رغم الوعود الحكومية بحل أزمة السكن في العراق عبر مشاريع إسكانية عملاقة، يواجه المواطنون، خصوصاً من الشباب وذوي الدخل المحدود، واقعاً مختلفاً تماماً. فالمجمعات السكنية الجديدة التي يجري الترويج لها كحل جذري لأزمة السكن، تحوّلت في نظر كثيرين إلى مشاريع استثمارية بحتة، تغيب عنها العدالة الاجتماعية، وتُثقل كاهل الراغبين في الحصول على سكن بدفعات مسبقة وأقساط تفوق قدراتهم المالية.
وبينما تؤكد وزارة الإعمار والإسكان أن هذه المشاريع تراعي احتياجات جميع الفئات، يرى مختصون ومواطنون أن ما يُطرح على أرض الواقع لا يتماشى مع ظروف الغالبية، بل يكرّس الفجوة الطبقية ويحوّل حلم السكن إلى عبء طويل الأمد.
أسعار خيالية
وفي ظل تزايد تكاليف المعيشة وارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين فئة الشباب، يشهد سوق العقارات في العراق، وتحديدا في العاصمة بغداد، ارتفاعا كبيرا في الأسعار، حتى باتت تُعدّ خيالية وغير واقعية، بحسب الناشط السياسي، حسين العظماوي.
وقال العظماوي لـ "طريق الشعب"، أنه "رغم سعي الحكومة إلى تقديم تسهيلات وتشجيع الاستثمارات في القطاع السكني، خصوصا عبر بناء المجمعات السكنية الحديثة، إلا أن هذه المشاريع أُحيطت بشبهات الاستحواذ من قِبل بعض الأحزاب السياسية وأصحاب رؤوس الأموال، ما جعلها بعيدة عن متناول المواطن العادي".
ويضيف العظماوي أن "أسعار الوحدات السكنية في هذه المجمعات تجاوزت بكثير مستوى دخل الفرد العراقي، لا سيما الشباب منهم، ممّن يواجهون تحديات البطالة ويبحثون عن فرصة عمل وسكن، وهما من أبرز متطلبات الحياة الكريمة".
ويتابع قائلاً، أن "هذا الارتفاع الجنوني في أسعار العقارات لا يقف عند عتبة تعقيد امتلاك السكن، بل يمتد إلى ارتفاع الإيجارات، وانتشار البناء العشوائي، ما يهدد الاستقرار الاجتماعي ويشوّه التخطيط العمراني للمدن، في وقتٍ تتزايد فيه الحاجة إلى حلول جذرية تضمن العدالة السكنية، وتعيد التوازن إلى السوق العقاري".
لا حلول جذرية
وحذّر الباحث علي نجم العبد الله من أن المجمعات السكنية التي تشيّد اليوم في العراق، رغم الترويج لها على أنها حلول لأزمة السكن، لا تعالج المشكلة من جذورها، بل تسهم في تعقيدها.
وأوضح العبد الله لـ "طريق الشعب"، أن "معظم هذه المشاريع تستهدف الفئات ذات الدخل المرتفع، وتُهمل كليا احتياجات الشرائح الأوسع من المجتمع، مثل الشباب وذوي الدخل المحدود".
وأشار إلى أن ما يُفترض أن يكون "مشروعا لتحقيق الاستقرار الاجتماعي وتوفير سكن كريم، تحول إلى نموذج يعكس الإقصاء الاجتماعي والتمييز الطبقي، بسبب غياب العدالة في توزيع الفرص السكنية".
وأكد أن التصميم العمراني الحالي لا يعكس احتياجات المجتمع الحقيقية، بل يستنسخ نمطًا من التخطيط، يُفضي إلى مزيد من التهميش.
وأضاف العبد الله أن استمرار هذا النهج في الاستثمار العقاري دون رقابة أو توجيه حكومي عادل قد يؤدي إلى اتساع الفجوة الطبقية، وخلق بيئات سكنية منغلقة تُقسّم المجتمع على أساس اقتصادي، بدلًا من أن توحده تحت مظلة المواطنة المتساوية.
واكد ان "المستفيد من هذه المشاريع السكنية هو المستثمر فقط، لأنه يبني بأموال المواطنين أنفسهم مع وجود دغم حكومي، اذ يدفع المواطن نسبة من كلفة الوحدة قبل أن يبدأ البناء، أي أن المستثمر يعمل برأسمال المواطن، لا رأسماله".
ودعا الحكومة إلى تبني سياسة إسكان شاملة تنطلق من مبدأ العدالة الاجتماعية، وتضمن وصول الفئات المهمشة إلى السكن اللائق، عبر برامج مدعومة، وتسهيلات حقيقية، بعيدًا عن منطق الربح التجاري المجرد.
وحدات سكنية لمختلف الفئات؟
قال المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان، نبيل الصفار، أن مشاريع المدن السكنية الجديدة التي أُعلن عن انطلاقها مؤخرا تأتي ضمن رؤية حكومية شاملة تهدف إلى زيادة الرصيد السكني في العراق ومعالجة الفجوة الكبيرة في هذا القطاع، من خلال توفير وحدات سكنية تناسب مختلف فئات المجتمع.
وأوضح الصفار في حديث خصّ به "طريق الشعب"، أن "هذه المشاريع تراعي احتياجات الشرائح الفقيرة والمتوسطة وذوي الدخل المحدود"، مشيرًا إلى أن "حصص هذه الفئات ستكون من الوحدات التي تُسترجع من المطورين والمستثمرين العقاريين ضمن نظام الشراكة الجديد".
وأضاف انه "للمرة الأولى، يتم اعتماد شراكة حقيقية مع المطورين العقاريين، حيث تُمنح الأراضي مجانًا مقابل تخصيص نسبة من الوحدات السكنية أو الأراضي المخدومة للدولة".
وأشار إلى أن واحدة من كبرى هذه المدن ستضم 120 ألف وحدة سكنية، منها 12 ألف وحدة ستكون من حصة الدولة، مؤكدًا أن المدينة ستحتوي أيضًا على “أكبر حديقة في العالم”، وليس فقط في الشرق الأوسط أو المنطقة العربية.
وتحدث الصفار عن تنوع المساحات والأسعار في هذه المجمعات، لتناسب جميع الفئات، حيث تتراوح مساحات الأراضي بين 200 و600 متر مربع.
وأضاف أن مبيعات بعض المدن السكنية قد انطلقت بالفعل، مثل مدينتي "الورد" و"الجواهري"، اللتين يبلغ سعر المتر فيهما 900 ألف دينار عراقي، مما يجعل سعر الوحدة السكنية بمساحة 200 متر حوالي 180 مليون دينار، وهو سعر يعتبر منخفضا مقارنة بالأسعار المتداولة حاليا في السوق.
وأكد الصفار أن ملف السكن يعد من أكثر الملفات تعقيدا، إلا أن الحكومة اتخذت حزمة من الإجراءات والمبادرات لمعالجة الأزمة، من بينها مشروع "المطور العقاري" الذي يشمل إيصال الخدمات الأساسية إلى الأراضي، إضافة إلى مبادرات"تسكين" و"أجر وتملك" وغيرها.
ورجح المتحدث أن تبدأ هذه المشاريع بـ"إحداث تأثير إيجابي في السوق العقاري خلال السنوات الأربع أو الخمس المقبلة، إذ إن زيادة العرض ستؤدي تدريجيًا إلى انخفاض الأسعار".
وفي ختام تصريحه، لفت الصفار إلى أن هناك تفاهمات مع عدد من البنوك لوضع صيغ تمويلية تسهم في تسهيل منح القروض للمواطنين، لمساعدتهم على تسديد الدفعات المقدمة وشراء وحدات سكنية، مشددًا على أن الاستثمار العقاري بات خيارًا شائعًا لدى كثير من المواطنين حتى غير المحتاجين للسكن، مما يزيد الضغط على الفئات الفقيرة والمتوسطة، ويؤكد الحاجة إلى تنظيم السوق لتحقيق العدالة السكنية.
معاناة متزايدة
من جانبه، عبّر محيي فياض، وهو شاب عراقي خريج كلية الهندسة المدنية، عن استيائه من طبيعة المشاريع السكنية الجديدة، التي يرى أنها لا تخدم أبناء الطبقة الوسطى، بل تزيد من معاناتهم في البحث عن سكن لائق.
وقال فياض لـ"طريق الشعب"، إنّ "هذه المشاريع لم تبن بمنطق العدالة الاجتماعية، بل بمنطق الربح والاستثمار على حساب المواطن البسيط. من المفترض أن تكون موجهة لذوي الدخل المحدود، لكنها في الواقع بعيدة تماماً عن قدرتنا المالية".
وأشار إلى أنه، رغم كونه مهندساً خريجاً منذ سنوات، لا يزال عاجزاً عن امتلاك وحدة سكنية، بسبب الأسعار الباهظة وشروط الدفع المجحفة.
وتابع انه "كلما تقدّمتُ للحصول على وحدة في أحد هذه المجمعات، أُفاجأ بمطالبة بدفعة مقدمة تصل إلى 30 أو حتى 60 مليون دينار، ناهيك عن أقساط شهرية تتجاوز 800 ونصف. من أين لي بذلك وأنا بلا وظيفة مستقرة؟".
ولفت فياض إلى أن الأسعار في مدينة الجواهري "لا تختلف كثيراً عن باقي المجمعات من حيث الكلفة، رغم أنها تقع خارج مركز بغداد"، مضيفاً: "الفرق الوحيد هو الموقع، أما الأسعار فتبقى مرتفعة، وتفترض أن المواطن قادر على الدفع المسبق والانتظام في الأقساط، وهو أمر مستحيل على الغالبية".
واختتم قائلاً: "نحتاج إلى مشاريع سكنية فعلية تراعى فيها الظروف الاقتصادية لشباب العراق، لا مشاريع تُحوّل الحلم بالسكن إلى عبءٍ نفسي ومالي".
في تشرين الاول من عام 2019، شهد العراق واحدة من أبرز محطات الحراك الشعبي في تاريخه الحديث، تمثلت في انتفاضة تشرين التي انطلقت في بغداد وامتدت إلى محافظات الجنوب، احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية، وانتشار الفساد، والبطالة، وسوء الخدمات العامة.
وشارك مئات آلاف العراقيين في هذه الاحتجاجات، وكان معظمهم من الشباب الذي رفع شعار "نريد وطن".
سلطة خائفة
وفي سابقة خطرة تكشف عمق الانفصال بين ممثلي السلطة والشارع، أطلقت النائبة عالية نصيف تصريحات مسيئة شبّهت فيها انتفاضة تشرين السلمية بتنظيمات إرهابية دمّرت البلاد.
لم تكن تصريحات النائبة مجرد زلّة لسان، بل تجسيد فاضح لعقلية سلطة ما بعد 2003 التي ترى في الاحتجاج السلمي تهديداً، وفي مطالب الشعب جريمة، حتى بلغ الازدراء اقصاه حين تُساوى الحركات الجماهيرية المطلبية بداعش والقاعدة، والذي يكشف بوضوح خوف السلطة من الشعب الذي يفترض انها ولدت من رحمه.
تصريحات “مهينة ومشينة”
في هذا الصدد، أعربت الرفيقة هيفاء الأمين عن صدمتها الشديدة من التصريحات التي أطلقتها النائبة عالية نصيف في مقابلة متلفزة على قناة “العهد”، والتي شبّهت خلالها انتفاضة تشرين بحركات إرهابية مثل “داعش” و”القاعدة”.
وقالت الأمين في تصريح لـ"طريق الشعب"، انها “تفاجأت بصراحة من هذا التوصيف المرعب والمهين والمشين، الذي لا يمكن القبول به إطلاقاً. من غير المقبول أن تُشبه انتفاضة شعبية سلمية طالبت بوطن، بحركات إرهابية قتلت المدنيين ودمّرت البلاد”.
وأضافت الامين قائلة ان "انتفاضة تشرين لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتيجة تراكمات من الفشل الحكومي المتعاقب في تقديم الخدمات، واحترام الحريات، وتحقيق الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم؛ هذه الانتفاضة ضمّت فئات واسعة من المجتمع، وشارك فيها الشباب بشكل أساسي في بغداد والعديد من محافظات الجنوب، ورفعت شعارات ومطالب مشروعة يكفلها الدستور”.
وانتقدت الرفيقة بشدة الربط الذي قامت به نصيف بين هذه الحركة الاحتجاجية المدنية وبين مجموعات إرهابية، قائلة: ان “تشبيه انتفاضة تشرين بالحركات الإرهابية، والادعاء بأن من يقف خلفها هو ذات الطرف الذي يقف خلف داعش والقاعدة، هو أمر خطر، ومسيء لتاريخ هذه الانتفاضة الوطنية، التي ستظل صفحة ناصعة في سجل العراق الحديث”.
دعوى قضائية
وفي رد فعل مباشر على هذه التصريحات، أعلنت الأمين رفع دعوى قضائية ضد النائبة عالية نصيف.
وأوضحت الرفيقة انها التقت يوم أمس برئيس محكمة استئناف الناصرية من أجل ترتيب أوراق الشكوى. وقبل ذلك تواصلت مع عائلة الشهيد أحمد من شهداء تشرين، وطلبت إدراج اسمه في الدعوى، وقد أبدوا تأييدهم الكامل، كما سيشارك معنا جرحى وناشطون آخرون في ايام الانتفاضة، وسينضم المزيد من ذوي الشهداء”.
كما أشارت إلى تواصلها مع النائب علاء الركابي، الذي رحب بدوره بالانضمام إلى قائمة مقدمي الشكوى. وأضافت: “بدأنا فعلياً إجراءات التقاضي، وتم توكيل أول محامي لرفع الدعوى، وبدلًا من تقديمها في الناصرية، سيتم رفعها في بغداد كونها ساحة الحدث، وسنتوجه خلال أيام إلى محكمة الكرخ لهذا الغرض”.
واختتمت الأمين بالقول: “من يطلق هكذا تصريحات لا يمثل الشعب العراقي. هذه النائبة تفتقر إلى الثوابت والمبادئ، وتمرست في التنقل بين القوى السياسية بحثًا عن مصلحة شخصية، فقد كانت بعثية سابقًا، وتنقلت بين كتل مختلفة من القائمة العراقية إلى دولة القانون، ثم تحالفت مع قتيبة الجبوري، وحاليًا مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني. هذا السلوك الانتهازي ليس غريباً على من يتنكر لتضحيات شباب تشرين، ولقيم المواطنة والعدالة".
إساءة وتشويه للوعي الشعبي
من جهته، اعتبر الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، أن تصريحات نصيف، والتي شبّهت فيها احتجاجات تشرين 2019 بتنظيمات متطرفة مثل “داعش” و”القاعدة”، تمثل إساءة واضحة لحراك شعبي سلمي شارك فيه مئات الآلاف من العراقيين مطالبين بالإصلاح ومكافحة الفساد وتحسين الخدمات وتوفير فرص العمل.
وقال التميمي في حديث لـ"طريق الشعب"، ان “هذا التوصيف لا يعكس الواقع إطلاقاً، بل يندرج ضمن محاولات متكررة لتشويه صورة انتفاضة كانت تمثل لحظة وعي وطني عابر للطوائف والانتماءات، وتُعد أحد أهم محطات الحراك الشعبي في العراق الحديث”.
وأضاف التميمي، أن “العداء الذي تبديه بعض القوى السياسية تجاه تشرين يعود إلى كونها شكّلت تهديداً مباشراً لبنية السلطة القائمة ومصالحها، وكشفت عن حجم الفجوة المتفاقمة بين الشعب والطبقة الحاكمة؛ الانتفاضة حطّمت هيبة الأحزاب التقليدية وعرّت فسادها، ولهذا جاء الرد عبر التخوين والتشويه بدلًا من الإصغاء للمطالب الشعبية”.
وشدّد المتحدث على خطورة صدور مثل هذه التصريحات من نائبة في مجلس النواب، قائلًا: “من المفترض أن تمثل النائبة الشعب، لا أن تهاجم أصواته وتخوّن حراكه. مثل هذه المواقف تُكرّس خطاباً إقصائياً وتحريضيًا، وتؤسس لانفصال تام عن نبض الشارع، بدلًا من المساهمة في معالجة جذور الأزمة السياسية والاجتماعية”.
وواصل حديثه ان “الاستعلاء السياسي الذي تنطق به هذه التصريحات لا يؤدي سوى إلى تعميق الانقسام، وزعزعة الثقة المتراجعة أصلًا بين المواطن والدولة”.
بعد عقود من التوتر الأمني والسياسي، يشهد ملف حزب العمال الكردستاني (PKK) تطورات لافتة، مع إعلان الحزب حل هياكله التنظيمية، في خطوة وُصفت بأنها "تاريخية" على مستوى المنطقة والعالم وذات انعكاسات مباشرة على الوضع الأمني داخل العراق، وعلى علاقات بغداد - أنقرة.
هذا التحوّل يفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة وجوهرية لعل ابرزها عن دور الحكومة العراقية في استثمار الحدث، ومطالبة تركيا بالانسحاب من الأراضي العراقية بعد زوال الذريعة التي استخدمتها لعقود، وعن كيفية تعامل الحكومة العراقية مع هذه التطورات بما يحقق السيادة العراقية.
فرصة حقيقية
وتعليقاً على هذه القضية قال عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية علي البنداوي، أن التطورات الأخيرة بشأن إعلان حزب العمال الكردستاني نيته إلقاء السلاح وحل أطره التنظيمية تمثل خطوة مهمة ينبغي على الحكومة العراقية استثمارها بفعالية، مشددًا على أن العراق كان هو الطرف الذي دفع الثمن الأكبر في هذا الصراع الممتد منذ سنوات.
وأضاف البنداوي لـ"طريق الشعب"، ان "وجود حزب العمال الكردستاني في اراضينا مثّل ذريعة دائمة للتدخل التركي، سواء عبر العمليات العسكرية أو الغارات الجوية، وقد حان الوقت لوقف هذه التدخلات".
واعتبر أن الاتفاق الأخير يشكّل فرصة نحو إنهاء تواجد الحزب المسلح على الأراضي العراقية ووقف الانتهاكات التركية.
وأضاف البنداوي، ان "من المهم التوضيح أن العراق لا يصنف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، بل كحزب محظور، وهو تصنيف يختلف جذريًا عن التصنيف التركي الذي يضع الحزب على قائمة الإرهاب".
واكد ان "خطوة إعلان "حل الحزب" وتسليم سلاحه يجب أن تقابلها خطوات عملية من الجانب التركي، في مقدمتها سحب قواته من شمال العراق ووقف القصف المتكرر للمدن والمناطق العراقية".
وشدد البنداوي على ضرورة أن "تتحرك الحكومة العراقية بدبلوماسية نشطة، بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان، من أجل تحقيق نتائج ملموسة على الأرض"، داعيًا إلى “حوار رسمي مع الجانب التركي لإنهاء الوجود العسكري داخل الأراضي العراقية، خصوصًا أن الحجة التي طالما استخدمتها أنقرة لم تعد قائمة بعد إعلان الحزب نيته إنهاء نشاطه العسكري".
وأوضح أن لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب "تتابع هذا الملف بشكل مكثف، وقد أجرت في الفترة الماضية زيارات إلى الجهات الأمنية المختصة، من بينها مستشارية الأمن القومي، كما استضافت مسؤولين أمنيين لمناقشة التطورات المتعلقة بوجود الحزب المذكور والقوات التركية داخل الأراضي العراقية".
وفي ما يتعلق بالقلق من أن يكون إعلان حزب العمال مقدمة لتحركات جديدة، أو محاولة لترسيخ وجود سياسي أو جغرافي في كردستان العراق، قال البنداوي: “نحن ندرك هذه المخاوف، وهناك بالفعل تفاهمات أمنية واقتصادية ومائية بين العراق وتركيا، ولكن إذا لم تكن هناك جدية تركية حقيقية في سحب قواتها، فإن الموقف العراقي يجب أن يتغير، بما في ذلك التحرك على المستوى الأممي".
واختتم البنداوي تصريحه بالتأكيد على أن "أمام الحكومة العراقية فرصة حقيقية للنجاح في هذا الملف الحساس، شريطة التحرك المبكر والجاد، واستثمار المناخ الحالي لتحقيق سيادة العراق على كامل أراضيه".
تحرّك استباقي
من جهته، رأى الخبير الأمني عدنان الكناني أن قرار حزب العمال الكردستاني بشأن إلقاء السلاح قد يكون جزءًا من صفقة سياسية تهدف إلى الإفراج عن زعيم الحزب المعتقل عبد الله أوجلان، مقابل انتقال الحزب من العمل العسكري إلى العمل السياسي.
وأكد الكناني في حديث لـ "طريق الشعب"، أن تركيا لن تقدم على أي خطوة من هذا النوع دون مقابل واضح، متسائلًا: “ما هو الثمن الذي يجعل أنقرة تسمح لعناصر الحزب بالعودة إلى أراضيها بصورة طبيعية، رغم أنهم كانوا حتى وقت قريب ما زالوا مطلوبين للقضاء التركي وتلاحقهم الأجهزة العسكرية والأمنية والاستخبارية؟”
وأضاف أن "التساؤلات لا تتوقف عند حدود الصفقة المحتملة، بل تمتد إلى طبيعة التنظيمات المرتبطة بالحزب"، مشيرًا إلى أن "حزب العمال الكردستاني قد لا يمتلك “البه كه كه” كجناح عسكري فحسب، بل ربما ترتبط به بشكل غير مباشر ايضاً قوات سوريا الديمقراطية (قسد)".
ودعا الكناني الحكومة العراقية الى "تبنّي سياسات استباقية في التعامل مع التحديات وعدم الاكتفاء بسياسة رد الفعل؛ يجب أن نتوقع الأزمات قبل وقوعها ونعمل على معالجتها، من خلال مراكز أبحاث وهيئات قادرة على إعداد سيناريوهات لمشاريع تمسّ أمن العراق وحدوده، وطريقة تعامل المؤسسات الأمنية والعسكرية معها".
وأشار إلى أن العراق "يمتلك بالفعل مؤسسات قادرة على أداء هذا الدور، مثل مراكز الدراسات الاستراتيجية في وزارتي التخطيط والدفاع، بالإضافة إلى المديرية العامة للتخطيط والمتابعة في وزارة الدفاع، لكن هذا الدور ما زال دون مستوى التحديات".
وفي ما يتعلق بالوجود التركي داخل الأراضي العراقية، قال الكناني: “حتى الآن لم يُسلّم حزب العمال الكردستاني سلاحه، لكن إن حصل ذلك، فمن المفترض أن تسحب تركيا قواتها من الأراضي العراقية، لأن الذريعة التي استندت إليها في التوغل كانت محاربة الحزب".
واستدرك قائلاً: “مع ذلك، أستبعد أن تقدم تركيا على الانسحاب، بل أرجّح أنها ستزيد من عدد قواتها لتعزيز نفوذها العسكري داخل العراق.
وأضاف إن "تصريحات المسؤولين الأتراك لا توحي بانسحاب قريب للقوات التركية من شمال العراق"، مضيفًا أن "ما نراه على الأرض هو عكس ذلك تمامًا؛ فهناك توسع في القواعد والنشاطات الاستخبارية، سواء عبر الطائرات المسيرة أو غيرها".
سياسة خارجية غائبة
الى ذلك، أكد المحلل السياسي داوود سلمان أن إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه وإلقاء السلاح يُعد قرارًا تاريخيًا بالنسبة لتركيا، وهو تطور مفصلي من شأنه أن يرفع الحرج عن العراق ويُضعف مبررات التدخل التركي في شمال البلاد.
وقال في تصريح لـ" طريق الشعب"، إن المرحلة المقبلة "تتطلب من الحكومة العراقية التحرك بمسؤولية وبمستوى الحدث، من خلال التعامل الجاد مع ما تبقى من نفوذ وهيكل حزب العمال في مناطق مثل سنجار وغيرها".
وأضاف سلمان، “ينبغي على تلك الجماعات إما التحول الكامل إلى العمل المدني والاندماج في المجتمع الكردي، والتخلي عن السلاح، أو مغادرة الأراضي العراقية والعودة إلى تركيا، حفاظاً على السيادة الوطنية وبناء علاقات متوازنة مع الجوار".
وأشار إلى أن "الحجة التي استندت إليها أنقرة لتبرير تدخلها العسكري داخل العراق قد انتفت الآن، بعد إعلان الحزب وقف أنشطته المسلحة"، داعياً الحكومة العراقية إلى "الضغط الدبلوماسي على تركيا لسحب قواتها وقواعدها العسكرية من الأراضي العراقية".
وفي معرض حديثه عن السياسة الخارجية، عبّر سلمان عن أسفه لغياب رؤية عراقية واضحة وموحدة في إدارة العلاقات الدولية، قائلًا: “لا نملك سياسة خارجية فاعلة، فكل طرف يغني على ليلاه، والمواقف متفرقة وغير موحدة، وهذا يضعف قدرة العراق على بناء علاقات متكافئة قائمة على المصالح المتبادلة، بعيدًا عن الضغوط والابتزاز".
وصار سلمان يعول عاى الحكومة المقبلة التي تفرزها الانتخابات التشريعية نهاية العام الحالي، بـ”العزيمة السياسية” في حماية سيادة البلاد والرد الحاسم على أي انتهاك تركي مستقبلي، خصوصًا بعد سقوط الذرائع السابقة".
وشدد على ضرورة “فتح صفحة جديدة في كردستان العراق بالتعاون مع حكومة الاقليم لحماية الحدود، ورفض سياسة الكيل بمكيالين في العلاقات الدولية”.
وشدّد المحلل السياسي على أن "الحكومة العراقية يجب أن تكون حكومة لجميع العراقيين، لا مجاملة فيها لحركات مسلحة أو مجاميع خارجة عن القانون"، مطالبًا بـ"فرض القانون على الجميع، وعدم السماح لأي جهة باستغلال ملف حزب العمال الكردستاني كورقة ضغط سياسية".
كما دعا إلى استثمار هذا التحول "لفتح ملفات استراتيجية مع تركيا، تشمل الأمن، والاقتصاد، والتكنولوجيا، والمياه، بعدما أسهم العراق عمليًا في إنهاء تواجد حزب العمال داخل أراضيه، يجب على تركيا أن تبادل ذلك بخطوات مماثلة، وخاصة في ملف المياه الذي يمثل أولوية وطنية".
الوجود التركي في الأراضي العراقية
ويقدر وجود نحو 80 قاعدة عسكرية تركية شمالي العراق، موزعة بين محافظات إربيل ودهوك ونينوى، وعلى امتداد الحدود العراقية ـ التركية، ضمن عمليات انتشار عسكري تقول أنقرة إنها تهدف لمحاربة حزب العمال الكردستاني (PKK).
ووفق المعلومات المتوفرة، فإن القواعد التركية تتنوع بين معسكرات كبيرة وصغيرة، يمتد بعضها إلى عمق 10 كيلومترات داخل الأراضي العراقية، بينما يتوغل بعضها الآخر حتى 40 كيلومتراً في بعض المناطق، ما يجعل طول الانتشار العسكري التركي داخل العراق يصل إلى نحو 200 كيلومتر بمحاذاة الشريط الحدودي.
ويُقدّر عدد الجنود الأتراك المنتشرين داخل الأراضي العراقية بـ ما لا يقل عن 5 آلاف عسكري، يتمركزون في قواعد تضم معدات عسكرية متنوعة، منها مدافع ومدرعات، بالإضافة إلى وجود مهابط للطائرات المروحية والمسيرة، ضمن عدد من هذه القواعد.
أعلان حزب العمال الكردستاني (PKK) عن حلّ هيكله التنظيمي وإنهاء نهجه في "الكفاح المسلح"، جاء عبر بيان نشرته وكالة "فرات" المقرّبة منه، أن الحزب "أنجز مهمته التاريخية" في نقل القضية الكردية إلى مسار الحل السياسي والديمقراطي.
وجاء هذا الإعلان عقب انعقاد المؤتمر الثاني عشر للحزب في جبال قنديل بكردستان العراق، بين 5 و7 أيار الجاري، حيث تم اتخاذ قرار بإنهاء كافة الأنشطة العسكرية المرتبطة بالحزب.
ويبعث استمرار الوجود التركي، رغم زوال الذريعة المعلنة، على القلق من استغلال هذا التواجد كأداة ضغط جيوسياسي لتحقيق أهداف توسعية.
وتطالب أوساط سياسية عراقية الحكومة باتخاذ موقف حازم إزاء استمرار هذا التواجد، والعمل دبلوماسيًا وأمنيًا على إنهائه، خصوصًا بعد انتفاء الذريعة التي تستند إليها أنقرة.
كشف خبراء صندوق النقد الدولي عن تراجع الوضع المالي في العراق، وتراجع الأرصدة الخارجية، وتسجيل نموا أبطأ قياسا في العام الماضي في القطاعُ غير النفطي، وظلَّ التضخُّم منخفضاَ. وحدث ذلك بعد تحقيق نمو "قوي جدا" بنسبة 13.8 في المئة في العام 2023 ومن المتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للعراق قد تراجع إلى نسبة 2.5 في المئة في العام 2024.
وقال خبراء الصندوق، ان الفساد يُشكّل عقبةً كبيرة أمام تحقيق النمو. ويُعتبر تعزيزُ أُطر المساءلة لتشغيل الشركات المملوكة للدولة، والشركات الخاصة في قطاعات النفط والكهرباء والتشييد أمرًا بالغ الأهمية.
قيود على التمويل
وجاء في البيان التفصيلي الذي صدر، على هامش اجتماع عقده خبراء البعثة مع مسؤولين عراقيين في عمّان وبغداد خلال المدة من 4 الى 13 أيار الجاري، ان "القطاعُ غير النفطي نما بوتيرة أبطأ في العام الماضي، وظلَّ التضخُّم منخفضاَ. فبعد تحقيق نمو قوي جدًّا بنسبة 13.8 في المئة في العام 2023، من المتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للعراق قد تراجع إلى نسبة 2.5 في المئة في العام 2024، بسبب التباطؤ في الاستثمار العام، وفي قطاع الخدمات، فضلًا عن ازدياد الضعف في الميزان التجاري"، لافتة الى ان "انخفاض إنتاج النفط أثر على النمو الكلي، الذي انكمش بنسبة 2.3 في المئة خلال العام. كما انخفض التضخم إلى نسبة 2.7 في المئة بحلول نهاية العام 2024، وسْط انخفاض تضخُّم أسعار المواد الغذائية، وامتصاص السيولة النقدية من قِبَل البنك المركزي العراقي".
وأضاف البيان، أن "الوضع المالي تراجع، وتراجعت الأرصدة الخارجية، اذ يُقدرُ العجز المالي للعام 2024 بنحو 4.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بنسبة 1.1 في المئة في العام 2023، ما يعكس حجم الإنفاق الآخذ في الارتفاع على الأجور والرواتب والمشتريات"، مبينا ان "القيود المفروضة على التمويل قد أدت إلى عودة نشوء المتأخرات، ولا سيّما في قطاع الطاقة والانفاق الرأسمالي. وعلى الصعيد الخارجي، تقلّص الفائض في الحساب الجاري بشكل حاد من 7.5 في المئة إلى 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب الارتفاع الكبير في المستوردات من السلع".
انخفاض عائدات النفط
وأشار البيان الى انه "من المتوقع أن يظل النمو غير النفطي ضعيفًا في العام 2025 في خضم بيئة عالمية تكتنفها التحديات، والقيود على التمويل. ومن المتوقع أن يتباطأ الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى 1 في المئة هذا العام حيث يُثقل انخفاض أسعار النفط والقيود على التمويل كاهلَ الإنفاق الحكومي ومعنويات المستهلكين. ومن المتوقع أيضًا أن يَضعُف الحساب الجاري بشكل كبير في العام 2025، وذلك يرجع بصفة رئيسية إلى عائدات صادرات النفط الآخذة في الانخفاض. كذلك من المتوقع أن يؤثّر تدهور الوضع الخارجي على الاحتياطيات الأجنبية".
ولفت البيان الى "ازدياد مواطن الضعف في العراق في السنوات الأخيرة بسبب التَّوسُّع الكبير في المالية العامة، فإلى جانب التأثير على آفاق النمو الذي يقوده القطاع الخاص، فإن سياسات التوظيف المعمول بها حاليًّا في القطاع العام، وتكاليف الأجور المترتبة عليها غير مستدامة، وذلك نظرا إلى تدني حجم الوعاء الضريبي غير النفطي لدى العراق. وتبعًا لذلك، فقد تفاقم الاعتماد على عائدات النفط، وازداد سعر برميل النفط المطلوب لتصفير العجز في الموازنة، إلى حوالي 84 دولارًا في العام 2024، مرتفعا من 54 دولارا للبرميل في العام 2020".
تأجيل النفقات غير الأساسية
وأوضح البيان ان "تفاقم هذه التحديات سببه التراجع الحاد في أسعار النفط في العام 2025، ما يتطلب استجابة عاجلة على صعيد السياسات. فعلى المدى القصير جدًا، ينبغي للسلطات مراجعة خطط الإنفاق الجاري وخطط الإنفاق الرأسمالي للعام 2025، والحدّ من جميع النفقات غير الأساسية أو تأجيلها".
وقال خبراء البعثة بحسب البيان، ان "تنفيذ الإصلاحات يوفر حيزا ماليا لزيادة الإنفاق الرأسمالي. إذ ينبغي لتوسيع الاستثمار غير النفطي، لا سيّما في البنية التحتية للتجارة والنقل، أن يُساعد على التنويع الاقتصادي. وتقتضي الحاجةُ أيضًا تنفيذ استثمارات جوهرية لتحديث قطاع الكهرباء، وتنمية موارد الغاز الطبيعي؛ فكلاهما ضروري لتحسين أمن الطاقة وتقليص الاعتماد على الغاز المستورد. ومن شأن تحسين المشتريات وإدارة الأموال العامة للدولة، ومكافحة الفساد أن تعمل كلها على تعزيز فعّالية أي استثمار عام إضافي". وعلى الرغم من ثناء البعثة على جهود البنك المركزي في التحول الى نظام تمويل التجارة الجديد، وتأثيرها على دعم الانخفاض الأخير في الفارق بين أسعار الصرف الرسمية وأسعار الصرف الموازية، الى ان البيان اشر "حاجة إلى بذل المزيد من الجهود للحد من هذا الفارق، بما في ذلك عن طريق فرض استخدام الدينار العراقي في تنفيذ معاملات السيارات والعقارات، وتحسين الضوابط الجمركية للحد من التهريب، وتبسيط الحصول على العملات الأجنبية".
مكافحة غسيل الأموال
ودعا الخبراء من خلال البيان، الى "ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى تعزيز تدابير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال معالجة أوجه القصور المُحدَّدة في تقرير التقييم المشترك لفرقة العمل للإجراءات المالية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا فاتف)". كما نوه البيان الى انه "لا تزالُ عواملُ النقصُ المُزمنُ في توافر الطاقة، والفقدُ في قطاع الكهرباء، والدعم المفرط للتعرفة الكهربائية تُؤثّر كلها على الاقتصاد. فمعالجةُ أوجه القصور في قطاع الكهرباء أمرٌ مهمٌّ لاستدامة المالية العامة ولتحسين الإنتاجية. ففي العام 2024، بلغت نسبة الفقد في عمليات توزيع الكهرباء 55 في المئة، مدفوعةً بالسّرقات والتوصيلات غير القانونية، مما أدى إلى خسائر مالية كبيرة.
الشفافية والحصول على المعلومات
وتابع البيان بحسب رأي الخبراء، ان "مكافحةَ الفساد ونقاط الضعف في الحوكمة أمرٌ لا مفرَّ منه، وذلك لأجل دعم التنمية الاقتصادية. وتُعَدُّ الخطواتُ المتخذة في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ورفع كفاءتها، والتحسيناتُ في المؤشرات/ الأرقام القياسية لإدراك الفساد تطوراتٍ إيجابية في هذا المجال. ومع ذلك، فما زال الفساد يُشكّل عقبةً كبيرة في تحقيق النمو"، موضحا ان "تعزيزُ أُطر المساءلة لتشغيل الشركات المملوكة للدولة، والشركات الخاصة في قطاعات النفط والكهرباء والتشييد. يعتبر أمرًا بالغ الأهمية، ويجب إعطاء الأولوية للامتثال الشامل لمعايير مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، وسنّ قانون الشفافية والحصول على المعلومات.
تحسين تعليم المرأة
واختتم البيان بالإشارة الى ان "وجودُ أجندة شمولية للإصلاح الهيكلي أمر ضروري لإطلاق العنان لإمكانات النمو. فالبعثةُ تُقدِّر بأن تنفيذ مجموعة شاملة من الإصلاحات، التي تشمل سوقَ العمل، وتنظيم أنشطة الأعمال، والقطاع المالي والحوكمة، يُمكنها جميعها أن تضاعف نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي المحتمل تحقيقه على المدى المتوسط".
فيما نوّه الى انه "على صعيد سوق العمل، تشمل الأولويات زيادة المشاركة في القوى العاملة، لا سيما بين النساء، من خلال تحسين تعليم المرأة، والمساهمة الأكبر في رفع الحواجز التي تحول دون ممارستها العمل وقدرتها على الحركة والتَّنقُّل، وإصلاح التوظيف في القطاع العام؛ فكلُّ هذه العوامل تُؤدّي إلى تشويه أسواق العمل وتقليل الإنتاجية. وينبغي تعزيز الجهود لمواءمة المهارات مع احتياجات سوق العمل. وبشكل أكثر عمومية، فإن تبسيط اللوائح/ الأنظمة والحد من المعوّقات البيروقراطية في تسجيل أنشطة الأعمال، أو إدارة الضرائب، على سبيل المثال، من شأنه أن يزيد من المشاركة في الاقتصاد الرسمي/النظامي، ويساعد على تنمية القطاع الخاص".
اختتمت أمس السبت أعمال القمة العربية في دورتها الرابعة والثلاثين، التي عُقدت في العاصمة بغداد، بحضور قادة الدول العربية أو من يمثلهم، إلى جانب الأمناء العامين لعدد من المنظمات الدولية والإقليمية، وشخصيات من الدول العربية والاتحاد الأوروبي.
وافتتح رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد أعمال القمة العربية بدورتها الـ ٣٤، مؤكدا ان "قمتنا هدفها توحيد الجهود".
وعلى مستوى رؤساء الدول، شارك في القمة كلٌّ من: الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
كما شارك رئيسا وزراء حكومتي الأردن ولبنان، ووزراء خارجية الكويت والبحرين وسوريا والمغرب والجزائر وجيبوتي.
وضمّت الوفود أيضًا: رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد محمد العليمي، ورئيس وفد جمهورية جزر القمر المتحدة مباي محمد، ونائب رئيس وزراء سلطنة عمان شهاب بن طارق آل سعيد، وممثل تونس محمد علي بن أحمد الهادي، وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، نائب رئيس مجلس الوزراء الاماراتي منصور بن زايد آل نهيان، وعن السودان عضو مجلس السيادة إبراهيم جابر، في حين أوفدت ليبيا سفيرها لدى جامعة الدول العربية عبد المطلب ثابت.
وشارك في أعمال القمة أيضًا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي وصل إلى بغداد مساء الجمعة، إلى جانب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي، ورئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي محمود علي يوسف، ومبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل بوغدانوف، والمبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي لشؤون الخليج لويجي دي مايو.
وتُعد القمة الحالية من أقل القمم العربية تمثيلًا للرؤساء والملوك خلال العشرين عامًا الماضية، إذ كانت قمة نواكشوط التي عُقدت في العاصمة الموريتانية عام 2016 قد سجلت أدنى تمثيل على هذا المستوى، حيث حضرها سبعة قادة فقط، في حين لم يحضر قمة بغداد سوى خمسة منهم.
وأعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في كلمته خلال القمة، تخصيص مبلغ 40 مليون دولار لإعادة الإعمار، تُقسم بالتساوي بين لبنان وقطاع غزة.
وقال السوداني: "نعلن عن تقديم مبلغ 20 مليون دولار لإعادة إعمار لبنان، و20 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، في إطار دعمنا للأشقاء المتضررين من الأزمات والكوارث".
واختتم القادة العرب، أعمال القمة بإصدار "إعلان بغداد"، الذي تضمن حزمة من القرارات والمواقف السياسية والاقتصادية والتنموية، أبرزها الدعم المطلق للقضية الفلسطينية، والدعوة إلى وقف الحرب على غزة، وتكريس الجهود لتحقيق التنمية المستدامة في العالم العربي.
تثبيت الحقوق الفلسطينية
وطالب القادة العرب بوقف فوري للحرب على قطاع غزة ووقف الأعمال العدائية ضد المدنيين، داعين إلى تحرك عاجل لوقف إراقة الدماء، وضمان دخول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى المناطق المنكوبة.
وأكد الإعلان مركزية القضية الفلسطينية كقضية الأمة الجوهرية وعصب الاستقرار في المنطقة، مجدداً الالتزام بحقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في الحرية وتقرير المصير، ورفض التهجير القسري باعتباره جريمة ضد الإنسانية.
كما أدان القادة الإجراءات الإسرائيلية التعسفية بحق الفلسطينيين، داعين المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته، ومطالبين بنشر قوات دولية لحفظ السلام في الأراضي الفلسطينية، إلى حين تنفيذ حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
دعم للمواقف الدولية المساندة لفلسطين
وثمّن القادة إعلان دول أوروبية مثل إسبانيا والنرويج وأيرلندا الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، كما أعربوا عن تقديرهم لموقف جنوب أفريقيا في الدعوى القضائية أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، معتبرين هذه المواقف خطوات تعزز العدالة الدولية.
وأعاد "إعلان بغداد" التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي السورية، مشيدًا بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، وداعياً إلى حوار وطني شامل. كما عبّر القادة عن دعمهم الدائم للبنان في مواجهة التحديات، وطالبوا إسرائيل بالانسحاب الفوري من الأراضي اللبنانية المحتلة.
وفي الشأن اليمني، جدّد القادة دعمهم لوحدة اليمن، مؤكدين ضرورة الحل السياسي والحوار الوطني. كما دعوا لتسوية شاملة للأزمة السودانية ورحبوا بجهود "إيجاد" لتوحيد منابر الحل.
وفيما يخص ليبيا، شدد القادة على أهمية إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة وإنهاء المراحل الانتقالية، مؤكدين على ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية.
دعم العراق والإمارات والصومال
وأشاد القادة العرب بجهود العراق في تنظيم القمة الرابعة والثلاثين، وعبّروا عن دعمهم الكامل لسيادته وأمنه واستقراره، كما جدّدوا دعمهم المطلق لسيادة دولة الإمارات على جزرها الثلاث المحتلة من قبل إيران، داعين إلى حل سلمي عبر الحوار أو اللجوء لمحكمة العدل الدولية.
كما أكدوا دعم جمهورية الصومال الفيدرالية في ترسيخ الاستقرار، ودانوا محاولة اغتيال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، داعين إلى تعزيز القدرات الصومالية في مواجهة التحديات الأمنية والتنموية.
قضايا الأمن العربي والمياه ومكافحة الإرهاب
وشدد القادة على ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، ودعوا إيران إلى احترام مبادئ عدم الانتشار النووي. كما أكدوا دعمهم للمحادثات النووية الجارية بين إيران والولايات المتحدة، مثمنين دور سلطنة عمان في تسهيلها.
وأكد "إعلان بغداد" أهمية دعم الدول العربية التي تواجه تحديات مائية، خاصة العراق ومصر والسودان وسوريا، داعين إلى حلول عادلة ومتوازنة تحافظ على الحقوق المائية.
كما نوه القادة بجهود العراق في مكافحة الإرهاب، وأشادوا بقرار إنشاء "المركز الوطني لمكافحة الإرهاب ومنع التطرف"، داعين إلى تعميم التجربة وتعزيز التعاون العربي في هذا المجال.
واثار موضوع ضعف التمثيل على مستوى الملوك والامراء والرؤساء في القمة انتقادات متباينة، حيث يرى رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري أن التمثيل الزعاماتي في القمة كان ضعيفاً، مشيرا الى أن انعقادها جاء في إطار السياق البروتوكولي والتزامات العراق حيال الجامعة العربية.
وبرغم أن العراق طرح خلال القمة مبادرة من 18 بنداً، فإن الشمري يرى أن ذلك غير كافٍ، نظراً لغياب التفاصيل الواضحة حول طبيعة تلك البنود، كما أن القمة ناقشت التطورات الإقليمية دون أن تطرح خريطة طريق واضحة أو كافية، ما يجعلها قمة غير مثالية بالمعايير السياسية.
ويعتقد الشمري أن القمة الأخيرة التي عقدت بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية سرقت الأضواء مبكراً من قمة بغداد، خصوصاً لجهة نتائجها، مثل رفع العقوبات عن سوريا، ووضع ترتيبات جديدة في المنطقة، ودفع عملية السلام ووقف الحرب في غزة وفلسطين.
ويشير إلى أن العمل العربي المشترك ما زال أمامه طريق طويل، يبدأ أولاً بإصلاح الجامعة العربية، ومعالجة الخلافات الداخلية بين الدول الأعضاء.
دبلوماسية مرنة
فيما يرى رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، الدبلوماسي السابق الدكتور فيصل غازي، أن انعقاد القمة العربية في بغداد يشكل محطة مهمة في العلاقات العربية، في ظل التحديات الجسيمة التي تواجه الشرق الأوسط، خصوصاً بعد حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والتغيرات الجيوسياسية التي ضربت المنطقة.
وقال غازي إن الدبلوماسية العراقية اتسمت خلال هذه الأزمة بالمرونة العالية، وتمكنت من النأي بالعراق عن أجواء الحرب، وكانت دعواتها تركّز باستمرار على السلام وضمان حقوق الشعب الفلسطيني.