شهران وتحل الذكرى التسعون لصدور اول جريدة شيوعية في العراق، وانطلاق مسيرة الصحافة الشيوعية العراقية.
ففي 31 تموز 1935، بعد سنة وبضعة شهور على تأسيس الحزب الشيوعي العراقي، صدر العدد الاول لصحيفته الاولى "كفاح الشعب"، حاملا في رأس اولى صفحاته شعار المطرقة والمنجل وعبارة "يا عمال العالم اتحدوا".
وجاء صدور الجريدة وتعاقُب ظهور اعدادها في الاشهر التالية، في اجواء من السرية المطبقة التي كان يفرضها القمع والقهر الملازمان للحكم الملكي الرجعي، ومن التحدي والتصدي اليوميين لمصاعب ومخاطر تلك الاجواء الارهابية. شأنها في ذلك شأن الحزب نفسه، الذي تأسس وواصل العمل سرّا سنة بعد سنة، في ظل الظروف القاسية والملاحقات البوليسية ذاتها.
ورغم نجاح اجهزة القمع الحكومية بين حين وحين في دهم بيوت سرية للحزب ومصادرة مطبعة جريدته، فانه سرعان ما كان يؤمّن المستلزمات البديلة ويستأنف اصدارها بالاسم نفسه او تحت اسم آخر. علما ان تغيير اسمها، وهي الجريدة المركزية للحزب، كان يرتبط غالبا بطبيعة مراحل نضاله الوطني والديمقراطي، وتنوع اولوياته ومهماته الملموسة.
وهكذا نجح الحزب في السنين والعقود اللاحقة، ورغم قسوة ظروف العمل السري، في مواصلة اصدار جريدته المركزية باسماء مختلفة (بعد كفاح الشعب: الشرارة، القاعدة، اتحاد الشعب، طريق الشعب) مع بعض حالات الاحتجاب الموقتة، الناجمة عن مداهمات الاجهزة القمعية.
وبمرور الزمن وتطور وتنوع الاحوال والظروف السياسية في البلاد في مجرى العقود الماضية، وتوسع تنظيمات الحزب وتنامي احتياجاته، تمكن الحزب من اصدار مطبوعات اخرى الى جانب جريدته المركزية، من صحف ومجلات سياسية وفكرية وثقافية. وقد ظهر عديد منها باللغة الكردية (ابرزها ريكاي كوردستان)، وبعضها حتى باللغة الارمنية. وظهرت مطبوعات اخرى خاصة بمناطق معينة من البلاد (الفرات الاوسط مثلا، الجنوب) وغيرها تخص منتسبي فئات اجتماعية محددة (عمال، فلاحين، طلاب وشباب، معلمين، جنود، سجناء سياسيين وغيرهم).
ولعل مجلة "الثقافة الجديدة" التي احتفلت قبل سنتين بمرور سبعين سنة على صدورها، هي الابرز بين مطبوعات الحزب الدورية المذكورة، الى جانب جريدته المركزية. فهي الوحيدة التي واصلت الصدور منذ ظهورها الاول سنة 1953 حتى اليوم، رغم ما تعرضت اليه مراتٍ من قمع ومنع، اجبراها على الاحتجاب سنين عديدة احيانا.
هذا الإرث الحافل للصحافة الشيوعية العراقية، تكوّن وكبُر في كثير من جوانبه إبان سني وعقود النشاط السري الاضطراري للحزب، قبل ثورة 14 تموز 1958 وغداة انقلاب شباط 1963 الاسود وبعد الهجوم الدموي الصدامي على الحزب اواخر سبعينات القرن الماضي. وهي في مجموعها تغطي ثلثي المسيرة التسعينية اليوم للحزب ولصحافته كليهما.
وكان ثمن ذلك الانجاز الكبير باهضا، دُفع بدماء وارواح المناضلين الشيوعيين البواسل، بضمنهم الكثير من الصحفيين اللامعين.
هؤلاء الشهداء الخالدون، وسائر من عملوا في صحافتنا الشيوعية وقدموا الكثير الكثير عبر مسيرتها الطويلة المشرّفة، بضمنهم خصوصاً مبدعو "طريق الشعب" ومدرستها في السبعينات، هم من نكرر اعتزازنا وافتخارنا بهم وبإنجازهم اليوم، ونحن نتهيأ لإحياء العيد التسعين للصحافة الشيوعية العراقية آخر تموز المقبل.
وفيما نتهيأ ونهيء، نفتح صفحات جريدتنا لكل من يرغبون في المساهمة معنا في الكتابة عن المناسبة، وفي استذكار مسيرة صحافتنا المديدة المعمدة بالتضحية والألم وبالانجاز الباعث على الفرح، وما قدمت لنضال شعبنا في سبيل الحرية والديمقراطية والاستقلال الوطني، وما أمدّت به ساحات الصحافة العراقية والإعلام والثقافة من ثمار كثيرة يانعة متجددة، وغير ذلك وغيره.
يرزح الاقتصاد العراقي تحت وطأة اختلال التوازن بين الإيرادات والنفقات، وتضخم الإنفاق التشغيلي، وتآكل الاحتياطيات النقدية، إضافة إلى الهشاشة وسوء التخطيط في إدارة الموارد، برغم محدوديتها، وعدم خضوع غالبيتها لرقابة الدولة.
وتشير المعطيات الراهنة إلى وجود أزمة هيكلية تتفاقم بفعل السياسات المالية غير المنضبطة وضعف الإدارة الحكومية. اما الاسباب التي قادت الى ذلك، فيربطها مراقبون بازمات اخرى غير بعيدة عن سوء الإدارة، والفساد، والتدخلات السياسية في مفاصل الدولة الاقتصادية، والهبوط الراهن لأسعار النفط عالميا.
مؤشرات مقلقة
وكشف البنك المركزي، اخيراً، عن انخفاض الاحتياطي الرسمي أكثر من 11 تريليون دينار خلال عام واحد.
جاء ذلك في احدث تقرير للبنك حول المؤشرات المالية والنقدية في العراق في شهر شباط 2025، موضحا ان "الاحتياطي الرسمي بلغ في شباط 127.20 تريليون دينار منخفضا بنسبة 8.21 في المائة عن نفس الفترة من العام الماضي الذي بلغت فيه الاحتياطيات 138.570 ترليون دينار وهو بذلك يفقد 11 تريليونا 370 مليار دينار".
واضاف المركزي في تقريره ان "الدين العام الداخلي انخفض في شهر شباط عام 2025 الى 82.81 تريليون دينار، مقارنة بشهر كانون الثاني الماضي الذي كان قد بلغ فيه 83.04 تريليون دينار، مؤشرا ارتفاعا ملحوظا بالمقارنة مع شهر شباط من عام 2024 الذي كان قد بلغ فيه 73.75 تريليون دينار".
عجز وتخبط مالي!
في هذا الصدد، وصف عضو اللجنة المالية النيابية، جمال كوجر، الحالة الاقتصادية للبلاد بانها “سلبية”، مشيرا الى أن أي دولة ينبغي أن تكون مواردها المالية موازية أو مكافئة لنفقاتها، وأن تحدد موازناتها بناءً على تقديرات واقعية ومدروسة.
وأضاف كوجر في تصريح لـ"طريق الشعب"، أن “المشكلة في العراق تكمن في أن الحكومات تُشكَّل على أساس المحاصصة والانتخابات، لا على أساس الكفاءة والخبرة، ما أدى إلى انفجار في الإنفاق التشغيلي”، مبيناً أن “80 في المائة من موارد البلاد تذهب إلى تغطية النفقات التشغيلية، حتى باتت الحكومة غير قادرة على تلبية نفقاتها بالاعتماد على الموارد المتاحة”.
وتابع أن هناك "مشكلات عميقة تتعلق بالفساد، والترهّل الإداري، وهيمنة بعض الجماعات المسلحة والمكاتب الاقتصادية التابعة لأحزاب نافذة على مصادر الإيرادات"، مؤكداً أن “العديد من موارد الدولة لا تخضع لسيطرة الحكومة، ولا تُجبى بشكل فاعل”.
ولفت كوجر إلى أن الحكومة في عام 2024 "أنفقت أكثر من 160 تريليون دينار، بينما لم تتجاوز مواردها 140 تريليونا، ما أدى إلى عجز لا يقل عن 20 تريليون دينار"، مشيراً الى ان هذا "يعكس غياب التخطيط الاستراتيجي، وتشتت السياسات النقدية والمالية”.
وبيّن أن اللجنة المالية "حذّرت مراراً من مخاطر الاستمرار بهذه السياسات، لكن “لا أحد يريد أن يسمع الحقيقة”.
وأضاف ان “كل مسؤول يعتبر نفسه عبقرياً، ولا توجد جهة تُنصت للخبراء أو تعتمد على مراكز دراسات، ولهذا وصلنا إلى ما نحن عليه الآن”.
واستحضر كوجر في أثناء الحديث، حالة سابقة حصلت خلال أزمة داعش، قائلاً: “في عامي 2015 و2016 سحب البنك المركزي نحو 40 مليار دولار من احتياطيه، ما أدى إلى انخفاضه من 83 مليار دولار إلى ما دون الأربعين”، مضيفاً أن “فقدان أكثر من 11 تريليون دينار من الاحتياطي في الوقت الحالي يذكرنا بتلك المرحلة الحرجة”.
وفي ختام حديثه، شدد كوجر على أن “العراق ليس دولة مؤثرة اقتصادياً على المستوى العالمي، ولا يُنظر إلى الدينار العراقي كعملة دولية، لأننا دولة مستهلكة وغير منتجة”.
وأكد أن “إصلاح الأوضاع الحالية يتطلب حكومة قوية ورئيسا يفرض رؤية الحكومة، أما في ظل ضعف الإرادة السياسية فلن يكون هناك تغيير حقيقي".
سياسات مالية متضخمة
وأكد نائب محافظ البنك المركزي السابق، إحسان الياسري إن تراجع احتياطي البنك المركزي من العملة الأجنبية يرتبط بشكل رئيس بحجم ما تبيعه وزارة المالية من الدولار إلى البنك المركزي، مشيرًا إلى أن هذا الانخفاض لا يُعد بالضرورة مؤشرًا على تدهور الوضع المالي للدولة.
وأوضح الياسري في حديث خصّ به "طريق الشعب"، أنه وفق المعطيات المتداولة، فإن "الاحتياطي فقد ما يعادل 11 تريليون دينار عراقي، أي نحو 8 مليارات دولار، بسعر الصرف الرسمي، وهو ما يُعد تطورًا طبيعيًا في حال تراجعت الإيرادات النفطية المُخطط لها في الموازنة العامة".
وأضاف ان “هذا التراجع دفع وزارة المالية إلى اللجوء للاقتراض الداخلي، ما أسفر عن ارتفاع الدين الداخلي بين عامي 2024 و2025 بنحو 10 تريليونات دينار، وهو ما يعكس تمويل البنك المركزي لهذا العجز من خلال السوق الثانوي دون أن يتسلم مقابله دولارا من وزارة المالية”.
وأشار إلى أن هذا "التوازن بين ارتفاع الدين الداخلي وانخفاض الاحتياطي النقدي يوضح حجم التمويل المحلي الذي لجأت إليه المالية العامة. كما أن التراجع الطفيف في الدين الداخلي بين شهري كانون الثاني وشباط 2025 يعزى إلى إدارة الالتزامات وسداد جزئي لبعض الديون".
وشدد الياسري على أن وظيفة احتياطي البنك المركزي تتمثل في دعم التجارة الخارجية واستقرار الأسعار، مؤكداً أن تغيّر مستوى الاحتياطي لا يعكس بالضرورة تحسناً أو تراجعاً في الوضع المالي، بل يُقاس بمدى فاعلية السياسة النقدية في تلبية احتياجات الاقتصاد الوطني والقطاع الحقيقي.
ونوه الى ان "المعايير التي تبنى عليها تصورات قوة او ضعف الاحتياطات، تتعلق بعلاقة احتياطات البلد من العملة الأجنبية مقابل النقد المصدّر الى التداول".
وبحسب الياسري أن "احتياطات البنك المركزي الحالية تغطي ما يعادل 120 في المائة من النقد المصدر للتداول، في حين أن المعيار المقبول هو أن تغطي 60 في المائة، كما أن هذه الاحتياطيات قادرة على تمويل التجارة الخارجية لأكثر من 20 شهراً، حتى في حال توقف تصدير النفط وتوقفت المالية العامة عن بيع الدولار، وهو سيناريو غير وارد".
وبشأن قدرة البنك المركزي على تعويض الانخفاض في الاحتياطي، قال الياسري إن "الأمر يعتمد أساساً على حجم ما تبيعه وزارة المالية من العملة الأجنبية"، مردفا ان "البنك المركزي يستطيع في بعض الأحيان، التدخل بتنظيم نافذة بيع العملة، وترشيد عمليات البيع، وضبطها لتغطية الحاجات الأساسية فقط، وحصر مبيعات البنك المركزي بالأمور المهمة، دون فرض قيود على الجمهور لغرض الاستيراد وغيرها فهو امر ممنوع قانوناً، طالما أن الدينار المتداول مصدره سليم".
ولفت إلى أن "الرقابة المصرفية تتركز على مدى سلامة مصدر الدينار الذي يُقدمه المواطنون عبر المصارف، والتي تقوم بدورها بشراء الدولار نيابة عنهم من البنك المركزي".
وفي ما يخص إدارة الدين الداخلي، رأى الياسري أن "السياسات المالية ما تزال خاضعة لضغوط سياسية وانتخابية، تؤدي إلى تضخم في الإنفاق الحكومي عبر إطلاق مشاريع أو التوسع في التعيينات، ما يشكّل عبئاً على المالية العامة".
واعتبر أن الحل المستدام يتمثل في "تنشيط القطاع الحقيقي وتوفير فرص عمل في القطاع الخاص، إلى جانب تشريع قانون ضمان اجتماعي متكامل للعمال، بما يعادل نظم التقاعد للعاملين في الدولة، ما يُخفف الضغط عن القطاع الحكومي".
واعتبر الياسري أن "أبرز التحديات التي تواجه السياسة النقدية في العراق حالياً تتمثل في قرار خفض سعر الصرف مطلع عام 2023، والذي كبّد المالية العامة خسائر تُقدّر بنحو 10 تريليونات دينار سنوياً".
وبيّن أن هذا التخفيض "لم يحقق الأثر المرجو، إذ لم ينخفض سعر الصرف الموازي إلى مستوى السعر الرسمي البالغ 1320 دينارًا للدولار، بل بقي قريباً من سعره السابق عند حدود 1470 ديناراً".
وخلص الى أن "الاقتصاد الحقيقي فقد قدرته التنافسية التي بدأ باستعادتها بعد رفع سعر الصرف نهاية عام 2020، وهو ما كان قد ساهم حينها في تقليص الاستيراد وإنعاش الإنتاج المحلي، غير أن إعادة خفض السعر بعد عامين أجهض تلك المكاسب، وأدى إلى تراجع تنافسية الاقتصاد مجددًا، بالإضافة إلى خسارة المالية العامة للمبالغ التي كانت قد كسبتها من ارتفاع السعر سابقاً".
تحذير من عدم ضبط الانفاق
من جهته، قال الخبير الاقتصادي د. عبد الرحمن المشهداني إن مهمة البنك المركزي الأساسية تتمثل في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، ولا سيما استقرار سعر الصرف، موضحاً أن العراق يعتمد سعر صرف ثابت يقدر بـ1300 دينار للدولار.
وأضاف أن البنك المركزي يُجبر على ضخ الدولارات المتوفرة لديه – والتي تُعدّ من أصوله – للدفاع عن هذا السعر، مبينا أن “ارتفاع احتياطي العملة الأجنبية لا يُعدّ مؤشراً على قوة الاقتصاد، كما أن انخفاضه لا يعني بالضرورة ضعفه”.
وأشار المشهداني في حديث مع "طريق الشعب"، إلى أن إيرادات البنك المركزي تأتي من استثماراته في سندات الخزانة الأمريكية، ومن الفوائد على القروض التي يمنحها، إضافة إلى الغرامات التي يفرضها على المصارف وشركات الصرافة المخالفة.
ولفت إلى أن “الاحتياطي يجب أن يغطي استيرادات البلد لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، وحالياً يغطي نحو سنة وأربعة أشهر، وهو مؤشر جيد”.
وتابع قائلاً: “علينا البحث عن أسباب انخفاض الاحتياطي”، موضحاً أن “البنك المركزي خفّض عرض النقد بنحو 5 تريليونات دينار عبر سحب العملة المصدرَة من السوق وتعقيمها في خزائنه، في حين استخدم 6 تريليونات أخرى للدفاع عن سعر الصرف”.
وبيّن أن تعويض هذه المبالغ يعتمد على ارتفاع إيرادات النفط، قائلاً: “إذا تجاوزت إيرادات النفط 7.5 أو 8 مليارات دولار شهرياً، فإن الفائض سيُستخدم لتعزيز احتياطي البنك المركزي”.
وفي ما يخص ارتفاع الدين العام، أوضح المشهداني أن "السبب الرئيس هو التوسع في الإنفاق التشغيلي، خصوصاً على الرواتب والأجور والحماية الاجتماعية والمتقاعدين. في عام 2019 كانت هذه النفقات نحو 41 تريليون دينار، أما الآن فتصل إلى نحو 60 تريليون”.
وأضاف أن انخفاض أسعار النفط يدفع الحكومة إلى الاقتراض، سواء بشكل مباشر أو عبر طرح سندات وأذونات خزينة.
وتابع ان “هناك أيضاً نفقات الطاقة، والأدوية، والبطاقة التموينية، والتي تُقدَّر بنحو 10 تريليونات دينار، وهي نفقات لا يمكن تأجيلها، إلى جانب مستحقات الشركات الأجنبية العاملة في قطاع النفط، التي تُسدّد بانتظام”.
كما أشار إلى أن فوائد وأقساط الدين الخارجي تبلغ نحو 2 تريليون دينار سنوياً، فيما تصل فوائد وأقساط الدين الداخلي إلى نحو 12 تريليون دينار.
وواصل القول أن الدين الداخلي “أقل خطورة لأنه يمكن إعادة جدولته أو تأجيله أو إلغاء فوائده، على عكس الدين الخارجي الذي يجب تسديده في مواعيده المحددة”.
ونبّه المشهداني الى أن معالجة هذه التحديات تتطلب “تخطيطاً سليماً وتنسيقاً فاعلاً بين السياسات المالية والنقدية والتجارية”، مضيفاً انه “لا يجوز أن تكون السياسة المالية توسعية في ظل موارد محدودة، ثم نلجأ لاحقاً إلى الاقتراض الداخلي أو الخارجي”.
الايرادات غير النفطية
ودعا إلى تعزيز الإيرادات غير النفطية من خلال تحسين أداء مؤسسات الدولة، لافتاً إلى أن “الفساد هو السبب الرئيس لتباطؤ النمو، كما أشار صندوق النقد الدولي”.
وتابع “نحن نموّل التجارة سنوياً بنحو 65 مليار دولار، لكن الكمارك لا تحقق سوى إيرادات لا تتجاوز تريليون دينار، رغم أنه من المفترض أن تصل إلى أكثر من 10 تريليونات دينار، وهذا الفارق ناتج عن الفساد، وتحديداً بسبب وجود 22 منفذاً غير رسمي تدخل من خلالها البضائع، أو يتم تسجيلها بأقل من قيمتها أو تمريرها عبر الرشوة”.
وأكد أن معالجة ملف الكمارك والضرائب والعقارات (الطابو) من شأنه تحقيق إيرادات ضخمة للدولة، محذّراً من أن “بقاء الحال على ما هو عليه، من دون سياسة اقتصادية واضحة وسليمة، ومن دون إدارة رشيدة للموارد، سيقود البلد إلى وضع لا تُحمد عقباه، وسيدفع المواطن وحده ضريبته”.
واختتم بالقول: “إذا لم نضبط النفقات، فسنضطر إلى المزيد من الاقتراض داخلياً وخارجياً، علماً أن الدين الخارجي حالياً لا يتجاوز 9 مليارات دولار، وهو رقم بسيط نسبياً، لكن الخطر يكمن في تصاعده وتضاعفه مستقبلاً”.
أثارت حملة إزالة التجاوزات السكنية في محافظة البصرة موجة استياء شعبي واسع، لا سيما بعد رفض المحافظ أسعد العيداني تنفيذ توجيه رئيس الوزراء بإيقاف عمليات الهدم مؤقتا لحين إيجاد بدائل للمتجاوزين من ذوي الدخل المحدود. وزاد من حدة الجدل تصريحات العيداني التي ألمح فيها وفق مراقبين إلى أن "أغلب المتجاوزين ليسوا من أبناء البصرة"، وهو ما اعتبروه خطابا تمييزيا يعزز الانقسام الاجتماعي ويستهدف شرائح سكانية على أساس الانتماء المناطقي.
وبينما استندت الحكومة المحلية إلى المادة 154 من قانون إزالة التجاوزات في تمسكها بالإجراءات، يرى ناشطون أن الحملة افتقرت إلى البُعد الإنساني والاجتماعي، وضربت عرض الحائط المبادئ الدستورية التي تكفل حق المواطن في السكن الكريم.
وأدى تداول مشاهد مؤثرة لعمليات الهدم، خاصة تلك التي طالت منازل تحتضن نساء وأطفالا في مناطق فقيرة، إلى تصاعد الغضب الشعبي، ودفع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى دعوة موظفي البلدية للانسحاب من الحملة، أعقبها توجيه رسمي من رئاسة الوزراء بإيقاف الإزالات مؤقتا.
وتحولت القضية إلى صراع بين اقطاب متعددة وسباق انتخابي يحاول استغلال حاجة المواطنين، وسط تساؤلات حول مسؤولية الدولة عن معالجة أزمة السكن قبل استخدام الجرافات.
توجيهات غير ملزمة
ووجّه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بحسب وثيقة رسمية صادرة عن مكتبه بتاريخ 19 أيار الجاري بـ"إيقاف حملات تهديم الدور السكنية العشوائية للأراضي المتجاوز عليها، والتي يقطنها مواطنون معدومو الحال، ممن لا يملكون مأوى بديلا"، مشددًا على "أهمية إيجاد البديل قبل رفع أي تجاوز سكني، مراعاة لأوضاعهم".
في المقابل، ردّ محافظ البصرة أسعد العيداني على التوجيه، مشيرا إلى أن "العراق دولة اتحادية، وتوجيهات حكومة المركز غير ملزمة للمحافظات".
وأضاف العيداني في بيان اطلعت عليه "طريق الشعب": أن "المحافظ يُنتخب من قبل مجلس المحافظة ولا يُعد موظفا تابعا للحكومة الاتحادية"، معتبرا أن التوجيه الأخير "يتعارض مع المادة 154 من قانون إزالة التجاوزات، ويُعد سابقة خطرة قد تفتح الباب أمام مزيد من التعديات على الأملاك العامة والخاصة".
وأوضح أن "الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المحلية في البصرة جاءت بناء على قرارات قضائية باتّة تقضي بإزالة تجاوزات على أراضٍ تعود لمالكين أصليين".
قانوني يرد على العيداني
وعلق المحامي والناشط السياسي من محافظة البصرة، عبد الكاظم الكناني، على ما وصفه بـ"الاستناد غير الدقيق" من قبل محافظ البصرة أسعد العيداني إلى المادة 154 لتبرير حملة إزالة التجاوزات، مؤكدًا أن "ما ورد على لسان العيداني بشأن تنفيذ قرارات الهدم بناءً على أحكام قضائية استنادا إلى المادة 154 غير صحيح ولا يستند إلى غطاء قانوني واضح".
وأوضح الكناني في تصريح لـ "طريق الشعب" أن "القرار 154 الذي استند إليه المحافظ هو في الواقع قرار صادر عن مجلس قيادة الثورة المنحل، ولا يُعد مادة ضمن القانون المدني أو القوانين الجزائية النافذة"، مبينًا أن "نص القرار المذكور يتحدث فقط عن فرض عقوبات جزائية – مثل الحبس أو الغرامة – على المتجاوزين على أملاك الدولة، وهذه العقوبات تُفرض بموجب حكم قضائي صادر من المحكمة الاتحادية، وليس فيها ما يجيز تنفيذ الهدم مباشرة من قبل السلطات المحلية".
وشدد الكناني على أن "ما يجري من عمليات هدم في البصرة هو سلوك تعسفي، ويمس شرائح واسعة من أبناء المحافظة الذين لا يمكن اعتبارهم متجاوزين بالمعنى الحقيقي، بل إن الدولة هي من تجاوزت على حقوقهم، عبر الفساد وسوء إدارة الثروات الذي حرمهم من السكن والخدمات".
وأكد الكناني أنه "لا يعارض تنظيم ملف التجاوزات ومعالجة العشوائيات، لكن يجب أن يتم ذلك بعد توفير البدائل السكنية الملائمة للفقراء والمحتاجين، التزاما بالمادة 30 من الدستور التي تنص على حق المواطن في السكن الملائم، إلى جانب البُعد الإنساني الذي يفرض حماية الأسر الهشة من التشرد والانهيار الاجتماعي".
مخالفات قانونية
وأكد المحامي جعفر إسماعيل، الخبير القانوني ومستشار مركز العراق لحقوق الإنسان، أن حملة إزالة التجاوزات التي نُفّذت مؤخرا في منطقة النجمي بناحية خور الزبير في محافظة البصرة، شابها العديد من المخالفات القانونية والدستورية، داعيا إلى فتح تحقيق عاجل وشفاف بشأنها.
وقال إسماعيل لـ"طريق الشعب"، إن "الحكومة المحلية في البصرة، وبإشراف مباشر من المحافظ أسعد العيداني، شرعت في حملة لهدم منازل مشيّدة منذ سنوات في منطقة النجمي، بذريعة التجاوز على أراضٍ تابعة للدولة، إلا أن الوقائع تشير إلى أن عدداً من تلك الأراضي تعود لمالكين من القطاع الخاص".
وأوضح أن "المحافظ استند في قراره إلى قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 154 لسنة 2001، والذي يختص فقط بالتجاوزات الواقعة على أراضي الدولة والبلديات، في حين أن أغلب العقارات التي طالتها الحملة تقع على أراض خاصة، ما يُعد تجاوزاً على صلاحيات القضاء".
وبيّن إسماعيل أن "الإطار القانوني السليم في هذه الحالة يتمثل في قانون التنفيذ رقم 45 لسنة 1980، وتحديدا ما نصت عليه المادة 1119 من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951، والتي تشترط صدور حكم قضائي من محكمة البداءة المختصة مكانياً قبل الشروع بأي عملية إزالة، وهو ما لم يحدث في هذه القضية".
وأضاف انه "إلى جانب المخالفة القانونية، فإن الحملة تمثل خرقا واضحا للدستور العراقي، وبالأخص المادة 30 التي تلزم الدولة بتوفير السكن الملائم للمواطنين، وكذلك المادة 37 التي تنص على صون كرامة الإنسان وحرمة مسكنه، بينما تُركت العائلات المتضررة من الهدم في العراء دون بدائل سكنية، وتحت ظروف إنسانية صعبة".
وأشار إلى أن تصريحات المحافظ التي المح فيها إلى أن بعض المتجاوزين "ليسوا من أهل البصرة"، تتعارض بشكل صريح مع المادة 44 من الدستور، التي تكفل حرية التنقل والسكن لجميع العراقيين في أي مكان داخل البلاد، وهو ما يُعد انتهاكًا لمبدأ المساواة ويكرّس خطابًا تمييزيًا مرفوضاً.
وختم إسماعيل بالتشديد على أن "ما حدث في النجمي لا يمكن اعتباره فقط إجراء إداريا، بل هو انتهاك للحقوق الدستورية والإنسانية، ويستوجب تدخلًا عاجلًا من الجهات الرقابية والقضائية لوقف هذه التجاوزات، وضمان تطبيق القانون بعدالة، وحماية كرامة وحقوق المواطنين".
الحملة قديمة وتفعليها يثير الاستغراب
من جانبه، يقول الناشط من محافظة البصرة المحامي مدرك الاسدي، رئيس لجنة المنظمات في اتحاد حقوقي البصرة، أن حملة إزالة التجاوزات ليست بالأمر الجديد في المحافظة، إذ سبقت تولي المحافظ أسعد العيداني، غير أن وتيرتها تصاعدت بشكل واضح في عهده، واتخذت طابعا اجتماعيا مثيرا للجدل.
وأوضح البصري لـ "طريق الشعب"، أن المحافظ ركّز في خطابه على وصف المتجاوزين بأنهم "ليسوا من أهل البصرة"، وهو ما اعتبره البصري خطابا تحريضيا غذى الانقسام المجتمعي، وعمّق الفجوة بين فئات السكان.
وأضاف أن "هناك حالات إزالة تمت لأسباب مختلفة؛ فبعضها نفذ بناء على شكاوى مقدّمة من أصحاب أراض متضررين من التجاوز، والبعض الآخر أُزيل برغم عدم وجود مشروع في الأرض، ما أثار تساؤلات بشأن أولويات الحملة وأهدافها".
وتابع أن "الموضوع تحوّل إلى قضية رأي عام، خاصة بعد تداول مقطع فيديو لإزالة تجاوز تعود لامرأة في قضاء خور الزبير، وهو ما شكّل نقطة تحول وضغطا شعبيا على الحكومة المحلية".
وأشار إلى أنه من الناحية القانونية، لا يُسمح بالتجاوز على أراضي الدولة، غير أن المادة 30 من الدستور العراقي تنص بوضوح على حق المواطن في السكن الملائم، وهو ما يحمّل الدولة مسؤولية توفير هذا الحق قبل الشروع في إزالة أية تجاوزات.
وبين البصري أنه عقب تفاقم الأزمة، وجه زعيم التيار الصدري، دعوة إلى موظفي بلدية البصرة بالانسحاب من الحملة وعدم المشاركة في عمليات الهدم، وهو ما تبعه توجيه رسمي من رئيس مجلس الوزراء بإيقاف حملة الإزالة مؤقتًا لحين توفير البدائل السكنية.
وأكد أن هذا التدخل كان له الأثر الأكبر في تهدئة الشارع، مؤكدًا أن الغالبية العظمى من المواطنين ليست ضد تنظيم ملف الأراضي، لكنها تطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سكن بديل قبل تنفيذ الإزالة، لافتًا إلى أن السبب الأساس للتجاوز هو غياب الحلول السكنية وارتفاع أسعار الأراضي والدول السكنية في المدينة.
وتساءل البصري "هل من المنطقي أن تقوم الدولة بإزالة مساكن عشوائية يسكنها فقراء ومحتاجون، دون أن تتيح لهم فرصة أخرى؟"، مشددا على أن بعض هذه البيوت لا تصلح للعيش أصلا، وهي مبان متهالكة أُقيمت اضطرارا، وليست تعديا بدافع الطمع.
واختتم بالقول: "نحن لا ندافع عن التجاوز كمبدأ، لكننا نؤمن أن الدولة، قبل أن تزيل منازلهم، يجب أن تبني. الحل ليس في الجرافات، بل في المجمعات السكنية وتفعيل برامج الإسكان. عندها فقط، سيتخلى المواطن طوعا عن السكن غير القانوني، لأنه سيكون قد حصل على بديل كريم يحفظ له كرامته وحقه الدستوري".
ويتساءل مواطنون عن دور الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية في معالجة أزمة السكن، بعد سنوات من الوعود الجوفاء التي لم يجنِ منها المواطنون سوى أبراج فارهة يسكنها الأثرياء، فيما تُرك الفقراء ومحدودو الدخل أمام خيارين لا ثالث لهما: إما دفع بدلات إيجار باهظة، أو السكن في تجاوزات تفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم. ولا يمكن تجاهل من استغل هذه الأزمة لتحقيق مكاسب شخصية، متخذاً منها بوابة للربح والنفوذ.
ويؤكد مواطنون أن التصعيد الإعلامي وتبادل التصريحات بين المسؤولين لم يكن يوماً حلاً، بل كان الأجدر أن تُتخذ خطوات فعلية تحفظ كرامة المواطن العراقي، قبل أن يُدفع به إلى الأرصفة والمصير المجهول.
لا تزال قضية حصر السلاح بيد الدولة تمثل تحدياً كبيراً أمام الحكومات المتعاقبة ومن بينها الحالية، على الرغم من تبنيها المتكرر لهذا الشعار وطرحه كأولوية أمنية في البرامج الحكومية.
وتعلن وزارة الداخلية بين حين وآخر عن مبادرات لتقنين السلاح وتسجيله ضمن سجلات رسمية، لكن الصراعات القبلية لا سيما في مناطق جنوب البلاد، تكشف بشكل جلي عن عدم جدوى تلك المبادرات.
وسبق لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن أعلن نهاية العام 2022 تَعهّده بإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت.
هذا الشعار رفعته كافّة حكومات بغداد بعد العام 2005، لكنّها لم تتمكّن من تطبيقه، لأسباب معروفة. ومن هذا المنطلق أعلنت الداخليّة في السابع عشر من كانون الثاني 2024 عن جهوزيّة 697 مركزا، إضافة إلى البوابّة الإلكترونيّة، لشراء الأسلحة من المواطنين ضمن مشروع "حصر السلاح بِيَد الدولة". وتعقيبا على ذلك، قال عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، محمد الشمري، ان السماح بامتلاك قطعة سلاح واحدة لكل عائلة، بشرط تسجيلها رسمياً، يمثل خطوة ممتازة في اتجاه تنظيم حيازة السلاح، مضيفا أن هذه الخطوة "ستجعل عدد ونوعيات الأسلحة بيد المواطنين معلومة لدى الدولة"، ما ينعكس إيجاباً على الواقع الأمني، بحسب رأيه.
وأردف كلامه بأن نجاح هذه الحملة مرهون بوعي المواطنين واستعدادهم للتفاعل مع المنصة.
في المقابل، يرى الخبير الأمني عماد علو أن مسألة حصر السلاح بيد الدولة لا تزال "شعاراً مرفوعاً دون تطبيق فعلي"، موضحاً أن أغلب البرامج التي طرحتها الجهات الأمنية بهذا الخصوص تفتقر إلى الفاعلية والتطبيق الميداني الجاد.
ورأى أن المواطن لا يزال يفتقد الإحساس بالأمن نتيجة تفاقم ظاهرة السلاح المنفلت، سواء كان بيد مدنيين أم ميليشيات تابعة لأحزاب متنافسة على السلطة والامتيازات، مبينا أن المبادرات الحكومية، كدعوة المواطنين لإحصاء السلاح الخفيف والمتوسط، أو طرح برامج لشراء الأسلحة، لم تُترجم إلى نتائج ملموسة، بل واجهت قصوراً في التنفيذ.
وشدد الخبير الأمني على أهمية الاستفادة من تجارب دولية سابقة، جرت تحت إشراف الأمم المتحدة أو منظمات دولية مختصة، في إدارة حملات نزع السلاح. وأضاف أن الأسواق العلنية لبيع الأسلحة، والتهريب المستمر عبر الحدود، تُعد من أبرز العقبات التي تُقوض جهود الدولة في هذا الملف، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة تغذي الجريمة المنظمة، وتُستخدم من قبل مافيات تجارة المخدرات، ما يؤثر بشكل مباشر على الأجهزة الأمنية، ويقوّض شعور المواطنين بالأمن.
رغم تعدد المبادرات الحكومية والنيابية، تبقى مسألة ضبط السلاح في العراق مرهونة بإرادة سياسية حازمة، وبرامج أمنية واقعية، تتكامل فيها الخطط والتدابير مع حملات التوعية، وتستند إلى تجارب دولية ناجحة. وبغير ذلك، سيظل شعار "حصر السلاح بيد الدولة" حبراً على ورق، في بلد يعاني من تعدد مصادر العنف وتداخل سلطات السلاح.
أعادت أزمة تأخير إقرار جداول موازنة 2025، واحدة من أكثر المعضلات البنيوية في الإدارة المالية للدولة العراقية، الى الواجهة، كون ذلك تسبب في تعطيل تنفيذ مئات المشاريع وتجميد صرف التخصيصات للمحافظات والمؤسسات ومستحقات الموظفين وغيرها.
ويبرر التاخير بأسباب فنية وإجرائية ومنعاً لاستغلالها مع اقتراب موعد الانتخابات، لكن مراقبين عدوا كل هذه الذرائع "واهية وتعكس ضعفاً وصراعاً بين الكتل السياسية المتنفذة".
وتوقعوا ان يكون هناك "توظيف سياسي" للموازنة في الصراع بين تلك القوى، لكن يبقى السؤال الاهم: ما جدوى الموازنة الثلاثية إذا كانت تُدار بهذه الطريقة المرتبكة؟
الموازنة انتهت والبرلمان معطل
في هذا الصدد، أكدت اللجنة المالية في البرلمان، أن جداول موازنة سنة 2025 أصبحت من الماضي.
وقال عضو اللجنة النائب مصطفى الكرعاوي، في تصريح تابعته "طريق الشعب"، إن "الحكومة منذ البداية لم تكن لديها أي جدية في إرسال جداول موازنة سنة 2025 إلى البرلمان لغرض التصويت عليها، وذلك بسبب عدم وجود أموال لديها لتمويل هذه الموازنة وصرفها على المشاريع وغيرها، خاصة انها لم تطلق أموال موازنة 2023 و2024 حتى الآن بشكل كامل، بسبب الازمة المالية".
وأوضح أن "مجلس النواب معطل منذ أشهر ولا نعتقد أنه سيلتئم في ما تبقى من عمره الدستوري، ولهذا يمكن القول ان جداول موازنة سنة 2025 أصبحت من الماضي، ولن يتم التصويت عليها، وستحرص الحكومة على تغطية رواتب الموظفين فحسب خلال الأشهر المقبلة".
وقبل أسبوعين، أكد عضو اللجنة المالية في البرلمان جمال كوجر، أن "الحكومة ليست لديها أي نية لإرسال جداول موازنة سنة 2025 إلى مجلس النواب لغرض التصويت عليها، وذلك بسبب الأزمة المالية التي تمر بها وقلة السيولة"، مبيناً أنه "مع انخفاض أسعار النفط زاد العجز بشكل كبير في هذه الموازنة".
وقال إن الحكومة "تعاني من نقص في الأموال، لهذا هي حتى الآن لم تكمل الصرف المالي المخصص ضمن موازنة سنة 2023 ولا سنة 2024، وبالتالي فانها لا تحتاج إلى جداول جديدة، طالما لم تستطع تغطية التخصيصات المالية السابقة بسبب نقص السيولة".
ورجح كوجر "سيبقى الوضع على ما هو عليه لحين انتخابات مجلس النواب وتشكيل حكومة جديدة".
من جانبه، انتقد عضو اللجنة القانونية النيابية عارف الحمامي، "تأخر الحكومة في إرسال جداول الموازنة العامة إلى البرلمان"، محذراً من "الآثار الاقتصادية السلبية التي قد تترتب على عدم التصويت على هذه الجداول"، مطالباً الحكومة بـ"توضيح أسباب هذا التأخير وإحالة الجداول إلى البرلمان بأسرع وقت".
تهديد مباشر للوضع السياسي
وفي السياق، ذاته قال المراقب للشأن السياسي باسل الكاظمي، إن “تأخير إرسال مشروع قانون الموازنة إلى مجلس النواب لا يمكن تبريره بالاستعداد للانتخابات أو بأي حجج سياسية أخرى، لأن الموازنة تتعلق بالحياة العامة وبرواتب الموظفين والمتقاعدين وتنفيذ المشاريع الخدمية والتنموية، وأي تأخير في إقرارها يُعد تهديدًا مباشرًا للوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد”.
وأضاف الكاظمي في حديث لـ"طريق الشعب"، أن “التبريرات الخاصة بعدم إرسال الموازنة، مثل قرب الانتخابات، هي ذرائع واهية سيما ان هناك الكثير من الوسائل والاليات التي تخدم هذا الغرض، ولكنها تبريرات تخفي وراءها صراعات أعمق بين القوى السياسية".
وقال: " لا اعتقد ان هذه المعلومات صحيحة. لانه لا يجوز التعامل مع ملف الموازنة بهده الطريقة غير المسؤولة، لا سيما ان هناك جهات رقابية مسؤولة عن مراقبة اليات وابواب وطريقة الصرف".
وأشار إلى أن "هناك معلومات تتحدث عن محاولات من بعض الأطراف السياسية للاستفادة من التخصيصات في الدعاية الانتخابية".
وأكد الكاظمي أن “غياب الانسجام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وانعدام لغة الحوار بينهما، هو السبب الحقيقي وراء هذا التعطيل، وليس مسألة الانتخابات كما يُروَّج. ولو كانت هناك جدية في العمل المؤسسي، لكان من حق البرلمان أن يُلزم الحكومة بإرسال الموازنة خلال فترة زمنية محددة”.
واردف الكاظمي كلامه ان “الحديث عن الخشية من استغلال الموازنة في أغراض انتخابية لا يصمد أمام الواقع، فالحكومة الحالية، التي أعلن رئيسها عن ائتلاف انتخابي مع بعض الوزراء والنواب والمحافظين، تحاول تعزيز حضورها السياسي، وهي مستمرة في الإنفاق على قدم وساق، بينما تصدر أزمة الضائقة المالية إلى الشارع".
وخلص الى القول: "إذا كانت هناك رغبة حقيقية بالإصلاح، فيجب ان تكون البداية من رئيس الوزراء نفسه، الذي يتردد بأنه يستغل مؤسسات الدولة في حملته الانتخابية"، مردفا أن "استغلال موارد الدولة لأغراض انتخابية أصبح نهجاً سائداً وليس استثناءً”.
الموازنة الثلاثية "عديمة الجدوى"
وفي سياق متصل، قال المحلل الاقتصادي حسنين تحسين، إن “الموازنة الثلاثية، وعلى الرغم من أنها طُرحت كآلية لتبسيط الإجراءات المالية وتفادي تعطيلها سنويًا، لم تُحقق الفائدة المرجوة منها، وذلك لعدم إقرار جداولها التفصيلية حتى الآن”.
وأضاف في حديثه لـ"طريق الشعب"، أن “المشكلة الحقيقية لا تكمن في قانون الموازنة بحد ذاته، بل في الجداول الملحقة به، حيث تحدث عادة الخلافات داخل مجلس النواب، نتيجة السعي لإدخال إضافات تخدم مصالح بعض القوى السياسية، أو تمرير قرارات خاصة، ما يؤدي إلى عرقلة إقرار الجداول”.
وأشار تحسين إلى أن “عدم إرسال الحكومة لجداول الموازنة حتى الآن إلى البرلمان، يعني أن موازنة 2025 لا تزال غير مفعّلة، ولن تُنفذ إلا بعد إرسال الجداول، ومناقشتها، والتصويت عليها داخل مجلس النواب”.
ولفت إلى أن “الظرف السياسي الراهن يزيد الأمر تعقيدًا، فالعراق مقبل على انتخابات برلمانية، ومع اقتراب موعدها، يصبح من الصعب عقد جلسات منتظمة لمجلس النواب، الأمر الذي يعرقل عملية إقرار الجداول حتى في حال إرسالها من قبل الحكومة الى البرلمان”.
أضحى من الواضح أن الوقت قد تأخر لإقرار جداول موازنة عام 2025، في ظل استمرار الصرف استناداً إلى قرارات حكومية، ما يثير تساؤلات مشروعة حول الجهة الرقابية المسؤولة عن تدقيق أوجه الصرف وضمان شفافيتها. ويستحضر هذا الواقع الغامض ما جرى مع موازنة عام 2014، التي لا يزال مصيرها مجهولاً حتى الآن.