ضيّف منتدى بيتنا الثقافي امس السبت، وبمناسبة الذكرى الخامسة لانطلاق انتفاضة تشرين الباسلة، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي الرفيق حسين النجار، الذي تحدث في جلسة بعنوان "انتفاضة تشرين.. الأسباب والنتائج".
قدم النجار عرضاً تمهيدياً تحدث فيه عن الحركة الاجتماعية واشكالها، وتطرق الى الحركة الاحتجاجية وتعريفات الانتفاضة والثورة بشكل عام، مشيرا إلى أن انتفاضة تشرين انطلقت بصورة عفوية، وتحولت لاحقاً الى انتفاضة عارمة تحمل شعارات واهدافا سياسية.
وأشار الرفيق النجار الى ان وعي المتظاهرين المطلبي تحول إلى وعي سياسي، خاصة بالارتباط مع ظهور أفراد يمتلكون المليارات مقابل اكثرية محرومة ونقص حاد في الخدمات العامة، وهذا ما كان احد اهم اسباب تفجير الانتفاضة. وسعى المحاضر للابتعاد عن تاريخية الانتفاضة من اجل الغوص في اعماقها باعتبارها فعلا جمعيا. فالحركة الاجتماعية تعدُ محاولة مقصودة بهدف التدخل في عملية التغيير الاجتماعي، وترمي إلى إحداث تغييرات جذرية في النظام الاجتماعي، وان الحركة الاحتجاجية جزء منها. ومن اشكالها الانتفاضة، وهي حركة احتجاج تنطلق بصورة عفوية لأسباب محددة، وهي تندلع بعد تحرك مفاجئ، بسبب خلل بنيوي في وظيفة الدولة. وحين تهب تعلن رغبتها الواضحة بالتغيير، ويمكن ان يرافقها عنف اجتماعي يدفع في النهاية بالانتفاضة من فعل مطلبي الى مطالب بالتغيير الشامل، وهو ما حصل في انتفاضة تشرين التي نحتفل بذكراها الخامسة.
وتحدث النجار عن ابرز أسباب اندلاع الانتفاضة التشرينية، وركز على تشويه صورة الديمقراطية لغرض السيطرة على المال العام من خلال السلطة. وتبعا لذلك حدثت تغيرات حقيقة في الجانب الاجتماعي، ونشأت اقلية حاكمة ثرية مقابل أكثرية محرومة، مع انتشار الفساد السياسي والأمني وما رافقه من سوء في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والمعيشية، فضلاً عن تردي الخدمات الصحية والتعليمية.
وعرض المتحدث جداول بيّن فيها نسب الفساد المستشري وحجم البطالة وانتشار العشوائيات وهدر المال العام وعدد الضحايا جراء الانفلات الأمني، مؤكداً ان العراق تحول الى بلد ريعي بامتياز، بسبب المحاصصة والفساد ونهج إدارة السلطة الفاشل.
كما استعرض مسحاً إحصائياً لعدد التظاهرات التي خرجت في العراق قبل وبعد 2011، كذلك تظاهرات 2015. ثم تحدث عن مواقف الحزب المنحازة الى الانتفاضة، وقال انه في احد أيام الانتفاضة تم نقل البيان الذي اصدره الحزب أثر انقطاع الانترنيت، وتم إيصاله إلى القنوات الفضائية في بغداد مشيا على الأقدام، بتحايل على القوات الأمنية بسبب حظر التجوال وقطع الانترنت!
وفي تلك المرحلة اتخذ الحزب مواقف جديدة، بينها استقالة الرفيق رائد فهمي والرفيقة هيفاء الأمين من عضوية البرلمان واعلانهما تبني ودعم الانتفاضة ورفض القمع المفرط من قبل السلطة واجهزتها المختلفة بحق المنتفضين!
واصبح الحزب الشيوعي العراقي وقتذاك اول حزب سياسي يطالب الحكومة بالاستقالة.
وتناولت الندوة نتائج الانتفاضة، والأسباب والعوامل التي دعت الى تشكيل أحزاب ناشئة، وهي في طور المساهمة في العملية السياسية. وعرّج النجار على بعض المواقف التي اتخذتها هذه الأحزاب، واكد أهمية توسع نشاطها الجماهيري في الأوساط الشعبية، كما اكد إمكانية بزوغ انتفاضة جديدة، ما دامت أسباب الانتفاضة التشرينية قائمة.
هذا وفتح بعد ذلك حوار مع الحاضرين، الذين أثنوا على ما قدمه المحاضر من قراءة سليمة لأسباب الانتفاضة ونتائجها.
احييكم بأحر وأجمل التحيات النضالية، واكثرها حميمية بأسم قيادة الحزب، متمنين لكم النجاح والموفقية في تحقيق اهداف وطموحات مؤتمركم ورابطتكم، ورسم افاق نضالكم القادم المترع بالأخلاص والوفاء لكادحي شعبنا والمحرومين من ابنائه.
لاشك أن الاحزاب الشقيقة في مختلف البلدان، تواجه ظروفاً مختلفة، بعضها غاية في الصعوبة والتعقيد، الأمر الذي يجعل أساليب النضال وأشكاله مختلفة أيضاً، تبعاً لمواقف العدو الطبقي والسياسي، فبعضها ينتهج أساليب سلمية في عمله السياسي ونشاطه الجماهيري عندما تكون الظروف مواتية، وبعضها الأخر يضطر الى إتباع أساليب وأشكال نضالية عنيفة لمواجهة عنف السلطة وشراستها، وسعيها الأجرامي لتصفية حزب الطبقة العاملة بقوة الحديد والنار، كما حصل عندنا في العراق لمرات كثيرة، لاسيما بعد أنقلاب شباط الأسود عام 1963، وبداية الكفاح المسلح إنطلاقاً من قرية (كلكة سماق) في كردستان، حيث التحق المئات من الشيوعيين وبينهم العديد من الضباط بهذه القاعدة الانصارية الوليدة، وساهموا مساهمات جدية وفي غاية الشجاعة في الدفاع عن انفسهم وعن حزبهم، وفي الثورة الكردية، وخاصة في معركة “هندرين” البطولية والكثير من المعارك الاخرى والصدامات العسكرية مع قوات الانقلابيين والجحوش.
وتكرر هذا الارث النضالي بصور أكبر وأوسع تأثيراً بعد الهجمة الفاشية التي قام بها نظام “صدام حسين” على الحزب عامي 1978 – 1979، الذي أغلق بالشمع الاحمر كل نوافذ العمل السلمي، الذي يتوق اليه الشيوعيون، رغم ان هذه النوافذ كانت صغيرة جداً وهامشية، الامر الذي وضع الحزب أمام ضرورة الانتقال الى أسلوب نضالي اَخر، لا يفهم محترفو الاجرام غيره.
ولم تكن المهمة سهلة على الاطلاق، لكن إصرار الشيوعيين على تحدي المستحيل، ذلل أكداس الصعوبات والمشاكل التي كانت سائدة آنذاك، ومكّنهم من ان يخطوا صفحة جديدة في سِفرهم النضالي المشرف، تلك الصفحة المتمثلة بحركة الانصار الشيوعيين التي خاضت على مدى عشر سنوات معارك بطولية ضد قوات النظام وجحوشه، من أجل إنهاء معاناة الشعب العراقي، وبناء عراق مدني ديمقراطي يمثل جميع العراقيين، ويحقق التقدم والازدهار لبلدهم.
وقد أتسمت حركة أنصارنا البواسل بسمات قل نظيرها في حركات الانصار التي أندلعت في أرجاء مختلفة من العالم، سواء ما يتعلق بتمثيلها لموزائيك الشعب العراقي من العرب والاكراد والتركمان وسائر القوميات الاخرى، أو في تركيبتها العمرية والوظيفية حيث شارك فيها شباب بعمر الورود من العمال والفلاحين والطلبة والمثقفين، نساءً ورجالاً أستجابة لنداء حزبهم، تاركين حياة من الاستقرار والاطمئنان في بلدان أوربا وغيرها من الدول التي كانوا يدرسون فيها وقاطعين دراستهم، تلبية للواجب والضمير الحزبي.
ومن ابرز سمات حركتنا الانصارية البطلة واكثرها تفرداً، انها كانت تفتقر الى العمق الجغرافي، لان الاعداء كانوا يحيطون بها من الجهات الأربع، فضلاً عن بعض الذين كانوا يحسبون على جهة الحلفاء!
ومع ذلك كانت شجاعة الانصار وصمودهم الاسطوري إزاء كل هذه التحديات مضرب الامثال ولقيت من التعاطف الشعبي الشيء الكثير.
وفي غمرة كفاحهم البطولي لحماية حزبهم ورفاقهم، ولزعزعة النظام الفاشي وأجهزته القمعية تسلل العشرات والمئات منهم، الى بغداد وبقية المحافظات العراقية، لرفد منظماتنا الحزبية وأبطال العمل السري، بغية مواصلة النضال على جميع الأصعدة.
وكانت حصة الرفيقات في هذا السجل الخالد، كبيرة ومدعاة للفخر والاعتزاز الكبيرين، ولم تقتصر مساهمتهن على الطبابة والمشاركة في الندوات الجماهيرية في القرى والارياف، ولا في إغناء الحياة الثقافية النشيطة جداً للأنصار وحسب، بل تعدت ذلك الى المشاركة في المفارز القتالية، وتقديم التضحيات الغالية، أسوة برفاقهن الذين لم يبخلوا بدمائهم الزكية، وطرزوا بها جبال ووديان وسهول كردستان، وكل أراضي الوطن، فقدموا مئات الشهداء والابطال دفاعاً عن مبادئهم السامية وحزبهم المجيد.
ولابد من الاشارة هنا والاشادة الكبيرة بعمليات الكفاح المسلح التي لجأ إليها الحزب في فترات مختلفة، وخاصة حركة الشهيد البطل “حسن سريع” في 3 تموز 1963، التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الاطاحة بزمرة البعث المجرمة، كذلك ما قام به المقاتلون البواسل في الاهوار، والفرق المسلحة في أرياف واسط والناصرية والشطرة والفرات الأوسط التي دافعت عن الحزب وكوادره وأعضائه، وأقضت مضاجع الدكتاتوريات المتعاقبة سواء في أثناء حكم العارفين، أو في زمن النظام الدكتاتوري العفلقي.
لقد ساهمت حركة الانصار الشيوعيين بقسط وافر في إضعاف مرتكزات النظام الدكتاتوري وأجهزته القمعية، ورفعت راية الحزب عالياً في سماء العراق، ليواصل طريقة المجيد دون كلل أو ملل من أجل الوطن الحر والشعب السعيد.
واليوم وامام التحديات الكبرى التي تواجه الحزب على صعيد تطوير عمله ونشاطه، وتعزيز دوره في الحياة السياسية والمجتمع، وتمتين وحدة الارادة والعمل، فاننا احوج ما تكون لحركة الانصار بما تمتلكه من خبرة متراكمة، وطاقات نضالية كبيرة في دعم نضال الحزب وعمله على مختلف الصعد.
الضيوف والرفاق الاعزاء
واليوم والشعب الفلسطيني الشقيق يكتب ملحمة المقاومة والصمود البطوليين في مواجهة أبشع عدوان صهيوني امبريالي، نؤكد موقفنا الثابت المستنكر اشد الاستنكار للهمجية الصهيونية الامريكية، والراسخ في مطالبته بوقف العدوان والابادة الجماعية للفلسطينيين، وانهاء الاحتلال الصهيوني، واقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية.
المجد كل المجد لشهداء حركتنا الانصارية، شهداء الحزب والوطن، ومجداً خالداً لكل من ساهم في بناء هذا الصرح العظيم.
يعيش العراق ظروفا معقدة وعصيبة، تفاقمها التطورات الخطيرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. اذ تتعمق الأزمة البنيوية الشاملة بفعل المحاصصة والطائفية السياسية والفساد والسلاح المنفلت، وتتعدد مظاهر تفكك الدولة، وغياب سلطة القانون والسيادة الوطنية، وضعف البنية التحتية، وفقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها، وانزلاق شرائح جديدة نحو البطالة والفقر والعوز، وتفاقم التفاوت الاجتماعي، مقابل أقلية ضيقة تحكم قبضتها على مفاصل السلطة والثروة. فيما يتفشى الفساد ويمتد الى مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية.
وتتعاظم الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان وقمع الاحتجاجات السلمية والتضييق على حرية الرأي والتعبير وملاحقة وترهيب الناشطين المدنيين. وتصاعدت مؤخرا الانتهاكات الفظة لحقوق المرأة وجرائم العنف وقتل النساء، خصوصا بعد تمرير البرلمان للتعديلات السيئة الصيت على قانون الأحوال الشخصية.
ويتنامى رفض شعبي للواقع القائم ولمنظومة الحكم الفاسدة، وتتعدد اشكال الاحتجاج والنضال الجماهيري والمطلبي والذي يشمل قطاعات وفئات واسعة في المجتمع.
ويشارك الشيوعيون العراقيون، إلى جانب القوى الديمقراطية، بنشاط في هذا الحراك الاحتجاجي، ويستعدون ايضا لخوض الانتخابات القادمة، في خضم نضال مثابر من أجل التغيير الشامل: إنهاء منظومة المحاصصة الطائفية والإثنية الفاسد والميليشيات المسلحة، وبناء دولة مدنية ديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية. ان هذا البديل الديمقراطي وحده هو القادر على ضمان السيادة الوطنية والاستقلال للعراق، ومنع التدخلات الأجنبية في شؤونه الداخلية، سواء من قبل الولايات المتحدة وحلفائها أو من قبل القوى الإقليمية الرجعية.
ويؤكد حزبنا الشيوعي مجددا تضامنه الثابت مع الشعب الفلسطيني ضد حرب الإبادة الصهيونية على غزة ومخططات التهجير والضم والتوسع الاستيطاني التي تنفذها حكومة نتانياهو الفاشية، بدعم مطلق من الامبريالية الامريكية. كما يعلن تضامنه مع شعوب لبنان وسوريا واليمن في مواجهة الاعتداءات الصهيونية الغاشمة . ويؤكد وقوفه مع شعب السودان وقواه الوطنية والديمقراطية لوقف الحرب الكارثية ومن اجل بديل مدني ديمقراطي.
ويحيي حزبنا نضالات شعوب العالم وقواها التقدمية والأحزاب الشيوعية واليسارية، معلنا تضامنه معها ضد الإمبريالية والليبرالية الجديدة والفاشية والعسكرة، من اجل السلام، ولبناء عالم بلا حروب، وتحقيق تطلعات الشعوب إلى نظام اجتماعي جديد قائم على قيم الديمقراطية والمساواة والعدالة والتعاون، وهي القيم الأساسية للاشتراكية.
ويتطلع الحزب الشيوعي العراقي والمشاركون في خيمة صحيفته المركزية "طريق الشعب"، وهم يحتفلون بالعيد الـ90 لصحافته، الى تضامن المشاركين مهرجان اللومانتيه ، مع شعبنا العراقي في نضاله من أجل التغيير الشامل وبناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، وتعزز مشاركة المرأة، وتحقق العدالة الاجتماعية.