو الاتفاق الذي رعته كل من روسيا وإيران وتركيا، وجمع الحكومة السورية والمعارضين لها على مشروع لحل الأزمة، يتمثل في صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات بإشراف الأمم المتحدة، وممارسة الحكم بطريقة شفافة وخاضعة للمساءلة، وصولًا إلى تحقيق السلام والامن والاستقرار وتوفير الحياة الكريمة للشعب السوري الذي عانى كثيرا ولا يزال.
إن قدرة سوريا وبلدان المنطقة الأخرى على مواجهة المخططات الاستعمارية والتدخلات الخارجية في شؤونها ومخاطر الجماعات الإرهابية والمتطرفة، يجب ألا ترتكز على عامل الردع العسكري والدعم الخارجي، فهذا الخيار وحده لن يحسم الصراع، وقد عجز عن حسم أي من القضايا والنزاعات الكبرى التي عصفت بالمنطقة طوال السنوات الماضية.
وفي رأينا ان الامر الحاسم في المواجهة هو الاستناد إلى جبهة داخلية وطنية واسعة قوية، قادرة على اشراك وتمثيل أوسع قطاعات الشعب، وعلى التعبير عن آماله وتطلعاته. وهذا يتحقق عبر تعزيز الطابع الوطني لمؤسسات الدولة، وتأمين المشاركة السياسية الواسعة، وتعزيز روح المواطنة عبر منح الحقوق والحريات.
وإذ يتفجر الصراع المسلح اليوم مجددا في سوريا، وتتواصل حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة، وتقترب الحرب في أوكرانيا من دخول عامها الثالث، تتعزز القناعة بأن الحروب لا تأتي الا بالدمار ولا تجلب للشعوب الا الاهوال ولا تحرز نتائج حاسمة، وأن لا بديل عن اللجوء إلى الحلول السياسية للوصول إلى الأمن والسلام والاستقرار المستدام.
وإذا كانت سوريا في أمسّ الحاجة إلى خلق أوضاع مقاومة صلبة مستندة إلى وحدة الشعب، لمواجهة مشاريع تمزيق وحدتها ومصادرة سيادتها، فإن بلدنا العراق هو الآخر بحاجة ملحة إلى تعزيز وحدة الصف الوطني فيه، والى ان يعي العراقيون المخططات التدميرية والمخاطر الداهمة، وضرورة التكاتف للتصدي لها، الأمر الذي يتطلب التوقف عند إخفاقات منظومة الحكم المستندة إلى المحاصصة المقيتة للتخلص منها، والشروع في تبني مسار سياسي جديد يفضي إلى تغيير في منهجية إدارة البلد، بما يعزز مكانة الدولة العراقية ومؤسساتها ودستورها، ويتصدى لكل ما يمس سيادتها وحقوق ومصالح شعبها.
ولابد أيضا وقبل هذا وذاك، من التخلي عن كل ما من شأنه تمزيق النسيج الوطني، وتشظية المجتمع، وتغذية النزعات الطائفية، ومن الكف عن تعكير الأجواء وإشغال الرأي العام عبر مساعي فرض قوانين جدلية غير مبررة، والامعان في صراعات لامبدئية على المواقع والنفوذ والثروة، وهو ما تجلّى بشكل صارخ في جلسات البرلمان الاخيرة!
في فترة حرجة تمر بها المنطقة جراء عدوان الكيان الصهيوني وحرب الإبادة التي يواصلها ضد الشعب الفلسطيني، وبعد اعلان اتفاق وقف اطلاق النار الهش بين لبنان ودولة الاحتلال، وتفاقم التدخلات الخارجية المدانة في شؤون بلدان المنطقة، جاءت التطورات الأخيرة في شمال وشمال غرب سوريا واجتياح مدينة حلب من قبل التنظيمات الإرهابية -لتلقي المزيد من الأضواء على حالة عدم الاستقرار، وتؤشر حقيقة ان المنطقة مهددة بالمزيد من الكوارث، وتتحرك فيها مصالح وإرادات متقاطعة، داخلية وخارجية، بالضد من توق شعوبها الى الحرية والسلام.
هذه التطورات الخطيرة وما يحصل حاليا في سوريا، واستمرار العدوان الصهيوني والتهديدات التي اطلقها ويطلقها مجرم الحرب نتنياهو بدعم سافر من الولايات المتحدة، تسبب المزيد من القلق لشعوب المنطقة، بضمنها شعبنا العراقي.
وواضح تماما ان المنطقة لن تستقر ما لم تعالج أسباب التوتر والحروب أساسا. ولعل في مقدمة ذلك الإقرار والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس، ووقف التدخلات الخارجية جميعا، والاقرار بحق شعوبنا في الحياة والتقدم والازدهار، ما يعني ويتطلب إقامة أنظمة وطنية وديمقراطية حقة، تضع مصالح بلدانها وشعوبها فوق كل اعتبار.
وفيما يخص بلدنا العراق، تبرز الحاجة ملحة الى التعامل بيقظة وحذر شديدين مع مجمل التطورات والاحداث الداهمة، ووضع مصلحة العراق وشعبه في المقدمة، بعيدا عن أية اجندات أخرى لا ناقة لشعبنا فيها ولا جمل، وبعيدا عن الارتهان لإرادات اجنبية، إقليمية ودولية.
ان الأوضاع الحرجة الراهنة تتطلب من الحكومة والسلطات كافة النأي ببلادنا عنها وتجنيبها مخاطرها وتداعياتها، والعمل على تقوية وتعزيز الوضع الداخلي وتوسيع دائرة اتخاذ القرار الوطني، والابتعاد عن كل ما من شانه ان يشظي المجتمع، ويثير الحساسيات والنعرات الضيقة، ويحفز التجاوز على حقوق وحريات المواطنين.
وقد غدت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لتفعيل ما جاء في الدستور بشأن حالة الحرب والسلم، وان لا يكون بلدنا ممرا لإرادات خارجية، فيما أصبح ملحا تنفيذ مطلب حصر السلاح بيد الدولة، وتوحيد سلطة اتخاذ القرار العسكري والأمني، واعتماد كافة الإجراءات لمنع عودة نشاط المنظمات الإرهابية وبضمنها داعش، ما يوجب تعزيز الرقابة والسيطرة على حدود بلادنا، وتعزيز موقفها الأمني.
ومن جديد نشدد على وقف العدوان الصهيوني وحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، والوقف الكامل للعدوان على لبنان وشعبه، ووقف التدخلات الخارجية في سوريا واحترام خيارات شعبها وحقه في التمتع بالاستقرار والأمان والديمقراطية والحياة الحرة الكريمة، والحفاظ على وحدة بلده واستقلاله وسيادته.
ان شعوبنا، ومنها شعبنا العراقي، ذاقت الامرّين على يد الإرهابيين القتلة أعداء الإنسان والحياة، ولذا لابد من تضافر كل الجهود لمنع تمدد منظمات القتل والجريمة من جديد، وتحت أيّ مسمى او ذريعة.
ان شعوب المنطقة وقواها الحية والمحبة للسلم والتقدم لا بد لها من تفعيل دورها وفرض اراداتها، لشل يد العدوان ومنعه من العبث بمقدراتها ومصائرها، ومواصلة السعي لفرض أنظمة وطنية ديمقراطية تستجيب لمصالح شعوبها، وذات قدرة على حماية السيادة والاستقلال الوطنيين.
تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٧٨ قرارا يعلن يوم ٢٩ تشرين الثاني من كل عام، يوما للتضامن العالمي والدولي مع الشعب الفلسطيني، تذكيرا بالمأساة التي عانى منها ويعاني، وتأكيدًا لحقوقه المغتصبة، وكخطوة على طريق تصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكب وما يزال بحق هذا الشعب الأصيل، الصابر والصامد والمقاوم.
ويأتي اليوم هذه السنة فيما يستمرار تمادي الكيان الصهيوني، ومواصلته الانتهاك الصارخ للقرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الامن، ولكل حقوق الانسان والأعراف والمواثيق الدولية، وفي مقدمتها الحق في الحياة وفي التحرر وبناء الدولة الوطنية. وهو يوم ينطوي على اعتراف بمعاناة الفلسطينين المتواصلة، وإقرارٍ بحقوقهم ونضالهم وتضحياتهم وصمودهم، ودعوة لكل شعوب العالم ودوله للتضامن معهم والانتصار لحقهم في بناء دولتهم الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.
ويأتي هذا اليوم في سنتنا الحالية فيما تستمر حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، وفيما يسعى كيان الاحتلال لمد عدوانه الى لبنان وسوريا والعراق وغيرها من بلدان المنطقة، لتنفيذ سياسته التوسعية وتنفيذ أحلام الصهيانة في إقامة دولتهم الكبرى المزعومة.
منذ تشرين الأول ٢٠٢٣ تواصل قوات الاحتلال عدوانها الوحشي والنازي بدعم صريح وواضح من الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها وخاصة الاوربيين، ويتعرض شعب فلسطين لأشرس هجمة صهيونية، تستهدف وجوده وتسعى لاقتلاعه من ارضه وتصفية قضيته العادلة في نهاية المطاف.
في هذا اليوم لا بد ان تتضافر الجهود على الصعيد العالمي، وعلى صعيد المنطقة، ومن طرف كل الشعوب وقواها الحية المحبة للحياة والسلم ولأمن الشعوب وحقها في الحياة والسلم والامن، لوقف حرب الإبادة الجماعية وسياسة الأرض المحروقة والتهجير القسري، ولإمداد غزة وأهلها بكل وسائل الحياة، وانطلاق حملة عالمية لاعادة اعمار ما دمرته الماكنة الصهيونية المجرمة، وتفعيل كل القرارات الدولية ذات الصلة، وبضمنها الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، لمحاكمة القتلة وسفاكي الدماء ومنتهكي حقوق الانسان، ليكونوا عبرة لغيرهم من الطغاة والمجرمين.
في يوم التضامن مع شعب فلسطين يتوجب الادراك العميق ان لا استقرار ولا امان في منطقة الشرق الأوسط، ما استمر التنكر لحقوق الفلسطينين وحرمانهم من إقامة دولتهم الوطنية، وهو ما يتوجب ان تتوجه كل الجهود لتحقيقه فور وقف العدوان الصهيوني الفاشي.
ولقد بات ملحا ان تفعّل شعوب المنطقة، بالاستناد الى حركة التضامن العالمية، كل طاقاتها لوقف التطبيع مع الكيان الصهيوني، وان تضغط بمحتلف الاشكال على حكوماتها لنصرة فلسطين وشعبها، وان تحوّل كلماتها الى ممارسة وواقع ملموس.
في يوم ٢٩ تشرين الثاني نجدد تضامننا الكامل مع شعب فلسطين ومع حقه في الحياة وتقرير المصير، ومع عودة النازحين وبناء الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة.
من المفترض، في إطار الظروف الراهنة المحيطة بالمنطقة وتداعياتها المحتملة على بلدنا، ان يتخذ أصحاب القرار إجراءات، ويقدموا على خطوات تعزز الموقف العراقي الداخلي، وتزيد تماسك الشعب بأطيافه المختلفة، وترفع الهمم في مواجهة التحديات، ولتجاوزها من اجل استقرار البلد وأمنه وتقدمه.
لكننا نشهد، بدل ذلك، إقداما على خطوات تتقاطع مع أهمية ذلك وضرورته، بل حتى لا تراعي ما نص عليه الدستور من حقوق وحريات والتزامات، وبما يلحق الضرر الجسيم بحال التنوع في مجتمعنا، عوض المحافظة عليه وتنميته.
وإزاء واقع ان بلدنا متنوع قوميا ودينيا وثقافيا وسياسيا وفكريا، وان مواد الدستورأشرت ذلك وشددت على الالتزام به ليس فقط في القوانين، بل وفي الإجراءات والتعليمات وما يتخذ من مواقف، نسجل توالي الإجراءات التي تخنق الحريات وتضيّق عليها، وتزايد مساعي فرض نمط حياة معين على المواطنين جميعا.
ومن ذلك مثلا ما له علاقة بحرية التعبير، وتحويل محافظات ومدن الى كانتونات مغلقة تحت عنوانين مختلفة، تمنع فيها ممارسة نشاطات ثقافية وترفيهية مثل الغناء والموسيقى وإقامة الحفلات وأحيانا حتى حفلات التخرج الجامعية. بل ويمتد ذلك الى الرياضة النسوية، وصولا الى توسيع دائرة عدم الاختلاط بين النساء والرجال.
ويندرج في هذا أيضا مساعي فرض قوانين معينة بدوافع طائفية ودينية وسياسية ضيقة ونفعية، والمثال البارز في هذا الشأن هو محاولات فرض التعديلات على قانون الأحوال الشخصية النافذ.
وفي السياق هذا جاء قرار منع تداول المشروبات الكحولية، تصنيعا وبيعا، وشمل ذلك محال البيع والنوادي الاجتماعية، التي يقارب عمر بعضها عمر الدولة العراقية ذاتها. هذا القرار الذي ستكون له دون شك تداعيات واسعة على العاملين في القطاع، وعلى تحوّل المشروبات الى سلعة نادرة تتزايد المضاربة بها ويتفاقم تهريبها، إضافة الى استفحال ظاهرة تناول المخدرات التي تنتشر في محافظات الوطن كافة اليوم انتشارالنار في الهشيم، بل وقد يشكل القرار دافعا إضافيا الى مغادرة البلاد والهجرة الى الخارج.
فمن الغريب ان يجري تطبيق فقرة في قانون رسوم البلديات، الذي فرض في عهد النظام المقبور، دون الاخذ بالاعتبار تعارضها على طول الخط مع بنود ومواد الدستور النافذ الان الذي يتوجب الاخذ به كونه يتمتع بالعلوية على القوانين والتعليمات.
يتوجب القول ان العديد من الإجراءات التي تتخذ حاليا ويراد فرضها على المواطنين، تحوّل بلدنا للأسف الى كانتون منعزل وطارد لبناته وابنائه، في حين تعلن الحكومة انها تريد الانفتاح واحترام الثقافات المتنوعة وتشجيع السياحة. فيما يتراجع بلدنا، وللأسف ثانية، في العديد من المؤشرات، بضمنها ما له صلة بالحريات العامة وباحترام التعددية حتى بالقياس الى دول المحيطة في المنطقة.
إن الهيئات والجهات المختلفة صاحبة القرار في البلاد والماسكة بالسلطة، تتحمل مسؤولية هذا التردي العام والنكوص في مؤشرات الحياة المدنية، وتزايد نزعات التطرف والغلوّ، وان عليها ان تدرك مخاطر التمادي فيها على النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية، وعلى حياة المواطنين وحرياتهم ووحدة البلد واستقراره وأمنه، وان من واجبها احترام ما يتضمنه الدستور من التزامات، وعدم السماح بأي إخلال بها.
كذلك يتوجب على جميع القوى والهيئات السياسية والمجتمعية ومؤسسات الرأي العام، بمختلف تكويناته المدافعة عن حقوق الانسان وعن التعددية في المجتمع، والحريصة على الوحدة الوطنية واحترام الدستور، عليها المبادرة الى رفض ومقاومة كل مسعىً للتضييق على الحريات ولسلبها، بالتحرك السريع لإطلاق النشاطات والاحتجاجات التي كفلها الدستور، والعمل على وقف التدهور المستمر في مؤشرات الحياة العامة والحقوق والحريات.
زهت حدائق شارع أبي نؤاس يوم السبت الماضي بالمهرجان التاسع لجريدتنا "طريق الشعب"، فإمتلأًت بالقراء والمتابعين والمحبين من كل أطياف شعبنا، الذين جاءوا من بغداد وباقي المحافظات، ليشاركوا ويستمتعوا ببرنامج المهرجان وفعالياته المتنوعة، ويحتفوا بأبرز الصحف العراقية تواصلاً طيلة عقود، وكفاحاً لا يلين من أجل تطلعات وهموم الناس، وصموداً باسلاً في وجه كل أشكال القمع الدموي والحصار والتخلف، ومن أجل تنمية الوعي السياسي والوطني لشغيلة اليد والفكر، وتعبئتهم وتنظيم جهودهم للخلاص من الإستبداد وتحقيق مجتمع الحرية والعدالة.
وجاءت مساهمة الصحف الوطنية في الأكشاك التي نصبتها في المهرجان، وما اقامته فيها من فعالياتها وما عرضته من نتاجاتها، لتسجل فعلاً تضامنياً محموداً، يعزز الرفقة وينمي مشاعر التعاون والتكاتف لخدمة جماهير شعبنا، والتعبير عن مطامحها في الديمقراطية والتنمية والحريات وفي مقدمتها حرية التعبير.
وكان للندوات الفكرية والأدبية والسياسية التي اقيمت، والحوارات المكثفة التي جرت سواءً خلالها أو بين رواد المهرجان، دورها ليس في تعزيز الثقة بالغد فقط، بل أيضاً في رفد كل سعي لقراءة سليمة ومعمقة للواقع بكل تجلياته، وتمتين قوة التغيير السياسي والثقافي والأخلاقي في المجتمع. كما عبّرت عن العلاقة الأصيلة بين جريدتنا وعموم وسائلنا الاعلامية، وبين الثقافة الوطنية، التي لم تكتف "طريق الشعب" بالدفاع عنها، ونشر النتاجات الإبداعية وتبني هموم المبدعين، بل وإستقطبت صفحاتها مئات الصحفيين والكتاب، وتخرّج من معطفها المئات، ممن هم اليوم نجوم زاهية في سماء الوطن.
وكانت منعشة تماماً أشادة الكثيرين من رواد المهرجان بالجهود التي بذلت لإخراجه بأحسن حلة، وبالوفاء لمبدعين ساهموا في مسيرة الجريدة، ومنهم الراحلون شمران الياسري وكامل شياع وإبراهيم الحريري وغيرهم، في ذات الوقت الذي عبروا فيه عن صلة عشق لا ينضب بينهم وبين الجريدة، التي تتسلل مفرداتها بخفة لثنايا الوعي، وتشرق فيه بهجة وتحدياً ومعارف، وعن فخرهم بصمودها ونجاحاتها في محو الغشاوة عن العقول، وبث قيم العدل والتحرر والخلاص بوجدان البشر.
وتمنى الجميع، لحظة اختتام فعاليات المهرجان، للجريدة وللعاملين فيها ولحزبنا الشيوعي العراقي الذي تعبر عنه، التقدم والإزدهار، وأن تبقى صفحاتها فضاءً مفتوحاً للجميع، وورشة عمل مفعمة بالحركة والتفاعل الخلاق، من أجل تحقيق شعار (خبز .. حرية.. عدالة اجتماعية)، متطلعين لمهرجان قادم، أزهى وأجمل.