اقامت محلية الحزب الشيوعي العراقي في محافظة النجف، أول أمس الثلاثاء، ندوة حوارية ضيفت فيها سكرتير اللجنة المركزية للحزب الرفيق رائد فهمي للحديث عن "ضرورة التغيير.. المشروع والمضمون"، بحضور جمع غفير من نخب واكاديميي المحافظة.
الندوة ادارها الأكاديمي والكاتب د. فارس حرام، عقدت في منزل الشخصية الديمقراطية والاجتماعية نجاح سميسم، وقد شهدت طرح عدد من الأسئلة المتعلقة بالوضع الراهن.
وقال حرّام في مستهل الندوة، إنّها تأتي في سياق عراقي خاص جدا، حيث المؤشرات الخارجية والداخلية والاقليمية والدولية تشير الى أن شيئا ما سيتغير في هذا البلد، ومن ثم فهي مؤشرات تضاف الى السياق التاريخي الى هذه اللحظة منذ عام 2003، وهو سياق جرت فيه دعوات كثيرة ـ سواء كانت عبر الاحتجاجات او البيانات والمواقف السياسية والكتب المؤلفة ـ إلى أن التغيير واجب في العراق، لأن تراكمات العملية السياسية وصلت الى حد يقتضي مراجعة الأدوار السياسية، ومراجعة الدستور والأعراف الدستورية.
وطرح حرام أول أسئلة الندوة بالقول: "أي تغيير نريد؟ التغيير الكلي ام الجزئي؟ الدستوري ام غير الدستوري؟".
وبدأ فهمي حديثه ردا على السؤال باستفاضة، قائلا: ان "الظرف الحالي يتميز عن الفترات السابقة، والحديث عن التغيير والإصلاح يكتسب معنى معينا في هذه اللحظة التاريخية، وهي لحظة سياسية وتاريخية تتميز عما كان سابقا، نتيجة التطورات التي شهدتها المنطقة والإدارة الامريكية الجديدة. ومن الواضح ان هناك مخططات وتصورات عن تغيير الخارطة وشرق أوسط جديد وتحالفات جديدة ومعادلات دولية بدأت تنقلب، وهذه الأمور لها تداعيات وارتدادات لا بد ان تشمل العراق، لاسيما ان ما يطرح الان يراد منه إجراء تغييرات، ومعروف ان العراق يقع في وسط معادلة النزاع بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل".
التغيير شأن داخلي
وأوضح فهمي، ان "الحزب الشيوعي طرح شعار التغيير في برنامجه المركزي منذ عام 2016، إذ أننا نرى ان العملية السياسية حين انطلقت كانت تحمل اسسا تنطوي على بذور الازمة في قضية المحاصصة الطائفية والتأصيل النظري لها بما يسمى الديمقراطية التوافقية وفيها مبرر وارد، كون العراق متعدد القوميات والأديان والمذاهب والعلاقات بين هذه المكونات، وهذا فيه شيء من التوتر والاقصاء وغيرها من الممارسات، وبالتالي كان ينظر الى ضرورة تمثيل كل هذه الاطياف وان تشترك في ظل ديمقراطية توافقية لأجل ان نؤمن التعايش السلمي".
وواصل الرفيق فهمي، ان "القوى في المعارضة هي من مثلت المكونات والاطياف في العملية السياسية، ولم تكن هناك انتخابات، انما جرى تقسيم المجتمع على أساس مكوناتي، وبعدها تشكلت حكومة، وجرى تكريس نفوذ كل طيف من هذه الاطياف، عبر توظيف امتيازات السلطة، فأصبحت الدولة هي ميدان الصراع حول زيادة الحصص، وبالتالي بقيت حالة الصراع مستمرة. وفي نفس الوقت تحصل توافقات لحل الإشكالات، وهذه التوافقات في الغالب تكون سياسية وليست مؤسسية ودستورية".
وأشار فهمي الى أن استخدام الدولة ومنافعها، ولاسيما موارد النفط، وتعزيز امتيازات قوى السلطة عبر الرواتب والعقود وغيرها، والتي تحولت لاحقا الى فساد اداري، كل ذلك كانت من محصلته انتاج دولة ضعيفة بنيويا، وغير قادرة على ان ترسم رؤى موحدة ومشتركة"، مضيفا ان "كل طرف من هذه الأطراف ينظر للدولة من خلال حصته داخلها، ومعادلة كل طرف هي تعظيم النفوذ. وبالتأكيد هذا الجو تنتج صراعات وتنعدم الرؤية المشتركة، لان كل طرف يبحث عن زيادة وزنه، حتى صارت هناك عملية ترهل في جسد الدولة، وقد تمثلت بزيادة حجمها من 1.5 مليون موظف الى 4 ملايين موظف، ومعها غابت الكفاءة والنزاهة، وصارت البنية الإدارية مفككة من خلال معادلة هذا الوزير شيعي، وذاك الوكيل سني، والآخر كردي، فضلا عن كونهم من هذا الحزب او ذاك. وبالتالي فإن هذه البنية من غير الممكن ان تتحقق دولة قوية ومتماسكة، بحيث يستعصي علينا ان نحدد من هو العدو والصديق".
لا نعرف الصديق من العدو!
وأكمل فهمي حديثه بالقول: "الآن لا نعرف هل تركيا عدو ام صديق؟ وكذلك إيران وسوريا والسعودية، وهذه الحالة تجعل الدولة ضعيفة، ودورها الخارجي يكون غير متماسك كون هناك أكثر من صوت داخل الدولة. وهذه تربة خصبة للفساد، كون هناك تضامنات ومجاميع خارج المساءلة، حيث تحول الفساد خلال هذه السنوات من مجموعة تحاول الالتفاف على المشاريع والعقود الى جزء من نسيج الدولة وبنائها، إذ أن هذه الآفة لا ترتبط اليوم بشخص فاسد أو مجموعة، بل هي جزء من بنية الدولة، وحتى العراقيين اصبحوا معتادين على ان أية معاملة لا تنجز من دون تقديم رشوة، والعقد الفلاني لا ينجز الا بإرضاء هذه الجهة التي لديها فيه حصة".
واستطرد الرفيق فهمي بالقول، ان "النفوذ الأمريكي والإيراني وغيره له امتدادات محلية وأصبح أيضا جزءا من بناء الدولة. وهذه العوامل جميعها، تفاقمت على مدى سنوات"، مردفا بأنه "في مرحلة معينة كان يمكن إصلاحها، لكن الان أصبحت قضية الإصلاح صعبة كون المصالح أصبحت كبيرة ونشأت شريحة اجتماعية نتيجة لهذا الكم الهائل من الموارد التي أصبحت تحت تصرفها، وصارت هذه الشريحة بالغة الغنى ولديها امتيازات، وهي تمتد على كل المكونات، وبالنتيجة اصبحت أزمة الدولة بنيوية".
إعادة تدوير المنظومة السياسية
ولفت فهمي الى أنّ "ما رافق الانتخابات من محددات عن طريق القانون والمفوضية وعدم تطبيق قانون الأحزاب، سمح لعملية الاقتراع بإعادة انتاج المنظومة الحاكمة، التي لم تعد - حتى الان - قادرة على تحقيق الانتقال بالسلطة وتغيير الاشكال والشخوص والأحزاب، وإذا ما شبهنا الحكومة والنظام بالعجلة فهناك مشكلة بالعجلة، في حين التنافس يجري على من يقود العجلة مع إبقاء نفس العجلة، وهذا يعني الإبقاء على المشاكل ذاتها".
وأكد ان "التغيير المطلوب هو تغيير جوهري وليس تغيير اشخاص، كون العملية السياسية قائمة على نهج المحاصصة"، في حين ان التغيير المطلوب هو "التوجه نحو دولة المواطنة التي تستوعب التنوع وتثبت حق جميع الاطياف في ان يكون تمثيلها محترما، وهذه ممكنة في إطار المواطنة وليس المحاصصة".
اشتراطات التغيير السلمي
وواصل القول: "نفضل ان يكون التغيير سلميا"، مردفا ان هذا "يشترط منظومة انتخابية تعكس فعلا اراء المواطنين والرأي العام. والمطلب الرئيس هو ان هذه الانتخابات بمنظومتها من القانون والآليات وتطبيق قانون الأحزاب وباقي الإجراءات ينبغي ان تطور وتصلح لأجل ان تكون هذه الانتخابات قادرة على عكس اراء المواطنين" مشيراً الى أن ذلك يشكل "أحد ميادين الصراع، لكننا نعرف جيدا ان القوى ذات المصلحة بالإبقاء على النظام الراهن بخصائصه لا يمكن ان تتخلى عن امتيازاتها".
رائد فهمي: المنظومة الحاكمة تقف على أرض مهزوزة
ونبه الرفيق فهمي الى ان "النظام الريعي وأدوات الدولة توفر قاعدة زبانية من خلال الرواتب والرعاية الاجتماعية، وهناك مشاكل كبرى، منها ان نسبة الفقر وصلت الى 17 بالمئة، بناء على تعريف دخل الفرد، وبمجرد زيادة هذا التعريف تصبح هذه النسبة اكبر من الـ17 بالمئة، حيث تجد شرائح الفئات الوسطى صعوبة في تأمين معيشتها؛ فالتعليم اصبح مكلفا والصحة مكلفة والكهرباء أصبحت مشكلة، وسعر الامبير في بغداد وصل الى 20 الف دينار، والسكن أيضا غير متوفر، وهذه عوامل كثيرة جدا ولا تستطيع الدولة معالجتها، كون المال العام مستباحا بشكل كبير، وهناك سوء إدارة في طريقة اختيار المسؤولين. هذه مشاكل عميقة، بدليل أن الامطار تحولت الى كارثة".
الانتخابات معركة سياسية
ولفت فهمي الى انه "اذا كان الدخل مرتفعا بعض الشيء ونقدم أموالا للرعاية فكيف بيوم غد مع مؤشرات تراجع أسعار النفط الذي وصل الى 69 دولارا للبرميل بينما مثبت في الموازنة على سعر 80 دولارا للبرميل، فمع هذا الرقم يكون لدينا عجز مالي كبير. ونلاحظ ان هناك مشاكلَ بنيوية تستفحل باستمرار، والضغط الشعبي قائم، ليس عن طريق الاحتجاجات فحسب، انما هناك عدم رضا وعزوف. لذلك نؤكد ونكرر ان المطلوب هو تغيير موازين القوى بالاستفادة من الوسائل السلمية والضغط الشعبي".
ونوّه فهمي بانه "رغم كل ملاحظاتنا على قانون الانتخابات، لكننا سنخوضها كجزء من معركة سياسية تستهدف التوعية والوصول للناس. المهم ان يستمر الضغط الشعبي، وتفعيل النقابات والجمعيات وباقي الاطر التنظيمية للمجتمع".
ورأى انه "عندما تصطدم هذه العوامل بمصاعب الحياة فإنها تشكل عناصر ضغط، وهي اقوى من كل العوامل الأخرى، وقد رأيناها في تشرين؛ حيث استسلمت الدولة للضغط الشعبي، والسلاح ليس بالضرورة يكون قويا، واليد التي تمسك بالسلاح هي من تفشل، وهذه الحقيقة يؤكدها تاريخ الشعوب".
وخلص الرفيق فهمي الى ان "اللحظة السياسية الحالية تختلف عن السابق، حيث فيها جملة من العوامل الضاغطة. كما ان المنظومة الحاكمة لا تمتلك إجابات، انما تحاول التعامل بردود فعل لتلافي الضربات وعمقها، لكن تبقى ارضيتها تهتز، وهذا يشكّل تخلخلاً في المنظومة الحاكمة. بينما القوى الأخرى التي تمتلك رؤية، ستكون هذه فرصتها، إذ عليها ان تقدم تصوراتها لمشروع فيه بنود واقعية قابلة للتحقيق، وان تسند بإرادة شعبية كبيرة، وفي هذه اللحظة هكذا مشروع له وزن يختلف عما كان في السابق، واذا نجح فسيكون عاملا مهما في الحياة السياسية".
في الوقت الذي تسعى فيه الحكومات إلى تحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات لضمان الاستقرار الاقتصادي، يواجه العراق أزمة مالية متصاعدة بفعل السياسة المالية التوسعية التي تتبناها الحكومة بحسب مختصين، والتي تُلقي بظلالها على السياسة النقدية وتجعلها في موقف الدفاع لمعالجة الاختلالات الناجمة عنها.
على الرغم من ان الإيرادات التخمينية للدولة في عام 2025 تُقدَّر بـ 134 تريليون دينار، إلا أن الموازنة بُنيت على إنفاق يصل إلى 211 تريليون دينار، ما يخلّف فجوة تمويلية ضخمة تُسد عبر الاقتراض الداخلي والخارجي، وهو ما يهدد بمزيد من الأعباء المالية مستقبلاً.
ضرورة مُلحة
في هذا الصدد، قال المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، أن جميع احتياطي البنك المركزي العراقي تُولده وزارة المالية، نظراً لكون العراق بلداً ريعياً يعتمد بشكل أساسي على عائدات النفط.
وأوضح، أن "الإيرادات النفطية تُحوَّل إلى الدينار العراقي، ما يساهم في تكوين احتياطات البنك المركزي، الذي بدوره يوفر الدينار العراقي مقابل هذه العائدات، وهو ما يشكل العلاقة الأساسية بين المؤسستين". وذكر صالح في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "البنك المركزي يتمتع باستقلالية عالية، لكن طبيعة الهيمنة المالية العامة تخلق أحياناً نوعاً من العزلة وتضارب المصالح".
ومع ذلك، أكد أن "مستوى التفاهم والتنسيق الحالي بين الجهتين هو الأفضل، حيث يجري التشاور بشكل مكثف لضمان الانسجام بين السياسات المالية والنقدية".
وشدد المستشار المالي على أهمية وجود تناغم وتفاهم مستمر بين وزارة المالية والبنك المركزي"، مؤكداً ضرورة "إطلاع البنك على تفاصيل الموازنة العامة، نظراً لدوره الكبير في إدارة السياسة النقدية، إضافة إلى دراسة سعر الصرف المحدد في الموازنة".
كما لفت الى ان "معظم الديون الداخلية تتحول إلى المصارف الحكومية، ليتم خصمها لاحقاً لدى محفظة البنك المركزي"، مبيناً أن "إطفاء هذه الديون أصبح مسألة معقدة، ما يستدعي مزيداً من التفاوض والتشاور حول آلية التعامل معها".
واضاف، أن "البنك المركزي، في إطار بعض سياساته، يدير ويخصم أوراقاً مالية للحكومة، وهو ما يستدعي تحقيق التوازن لتجنب تضارب الأهداف، خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على الاستقرار الاقتصادي ومكافحة التضخم". وأكد أن قانون البنك المركزي ينص على ضرورة التنسيق مع الحكومة، ممثلة بوزارة المالية، في رسم السياسات والإجراءات العامة، مشيراً إلى أن البنك المركزي العراقي يتمتع بتمثيل في المجلس الوزاري للاقتصاد، وهو مجلس معني بوضع السياسات الاقتصادية، ما يعزز أطر التفاهم والتنسيق بين الجهتين".
السياسة المالية توسعية
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني أن هناك "حاجة ماسة للتناغم والتكامل بين السياسات الاقتصادية المالية والنقدية والتجارية، إلا أن الواقع الحالي في العراق يظهر أن السياسة المالية تتبع نهجاً توسعياً، بينما تتخذ السياسة النقدية موقف الدفاع في محاولة لمعالجة إخفاقات وأخطاء السياسة المالية”. وقال صالح في حديث لـ "طريق الشعب"، أن “الموازنة العامة تعكس هذا التوسع، حيث تبلغ الإيرادات 134 تريليون دينار، في حين تم بناء الموازنة على إنفاق قدره 211 تريليون دينار، ما يخلق فجوة تمويلية كبيرة تتم تغطيتها عبر الاقتراض الداخلي والخارجي”، مضيفاً أن “وزارة المالية باعت سندات وأذونات الخزانة لمصارف حكومية مثل الرافدين والرشيد وTBI، والتي تقوم بخصمها لدى البنك المركزي، ما يعني عملياً أن الدولة تقترض من البنك المركزي بشكل غير مباشر”. وأشار إلى أن “تمويل العجز من قبل البنك المركزي يتم عبر إصدار نقدي جديد، حيث ارتفع حجم العملة المصدرة خلال السنوات الخمس الماضية من 67 تريليون دينار إلى 102 تريليون، ما يؤكد أن البنك المركزي يموّل عجز الحكومة بطباعة نقدية جديدة، وهو ما ينعكس سلباً على الاستقرار المالي”.
أما فيما يتعلق بنافذة بيع العملة، فقد بيّن المشهداني أن “البنك المركزي يُفترض أن يشتري الدولار من الحكومة، كونه ناتجاً عن صادرات النفط، ثم يضخه في السوق لتمويل التجارة الخارجية وسد احتياجات الحكومة. إلا أن الإشكالية تكمن في أن الطلب الشهري يبلغ نحو 7 مليارات دولار، بينما لا يبيع المركزي سوى 5 إلى 5.5 مليارات دولار، مما يخلق فجوة إضافية”. وأضاف الخبير الاقتصادي أن “البعض ينتقد البنك المركزي على حجم مبيعاته من الدولار، لكن الواقع أن هذه المبيعات تهدف إلى تلبية احتياجات الحكومة”، مشدداً على أن “الحل يكمن في إعادة ترشيد الإنفاق الحكومي، سواء التشغيلي أو الاستثماري، خاصة وأن العجز المالي يتزايد سنوياً”. وحذر المشهداني من أنه “إذا استمر النهج الحالي، فإن العجز المتوقع في عام 2025 لن يكون 64 تريليون دينار، بل سيرتفع إلى 94 تريليونا، بسبب انخفاض الإيرادات النفطية بنحو 30 تريليون دينار، ما سيؤدي إلى تفاقم الدين الداخلي والخارجي”.
ودعا في ختام حديثه إلى “إعادة النظر في هيكلة الإنفاق الحكومي لتجنب المزيد من الأعباء المالية والاقتصادية”.
الى ذلك، أكد الباحث المختص بالشأن المالي والمصرفي، مصطفى حنتوش، أن “التناغم بين السياسة المالية والنقدية يعد عاملاً أساسياً في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، حيث يجب أن تكون مخرجات السياسة المالية، مثل الموازنة العامة للدولة، مدخلات للنظام المصرفي، ليتم ضخها لاحقاً إلى السوق”.
وأوضح حنتوش أن “التكامل بين السياستين يسهم في استقرار المؤشرات النقدية والاقتصادية، إذ تعتمد السياسة النقدية على تحفيز الاقتصاد لتحقيق أهدافها، فيما تحتاج السياسة المالية إلى استقرار العملة وتوافر السيولة النقدية، ما يجعل العلاقة بينهما قائمة على التفاعل المستمر”. وأشار إلى أن “العراق يشهد مستوى من التعاون بين السياسة المالية والنقدية، إلا أنه بحاجة إلى مزيد من التطوير والتعزيز”، لافتاً إلى إمكانية “إنشاء مجلس مشترك مستقبلاً لضمان وضع الأهداف الاقتصادية بشكل متكامل ومدروس”.
لم تمنع التشديدات الأوروبية والتي تصل احيانا الى التطرف في التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين، من ثني العراقيين الراغبين في الهجرة – وغالبيتهم من الشباب - من الخوض في هذه التجربة المحفوفة بالمخاطر، في وقت يراها مسؤول حكومي عراقي تندرج في إطار "الحرية الشخصية"، مقابل انتقادات للبرامج الحكومية التي فشلت في التعامل مع ملف المهجرين داخليا، فضلا عن التهرب من مسؤولية توفير بدائل للحد من الهجرة غير الشرعية وخلق بيئة جاذبة لا سيما فيما يتعلق بتوفير فرص عمل للشباب.
حرية شخصية!
المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين، علي عباس جهاكير، قال ان "الهجرة تعتبر قضية حرية شخصية لأي مواطن وفي أي مجتمع يبحث عن تحقيق امانيه بأسرع وقت وضمن تطلعات يرسمها المواطن في مخيلته"، مبينا ان "ثقافه الهجرة موجودة لدى العراقيين من اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي وليست جديدة، وقد يدفع البعض بسبب ظروف سياسية واقتصادية الى ازدياد هذه النسبة".
وذكر جهاكير، لـ"طريق الشعب"، ان "الوزارة لا تمنع الهجرة اذا كانت من اجل تحسين الوضع الاقتصادي او الحصول على شهادات عليا في تخصصات معينة وكذلك لم الشمل".
الدعايات تساهم بالهجرة
واردف كلامه بانه "للأسف تعرض الكثير من هؤلاء عندما يسلكون طريق الهجرة غير القانونية من خلال شبكات تهريب والاتجار بالبشر، للنصب والاحتيال، وبعضهم للأسف يدفع حياته ثمنا لهذا الاختيار"، لافتا الى ان "هؤلاء مواطنون عراقيون ومسؤوليتنا ان نوجه بعدم الذهاب بهذا الاتجاه".
ولفت المتحدث باسم الوزارة، الى ان "عمليات الهجرة تندرج ضمن الحرية الشخصية، ولا يوجد قانون يمنع الانسان من الهجرة بحثا عن تحسين وضعه ضمن قناعاته، والكثير ممن خرجوا عادوا الى البلد مرة أخرى كونهم لم ينسجموا مع الواقع، اذ ان بعض المهربين والدعايات تحاول ان تخلق من المناطق المقصودة للهجرة حالة وردية ومن ثم يصطدم المهاجر بعدم التأقلم مع الحياة على مستوى المناخ وكذلك صعوبة الحياة"، مشيرا الى ان "هناك من صمم على الهجرة وانتهى به المطاف للبقاء في المهجر والكثير من القصص نجحت وكذلك هناك قصص فشلت".
لا إحصائية بأعداد المهاجرين
ولفت جهاكير الى ان "الوزارة لا تمتلك احصائية بالعراقيين المهاجرين بصورة غير شرعية، كونهم يخرجون من العراق بفيزا سياحية، ومن ثم لا توجد معلومات عن مقاصدهم النهائية، لكن يمكن الحديث عن الأشخاص العراقيين المرفوضة طلباتهم، حيث سجلت المانيا اعلى معدل رفض طلبات لجوء بواقع 35 ألف شخص، ومن ثم بريطانيا وبلجيكا وهولندا وفرنسا".
خطابات الكراهية تغذي الهجرة!
رئيس مؤسسة الحق لحقوق الانسان، عمر العلواني، قال ان "العراق وخلال الازمات التي مرت به صدر اعدادا كبيرة من المهاجرين، ومازال يحتل المراكز الأولى بأعداد المهاجرين خارج البلد، نتيجة الوضع الأمني في السابق والذي تحسن نسبيا خلال هذه الفترة، ولكن الوضع السياسي شهد خلال الفترة الأخيرة نوعا من التشنج وازدياد خطابات الكراهية وكذلك الاحتقان الطائفي الذي رافق الاحداث في سوريا"، مبينا ان "عدم شعور بوجود مؤسسات دولة يدفعنا كشباب للهجرة على اعتبار التعامل مع الموضوع في العراق يكون آنيا".
وبين العلواني، ان "التنقل والسفر وحتى الهجرة، يبقى حقا من الحقوق الأساسية، ولكن على الدولة ان لا تضعه ضمن هذا السياق، وعليها ان توفر بيئة خصبة لاستقطاب المهاجرين".
رأس المال الضخم يضيّق على الشباب!
العلواني أوضح، ان "السبب الرئيس للهجرة في هذا التوقيت يتعلق بالجانب الاقتصادي وعدم توفر العدالة في الفرص، بالتالي يدفع الشباب لهذا الخيار، ومن خلال المتابعة وجدنا انه حتى المشاريع المتوسطة التي يعمل الشباب عليها لا تتوفر لها فرص النجاح في ظل وجود الرأسمال الضخم وعدم وجود الحماية لهذه المشاريع، وبالتالي الشاب حين يجرب فرصه داخل البلد في مواضيع تتعلق بالعمل وغيرها يواجه مصاعب، وكردة فعل يفكر بالهجرة والحصول على فرصة أخرى".
ولفت رئيس مؤسسة الحق لحقوق الانسان، الى ان "الدولة التي تعجر عن معالجة ملف المهجرين في الداخل لا يمكنها معالجة ملف المهاجرين في الخارج".
حلول سريعة
بدوره، كشف رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق، عن حلول وصفها بـ"السريعة" للحد من الهجرة غير الشرعية للعراقيين.
وقال الدكتور فاضل الغراوي، لـ"طريق الشعب" ان "هناك ارتفاعًا كبيرًا بنسبة الهجرة غير الشرعية للشباب العراقيين، وهذا يعود لعوامل عدة أبرزها العامل الاقتصادي والمعيشي مع الارتفاع الكبير في نسبة الفقر والبطالة، خصوصاً لدى شريحة الشباب، التي تمثل النسبة الأكبر من الشعب العراقي".
وبين الغراوي، ان "الحلول السريعة للحد من الهجرة غير الشرعية للعراقيين، تكون من خلال معالجة نسبة البطالة والحد من نسبة الفقر وإيجاد فرص عمل حقيقية للشباب، أضافة الى الاهتمام بالجانب الخدمي، وكذلك الأمني والاجتماعي، فهذه العوامل ستقلل من الهجرة بنسبة كبيرة جداً، وكل هذه الخطوات تحتاج الى قرارات حكومية استثنائية".
195 ألف طلب لجوء عراقي!
وأشار الغراوي الى ان "ان هجرة الشباب من البلاد ألقت بظلالها على الجانب الاجتماعي بشكل واضح، وأسفرت عن ارتفاع نسبة العازفين عن الزواج من الشباب، وبالتالي ارتفاع نسبة العنوسة".
وكشف الغراوي عن أرقام كبيرة للمهاجرين العراقيين من الشباب، مبيناً أن "المفوضية السامية للأمم المتحدة استقبلت أكثر من 195 ألف طلب لجوء عراقي، فضلاً عن هجرة آلاف العائلات العراقية بطرق غير رسمية".
وتابع قائلا: أن "النسبة الأعلى من بين المتقدمين للجوء هي من الشباب بزيادة وصلت إلى 33 في المائة عن طلبات اللجوء في العام الماضي، وشملت هذه النسبة 29 ألف مهاجر في الأردن، و13 ألفا في تركيا، و10 آلاف في لبنان، و3 آلاف مهاجر في اليمن.
وكان العراق قد أطلق في 11 كانون الثاني 2023، حملة وطنية للحدِّ من مخاطر الهجرة غير الشرعية.
حملة بريطانية تستهدف العراق
وفي الأسبوع الماضي، أطلقت الحكومة البريطانية حملة إعلانية رقمية في العراق بهدف ثني المهاجرين المحتملين عن عبور القنال الإنجليزي في قوارب صغيرة.
وتسعى الحكومة من خلال هذه الحملة إلى التصدي لما وصفته بـ"الخرافات والمعلومات المضللة التي يروج لها المهربون"، مركزة على إقليم كردستان العراق، حيث تأمل في تقليل أعداد المهاجرين الذين يغامرون برحلة العبور الخطرة إلى بريطانيا.
وأكدت وزيرة أمن الحدود واللجوء، أنجيلا إيغل، أن العصابات الإجرامية "تستغل منصات التواصل الاجتماعي لنشر أكاذيب خطيرة بهدف استدراج الأشخاص ودفعهم إلى رحلات محفوفة بالمخاطر"، مشيرة إلى أن "الحملة الجديدة تكشف هذه الادعاءات من خلال روايات حقيقية لضحايا عمليات التهريب".
تزامن إطلاق الحملة مع زيارة قائد أمن الحدود البريطاني، مارتن هيويت، إلى العراق وإقليم كردستان، حيث أجرى محادثات حول تعزيز التعاون لمكافحة شبكات التهريب، وذلك في إطار اتفاق أمني بين الحكومتين البريطانية والعراقية وقع في تشرين الثاني الماضي.
وتظهر الأرقام الرسمية أن نحو 36.816 شخصا عبروا القناة في عام 2024، بينهم أكثر من 2.000 مهاجر قدموا من العراق.
مع تقلص الغطاء الأخضر في عموم العراق، يتمدّد التصحر والجفاف وتتواتر العواصف التراتبية، بينما يتراجع التنوع الإحيائي، الأمر الذي يتسبب بتفشي الأمراض وبنزوح الناس من الأرياف إلى المدن بعد أن صارت تفتقر لأبسط مقومات العيش الصحي والكريم.
وبدلا من التوجه الحكومي نحو مشاريع الأحزمة الخضراء في بغداد والمحافظات، وصل جشع الأحزاب المتنفذة وقوى السلطة إلى الغابات، التي تسهم في الحفاظ على ما تبقى من تنوع بيولوجي، وفي تحسين جودة الهواء.
وكان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أطلق خلال العام الماضي، الاستراتيجية الوطنية لحماية وتحسين البيئة في العراق، والتي وصفها بأنها ستكون حاسمة في جهود العراق وأهدافه التنموية لمواجهة التحديات البيئية: التصحر، وخسارة التنوع البيولوجي، واستنزاف الموارد المائية.
وتعتبر غابات العراق جزءًا مهمًا من التنوع البيولوجي والموروث الطبيعي للبلاد، وتلعب دورًا بارزًا في حماية التنوع البيولوجي وتحسين جودة الهواء، والحفاظ على التوازن البيئي، بالإضافة إلى كونها موطنًا للعديد من الكائنات الحية التي تعتمد عليها في بقائها، لكنها تواجه اليوم إضافة لتحدي التغير المناخي، تحديات عديدة أخرى تهدد استدامتها، خاصة في ظل التجاوزات التي تتعرض لها، من بينها التوجه لتحويل بعض أراضيها إلى مشاريع استثمارية.
تحذيرات برلمانية
وكشف عضو لجنة الحفاظ على عقارات الدولة في مجلس النواب أمير المعموري، عن وجود اعتراضات برلمانية على مشروع استثمار الغابات، محذرًا من أن تحويلها إلى أراضٍ سكنية يشكل انتهاكًا خطيرًا للمعالم الطبيعية، ويهدد البيئة الحضرية.
وقال المعموري في تصريح صحفي، أن هناك "11 غابة كبيرة تابعة لوزارة الزراعة"، مشيرًا إلى أن "بعض صلاحياتها نُقلت إلى المحافظات، ما فتح المجال أمام التلاعب والتجاوزات"، مضيفا أن "بعض الغابات تعرّضت لعمليات إزالة متعمدة عبر قطع أشجارها وتحويلها إلى فحم، بهدف تصفية الأرض وتحويلها إلى مشاريع استثمارية، تحت ذريعة تصنيفها كأراضٍ بيضاء".
وأضاف المعموري، أن "غابات الموصل، على سبيل المثال، تمثل جزءًا من الإرث البيئي والطبيعي الذي يجب الحفاظ عليه"، لافتًا إلى "رفض أهالي المدينة ونوابها تحويل هذه المساحات إلى مشاريع سكنية".
وأكد أن اللجنة النيابية المختصة تواصلت مع رئاسة الوزراء والجهات المعنية لوقف تنفيذ هذه المشاريع.
وفيما يتعلق بعقود الاستثمار، شدد المعموري على ضرورة "إجراء تعديلات جوهرية عليها"، مبينًا أن الغابات ليست مجرد مشاريع ربحية، بل تمثل مساحات طبيعية مخصصة للعائلات.
وأبدى النائب استغرابه من التوجه نحو استثمارها بطريقة غير مدروسة، محذرًا من أن هذا النهج قد يؤدي إلى تدمير البيئة وفقدان موارد طبيعية ثمينة.
الغابات بخير..؟
وفي السياق، قال مدير عام دائرة الغابات ومكافحة التصحر في وزارة الزراعة، د. بسام كنعان: أن صلاحيات الغابات لم تُنقل إلى المحافظات، مشيرًا إلى أن قرار المحكمة الاتحادية أكد بقاء هذه الصلاحيات ضمن نطاق الوزارة باعتبارها مهام اتحادية ولم يتم نقل الصلاحيات لأي محافظة.
وأضاف لـ"طريق الشعب"، أن التصريحات التي تتحدث عن نقل الصلاحيات غير دقيقة.
وفي ما يتعلق بعقود استثمار أراضي الغابات، أوضح كنعان أن الاستثمار يخضع لقانون الغابات والمشاجر، وقد وُضعت تعليمات خاصة لتسهيل تنفيذه، مشيرا الى انه على أساس هذه التعليمات "تم تشكيل لجان مشتركة بين دائرة الغابات ودائرة الاستثمارات الزراعية لوضع محددات وضوابط الاستثمار، وبعد دراسات مستفيضة، تمت المصادقة على الفرص الاستثمارية من قبل المجلس الوزاري الاقتصادي ومجلس الوزراء، لكن العقود لا تزال في مرحلة المسودة ولم تُنفذ حتى الآن".
وأوضح كنعان، أن "الاستثمار في الغابات يكون للأغراض التي أنشئت من أجلها، ويقتصر على تأهيلها، ومن الممكن إقامة فعاليات سياحية بيئية، مع عدم السماح بأي استغلال عقاري أو سكني أو تجاري لا يتماشى مع الهدف الأساسي للغابات".
وبخصوص الادعاءات حول إزالة أشجار الغابات عمدًا وتحويلها إلى فحم لغرض تغيير طبيعة الأراضي، نفى كنعان وجود معلومات دقيقة بهذا الشأن، موضحًا أن هناك 11 غابة فقط تتبع رسميًا لدائرة الغابات والتصحر، بينما تخضع باقي الغابات في المحافظات لإدارة الحكومات المحلية.
وبيّن، أن دائرته تقدم المشورة الفنية بما يخص الغابات.
ودعا في حال تأشير أية تجاوزات او تجريف إلى تحديدها بدقة لمتابعتها قانونياً.
وحذّر المتحدث من التجاوز على الغابات قائلا: إن "الدائرة ستتخذ إجراءات قانونية صارمة ضد أي تجاوزات على أراضي الغابات برفع دعاوى قضائية أصولية ضد المتجاوزين أمام المحاكم المختصة"، مبينا أن "جميع هذه الغابات فيها مشاتل لإنتاج الشتول الغاباتية، وتم تجهيز أكثر من 600 ألف شتلة خلال عام 2024، ضمن مبادرة رئيس الوزراء لزراعة 5 ملايين شجرة ونخلة".
وبيّن، أن دائرته تواجه تحديات، أبرزها ضعف التخصيصات المالية، لكنها مستمرة في تهيئة الشتلات الغابية وتجهيز الدوائر والمؤسسات الحكومية بها".
واختتم حديثه بأنّ الغابات تمثل “رئة المدن”، خاصة في ظل التغيرات المناخية وارتفاع معدلات التلوث، داعيًا إلى زيادة الاهتمام بها وحمايتها، لما لها من دور محوري في تحسين جودة البيئة وصحة المواطنين.
غياب الدور الرقابي والتنفيذي
مدير منظمة "الحقوق الخضراء" فلاح الأميري، قال لـ"طريق الشعب"، إن الإهمال بجميع أنواعه يمثل تحديًا رئيسيًا يواجه العراق في مختلف القطاعات، وخاصة في مجال البيئة وإدارة الموارد الطبيعية، منوهاً إلى ان هذا الإهمال يؤثر بشكل مباشر على تدهور الغابات، التصحر، التغير المناخي والتلوث البيئي.
وأضاف قائلاً انه برغم عدم كثافة الغابات في العراق، لكن المساحات الخضراء فيه تلعب دورًا مهمًا في البيئة والمناخ والاقتصاد، كما هو الحال في الموصل او بعض مناطق الفرات الأوسط، ومحافظات شمال العراق في إقليم كردستان".
وعن أهمية وجود الغابات الطبيعية والمزروعة بيّن الأميري أنها تُعد بالوعات لامتصاص غاز ثاني أوكسيد الكربون وبعض الغازات الأخرى المضرة، وفي نفس الوقت تزيد من نسبة الأوكسجين، وتعمل على تنقية الهواء من الغبار، مصدات للرياح والأتربة، تثبيت التربة وتقلل التصحر، فضلا عن أنها تمثل موائل لمختلف الحيوانات والطيور وتسهم في المحافظة على التنوع البيولوجي والأيكولوجي.
وأوضح، أنّ الغابات "توفر بيئة مناسبة للعديد من الكائنات الحية مثل الطيور والحيوانات البرية، ما يسهم في الحفاظ على التوازن البيئي. كما أنها تسهم في استدامة التنوع النباتي، خاصة الأشجار المحلية مثل البلوط والجوز في شمال العراق والنخيل في وسطه".
ولفت الأميري إلى انّ هناك ضعفا في سياسات حماية الغابات والمساحات الخضراء، وغياب شبه تام لأي خطط فعالة لإعادة تأهيل الغابات والمناطق الحرجية التي تعرضت للإزالة أو الحرائق او الحروب، علاوة عن ان المشاريع البيئية غالبًا ما تكون محدودة أو غير مستدامة بسبب نقص التمويل والإدارة غير الفعالة".
وانتقد الأميري عدم وجود قوانين صارمة لمنع القطع الجائر للأشجار والتعديات على الأراضي الخضراء، كما هو الحال في الاستثمارات في المجمعات السكنية أو في التنقيب واستخراج النفط.
وأردف بالقول: إن العراق يمتلك ثروات مائية وزراعية يمكن أن تقلل من آثار التغير المناخي، لكن سوء التخطيط والإهمال أدى إلى فقدان هذه الموارد تدريجيًا، بينما مشاريع الزراعة المستدامة والتشجير غير مدعومة بشكل كافٍ، ما يفاقم أزمة الأمن الغذائي والبيئي.
تتزايد المخاوف من تداعيات تطبيق قانون العفو العام المعدل، الذي سمح بإطلاق سراح كثير من المتهمين في قضايا الفساد المالي وسرقة المال العام مقابل تسوية. وفي الوقت الذي كان يتوقع فيه العراقيون أن تُتخذ إجراءات صارمة لمحاسبة الفاسدين، فإن إدخال فقرة التسوية مع المتهمين بالفساد، زاد من الشكوك حول فعالية القانون في ردع هذه الجرائم، مقابل اضعاف الثقة في عمل المؤسسات الرقابية.
ويحذر مراقبون من أن إدراج قضايا الفساد ضمن العفو العام قد ينسف جهود مكافحة الفساد في العراق، كذلك يعزز شعور الإفلات من العقاب لدى المسؤولين الفاسدين.
انتقادات وإدانات واسعة
وانتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي حملة ادانة واسعة لهذا التوجه بعد تسريب كتاب رسمي لشمول هيثم الجبوري (المستشار الحكومي السابق) الذي يعد واحداً من ابرز المتهمين في "سرقة القرن"، حيث رأى رواد وناشطي هذه المنصات، أن إدراج الجبوري ضمن العفو عنهم، يؤكد ان القانون تمت معاملته كصفقة سياسية تتيح للفاسدين الإفلات من العقاب، ما يضع مبدأ العدالة في العراق على المحك.
فيما ذهب اصحاب الاختصاص لانتقاد صيغة القانون، مؤكدين أن قانون العفو العام صيغ بطريقة تسهل على الفاسدين الخروج من السجن دون شروط صارمة مثل تنازل الدولة أو استرداد الأموال العامة. ووصفوا ذلك بـ"الاستهانة" بالمال العام. واكدوا أيضا، أن القانون كان يجب ألا يشمل المجرمين الذين تلطخت أيديهم بالدماء أو سرقوا المال العام، بدءًا من المحافظين والوزراء وصولاً إلى أصغر موظف فاسد.
تعزيز لثقافة الفساد؟
في هذا الشأن، انتقد الخبير القانوني أمير الدعمي الصيغة الحالية لقانون العفو العام، معتبرًا أنه لا يخدم الأبرياء الذين اعتقلوا ظلماً، بناءً على تقارير المخبر السري، بل يمنح فرصة للإفلات من العقاب للفاسدين وسراق المال العام.
وأكد في حديثه لـ "طريق الشعب"، أن القانون بصيغته الحالية يمثل "عفواً عن الفاسدين تحت عنوان العفو عن الأبرياء"، مشيرًا إلى أن "آلية التسوية المالية التي يتضمنها القانون تسمح لمن سرق الأموال العامة بالخروج بمبالغ رمزية مقارنة بحجم الفساد المرتكب".
واشار الى ان "هذه الصيغة فصلت على مقاسات الفاسدين امثال نور زهير، ناهيك عن ان كل قانون عفو عام يقر على اساس مراعاة الفاسدين"، منبها الى ان "القانون الحالي يعطي انطباعا بان الفساد محمي سياسياً، وهناك من يحمي الفاسدين وسراق المال العام ويطلق سراحهم، ما يعني مزيدا من الفساد ونهب المال العام".
وأضاف الدعمي، أن هذا العفو يجعل المسؤول الفاسد مطمئنا لإمكانية العفو عنه مقابل دفع جزء بسيط من المبلغ الذي يختلسه، ما يفقد العقوبات القانونية هيبتها ويشجع على مزيد من التجاوزات".
وتساءل الخبير القانوني عن "موقف الحكومة من هذا القانون، وما إذا كانت بالفعل تدعمه بهذه الصيغة رغم تناقضه مع دعوات المرجعية لمحاربة الفساد ووعود الحكومة بمحاربة الفساد؟ وعليه ارى ان الحكومة مسؤولة اليوم عن هذا القانون".
تسوية مع الفاسدين
فيما عدّ المحامي والمراقب للشأن السياسي جعفر حسن الكعبي، أن العفو عن الفاسدين والمختلسين للمال العام يعد بمثابة تشجيع للفساد، حيث يسمح القانون الجديد بإطلاق سراح المتهمين في قضايا الفساد المالي وسرقة المال العام بمجرد دفعهم مبالغ مالية تُعتبر تعويضًا، ما يثير القلق حول تداعيات هذا القانون على إضعاف الثقة بالمؤسسات القضائية والرقابية المختصة بمكافحة الفساد.
وقال الكعبي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن التعديل الجديد "أضاف فقرة (التسوية) مع الفاسدين، وهو ما يثير الشكوك حول طبيعة هذه الإضافة، إذ أن مصطلح “التسوية” غير واضح وغامض، ما يفتح المجال لتفسيره بطرق مختلفة".
ونوه الى انه في القانون السابق "كان المتهم بجرائم اختلاس أموال الدولة وتهديد المال العام وجرائم الفساد المالي والإداري غير مشمول إلا بعد سداد كامل المبلغ الذي سرقه. أما بموجب التعديل الحالي، فيمكن العفو عن الفاسدين من خلال تسوية مع الجهة التي تمت سرقتها، قبل تسديد الأموال المستحقة".
وكرر الكعبي كلامه بأن "النص الأصلي في قانون 2016 كان يشترط بقاء الفاسد في السجن حتى سداد كامل الأموال التي اختلسها، لكن التعديل الجديد يسمح بإطلاق سراح الفاسد ليقوم بتسوية مع الجهة المتضررة (مثل الوزارات أو المؤسسات)، ويتم دفع المبالغ المتفق عليها خارج السجن، ومثال ذلك لما يسمى “سرقة القرن”، حيث تم إطلاق سراح المتهمين، ولم يتم سداد الأموال التي كانوا قد اختلسوها".
وواصل القول: إن هذا التعديل "قد يساهم في تفشي الفساد بشكل أكبر، ويضعف أي محاولات حقيقية لمكافحة الفساد في البلاد"، مشددًا على أن مثل هذه القوانين قد تزيد من استسهال الفاسدين لارتكاب المزيد من الجرائم المالية دون خوف من المحاسبة الجادة".
وطبقا لمنظمة الشفافية العالم، يحتل العراق المرتبة الـ 140 عالميا في قائمة أكثر دول العالم شفافية، فيما احتل المرتبة الثامنة ضمن قائمة دول العربية الأكثر فسادا للعام 2024 من أصل 180 مدرجة بالجدول.
إنقاذ المتورطين من المتنفذين
المحلل السياسي رحيم الشمري يجد أن هناك "أسبابًا خفية وراء تشريع قانون العفو العام"، مشيرًا إلى أن "معظم الدوافع كانت تهدف إلى إنقاذ الفاسدين والمتورطين في قضايا خطيرة كالارهاب، لا انصاف الابرياء". ويقول الشمري في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "السلطة القضائية، ممثلة بالمحكمة الاتحادية ومحكمة التمييز الاتحادية، كان عليها أن تتخذ موقفًا صارمًا تجاه ما أقره مجلس النواب، وأن تعمل على تطبيق التشريعات بدقة".
ويحذر من أن هذا التشريع سيؤدي الى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية، إلى جانب استمرار الفشل في إدارة الدولة، وربما يفرز موجة جديدة من الاحتجاجات على الفساد ونهب المال العام وسوء الإدارة وغياب الإصلاحات الحقيقية.