بعد أن ضمّن مجلس النواب قانون الموازنة العامة، فقرة تتناسب مع قرار لمجلس الوزراء سنة 2017، يحصر تعيين الطلبة الأوائل بوزارة التعليم العالي، وبانسجام مع هذا، أصدرت وزارة المالية بعد اقرار الموازنة، 60 كتابًا رسميًا أخطرت فيها الوزارات بنقل الأوائل وتخصيصاتهم المالية إلى التعليم العالي. إلا أن الأخيرة، رفضت ببساطة كل هذه الكتب، واشترطت اجراء النقل الى ملاكها “وفقا للحاجة”.
لنفترض ان لهذا سببا منطقيا! فماذا عن المئات بل الآلاف الذين استقبلتهم الوزارة دون حاجة لاختصاصاتهم؟ هل كانت للمحسوبية والمنسوبية والحزبية الضيقة، هنا، الكلمة العليا؟
الأمر الخطير هنا، هو أن رفض أية وزارة تنفيذ القوانين النافذة يشكل مؤشرا مقلقا على استفحال ظاهرة “كلمن بكيفه”؛ حيث الوزير أو المدير أو حتى مسؤول الشعبة، يتعامل مع المهام المناطة به بطريقة “الآمر الناهي” دون الرجوع إلى القانون، ضاربا بذلك مؤسسات الدولة عرض الحائط.
فهل وزارة التعليم العالي حكومة قائمة بذاتها؟
إنّ تصرفات كهذه تدلل على غياب التخطيط الإستراتيجي والرؤية الموحدة والتنسيق بين المؤسسات في تعاملات إجرائية كهذه.
أخيراً: لا يمكن لاستفحال ظاهرة التجاوز على القانون وتجاهل محتواه، أن يسهم في بناء مؤسسات الدولة، ولا بد للحكومة والبرلمان من وضع حد لمثل هذه الممارسات.
اسوةً بكثيرين من المتطلعين الى اجراء انتخابات عادلة ونزيهة تعكس بصدق إرادة المواطنين، حذرنا مرارا من المال السياسي ودوره في تشويه العملية الانتخابية، ومن استخدام ممتلكات الدولة وتوظفيها من قبل الأحزاب المتنفذة في رشوة الناخبين، سواء بالتعيينات، وبتقديم الرعاية الاجتماعية ، أو عبر شراء المرشحين والدعاية لاشخاص وقوائم معينة.
وقد اجمعت مصادر مطلعة عديدة وتقارير إعلامية على ان استخدام المال السياسي واستغلال موارد الدولة وممتلكاتها لاهداف انتخابية، يتم منذ الآن على نحو سافر وفاضح، وبمدى اوسع من أي انتخابات سابقة.
ويشير بعض التقارير المذكورة الى تفوق خمس وزارات في ذلك حتى الان، والى انها بزت مثيلاتها جميعا، ومعها هيئة حديثة التكوين أسندت اليها مهمة بناء مشاريع خدمية سريعة، وثمة بين العاملين فيها من هم مرشحون، وان تلك المشاريع غدت وسيلة للدعاية الانتخابية المبكرة .
لقد تعهدت مفوضية الانتخابات والحكومة بتأمين افضل الشروط والضمانات، لاجراء الانتخابات بصورة حرة ونزيهة وعادلة.
لكن هذا لن يتحقق ما لم تتحرك الحكومة والمفوضية بصورة عاجلة لاتخاذ خطوات جادة، توقف تلك الممارسات المخالفة للقانون والمنتهكة لأصول اللعبة الديمقراطية.
بعد أن أدلى الجميع بدلوهم وهدأت العاصفة والضجة الإعلامية المحيطة بإعلان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، استعادة معدات مصفى بيجي المنهوبة، صار مناسبا قول كلمة في شأنها.
نشير أولا إلى أن إعادة جزء من المعدات لا يعفي من قام بتفكيك وبيع ونقل معدات المصفى، خاصةً وأن استعادتها تعتبر دليلاً عينيًا على وجود سارق ومشتر ووسيط.
وان على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها وتكشف للرأي العام المسؤول الأول عن هذه السرقة، وعدم الاكتفاء بإعلان إعادة جزء من المعدات، ربما غالبيتها خرجت عن الخدمة الآن، بعد انقضاء سنوات على سرقتها.
إن التأثير في عقول الناس عبر اعادة الإعلان عن أشياء أقل قيمة من المسروقة، هو أمر اعتاد من هو في موقع المسؤولية على تصويره بأنه نصر كبير، مثلما حدث عند استعادة 10 في المائة فقط من أموال “سرقة القرن”!
وتبقى سياسة تكريم الفاسدين وإعفائهم من العقاب، عاجزة عن الاسهام في بناء دولة مؤسسات، ولن تساعد الحكومة على مكافحة الفساد إن كانت هي جادة فيها.
صَدَم مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة جميع المعنيين بالشأن الزراعي، برفعه الدعم عن السماد الذي تقدمه وزارة الزراعة للفلاحين، وتحويل أمواله إلى دعم استخدام تقنيات الري الحديثة.
ففيما يتوالى التحذير من خطورة هجرة الفلاحين من أراضيهم صوب المدن، بتأثير الجفاف المدمر الذي لم يترك لهم خيارًا آخر، مع وصول العراق إلى مرحلة الإفلاس المائي وفشل الحكومة حتى الآن في الدفاع عن حقوق البلاد المائية، جاء هذا القرار غير المنطقي برفع الدعم عن الأسمدة، والذي لا يمكن اعتباره إلا مسعى جديدا لدفع هذا القطاع الهام صوب المزيد من التدهور.
ان صدور مثل هذا القرار الغريب تحت يافطة دعم القطاع الزراعي، ما هو إلا خطوة جديدة على طريق حث الفلاحين والمزارعين على ترك أراضيهم.
ونحن في الوقت الذي ندرك فيه أهمية استخدام تقنيات الري الحديثة في ظل أزمة الجفاف الحالية، إلا أن عملية إلغاء الدعم التي تحدث لأول مرة منذ سنين، هي مؤشر واضح على ان هناك توجها لتخلي الدولة عن واجباتها تجاه القضايا الهامة والمصيرية.
أم أن الزراعة والفلاح لا يعنيان شيئا لاصحاب القرار؟!
تواصل فرق وزارة العمل والشؤون الاجتماعية حملاتها لزيارة المناطق من اجل الكشف عن العائلات المستحقة، لشمولها بالإعانة الاجتماعية.
والغريب في الموضوع ان معظم هذه الفرق تزور مكاتب أعضاء مجالس النواب أو مقار أحزاب متنفذة لإجراء الكشوفات بدل الاطلاع المباشر على أحوال الناس ومن منهم يستحق الإعانة فعلاً.
وتشمل الزيارات مضايف شيوخ العشائر وبحضور مرشحي الأحزاب المتنفذة للانتخابات، في انتهاك واضح وصريح للقوانين واستغلال بيّن لموارد الدولة.
مثل هذه الممارسات لا يمكن قبولها، وهي دليل على عجز الحكومة عن منع المتنفذين من استغلال مناصبهم. كما انها بداية غير سليمة، خاصة مع تحذيرات رئيس الحكومة سابقا، من استعداد جماعات متنفذة للاقتراب من أموال الموازنة عند تنفيذها.
نذكّر الحكومة مجددا بوجوب حظر مثل هذه التصرفات، وضمان توزيع الإعانات الاجتماعية على من يستحقونها، ومنع استغلال المتنفذين لأموال الإعانات بطرق غير مشروعة، وللدعاية الانتخابية واستغلال عوز الناس وحاجتهم.
ومن الضروري ان تراجع الحكومة سياسة منح الإعانات الاجتماعية، خاصة وإن كثيرين من الميسورين يزاحمون المحتاجين على هذه الإعانات، متخذين من عدم تعيينهم حجة لطلبها رغم ان أوضاعهم جيدة.