كشف مصدر مسؤول في مجلس محافظة بغداد، أمس الأربعاء، عن قيام الأحزاب السياسية المتنفذة في مجلس محافظة بغداد باخفاء قرابة ٨ آلاف درجة تعيين (عقد) من حصة أبناء المحافظة، وذلك لاستخدامها في الدعاية الانتخابية، واستمالة الشباب العاطل عن العمل.
وزعم المصدر لـ"طريق الشعب"، الذي فضل عدم ذكر اسمه، ان "العقود المخصصة لمحافظة بغداد أكثر بكثير من الأرقام التي جرى الإعلان عنها"، مبينا ان الرقم الحقيقي هو ١٩ ألف درجة وظيفية بصيغة عقد، وليس 11 ألفا.
وقال أن القوى السياسية المتنفذة داخل مجلس المحافظة عملت على اقتسام ٨ درجة وظيفية في ما بينها. كما ستكون لها حصة اخرى في الدرجات المعلنة الـ١١ ألفا.
وأكد المصدر، ان أكبر كتلتين في المجلس حصلتا على قرابة نصف هذه الدرجات الوظيفية"، مضيفا ان "أعضاء المجلس كذلك حصلوا على حصة من هذه التعيينات، اذ بلغت حصة كل عضو في المجلس ما بين 250 و 300 درجة".
يذكر ان عدد الموظفين في العراق يزيد على 4 ملايين و200 ألف موظف، بينما يتجاوز عدد المتقاعدين 3 ملايين، إلى جانب أكثر من 3 ملايين عراقي يتسلمون اعانات اجتماعية من الحكومة، ما يرفع إجمالي الالتزامات السنوية في موازنة 2025 الى 90 تريليون دينار على الاقل.
ويعاني القطاع العام ترهلا وظيفيا، جعل العراق يتصدر قائمة الدول العربية في عدد الموظفين الحكوميين.
مرحلة المحاصصة وتقاسم المغانم
رئيس هيئة النزاهة الأسبق، موسى فرج، قال ان "الوظيفة حق شرعي ودستوري وقانوني لكل مواطن عراقي، ويفترض ان يحصل عليها من خلال المنافسة والمفاضلة، وهي تعتمد على معايير محددة أهمها الكفاءة والجدارة والنزاهة، وفي نفس الوقت هي ليست حقا للمواطن العراقي فحسب وانما حق دستوري للمجتمع، كون مخرجاتها تتلامس مباشرة مع المجتمع، فاذا كان شاغل الوظيفة غير كفوء او غير نزيه فلن يقدم مخرجات صحيحة للمجتمع بل سيلحق الضرر به".
وذكر فرج في حديث لـ"طريق الشعب"، ان "حقبة المحاصصة التي بدأت بعد العام ٢٠٠٥ جعلت عملية التوظيف تتحكم بها الأحزاب المتنفذة، لا سيما في الرئاسات الثلاث وفي الهيئات المستقلة، انطلاقا من مبدأ تقاسم المغانم".
رشوة انتخابية
ولفت رئيس هيئة النزاهة الأسبق، الى ان "الحصول على وظيفة في العراق صار عن طريقين محددين، اما بدفع الرشوة او الانتماء لحزب من أحزاب المحاصصة، وهذا خرق لحق المواطن الدستوري، فالمجتمع لم يحصل على حقوقه من مخرجات الخدمات، فيما تحولت الوظيفة الى عبء، وأخيرا أصبحت الوظائف تشكل نسبة هائلة من المجتمع العراقي خلافا للمعايير الدولية وفي نفس الوقت أصبحت تمثل رشوة انتخابية.
ترويج سياسي وانتخابي مبكر
من جهته، قال الخبير في مكافحة الفساد سعيد ياسين، ان "إدارة الوظيفة العامة من اساسيات زرع النزاهة في المؤسسات العامة ان كانت محلية او اتحادية، لذلك عندما ينال الموظف هذه الوظيفة خارج المعايير بالتأكيد ستكون هناك شبهات فساد على أدائه".
وعن ملف الدرجات الوظيفية التي اطلقتها محافظة بغداد، أشار ياسين الى انه "يفترض بالحكومة المحلية ومجلس المحافظة اعتماد معايير الكفاءة والخبرة والنزاهة والمستوى العلمي بالإضافة الى الامتيازات القانونية لعوائل الشهداء وغيرها، وبغير هذه الطريقة يعتبر الموضوع في خانة الفساد"، لافتا الى ان "هذا الموضوع يدخل في تقاسم المغانم مما يؤثر على أساس القرار ويكون ترويجا سياسيا وانتخابيا مبكرا لهذه الأطراف السياسية".
جهتان معنيتان بالمراقبة!
ونوه ياسين الى ان "هناك حاجة لاعتماد هذه الوظائف على المنافسة والكفاءة والخبرة وحسب نوع الوظيفة، وكذلك يجب الإشارة الى حصة الأقليات ونسبتهم وضرورة عدم التجاوز على هذه النسبة".
وعن عمله في معالجة الفساد، بين الخبير انه "كنا نعاني في مسألة مراقبة مجلس المحافظة والمحافظة ولسنوات طويلة. هناك جهتان معنيتان بمراقبة ملف الوظائف، الأولى هي المجلس الأعلى للتنسيق بين المحافظات التابع لمجلس الوزراء، والأخرى هي ديوان الرقابة المالية، ويفضل ايضا ان يتم انتداب ممثل عن مجلس الخدمة الاتحادي كجهة قطاعية مسؤولة عن توزيع الوظائف العامة".
وانتقد النائب السابق في البرلمان، رزاق الحيدري، ظاهرة "الاستغلال الواضح والكبير للمال العام ومشاريع الدولة في الدعاية الانتخابية"، مبيناً أن هذه السلوكيات تعكس "مزاجا سياسيا عاما يتكرر مع كل انتخابات، برغم أنها ظاهرة مخزية للعملية السياسية بتوظيف المال العام بمنّة على العراقيين".
وقال الحيدري، ان "هناك أموالا وعروضا وصلت بعضها إلى مليارات الدنانير لمن يملك مساحة وثقلاً عشائرياً وسياسياً. هذا الأمر ينذر بخطر على العملية السياسية".
وقع العراق في العقدين الماضيين عشرات مذكرات التفاهم مع العديد من البلدان، وتضاعفت أعداد هذه المذكرات في السنتين الأخيرتين لاسيما مع الجانب التركي والأمريكي، لكنها بقيت عرضة للانتقادات من قبل المختصين، خاصة ان أكثر من 60 بالمئة منها لم يجرِ تفعيلها، إضافة إلى أنها ليست ملزمة، على العكس من الجدوى التي تضمنها الاتفاقيات، الغائبة عن قاموس الحكومات العراقية.
الأولوية للاتفاقيات
أستاذ العلوم السياسية، د. عبد الجبار أحمد يرى ان العمل الدبلوماسي في الساحة الإقليمية والدولية يشترط ان تكون هناك علاقات دولية مفتوحة من خلال مذكرات التفاهم والمعاهدات والاتفاقيات، مشيرا إلى ان "الاتفاقيات تكون أكثر جدوى دائما".
وقال أحمد لـ"طريق الشعب"، ان "الاتفاقيات والمعاهدات يجب ان يتم عرضها على السلطة التشريعية وإذا ما وضعنا مقارنة مع النظام السياسي الأمريكي، فان الرئيس الأمريكي يمتلك صلاحية القرارات التنفيذية ويستخدم من خلالها آلاف القرارات التنفيذية ويستخدمها تعبيرا عن قوة الرئيس حتى لا يذهب الى الكونغرس، مع ان الأخير قد يكون من نفس حزبه".
وتابع، انه "في ما يتعلق بالعراق، فإننا من دعاة: أينما تكن هناك حاجة للتعاون والتنسيق بصيغة مذكرة التفاهم أو الاتفاقية أو المعاهدة فأهلا بها، لكن الفرق بين مذكرة التفاهم والاتفاقية، هو ان الأخيرة أكثر ديمومة ومن ثم توثق وتصدق من قبل الأمم المتحدة، وأحيانا يوضع فيها سقف زمني، وعادة ما تلجأ السلطة التنفيذية والحكومات الى مذكرات التفاهم كون بعض الحاجات الملحة قد تكون اقتصادية او أمنية او أياً كان شكلها قد لا تقتضي الذهاب الى معاهدة او اتفاقية والدخول في مسألة تصديقها. ومن الناحية القانونية الفعلية لا يمكن ان نضع مذكرات التفاهم بديلا عن الاتفاقيات والمعاهدات".
مناخ سياسي مستعص
وعن حاجة العراق الى اتفاقية مع دول المنبع بشأن المياه، رأى عبد الجبار، ان "موضوع المياه يدخل في حيز القانون الدولي العام. وعلى سبيل المثال: هناك اتفاقية مائية بين باكستان والهند عقدت في العام 1952 لكنها لم تجد نفعا. كما ان مذكرات التفاهم أحيانا حينما تجد مناخا سياسيا يُستعصى فيه الحصول على اتفاقية، فيجري اللجوء الى مذكرات التفاهم".
وواصل الحديث: ان اللجوء الى مذكرات التفاهم هو إما وجود حاجة ملحة لتحقيق التنسيق والتفاهم حول ملف أمني أو فني طارئ، مردفا أن من الأفضل ان تكون هناك اتفاقيات ومعاهدات.
ونبه الى ان الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات التي تم توقيعها من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة، والمصادقة عليها وإيداعها لدى الأمم المتحدة، ما زالت تحمل بعض الإشكاليات.
حبر على ورق
المختص بالشأن الاقتصادي، احمد عبد ربه، يرى ان مذكرات التفاهم في العراق أصبحت أداة سياسية أكثر من كونها أداة اقتصادية حقيقية.
وقال عبد ربه في حديث لـ"طريق الشعب"، ان "التحدي لا يكمن في عدد المذكرات بل في غياب الرؤية والمؤسسات القادرة على تحويل هذه المذكرات إلى مشاريع وخطط وقرارات على أرض الواقع. إذا لم يُراجع هذا النهج، فإن تلك المذكرات ستبقى حبرا على ورق".
وأضاف عبد ربه، ان "مذكرة التفاهم غير ملزمة قانوناً، وتعكس نية الطرفين التعاون في مجال معين، بينما الاتفاقيات الدولية تُعد ملزمة وتترتب عليها واجبات قانونية واقتصادية".
ولفت الى ان هناك سببا بارزا يجعل الحكومة لا تفضل الذهاب نحو الاتفاقيات، ويتمثل بضعف البرلمان وغياب التنسيق مع الحكومة، كون الاتفاقيات تحتاج غالبا إلى مصادقة برلمانية". وزاد بالقول: ان تغيير الحكومة كل أربع سنوات، في ظل غياب العمل المؤسساتي والاستراتيجيات، يجعل تلك الخطط التي تسير عليها كل الحكومات، بلا قيمة ولا فائدة.
مذكرات غير موثقة!
الخبير الاقتصادي، زياد الهاشمي، علق على ابرام مذكرات التفاهم الأخيرة مع الجانب التركي خلال الزيارة التي اجراها رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، معضدا حديثه بمجموعة من التساؤلات والاشارات، التي بدأها بطرح سؤال "لماذا تنجح الحكومات العراقية في توقيع مذكرات التفاهم وتفشل غالباً في تحويلها لعقود ملزمة ومشاريع حقيقية؟!".
وأضاف في تدوينة مفصلة نشرها على حسابه في "فيسبوك" ان "مذكرة التفاهم هي وثيقة (غير ملزمة) قانونيا تعبر عن نوايا التعاون بأهداف عامة دون عقوبات عند عدم التنفيذ، بينما العقد الملزم هو اتفاقية قانونية مفصلة تحدد التزامات واضحة مع عقوبات عند الإخلال، ويُستخدم لتنفيذ مشاريع أو خدمات محددة".
وأوضح الهاشمي، انه "بعد 2003، وقّع العراق ما لا يقل عن 135 مذكرة مع دول مثل تركيا (63+)، مصر (38)، إيران (14)، الولايات المتحدة (3)، روسيا (16)، وألمانيا (2-3) حتى أيار 2025، مع احتمال أن يكون العدد الفعلي أعلى بسبب المذكرات غير الموثقة أو غير المعلنة!".
ضعف سياسي وإداري وإجرائي
وتابع ان "بعض التقديرات تشير إلى أن نسبة كبيرة (60% أو أكثر) من مذكرات التفاهم العراقية لم يتم تنفيذها، خصوصاً في قطاعات التنمية والطاقة والخدمات، وهذا يُعد إخفاقا كبيرا من قبل الحكومة العراقية"، مبينا انه "من أسباب عدم تنفيذ مذكرات التفاهم العراقية مع دول العالم هو الضعف السياسي والإداري والإجرائي في العراق، إلى جانب الفساد، نقص التمويل، والصراعات السياسية والاختلالات الأمنية!".
ولفت الى ان "هذا يعني عدم توفر الشجاعة لدى السلطات الحكومية العراقية للمضي قدماً وتحمل المسؤولية الكاملة وتحويل مذكرات التفاهم لعقود قانونية ملزمة جاهزة للتنفيذ، والاكتفاء بمذكرة التفاهم للاستعراض الإعلامي وترحيل المسؤولية للحكومة اللاحقة".
وانهى تدوينته بالقول: "لذلك فلن نستغرب إن واجهت مذكرات التفاهم الجديدة مع الأتراك نفس مصير أغلب المذكرات السابقة، طالما أن أسلوب الحكومة العراقي بقي نفسه دون تغيير، مع استمرار ضعف القدرة على تحويل مذكرات التفاهم تلك لواقع تعاقدي وتنفيذي ملموس يستجيب لمتطلبات الاقتصاد العراقي!".
في وقت تحاول فيه الحكومة ان تستعيد قدرتها على تغطية الإنفاق الجاري عبر سحب أموال الأمانات الضريبية، وطرح سندات مالية داخلية، أو التوجه نحو بيع قطع أراضٍ في المنطقة الخضراء، يلاحظ أن صفقات الفساد المليارية في دوائر الدولة قد أنهكت موظفي النزاهة. وخلال عام 2024، أحصت هيئة النزاهة 71,823 إخباراً وقضية جزائية تم النظر فيها، مشيرة إلى توجيه 28,534 تهمة إلى 20،299 متهماً. وأعلنت النزاهة حينها، صدور 957 حكماً بالإدانة بحق 1,384 متهماً، بينهم وزراء ومديرون عامون، مؤكدة تنفيذ 2,071 عملية ضبط بالجرم المشهود، أسفرت عن ضبط 599 متهماً.
مصرف الرافدين في ديالى مرة أخرى
وأعلنت هيئة النزاهة الاتحادية، ضبط أربعة موظفين في مصرف حكومي بمحافظة ديالى، على خلفية قيامهم بصرف أكثر من ملياري دينار بصورة مخالفة للقانون. وذكرت الهيئة في بيان، أمس أن "فريق عمل مكتب تحقيق ديالى، وبعد استكمال أعمال التحري والتقصي في قضية اختلاس مبالغ تقدر بمليارات الدنانير من حسابات ديوان محافظة ديالى في أحد المصارف الحكومية، تمكن من كشف تورط أربعة من موظفي مصرف الرافدين/ فرع بعقوبة، من بينهم أمناء صندوق وموظفو (كاونتر)، بصرف مبلغ قدره (2,221,368,055) ديناراً من حسابات ديوان المحافظة دون وجود أي أوليات رسمية، ما سهل عملية اختلاسه عبر موظفين في قسم الحسابات بديوان المحافظة". وأشارت الهيئة إلى أن "المبلغ تم صرفه بموجب 25 صكاً، جرى ضبطها ضمن عملية الضبط التي نفذت بحق المتهمين، حيث تم تدوين أقوالهم وتنظيم محاضر أصولية، وعرضهم أمام قاضي التحقيق المختص، الذي قرر توقيفهم وفق أحكام المادة (340) من قانون العقوبات العراقي". وفي السابع من نيسان العام الماضي، أعلنت الهيئة تفكيك شبكة، وضبط خمسة من أعضائها يعملون محاسبين في ديوان المحافظة إثر إقدامهم على اختلاس أكثر من (1،6) مليار دينارٍ من حسابات المحافظة في مصرف الرافدين/ فرع بعقوبة، وضبط أكثر من ستمائة مليون دينار ومصوغات ذهبية وصكوك وسندات عقارية.
ووفقاً للتقديرات، يقدر حجم الأموال المهدورة في العراق منذ عام 2003 بما يتراوح بين 400 إلى 450 مليار دولار أميركي، أي ما يعادل حوالي 40% من مجموع الموازنات العراقية خلال تلك الفترة.
ملف فساد آخر
ودعت الهيئة، قبل يوم من صفقة الفساد في مصرف بعقوبة، إلى وضع سقفٍ زمنيٍّ لبرنامج الإخلاء الطبيّ، واللجوء إليه في أضيق الحدود، ليقتصر على الحالات المُستعصية والنادرة والمُستعجلة، والتحوُّل بدلاً من ذلك نحو توسعة الاستقدام الطبيّ. وقالت الهيئة في بيان لها، إنَّ فريقاً مُؤلّفاً من دائرة الوقاية في الهيئة قام بزياراتٍ إلى وزارة الصحَّة شملت مكتب الوزير ودائرة الأمور الفنيَّة وقسم الاستقدام والإخلاء الطبيّ والشعب التابعة له، لافتةً إلى عدم وجود سقفٍ زمنيٍّ لبرنامج الإخلاء (إرسال المرضى للعلاج خارج العراق على نفقة الدولة) الذي يتمُّ العمل به منذُ العام (٢٠٠٨)، وتمَّ صرف مبالغ طائلةٍ عليه، لافتةً إلى ضرورة اتخاذ الوزارة إجراءاتٍ حاسمةٍ للتحوُّل من إخلاء المرضى إلى استقدام الأطباء إلى العراق؛ كونه أقل تكلفةً وأسهل للمريض وذويه، فضلاً عن أهميَّـته في تدريب وتطوير الكوادر الطبيَّة والتمريضيَّة؛ بما يسهم في الارتقاء بالخدمات الطبيَّـة والعلاجيَّـة المُقدَّمة للمرضى. واقترحت الهيئة، في تقريرٍ أُرْسِلَتْ نسخةٌ منه إلى مكتب رئيس مجلس الوزراء والأمانة العامَّة لمجلس الوزراء ووزارة الصحَّة، تأليف لجان فنيَّةٍ من قبل قسم الاستقدام والإخلاء الطبيّ؛ لغرض اعتماد الرأي الفنيّ من قبل اللجان التحقيقيَّة في دائرة التفتيش، ووضع آليةٍ لمُتابعة المرضى، بعد إجراء العمليَّات في الخارج وعودتهم إلى العراق لمُدَّةٍ لا تقلُّ عن ستة أشهرٍ، والتواصل مع الطبيب المُباشر واطلاعه على حالة المريض والمُضاعفات التي قد تحصل له، وإلزام المُستشفيات المُتعاقد معها بالآليَّـة التي يتمُّ إقرارها من قبل قسم العقود وتضمينها في بنود العقود المُبرمة مع المُستشفيات.
رغم مرور أكثر من ثماني سنوات على تشريع قانون الأحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015، لا يزال هذا القانون غائبًا عن التطبيق الفعلي، بسبب ارادة سياسية تعرقل انفاذه بشكل غير انتقائي.
وتتزايد الدعوات قبل الانتخابات النيابية المقبلة، لتفعيل هذا القانون الذي يعد أداة قانونية جوهرية لضبط الأداء الحزبي، ومكافحة المال السياسي، وإنهاء ظاهرة عسكرة الحياة السياسية، ومنع الاحزاب المخالفة من التنافس الديمقراطي المستند الى البرامج.
ما الهدف من القانون؟
واقر قانون الأحزاب السياسية رقم (36) في العام 2015 ليكون إطارًا ناظمًا للحياة الحزبية في العراق بعد عام 2003، ولتنظيم عملية تأسيس الأحزاب، وضمان استقلاليتها، وتحريم الارتباطات الخارجية أو العسكرية عليها، وضبط مصادر تمويلها. ويتألف القانون من 54 مادة، تُحدّد شروط تسجيل الأحزاب، وواجباتها، وآليات تمويلها، وسبل مراقبة التزامها بالقانون.
لكن منذ صدوره وحتى اليوم، لم يتم تطبيق الكثير من مواده، ما أدى إلى ظواهر عدة تضعف إمكانية قيام دولة مدنية حقيقية، منها تسجيل أحزاب على أسس طائفية أو عرقية، خلافًا لما نصّت عليه المادة (5/ثانيًا) ومشاركة أحزاب تمتلك أجنحة مسلحة في الانتخابات، في خرق صريح للمادتين (8) و(9) وغياب الشفافية عن مصادر التمويل، خلافًا لما أقرّته المادة (25)، إضافة الى غياب المتابعة والمحاسبة من قبل دائرة شؤون الأحزاب، رغم أن المادة (8/ثانيًا) تلزمها بمتابعة تنفيذ البرامج الانتخابية ومساءلة الأحزاب.
واقع سياسي يكرس الانقسام
وفي هذا الصدد، قال عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، الرفيق علي صاحب ان "تطبيق هذا القانون يعد خطوة أساسية لضبط الأداء الحزبي، وضمان الشفافية في التمويل، وتعزيز التعددية السياسية على أسس وطنية وديمقراطية وضمان التنافس العادل بين الاحزاب".
وأضاف صاحب في حديث لـ"طريق الشعب"، أنّ "قانون الأحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015 وُضع بهدف تنظيم الحياة الحزبية في العراق وفق أسس ديمقراطية، وضمان الشفافية في تمويل الأحزاب، ومنع الارتباطات الخارجية، وحظر تشكيل أحزاب تمتلك أجنحة مسلحة".
وتابع قائلاً: ان "القانون ينص في مادته (9) على أن لا يجوز لأي حزب سياسي امتلاك تشكيلات مسلحة أو ارتباط بتنظيمات عسكرية، ومع ذلك فإن العديد من الأحزاب المتنفذة اليوم تمتلك أجنحة مسلحة تشارك في الحياة السياسية، بل وتفرض إرادتها من خلالها".
وواصل القول: ان "المادة (25)، تُلزم الأحزاب بالكشف عن مصادر تمويلها، وهي خطوة تهدف إلى منع المال السياسي المشبوه، لكن ما نراه اليوم هو غياب تام للشفافية عن مصادر الأموال الطائلة التي تتلقاها هذه الاحزاب بدون رقابة، وسط غياب تام لتقارير مالية معلنة أو شفافة".
وتابع أن "المادة (7) تحظر تشكيل أحزاب على أساس طائفي أو عرقي أو مناطقي يهدد وحدة العراق، بينما الواقع السياسي يعكس تكريساً للطائفية والمحاصصة عبر أحزاب بُنيت على أساس هويات ضيقة تخدم مصالح جهات خارجية أحياناً أكثر من المصلحة الوطنية".
ونوه في السياق الى ان "غياب تطبيق هذا القانون لا يعبّر فقط عن ضعف مؤسسات الدولة فحسب، بل هو في الأساس نتيجة غياب الإرادة السياسية الواضحة من القوى المتنفذة في تطبيقه، لأنها تدرك أن ذلك يقوّض نفوذها القائم على السلاح غير المشروع، والمال السياسي، والولاءات العابرة للحدود".
وحذر صاحب من ان "استمرار الوضع الراهن له تداعيات خطيرة، اهمها تفشي ظاهرة عسكرة السياسة، وغياب البيئة الآمنة للانتخابات، وتحكم المال السياسي بالقرار الوطني، وضرب ثقة الناس المتضررة أساساً من العملية السياسية على وفق النهج المتبع حاليا".
واختتم حديثه بالقول ان "الحزب الشيوعي العراقي، طالما اكد ضرورة تطبيق قانون الأحزاب، كما اننا نحمّل الحكومة ومفوضية الانتخابات ومجلس القضاء الأعلى المسؤولية الكاملة عن تفعيل هذا القانون، ومحاسبة الأحزاب التي تنتهكه بشكل ممنهج".
عدم جواز تسجيل الأحزاب الطائفية
من جانبه، قال الخبير في الشأن القانوني، د. سيف السعدي، أن قانون الأحزاب رقم 36 لسنة 2015، رغم كونه نافذًا ويتضمن 54 مادة، إلا أنه لا يُطبّق فعليًا على أرض الواقع، ما أدى إلى خروقات واضحة تهدد بنية النظام الديمقراطي في العراق.
وقال السعدي في تصريح لـ"طريق الشعب"، “المادة (5/ثانيًا) من القانون تنص صراحة على عدم جواز تسجيل الأحزاب ذات الطابع الطائفي أو المذهبي، ومع ذلك تم تسجيل العديد من الأحزاب التي تحمل تسميات ذات صبغة طائفية، في خرق واضح للقانون”.
وأضاف ان "الأمر لا يقتصر على هذا فقط، فالمادة (8) من القانون تحظر تسجيل الأحزاب التي تمتلك تشكيلات مسلحة، ومع ذلك لدينا أحزاب تمارس العمل السياسي ولها أجنحة عسكرية، في مخالفة صريحة أيضًا للدستور، لا سيما المادة (9/ب) والمادة (7)”.
وأشار السعدي إلى أن الجهة المسؤولة عن مراقبة تطبيق هذا القانون هي “دائرة شؤون الأحزاب”، والتي نصّت المادة (8/ثانيًا) على أنها مكلفة بمتابعة مدى التزام الأحزاب ببرامجها الانتخابية ومحاسبتها بناءً على ما تحققه من تلك البرامج بعد كل دورة انتخابية، وهو ما لا يحدث على أرض الواقع.
وأكد السعدي أن "المشكلة في العراق ليست في القوانين ذاتها، بل في “الاستثناءات” التي تُفرغ القوانين من محتواها".
وحذر السعدي من "خطورة النظام الانتخابي الحالي"، معتبراً أنه يُنتج برلماناً مشلولًا لا يعكس الإرادة الشعبية: “لدينا اليوم أكثر من 400 حزب سياسي، والبرلمان معطّل بسبب عدم اكتمال النصاب وبالتالي تعطيل القوانين، من بينها قانون المحكمة الاتحادية، وقانون النفط والغاز، وكذلك قانون مجلس الاتحاد، ما يعني أن البنية الدستورية للبلاد غير مكتملة”.
ووصفت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مسألة تطبيق الإنفاق الانتخابي بالـ"صعبة" لما تتطلبه من إجراءات إدارية ومالية وفنية وقانونية.
سقف الإنفاق الانتخابي
وقال المستشار القانوني للمفوضية، حسن سلمان إن "الإنفاق الانتخابي مطروح، وكان موجوداً في العمليات السابقة بتحديد سقف للإنفاق الانتخابي، إلا أن هناك صعوبة في تطبيقه عمليا لأن المفوضية قامت بالإجراءات المتعلقة بتنفيذ هذا الجانب، إلا أنه يتطلب إجراءات إدارية ومالية وفنية وقانونية".
وتابع سلمان، أن "مثل هذا الأمر يتطلب تضافر الجهود من كل الجوانب الخاصة بالعملية الانتخابية، سواء على مستوى المنظمات أو المراقبة أو الرصد، والتزام الأحزاب بكل هذا"، مبيناً أن "تحديد سقف الإنفاق لا نراه مطبقا بشكل واقعي، ولكن تطبيقه سيجعل من العملية الانتخابية أفضل".
وأكد سلمان، في تصريح للصحيفة الرسمية ان هناك مفاصل عمل تتطلب بعض الإجراءات والأنظمة التي يفترض أن تقوم بها المفوضية استعداداً للاقتراع الانتخابي؛ منها ما هو متعلق بالأحزاب، ومنها ما هو متعلق بالناخبين وفرق المراقبة، سواء كانت دولية أو محلية أو منظمات مجتمع مدني، وغيرها من الجوانب القانونية التي من المفترض أن تقوم بها المفوضية؛ ففي ميدان تحديث سجل الناخبين ينبغي مراعاة التعليمات التي تصدرها المفوضية في هذا الجانب".
وأوضح، أن "هناك أنظمة خاصة بيوم الاقتراع؛ منها نظام المراقبين الدوليين والمراقبين المحليين ووكلاء الكيانات السياسية، وغيرها من الجوانب القانونية الاستعدادية للعملية الانتخابية التي تأخذ الصبغة الانتخابية".
أنهى مجلس النواب فصله التشريعي الأول من سنته الرابعة والأخيرة، في أجواء إحباط وخيبة أمل شعبية واسعة، وأداء يُعدّ الأضعف في تاريخ التجربة البرلمانية بعد 2003.
دورة نيابية امتدت لسنوات أربع، ولم تثمر سوى مزيد من الانسداد السياسي والتراجع المؤسسي، حيث غابت عنها التشريعات الجوهرية، وشُلّت فيها أدوات الرقابة، فيما تحوّلت جلساتها إلى مناسبات متقطعة يغلب عليها التوافق المصلحي لا الدستوري.
وبينما تُطوى فصول هذه الدورة، يتفق مراقبون على أنها جسّدت أسوأ نماذج العمل النيابي، بعدما خضعت أولويات المجلس لإرادة الأحزاب المتنفذة والفاسدين، لا لمصالح الشعب والدولة. فالبرلمان الذي يُفترض أن يكون سلطة رقابة وتشريع، تحوّل في نظر كثيرين إلى أداة روضتها السلطة التنفيذية، ومظلة لتقاسم النفوذ والامتيازات.
اين الخلل؟
في هذا الشأن، يرى الأكاديمي والقانوني وائل منذر أن الأزمة البنيوية في مجلس النواب العراقي لا تنحصر في ضعف الأداء فحسب، بل تعود إلى خلل عميق في آلية تشكيله وبنية الأحزاب السياسية المهيمنة داخله، ما جعله مؤسسة فاقدة للفاعلية ومنفصلة عن متطلبات اللحظة السياسية والتشريعية في البلاد.
واوضح في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "أحد أبرز أسباب هذا التردي يتمثل في نظام الدوائر المتوسطة الذي أفرز نواباً يشعرون بأنهم غير ملزمين بالانصياع لقرارات كتلهم أو أحزابهم، ما عمّق حالة التشتت داخل المجلس"، مضيفاً ان "الأحزاب السياسية نفسها لا تؤمن بالديمقراطية الداخلية، وقراراتها تُفرض من القمة دون أي تداول أو تشاور مع قواعدها، ما أدى إلى تململ واسع داخل الكتل البرلمانية”.
وأشر في سياق حديثه غياب المعارضة النيابية الفاعلة، قائلاً إن “الكتلة الأكبر أصبحت مطلقة اليد في إنتاج القوانين وفرض إرادتها، ما أفرغ البرلمان من مضمونه كسلطة تشريعية ورقابية متعددة الأصوات”.
ويعتقد منذر، ان هذا الغياب "خلق حالة استرخاء سياسي خطرة انعكست على الأداء الضعيف لأعضاء البرلمان في مواجهة تحديات داخلية وإقليمية متسارعة”.
وانتقد منذر شلل الوظائف الثلاث الأساسية لمجلس النواب: التشريع، الرقابة، والموازنة. وقال ان “عدد القوانين التي شُرعت فعلياً لا يُقارن بحجم المشاريع التي كان يجب إنجازها، سواء تلك المقدمة من الحكومة أو مقترحات النواب أنفسهم، منها قانون المحكمة الاتحادية، قانون النفط والغاز، وغيرها من القوانين الجوهرية التي بقيت طيّ الإهمال”.
وحول الجانب الرقابي، لفت إلى أن المجلس لم يُفعّل أدوات الاستجواب بشكل جاد، موضحاً أنه “خلال هذه الدورة، لم يُجر سوى استجواب واحد، انتهى باستقالة المستجوَب دون تصويت، وكان الاستجواب ذا طابع سياسي أكثر من كونه رقابياً”.
وفي ما يخص الموازنة، وصف ما حصل بـ”التحايل التشريعي”، قائلاً: “ابتكر المجلس حيلة قانونية بالاستناد إلى قانون الإدارة المالية لتمرير موازنة ثلاثية، ما أتاح له التهرب من مناقشتها سنوياً، دون أن يطالب الحكومة بتقديم الحسابات الختامية، رغم أنها من صلب واجباته الرقابية”.
وختم منذر تصريحه بدعوة إلى "إعادة إنتاج المشهد السياسي عبر إشراك الأغلبية الصامتة والمقاطعة، التي قال إنها تشكل ما يقرب من 80 في المائة من الناخبين، فمشاركة هذه الكتلة الكبيرة من المواطنين قد تفرز قوى سياسية جديدة تخلق توازناً داخل البرلمان، وتفرض على الأغلبية تحسين أدائها أو تعريتها أمام الرأي العام، ما يعيد للسلطة التشريعية هيبتها ودورها الحقيقي”
الدورة الأسوأ
من جهته، أكد القاضي المتقاعد وعضو مجلس النواب السابق، وائل عبد اللطيف، أن الدورة البرلمانية الحالية تُعد من أسوأ الدورات في تاريخ مجلس النواب العراقي، مشيراً إلى غياب الانضباط وتحول عدد من النواب إلى “معقبين” يتنقلون بين الوزارات، بدل الانكباب على مهامهم التشريعية والرقابية.
وقال في حديثه لـ"طريق الشعب"، انه منذ تأسيس مجلس الحكم، مروراً بالجمعية الوطنية، وصولاً إلى البرلمان بدوراته المتعاقبة "لم نشهد تراجعاً في الأداء كما هو الحال في الدورة الخامسة الحالية، حيث أصبح من المعتاد عدم اكتمال النصاب، ما يؤدي إلى تعطيل انعقاد الجلسات، إلى جانب تمرير القوانين بأسلوب ‘السلة الواحدة’ وغيرها من الممارسات المرفوضة”.
وأشار إلى أن هذه الدورة لم تفشل على صعيد التشريع فحسب، بل أخفقت أيضاً في أداء دورها الرقابي.
وأضاف “لم نسمع يوماً أن البرلمان استجوب وزيراً أو رئيس هيئة أو محافظاً أو وكيلاً لوزارة. الفساد بلغ عنان السماء، والرقابة غائبة تماماً. كل ما رأيناه هو زيادة رواتب النواب بنسبة 30%، دون الرجوع إلى الجهات المالية المختصة، وهو أمر مخالف من الأساس”.
ووصف عبد اللطيف غياب الموازنة حتى الآن بأنه “أحد أبرز تجليات فشل الأداء البرلماني”، مشيرا الى أن “الواجب كان يقتضي من مجلس النواب الضغط على رئيس الوزراء لتقديم الموازنة، لا التراخي في أداء هذه المهمة الأساسية”.
وانتقد أيضاً تعطل عمل اللجان النيابية، قائلاً إنها “ابتعدت عن مهامها الأساسية، وفشلت في تقديم أي جهد ملموس يعكس طبيعة دورها التشريعي والرقابي”.
واختتم عبد اللطيف تصريحه بالقول انه “منذ أول دورة برلمانية عام 2006 حتى اليوم، لم نرَ تراجعاً مماثلاً. لدينا قانون مجلس النواب رقم 13 لسنة 2018، ولدينا النظام الداخلي، أي أن الضوابط موجودة، لكن لا أحد يلتزم بها. الخلل واضح في أداء رئاسة المجلس، بدءاً من الرئيس مروراً بالنائبين الأول والثاني، فالجميع يتحمل مسؤولية تردي الأداء التشريعي والرقابي”.
أداء هزيل وهيمنة حزبية
من جهته، وصف الناشط السياسي زين العابدين البصري الدورة الحالية لمجلس النواب بأنها إحدى أسوأ الدورات في تاريخ العملية السياسية العراقية، مشيراً إلى غياب الدور الحقيقي للسلطة التشريعية في التشريع والرقابة، مقابل حضور طاغٍ لممارسات زبائنية وانحياز فاضح للولاءات الحزبية على حساب المصلحة العامة.
وفي حديث مع "طريق الشعب" قال "اننا شهدنا في هذه الدورة البرلمانية أداء لا يرتقي لطموحات الشارع العراقي، حيث غُيبت العديد من القوانين المهمة، فيما طُرحت قوانين أخرى بشكل مرتجل، مثل العفو العام غير المدروس، وقانون الأحوال الشخصية الذي ينطوي على انتهاكات واضحة لحقوق الإنسان”.
وأشار إلى أن كثيراً من النواب "مارسوا أدواراً تنفيذية تجاوزت صلاحياتهم، عبر تقديم خدمات مناطقية مثل تبليط الشوارع، أو نصب محولات كهربائية، أو التوسط في التعيينات، وهو ما أدى إلى تحويل مكاتب النواب إلى أدوات لشراء الولاء الانتخابي، لا لممارسة العمل النيابي الرقابي والتشريعي كما ينبغي”.
وتابع البصري، “شهدنا غيابات متكررة عن الجلسات، وانعدام الشعور بالمسؤولية، وكأن بعض النواب جاؤوا فقط لتقاضي الرواتب والمخصصات، دون أي التزام فعلي بمهامهم. وهم في الغالب ملتزمون بقرارات كتلهم السياسية، لا بمطالب ناخبيهم”.
ولفت إلى أن الحكومة كانت مرتاحة لهذه البنية البرلمانية، لأن القوى المهيمنة في البرلمان هي نفسها التي تدير السلطة التنفيذية، في ازدواج واضح بين الحكم والمعارضة.
وأضاف: “لم نشهد معارضة حقيقية داخل البرلمان، ولا رقابة فعالة، ولا حتى تشريعات نوعية تضمن كرامة المواطن وحقوقه الأساسية. كل ما رأيناه هو استنساخ لمنطق المحاصصة والطموحات الفئوية”.
وأشار إلى أن بعض النواب المستقلين والمعارضين حاولوا تقديم مواقف ناقدة، سواء عبر المؤتمرات أو تصريحات فردية، لكن أصواتهم بقيت ضعيفة أمام هيمنة الكتل الكبرى.
وقال: “هذا الواقع النيابي الهزيل لا يمكن أن يحقق الاستقرار السياسي أو يلبي مطالب الناس، بل يعمق الإحباط ويكرّس الانقسام بين المواطن والدولة”.
واتم حديثه بالقول: “ما نعيشه اليوم هو نتاج غياب التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وغياب الفصل الحقيقي بين القوى الحاكمة والمعارضة. البرلمان تحول إلى واجهة حزبية، وليس مؤسسة دستورية تمثل الشعب بكافة مكوناته وطوائفه ولا تعبر عنه”.
موت سريري للبرلمان
من جانبه، قال النائب محمد الشمري إن "رئيس البرلمان قد أدخل المجلس في حالة موت سريري"، محذرًا من أن "بقاء العديد من القوانين المهمة والمعطلة دون إقرار رغم قصر عمر الدورة النيابية الحالية يمثل تقصيرًا غير مقبول بحق الشعب العراقي".
وكان النائب أمير المعموري، قد أكّد أن مجلس النواب العراقي يعاني من تعطّل تشريعي ورقابي واسع، مشيراً إلى وجود أكثر من 130 مشروع قانون لا تزال مركونة في أدراج المجلس دون حسم، بينما يتعذر تمرير 40 منها رغم جاهزيتها التامة، بسبب عدم انعقاد الجلسات بشكل منتظم.
وقال المعموري، إن "البرلمان لم يتمكن خلال الأشهر الماضية من عقد حتى 8 جلسات شهرياً، وهو مؤشر على حجم التعطيل التشريعي"، مضيفاً أن "بعض النواب لا نكاد نعرفهم لغِيابهم المستمر وإجازاتهم المتكررة، وعدم مشاركتهم بأي نشاط برلماني يذكر، سواء على مستوى التشريع أو الرقابة".
وأوضح أن "مجلس النواب لم يُنجز سوى استجوابين خلال هذه الدورة، في حين بقيت 7 استجوابات معلقة، فيما توجد أخرى قيد الإعداد"، مبيناً أن "البرلمان استضاف 7 وزراء إضافة إلى رئيس مجلس الوزراء، وكانت هذه الاستضافات بغرض الاستيضاح حول ملفات وقضايا محددة".
واتّهم المعموري بعض القوى السياسية بـ"التعطيل المتعمّد لملف استجواب المسؤولين المحسوبين عليها من وزراء وغيرهم"، مشددًا على أن "ما يتقاضاه النواب المتغيبون من رواتب ومخصصات هو حرام شرعًا، ويمثل خيانة لليمين الدستوري".
واختتم المعموري تصريحه بالإشارة إلى أن مجلس النواب أنهى فعليًا أعماله في هذه الدورة التشريعية بشكل مبكر، دون أن يحقق الحد الأدنى من التزاماته التشريعية والرقابية.