لا تزال المنافذ الحدودية تشكل ثغرة كبيرة في جسد الاقتصاد الوطني، تنفذ منها المليارات الى جيوب الفاسدين شهريا. ويجمع خبراء ومراقبون على أن ما يُستحصل اليوم من تلك المنافذ لا يمثل سوى جزءٍ يسير من الإيرادات الفعلية، في ظل استمرار التلاعب بالتعرفة الجمركية، وعدم توحيد الإجراءات، وإمساك قوى متنفذة بزمام السيطرة على بعض المنافذ، بعيدًا عن رقابة الدولة.
تفاوت الإجراءات تهديد كبير
رئيس هيئة المنافذ الحدودية اللواء عمر الوائلي، يؤكد أن التفاوت المستمر في الإجراءات بين المنافذ التابعة للحكومة الاتحادية وتلك العاملة ضمن إقليم كردستان، بات يُشكل تهديدًا مباشرًا لحركة التجارة والعدالة الجمركية، محذراً من تداعيات اقتصادية خطيرة.
وقال الوائلي في تصريح تابعته "طريق الشعب"، إن "المادة 110 من الدستور منحت السلطات الاتحادية صلاحيات حصرية في رسم السياسة الاقتصادية والتجارية، بما يشمل إدارة المنافذ والجمارك، ومن غير المقبول أن تتخذ منافذ الإقليم مسارات موازية دون رقابة اتحادية فاعلة، في الوقت الذي تُشدد فيه الإجراءات على المنافذ الأخرى".
وأضاف أن "هذا التفاوت يُفضي إلى خلق بيئة تجارية غير متوازنة، تُجبر الكثير من التجار على التوجه إلى الإقليم للاستفادة من التسهيلات هناك، ما يضعف الإيرادات الاتحادية ويُربك السوق المحلية".
وفي بيان أخير لهيأة المنافذ الحدودية، أعلنت عن استكمال ربط السيطرات التابعة لإقليم كردستان مع مقر الهيأة، "وذلك لمتابعة سير الإجراءات وضمان تحقيق العدالة في استيفاء الرسوم، استناداً إلى قرار مجلس الوزراء رقم 270 لسنة 2025".
ضياع أكثر من نصف الإيرادات
من جهته، حذّر الباحث في الشأن الاقتصادي عبد الرحمن الشيخلي من أن مشكلة المنافذ الحدودية في العراق، باتت تشكل أحد أبرز مصادر استنزاف الموارد المالية للدولة، مشيرًا إلى أن جذور هذه الأزمة تعود إلى ما بعد عام 2003، عندما بدأ التراخي في إدارة الحدود وتحصيل الرسوم الجمركية بشكل أصولي.
وقال الشيخلي لـ"طريق الشعب"، إنّ "الفساد المالي والإداري في المنافذ الرسمية يتسبب بهدر أكثر من نصف الإيرادات المستحقة للدولة"، موضحًا أن "المكلفين بدفع الرسوم كثيرًا ما يتمكنون من إدخال البضائع من دون الالتزام الكامل بالتسعيرات والتعرفة المعتمدة، بفعل التلاعب أو المحاباة أو الرشاوى".
وأضاف أنه "برغم إدخال نظام الأتمتة في بعض المنافذ مؤخرًا، إلا أن ضعف السيطرة العامة وغياب الرقابة الحقيقية يحول دون الاستفادة القصوى من هذه الأنظمة"، متوقعًا أن "تتضاعف الإيرادات الجمركية أكثر من ثلاث او 5 مرات على الاقل إذا ما جرى ضبط الفساد وتفعيل الأنظمة الإلكترونية بشكل شامل".
22 منفذا غير شرعي؟
وفي ما يتعلق بالمنافذ غير الرسمية، أوضح الشيخلي أن هناك سبعة منافذ رسمية معلنة في إقليم كردستان، لكن عدد المنافذ الفعلية قد يصل إلى 22 منفذاً غير شرعي، تُستخدم لإدخال البضائع من دون رقابة حكومية اتحادية، ما يضعف هيبة الدولة ويشجع التهريب والتلاعب بالرسوم”.
وقال إن "العديد من التجار يفضّلون المنافذ غير الشرعية، لأنها تستحصل منهم رسوماً أقل من المعتاد، وتُتيح لهم تمرير البضائع بسهولة أكبر، ما يُضعف المنافسة العادلة، ويضرب الإيرادات الاتحادية"، مؤشرا وجود "هيمنة من قبل قوى سياسية نافذة وأذرع مسلحة على بعض المنافذ، ما يجعل من الصعب تنفيذ إصلاح إداري شامل دون توافق سياسي واسع"، مضيفا أن "الواقع يفرض أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية من داخل الإطار التنسيقي والحكومة لضبط هذه المنافذ وإعادة سلطة الدولة عليها".
وفي تقييمه للإيرادات المحققة حتى الآن، أوضح الشيخلي أن "حجم الإيرادات الجمركية في عام 2025 بلغت حتى الآن نحو 274 مليار دينار فقط، وهو رقم متواضع جدًا مقارنة بالإمكانات الحقيقية"، لافتًا إلى أن "الإيرادات السنوية يمكن في ظل إدارة فاعلة أن ترتفع إلى 10 تريليونات واكثر، إذا ما تم القضاء على الفساد وضبط جميع المنافذ، لا سيما غير الرسمية منها".
واختتم الشيخلي حديثه بالإشارة إلى حجم التلاعب في التصنيفات الجمركية، قائلاً ان "بعض البضائع المحظورة أو التي تفرض عليها رسوم مرتفعة تصل الى 300 في المائة، مثل السجائر والخمور تُسجل تحت بنود غذائية مثل معجون الطماطم وغيرها لتقليل الرسوم، وهذا نموذج صريح على الفساد المستشري في النظام الجمركي الحالي".
ضرورة لا تحتمل التأجيل
إلى ذلك، أكد الخبير الجمركي مصطفى الفرج أن الزيادة الأخيرة في الإيرادات الجمركية تعود بشكل رئيس إلى تطبيق نظام الأتمتة (الاكسيودا)، الذي أسهم في رفع الإيرادات السنوية للجمارك إلى نحو 2.5 تريليون دينار خلال العام الماضي، مشيرًا إلى أن هذا النظام لا يزال في مرحلته الثانية، لكنه أثبت جدواه.
وشدّد الفرج في حديث مع "طريق الشعب"، على أن "نجاح النظام مرهون بتعميمه على جميع المنافذ الحدودية في العراق، لا سيما أن تطبيقه في الوقت الراهن يشمل كل المنافذ، بينما تمتنع المنافذ في المناطق الشمالية عن الالتزام به، الأمر الذي تسبب بتوجه التجار من الوسط والجنوب نحو تلك المنافذ، بسبب عدم اعتمادها نظام الأتمتة".
وأوضح أن هناك مشكلة أساسية أخرى "تتمثل في غياب التوحيد في التعرفة الجمركية، إذ تعتمد منافذ الإقليم تسعيرات مختلفة عن تلك المعتمدة في باقي محافظات العراق، ما يعزز التفاوت والتلاعب، ويضعف العدالة الجمركية ويضر بالإيرادات الرسمية".
وحذّر الفرج من ان استمرار وجود منافذ غير رسمية تسهم في عمليات التهريب، ينعكس سلباً على الاقتصاد الوطني والرقابة النوعية للبضائع، قائلًا ان "هذه المنافذ تمثل تهديداً مباشرًا لأي إمكانية إصلاح، ويجب إما ضمها للنظام الجمركي الموحد أو إغلاقها بالكامل".
وبيّن أن "استكمال مراحل نظام الأتمتة، والربط الإلكتروني مع البنك المركزي، وتفعيل التصريح الجمركي الموحد في جميع المنافذ، بالإضافة إلى القضاء على الفساد والبيروقراطية، يمكن أن يرفع الإيرادات الجمركية المتحققة إلى ما بين 2 إلى 10 تريليونات دينار سنوياً".
وخلص الى القول ان "العراق بلد استيرادي بامتياز، وموقعه استراتيجي، ولا يُعقل أن تستمر المنافذ الحدودية خارج سيطرة الدولة، أو أن تُهدر فرص تحصيل الموارد غير النفطية بهذا الشكل. الإصلاح الجمركي ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل".
خلل عميق في النظام الكمركي
من جانبه، كشف الخبير الاقتصادي منار العبيدي عن وجود فجوة مالية خطيرة في النظام الكمركي العراقي، أهدرت خلالها الدولة أكثر من 20 تريليون دينار خلال الفترة من عام 2019 إلى عام 2024، في ظل غياب الإصلاحات الفعلية وهيمنة جهات متنفذة على منافذ الاستيراد.
وبحسب تدوينة نشرها العبيدي، فإن "إجمالي التحويلات المالية الرسمية المخصصة للاستيراد، بحسب بيانات البنك المركزي العراقي، بلغت نحو 311 مليار دولار، أي ما يعادل 415 تريليون دينار عراقي، وهي أموال خرجت من البلاد لاستيراد السلع والخدمات"، إلا أن ما تم تحصيله من عوائد جمركية خلال هذه السنوات، وفق بيانات وزارة المالية، لم يتجاوز 8.5 تريليون دينار فقط، أي بنسبة لا تتعدى 2% من إجمالي المبالغ المحوّلة.
وعدّ العبيدي هذا الفرق المالي الكبير "مؤشراً على وجود خلل عميق في النظام الكمركي"، موضحاً أن "المبلغ الذي كان يُفترض أن يُحصَّل، استناداً إلى تعرفة كمركية متوسطة تبلغ 7%، لا يقل عن 29 تريليون دينار"، ما يعني وجود فاقد فعلي يتجاوز 21 تريليون دينار، وهو تقدير محافظ وقد يكون الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير.
وأشار العبيدي إلى عدة أسباب تقف وراء هذه الفجوة، من بينها تحويل مسارات الاستيراد إلى منافذ إقليم كردستان التي لا تعيد الإيرادات الجمركية إلى الحكومة الاتحادية، واستيرادات وهمية تتم عبر تحويلات مالية لا تقابلها سلع حقيقية. بالإضافة الى تزوير الفواتير وتقليل قيم الشحنات للتحايل على دفع الرسوم، والاستيراد غير الرسمي عبر منافذ خارج سيطرة الدولة الاتحادية.
ووصف العبيدي الواقع الحالي بأنه "فشل صريح للنظام الكمركي"، مؤكداً أن الوقت لم يعد مناسباً للحلول الجزئية أو الترقيعية. واقترح بدلاً من ذلك إلغاء الكمارك بصيغتها الحالية واستبدالها بـ"ضريبة مضافة مباشرة تُفرض على كل عملية تحويل مالي تُجرى لغرض الاستيراد"، كبديل أكثر شفافية وعدالة.
وبحسب طرحه، فإن النظام المقترح سيوفر تحصيلاً فعلياً للإيرادات دون تهرب وحرمان الجهات الفاسدة من استغلال المنافذ، فضلا عن تعزيز موارد الدولة وسد العجز في الموازنات العامة.
رغم ما تعانيه الجامعات العراقية من نقص حاد في البنى التحتية وتراجع مستمر في جودة التعليم والبحث العلمي، أعلنت وزارة التعليم العالي عن قرب توقيع اتفاق مع الجانب الصيني لإنشاء أول “مفاعل نووي تدريبي تحت الحرج” في العراق، ضمن ما وصف بأنه مشروع لتأهيل الكوادر ورفع كفاءة التعليم التقني.
وأثار الإعلان جدلاً واسعاً، إذ وصفه مختصون بأنه “خطوة رمزية أكثر من كونها تحوّلاً استراتيجياً”، متسائلين عن اولوليات الوزارة وسط كم التحديات والمشاكل التي تعاني منها العملية التعليمية. وحذروا من تهويل الإنجاز إعلامياً وسط بيئة إدارية وتشريعية غير مؤهلة لاستيعاب مشاريع من هذا النوع.
وأعلن وزير التعليم العالي نعيم العبودي، عن قرب التوقيع على اتفاق مرتقب مع مؤسسة الطاقة الذرية الصينية بشأن وضع حجر الأساس لأول مفاعل تدريبي من نوع المنظومة تحت الحرجة في العراق، مشيرا الى أنه مشروع تعليمي يهدف إلى تطوير مهارات الطلبة والباحثين في مجالات الفيزياء النووية والتقنيات الإشعاعية السلمية.
ضجيج إعلامي
في هذا الصدد، وجه سكرتير اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق أيوب عبد الحسين سؤالا الى وزير التعليم العالي: ما هي الأولويات الحقيقية للتعليم والبحث العلمي في العراق؟"، مبديا استغرابه من "الحديث عن مفاعلات نووية في بيئة جامعية تعاني من نقص المختبرات الأساسية، وتخلف المناهج التعليمية، وضعف في الاستثمار لدى الكوادر البحثية؟".
وقال عبد الحسين في حديث لـ "طريق الشعب"، إن "البنية التحتية التعليمية لا تزال هشة، وتعاني من اختلالات مزمنة سواء في التمويل، أو في غياب استراتيجية وطنية واضحة للنهوض بالبحث العلمي".
وأضاف ان "الحديث عن مشروع مفاعل نووي تدريبي في العراق، في ظل الواقع الحالي للمؤسسات التعليمية، يفتقر إلى الواقعية، ولا يعكس أولويات حقيقية تخدم الطالب أو تنهض بالتعليم. لا يمكننا أن نخدع أنفسنا بإطلاق مشاريع ذات طابع تقني متقدم، في وقت لا تزال فيه جامعاتنا تفتقر إلى الكهرباء المستقرة، والقاعة الدراسية المجهزة، والمختبر القادر على خدمة أبسط التجارب العلمية".
وواصل القول: ان "الطلبة في العراق لا يحتاجون إلى منشآت معزولة عن واقعهم، بل إلى منظومة تعليمية تنصفهم، ومختبرات حقيقية، وخطط تشغيل بعد التخرج"، مشيراً الى ان "الغالبية العظمى من خريجي كليات الهندسة والعلوم يعانون من البطالة، ولا يجدون فرصة عمل لا داخل البلد ولا خارجه، فكيف يمكن الحديث عن كوادر نووية مستقبلية بينما نخسر مئات العقول الشابة سنوياً بسبب الهجرة أو الإحباط أو التهميش".
محاولة التغطية على الازمات الحقيقية
واشار الى ان "مشروع من هذا النوع – حتى لو كان رمزياً – لا يمكن فصله عن واقع الجامعات التي تفتقر لأبسط مقومات التعليم الحديث، وتعاني من تهميش دائم في رسم السياسات العامة. كما ان الحديث عن تقنيات نووية، يجب أن يكون جزءاً من رؤية شاملة تعالج أولًا تدهور البيئة التعليمية، وتسعى لبناء مؤسسات علمية مستقرة، وتضع الإنسان العراقي – الطالب والباحث – في قلب العملية التعليمية".
واكد ان اتحاد الطلبة العام يدعم "التطوير العلمي، لكننا نرفض أن يتحول هذا التطوير إلى واجهة إعلامية تُستخدم للتغطية على أزمات حقيقية يعيشها القطاع التعليمي. كما نرفض أن يُختصر حلم البحث العلمي في مشروع لم يخضع لنقاش أكاديمي واسع، ولم تسبقه إصلاحات تمكّن الجامعات من النهوض بمهامها الأساسية".
ونبه الى ان هناك "حاجة إلى مراجعة جدية لأولوياتنا؛ فبدلاً من القفز إلى مشاريع استعراضية إعلامية، ينبغي أن نبدأ من الأساس: توفير بيئة تعليمية حقيقية، دعم الكليات العلمية التي أصبحت حاضنات للبطالة، وتأهيل جيل من الباحثين بوسائل علمية حقيقية وليس بمشاريع معزولة عن الواقع".
وخلص الى القول: إن "هذا المشروع، مهما بدا لامعاً على الورق، لن يغير شيئاً ما لم يسبقه إصلاح جذري للبنية التعليمية، وتوفير مناخ علمي آمن وشفاف ومستدام. لا يمكن أن نبني مفاعلاً في بلد لم يعد قادراً على تأمين كهرباء لمدرج جامعي أو راتب لمدرس باحث. أما ما عدا ذلك، فهو ضجيج بلا أساس".
خطوة رمزية
من جهته قال الخبير في مجال الطاقة دريد عبدالله، ان اعلان "وزير التعليم العالي عن قرب توقيع اتفاق مع مؤسسة الطاقة الذرية الصينية لإنشاء أول “مفاعل تدريبي من نوع المنظومة تحت الحرجة” في العراق، يُعتبر خطوة رمزية أكثر من كونه تحولاً استراتيجياً في البنية العلمية النووية للبلاد".
واوضح في حديث لـ "طريق الشعب"، انه "من الناحية التقنية، نتحدث عن مفاعل صغير محدود القدرة لا يندرج ضمن المفاعلات الحرجة التقليدية التي تنتج الطاقة أو حتى المفاعلات البحثية مثل مفاعلات تموز 1 و2، والتي يمكن توظيفها في تطبيقات واسعة. فالمفاعل المقترح هو منظومة تعليمية تعتمد على مصدر نيوتروني خارجي، تُستخدم أساسًا لأغراض التدريب والبحث العلمي في بيئة آمنة بطبيعتها".
ونوه عبدالله الى ان "هذه المبادرة ورغم رمزيتها، فهي ليست فريدة على المستوى الإقليمي، حيث تمتلك دول مثل إيران أربعة مفاعلات بحثية من هذا النوع، بعضها يعمل منذ عقود، وتُستخدم في إنتاج النظائر المشعة وإجراء البحوث النووية الدقيقة".
واشار الى أن "تونس والأردن لديهما منظومات مشابهة تُستخدم لأغراض تدريبية وتعليمية. لذلك، لا يُعد المشروع العراقي سابقة علمية أو تكنولوجية، بل محاولة للالتحاق بما تمتلكه دول الجوار منذ سنوات".
ولفت الى ان الأمر الأهم، هو أن "المشروع ما يزال في مرحلة المباحثات، ولم يتم توقيع اتفاق نهائي أو الحصول على موافقات رسمية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو الجهات العالمية المختصة".
وزاد بالقول انه "من المعروف أن المشاريع النووية، حتى ذات الطابع السلمي، تمر بمراحل تقييم دقيقة تشمل دراسات الأمان، البنية التحتية، تدريب الكوادر، ضمانات الاستخدام السلمي، ومنظومة تشريعية ورقابية صارمة".
ونوه الى ان "هذا ما يفتقده العراق حالياً بسبب هشاشة البيئة الإدارية والقانونية وغياب استراتيجية نووية وطنية واضحة.
واشر المتحدث تفصيلة مهمة بقوله: "تتجنب الدول النووية الكبرى عادةً تنفيذ مشاريع نووية فعلية في دول توصف بالهشاشة الأمنية أو السياسية، خشية تسرب المعرفة أو ضعف السيطرة المحلية على المواد النووية".
ويعتقد ان "فرص تنفيذ المشروع تبقى مرهونة بتحولات جذرية في إدارة الملف النووي العراقي وبناء الثقة الدولية.
واختتم حديثه بالقول: "لا ينبغي تضخيم هذا المشروع إعلامياً، فهو خطوة أولى نحو إعادة تأهيل الكوادر العلمية العراقية في مجال مهم، لكنه لا يمثل دخولًا حقيقياً إلى النادي النووي البحثي، ولا تحولاً علمياً نوعياً طالما بقيت البنية المؤسسية والرقابية على حالها"، فيما رهن "النجاح الحقيقي ببناء بيئة علمية آمنة ومستقرة، ذات تمويل مستدام، قبل التفكير في منشآت أكثر تقدمًا ومسارات تكنولوجية معقدة".
في الوقت الذي تتهيأ فيه البلاد للانتخابات البرلمانية، نهاية العام الجاري، بدأت القوى السياسية المتنفذة مبكرًا حملاتها الدعائية لضمان هذا الصوت او ذاك، مستغلةً المال العام والمناصب التنفيذية، في مشهد يثير التساؤلات عن فاعلية القوانين والجهات الرقابية، وقدرتها على التصدي لذلك.
وبرغم تهديدات ووعود هيئة النزاهة والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لا تزال شوارع العاصمة والمحافظات تشهد طوفاناً من الصور واللافتات التي تروّج أسماء مرشحين، بينما الدعاية الانتخابية لم تبدأ رسميا، في ظل شكاوى عن غموض بعض القوانين وتهاونٍ في التطبيق، وصمتٍ يُفسَّر أحيانًا على أنه تواطؤ.
هيئة النزاهة تتوعّد
رئيس هيئة النزاهة الاتحادية، محمد علي اللامي، شدد خلال لقائه مع رئيس وأعضاء مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على أن الهيئة لن تتهاون في التصدي لمحاولات استغلال المال العام في الدعاية الانتخابية، مؤكدًا أن المشمولين بالعفو العام ممن صدرت بحقهم قرارات قضائية لا يحق لهم الترشح للانتخابات النيابية المقبلة.
اللامي أعلن عن تشكيل فرق ميدانية في بغداد والمحافظات، بالتعاون مع المفوضية، للتحقق من سلامة الإجراءات وضمان عدم استغلال الموارد العامة، محذّرًا من استغلال المناصب التنفيذية لأغراض انتخابية. كما دعا المفوضية إلى إلزام رؤساء ومؤسسي الأحزاب بتقديم إقرارات الذمة المالية، موضحًا أن الهيئة ستتابع مصادر تمويل الأحزاب وأوجه صرفها، وفقًا لما تخوّله الصلاحيات القانونية النافذة.
المفوضية تستعد والشارع يغلي
وفي السياق، أعلنت المتحدثة باسم مفوضية الانتخابات جمانة الغلاي، تفاصيل التعاقد مع موظفي الاقتراع ليوم واحد، مع إطلاق الرابط الخاص بطلبات التوظيف بدءًا من الثلاثاء 3 حزيران وحتى 9 تموز المقبل.
الغلاي أوضحت أن شروط التقديم تتضمن أن يكون المتقدم من سكان المنطقة الجغرافية التابعة للمركز الانتخابي، وألا يكون من أقارب المرشحين أو وكلاء الأحزاب، وأن يمتلك بطاقة بايومترية محدثة.
وأضافت أن المفوضية شكّلت لجنة من قسم الإجراءات والتدريب لتأهيل الموظفين الذين سيتم اختيارهم بالقرعة على آليات الاقتراع، بينما ستجري عملية المحاكاة الانتخابية، منتصف تموز المقبل بإشراف لجنة مختصة من دائرة العمليات وتكنولوجيا المعلومات.
بانتظار قوائم المرشحين
من جانبه، أشار رئيس الفريق الإعلامي في المفوضية، عماد جميل، إلى استمرار الأعمال التحضيرية للانتخابات المقبلة، كاشفًا عن إقبال ملحوظ على مراكز التسجيل وتزايد نشاط الفرق الجوالة، وبلوغ عدد محدثي بياناتهم حتى الآن نحو مليون وسبعمئة وخمسين ألف ناخب.
كما لفت إلى أن المفوضية استكملت تسجيل التحالفات السياسية وتستعد الآن لاستقبال قوائم المرشحين حتى 24 حزيران الجاري، مشيرًا إلى استمرار صيانة الأجهزة الانتخابية وبرمجياتها، وتنظيم دورات تدريبية للكوادر الفنية، فضلًا عن خطة أمنية لحماية مكاتب المفوضية والمراكز الانتخابية.
التطبيق موضع شك
الخبير القانوني واثق الزبيدي، أكد أن المفوضية تمتلك صلاحيات قانونية واضحة لمعاقبة المخالفين، بدءًا من الإنذارات وفرض الغرامات، وصولًا إلى منع المرشح المخالف من خوض الانتخابات، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات طُبّقت سابقًا، لكن الخروقات تتكرر.
وأضاف الزبيدي في حديث لـ"طريق الشعب"، أن بغداد وعددًا من المحافظات تشهد حاليًا انتشارًا واسعًا للافتات انتخابية مخالفة، برغم أن فترة الدعاية لم تُفتح بعد، موضحًا أن أمانة بغداد تملك صلاحية إزالة هذه اللافتات دون الرجوع إلى المفوضية.
وانتقد الزبيدي ما وصفه بـ"تواطؤ بعض الجهات المعنية" مع مرشحين نافذين، ما سمح لهم بتجاوز القوانين، مشيرا أن بعض المرشحين يحاولون التحايل على القانون من خلال الترويج غير المباشر لأنفسهم، رغم أن القانون يشمل كل دعاية، مباشرة أو غير مباشرة.
دعاية مبكرة وغياب الردع
من جانبها، قالت الخبيرة في الشأن الانتخابي فيان الشيخ علي، إن الدعاية الانتخابية المبكرة بدأت منذ مطلع العام الحالي، بل حتى قبله، تحت عناوين تنموية أو خدمية، وهو ما يصعّب على المفوضية فرض العقوبات بسبب غموض الصياغات القانونية.
وأشارت الشيخ علي إلى أن هذه الأساليب تهدف فعليًا إلى "حجز أماكن دعائية" قبل بدء المرحلة الرسمية، بحيث تُستبدل اللافتات الحالية بأخرى رسمية لاحقًا، مؤكدة أن النصوص القانونية المتعلقة باستغلال المال العام لا تُفعل بجدية، وتخضع غالبًا للتأويل.
واكدت في حديث لـ"طريق الشعب"، أن الجهات المتنفذة تستغل ضعف الرصد القانوني وتراخي الجهات الرقابية، داعية إلى مراجعة شاملة للأنظمة الانتخابية، وتفعيل مواد القانون الخاصة بمعاقبة المخالفين بشكل واضح وحازم.
شراء الأصوات إهانة للناخب
المحلل السياسي داوود سلمان ذهب إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في "الإسراف الكبير في المال السياسي"، الذي يبعث برسائل سلبية إلى الناخب، تعكس هدرًا مفرطًا لأموال الدولة.
واعتبر سلمان في حديث لـ"طريق الشعب"، أن المواطن يتعرّض لإهانة متكررة عبر توزيع المواد الغذائية والبطاقات المدفوعة، وهي أساليب تهين كرامته ووعيه، مشددًا على أن الأزمة لا تكمن في غياب القوانين، بل في غياب جهة رقابية قوية ومستقلة تفرضها بفعالية.
وأضاف أن "المفوضية، رغم نزاهتها، تظل جزءًا من منظومة سياسية يهيمن عليها السياسيون أنفسهم، مما يضعف قدرتها على مواجهة التجاوزات"، داعيًا إلى "مراجعة شاملة للآليات القانونية لمنع استغلال المال السياسي".
وأكد أن "الفساد مستمر ما دامت الأحزاب النافذة تسيطر على مفاصل الدولة، فيما المواطن لا يزال نائمًا في "غيبوبة انتخابية"، بعيدًا عن ممارسة دوره في المحاسبة والتغيير".
وتكشف الوقائع اليومية أن المال السياسي واستغلال موارد الدولة يشكّلان تحديين حقيقيين أمام نزاهة الانتخابات المقبلة. ومع غياب الحزم في تطبيق القوانين، وتواطؤ بعض الجهات مع المرشحين النافذين، تبدو الطريق إلى انتخابات نزيهة ومتكافئة محفوفة بالتحديات، ما لم تتحرّك مؤسسات الدولة بجدية لفرض القانون وحماية إرادة الناخب من المال والنفوذ.
أعلنت النائبة السابقة والقيادية في الحزب الشيوعي العراقي هيفاء الأمين ، امس الاول الاحد، عن تقديم دعوى قضائية ضد النائبة عالية نصيف، على خلفية تصريحات أدلت بها الأخيرة ووصفت فيها المشاركين في انتفاضة تشرين بأنهم “صهيو-أمريكيون”، وقارنتهم بـ ”الجماعات الإرهابية”.
وقالت الأمين، في منشور على صفحتها في فيسبوك، إنها قدمت صباح اليوم دعوى رسمية أمام محكمة الكرخ الثالثة في بغداد ضد النائبة نصيف، معتبرةً أن ما ورد على لسانها يمثل “تحريضًا خطيرًا وإساءة متعمدة” بحق حراك شعبي سلمي.
وأضافت: “ما يفطر القلب أن الجرائم الجنائية والسياسية لا تجد من يوقفها عبر جلب منفذيها إلى العدالة”، مؤكدةً أن تصريحات نصيف تُنكر دماء الأبرياء ومطالب الشعب الذي نهض من أجل حقوقه البسيطة في وطن آمن وخدمات لائقة".
وتابعت الأمين: “بدلاً من احترام تضحيات الشباب وأحلامهم، نرى سياسيين يمعنون في الطعن والإساءة وإثارة الحقد والكراهية، دون أي مراعاة حتى لعوائل وأمهات فقدن أبناءهن في ريعان العمر”.
وختمت بالقول: “الشعب العراقي يستحق الأفضل. كأن 23 عامًا من سوء الإدارة والفساد والطائفية لم تكن كافية كي ندرك حجم الانحدار”، متسائلة: “لماذا هذا التحريض؟ فقط ليبقوا في الحكم؟”
وقالت محلية الناصرية للحزب الشيوعي العراقي في تصريح صحفي، ان " الشيوعيين سيبقون مدافعين عن كرامة الانسان وعن تطلعات الشعب نحو الحرية والعدالة والدولة المدنية".
في خضم صمت رسمي مقلق وتجاهل إقليمي خطر، يواجه العراق أخطر تهديد مائي في تاريخه الحديث، تهديد لا يقل فتكًا عن أي كارثة اخرى، لكن هذه المرة يأتي على شكل عطش وجفاف وزحف صحراوي.
فتركيا تقلص الإطلاقات المائية، كما تخطط هي، من دون مراعاة حقوق العراق، فيما تغير إيران مجاري الأنهار بقرارات أحادية، وبين هذا وذاك يئنّ العراق تحت وطأة خزين مائي هو الأدنى منذ تأسيس الدولة، وتوقعات بصيف قاسٍ ينذر بكارثة وجودية.
ووسط هذه الازمة الكبيرة تكتفي الحكومة بإطلاق مبادرات وإقامة مؤتمرات لم تنتج أي شيء يذكر، حيث أطلق رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، "مبادرة إقليمية" لحماية نهري دجلة والفرات، خلال فعاليات مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه، الذي عقد الشهر الماضي، وغاب عنه التمثيل الرسمي لدول الجوار.
مبادرات حكومية مغلقة
ويرى خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية، رمضان حمزة، ان مبادرة رئيس الوزراء لحماية نهري دجلة والفرات من الناحية النظرية تعتبر جيدة، ولكنها على المستوى العملي وما يفرز عنها ستتحول الى إشكالية بين نشاطات وزارة الخارجية ووزارة الموارد المائية والوزارات الأخرى، وكان يجب ان تكون مبادرة وطنية ويكون التمثيل فيها رسميا وغير رسمي، إضافة الى غياب دول الجوار رغم تسميتها بمبادرة إقليمية.
وقال حمزة لـ"طريق الشعب"، ان "رئيس الوزراء لم يعلن عن مضمون هذه المبادرة بقدر ان هناك مبادرة، وتحدث بشكل مختصر جدا، فيما المطلوب ان مبادرة من هذا النوع يجب ان يكون لها عمق واستراتيجية حتى نعرف مردوداتها الإيجابية".
تركيا لا تقبل بـ"تقاسم الضرر"
وسط تفاقم أزمة المياه التي تعصف بالعراق، أكد عضو لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية، ثائر مخيف الجبوري، أن تركيا غير جادة في ملف تقاسم الضرر المائي، مشددًا على أن ما يجري يعد شكلاً من أشكال الحروب الحديثة، داعيًا إلى تحرك سيادي للرئاسات الثلاث، من أجل حماية الحقوق المائية للعراق وتأمين احتياجات مواطنيه.
ويؤشر الجبوري ارتفاعًا كبيرًا في تقليص الإطلاقات الخاصة بالعراق، مشيرًا إلى أن لجنته حضرت عدة اجتماعات بهذا الشأن بالتنسيق مع وزارة الموارد المائية ووزارة الخارجية، وبمشاركة ممثلين عن الجانب التركي "لكننا لم نتوصل إلى رؤية مشتركة حول ما أطلقنا عليه تقاسم الضرر، رغم وجود مشاكل حقيقية وكبيرة في هذا الملف".
وأضاف الجبوري أن "تركيا لا تبدو جادة في هذا الموضوع، ونحن نعدّه شكلًا من أشكال الحروب الحديثة، وتحديدًا في ملف المياه"، مؤكدًا أن لجنته طالبت الحكومة بتحمل مسؤولياتها تجاه هذا الملف الذي وصفه بـ"السيادي"، لما له من تأثير مباشر على حياة ستة وأربعين مليون عراقي، في ظل الزيادة السكانية السنوية البالغة مليونًا وخمسمئة ألف نسمة، ما يجعل الحاجة إلى المياه "ضرورة حيوية تتطلب تحركًا رسميًا عاجلًا".
ويشير الجبوري إلى أن العراق يعاني من تداعيات شح المياه، حيث تراجعت المساحات الخضراء، وأصبحت نحو 70% من أراضيه صحراوية، ما أدى إلى انعكاسات خطرة على الواقع البيئي والتغيرات المناخية والأمن الغذائي، فضلاً عن تأثير ذلك على الأهوار ومحاولات إنعاشها، في ظل ما وصفه بـ"هجمة مستمرة" على هذه المناطق الحيوية.
ويردف الجبوري بالقول ان "هناك خططا عمل عليها العراق تتعلق بالتقنيات الحديثة للري وتوفيرها للفلاحين"، كاشفًا عن تخصيص نحو 700 مليون دولار خلال ثلاث سنوات في موازنات 2023، 2024، و2025.
ويجد أن عملية تجهيز هذه التقنيات قد بدأت بالفعل، إلا أن ذلك لا يغني، حسب تعبيره، عن ضرورة استمرار التواصل مع الجانب التركي لحل الأزمة من جذورها، مشيرًا إلى أن العراق بدأ بالفعل باتخاذ إجراءات تتعلق بالترشيد والوفاء بالتزاماته تجاه دول الجوار.
ويؤكد أن اللجنة كانت لها زيارات في هذا الإطار، في محاولة لتحريك الجهود الدبلوماسية والتقنية لمعالجة أزمة المياه التي باتت تهدد الأمن الوطني والبيئي والغذائي للبلاد.
ترشيد الاستهلاك المائي
في السياق ذاته، حذّر الخبير في الشأن المائي ظافر عبد الله، من أن العراق مقبل على صيف قاسٍ وأزمة مائية غير مسبوقة، مشيرًا إلى أن الخزين المائي الحالي هو الأدنى منذ تأسيس الدولة العراقية، في ظل واردات مائية في أدنى مستوياتها، وخيارات حكومية محدودة لا ترتقي إلى حجم الكارثة.
ويشدد عبد الله في حديث لـ"طريق الشعب"، على أن الأزمة تحتاج إلى "إجراءات واقعية، حيث يعاني الإقليم بأكمله من شح مائي، وبالتالي نحتاج لترشيد الاستهلاك وضمان التوزيع العادل للمياه بين المحافظات".
وفي ما يتعلق بمسؤولية تركيا عن الأزمة، أوضح عبد الله أن "هناك حاجة الى ترك الاعتماد على أنظمة الري القديمة مثل الري السيحي، الذي يتسبب بهدر كبير"، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن "هذا لا يمنح تركيا أي ذريعة لحرمان العراق من حصته المائية العادلة"، مضيفًا "نحن نطالب بحقوقنا المائية، ونتحمّل مسؤوليتنا في طريقة استخدامها".
ووصف عبد الله الصيف الحالي بأنه "سيكون قاسياً جداً"، استنادًا إلى معطيات وزارة الموارد المائية وتحذيرات الخبراء، داعيًا الكتل السياسية إلى "رفع درجة اهتمامها بالملف المائي والتعامل معه كملف استراتيجي يرتبط بالأمن القومي والغذائي".
وأكد عبد الله أن "ما نحتاجه هو حزمة متكاملة من الإجراءات، بمشاركة جميع الأطراف: الحكومة، الوزارات المعنية، المواطنين، بل وحتى الشركاء الإقليميين"، لافتًا إلى أن "المشكلة تمس حياة الإنسان مباشرة، وأي إهمال لها سيكون مكلفًا".
وحذّر عبد الله من أن "التهديد المائي ممنهج"، ويخدم أجندات تسعى إلى فرض خيارات اقتصادية وزراعية غير مستقلة على العراق، قائلاً: "ما يحصل ليس غفلة، بل سياسة تهدف إلى إضعاف الزراعة العراقية وتحويلنا إلى سوق استهلاكي تابع في معادلة السوق الحر، ونحن أضعف حلقاته".
الوزارة تستنجد بالمياه الجوفية
من جهتها، أعلنت وزارة الموارد المائية أن المساحات المزروعة للخطة الصيفية الخاصة بالعام الحالي ستعتمد بالكامل وللمرة الأولى في تاريخ البلاد على المياه الجوفية.
وأوضح ميثم علي خضير، مدير عام الهيئة العامة للمياه الجوفية بالوزارة، أن الخطة الزراعية للموسم الصيفي المقبل ستعتمد حصراً على المياه الجوفية، بعد تخصيص 50 ألف بئر ضمن بغداد والمحافظات كافة عدا إقليم كردستان.
وأشار خضير إلى أن محاصيل ستراتيجية، أبرزها الشلب، تم منع زراعتها هذا العام بسبب شح المياه، باستثناء مساحة لا تتجاوز الألف دونم ضمن محافظتي النجف والديوانية، بهدف توفير بذور صنفي العنبر والياسمين، اللذين يعتمدان وسائل الري الحديثة.
وأكد أن الخزين المائي سيخصص لمشاريع مياه الشرب والاستخدامات البشرية ولسقي البساتين والخضر، مشيرًا إلى أن التغيرات المناخية وقلة الواردات من دول الجوار، إضافة إلى سقي الحنطة من الآبار الشتاء الماضي، فرضت ضغوطًا كبيرة على الخزانات الجوفية، التي تنقسم إلى نوعين: متجددة (في محافظات ميسان وواسط وديالى وصلاح الدين)، وغير متجددة (في الأنبار وكربلاء والنجف والمثنى).
وكشف خضير عن تثبيت أجهزة مراقبة إلكترونية على الخزانات الرئيسية لمتابعة انخفاض مناسيب المياه، وتحديد المناطق التي يمكن استثمارها، مؤكداً أن التعليمات الوزارية شددت على عدم التجاوز على مناسيب الخزانات، مع تشكيل لجان قانونية لاتخاذ إجراءات رادعة بحق المخالفين.
وأضاف أن هناك خططاً لزيادة أعداد سدود حصاد المياه في المناطق الصحراوية لتغذية الخزانات الجوفية صناعياً، مشيرًا إلى وجود 16 سداً في صحراء الأنبار بطاقة خزن تتراوح بين ثلاثة إلى عشرة ملايين متر مكعب، تسهم في توطين المجتمعات الرعوية وتقليل الحاجة إلى الآبار.
وتشير تقديرات وزارة الموارد المائية إلى أن كميات المياه الجوفية المتجددة سنوياً تتراوح بين 1.2 و1.8 مليار متر مكعب، في حين تذهب دراسات أخرى إلى أنها قد تصل إلى 4.8 مليار متر مكعب.
ومع ذلك، تؤكد التقارير الرسمية أن هذه الموارد تواجه تدهورًا نوعيًا وارتفاعًا في الملوحة، إلى جانب انخفاض مناسيبها بين 1 إلى 5 أمتار خلال السنوات الـ15 الأخيرة.
يذكر أن أكثر من 40 ألف بئر غير مرخص قد تم حفرها في البلاد تحت ضغوط إدارية وسياسية، بعيداً عن الضوابط الفنية، ما يزيد من احتمالات الاستنزاف الكامل للمياه الجوفية.
وفي ظل استمرار سياسات الجوار المائي المجحفة، وبناء تركيا لسلسلة سدود على نهري دجلة والفرات، وتغيير إيران لمجاري أكثر من 42 نهراً ورافداً كانت تصب في العراق، تتفاقم الأزمة، في وقت لا يتجاوز فيه الخزين المائي الحالي 10 مليارات متر مكعب، مقارنةً باحتياج سنوي يبلغ 50 إلى 60 مليار متر مكعب.
ومع تصاعد التهديدات، يحذر مختصون من أن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يؤدي إلى جفاف نهري دجلة والفرات بحلول عام 2040، إن لم يتم التحرك فورًا لضمان حصة عادلة للعراق وتنفيذ خطط مائية استراتيجية.
وفي ضوء هذه المعطيات، يبدو أن صيف 2025 مرشح ليكون الأصعب في تاريخ العراق المائي، في ظل صمت رسمي مريب وتأخر في الإجراءات الجادة، ليبقى السؤال المُلِحّ: متى نتحرك قبل أن يتحول العطش من خطر محتمل إلى واقع مرير؟