كشف وزير الصحة الأسبق جعفر علاوي في لقاء تلفزيوني عن ذهاب ملياري دولار من ميزانية وزارة الصحة الى حزب وحيد يسيطر على الوزارة، موضحا ان دواءً بسيطا مثل “الأسبرين”، يتم شراؤه بـ10 ملايين دولار، يُسجل رسمياً بـ25 مليون دولار.
“كيماديا”، المؤسسة المكلفة بتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية، أصبحت بحسب علاوي، مجرد ماكينة لضخ مليارات الدولارات إلى حسابات حزبية، مشيرا الى ان الأجهزة الطبية تُشترى بمبالغ ضخمة، لتتعمد بعض الجهات تخريبها كي يعاد بيعها كقطع غيار.
في بلد يئن مواطنوه تحت وطأة الفقر وغياب العدالة ونقص الخدمات، ظهر وزير سابق مشهود له بالكفاءة والمهنية، ليطرح امام الرأي العام وكل من يعنيه الامر معلومات واضحة عن حجم الفساد المتغلغل في هذا المفصل المهم.
حديث الوزير الأسبق هذا ليس حديثا إعلاميا. انه وثيقة تكشف الفساد، وان على الحكومة ومجلس النواب وهيئة النزاهة والقضاء الإسراع بالتحقيق فيها، وكشف من يستحوذون على المال العام.
نعلم مثلما تعلمون ان المنظومة الفاسدة تعتاش على الفساد، لذا فان المطالبة بمحاربة الفساد عقيمة بوجود من يعتاشون بتقاسم أموال الشعب تحت يافطة "هاي حصتي وهاي حصتك".
كشف مدير عام دائرة الرقابة التجارية في وزارة التجارة، رياض مهدي الموسوي، عن ضبط 5,772 طنًا من اللحوم الفاسدة، التي لا تحمل تاريخ إنتاج أو انتهاء صلاحية مثبتا، تباع في الأسواق بمحافظة ميسان.
تصريح الموسوي هذا جاء في اجواء انتشار الأمراض الوبائية بين قطعان الماشية، في مشهد آخر من مشاهد الخراب الذي لا حدود له في البلاد، حيث يعمد نهازو الفرص الى استغلال أجواء الفوضى للحصول على ثروات طائلة دون أي اعتبار للصحة العامة.
فالفساد المستشري يمتد في معظم مفاصل الدولة، شاملا إدخال مواد غذائية مجهولة المصادر، مستفيدين في ذلك من حالة الانفلات في المنافذ الحدودية، سواء الرسمية أو غير الرسمية.
السؤال لم يعد: كيف وصلت هذه اللحوم إلى الأسواق، أو من الذي أقدم على إدخالها. وقد نبهنا مرارًا إلى حالات الفساد الكبيرة المستشرية، سواء في المنافذ الحدودية أو في نقاط التفتيش الداخلية. وهناك من المهربين من يدفع تأمينات تعادل قيمة البضائع المهربة، ما يعكس الاطمئنان الى وجود من هم مستعدون للتواطؤ وتسهيل إدخال المواد الممنوعة.
ولعل ما يحدث في مدخل بغداد من جهة كركوك، الدليل البليغ على ما نقول.
قدرت اللجنة المالية في مجلس النواب الخسائر الناجمة عن توقف تصدير النفط من إقليم كردستان، بحوالي 13 تريليون دينار، فيما يقدّر الخبراء المبلغ بما لا يقل عن 20 تريليون دينار.
معلوم أن التوقف حدث منذ عامين، نتيجة الخلاف بين بغداد واربيل حول ادارة حقول الإقليم وتسويق منتجاتها، وهو ما استغلته أنقرة فأغلقت الباب امام التصدير، خاصة بعد إن أجبرتها محكمة التحكيم الدولية على دفع غرامة للعراق قدرها مليار دولار، لسماحها بعبور النفط من الإقليم من دون موافقة بغداد.
وتشكل هذه الخسائر مثالاً صارخاً على عجز المسؤولين المتحاصصين عن حل المشاكل التي يصطنعونها بأنفسهم، وعلى تقديمهم مصالحهم وحصصهم في "الغنائم" على مصلحة البلاد والمواطنين. فقد طال إنتظار الناس لإقرار قانون للنفط والغاز، عادل ومتسق مع الدستور، ويشكل ضمانة لتمتع كل العراقيين بخيرات بلادهم بشكل متساو، ولاستثمارها في تحقيق تنمية مستدامة وعدالة اجتماعية، وفي تعويض المتضررين من ويلات المستبدين والفاسدين بحياة كريمة.
من المؤكد ان وجود اطار قانوني يحكم هذه القضية، لا ينفع مع من انتهجوا المحاصصة سبيلا لادارة الدولة، ولاعتبار مؤسساتها مصدر دخل سواء لاحزابهم المتنفذة، او لجماعاتهم المسلحة.
وزارة مالية موزمبيق اعلنت تنازل العراق عن 256 مليونا من إجمالي ديونه النفطية البالغة 320 مليون دولار، على أن يُدفع الدين المتبقي البالغ 64 مليونا على مدى 15 عامًا، بدءًا بعام 2029.
في الوقت نفسه أفاد محافظ الديوانية عباس الزاملي أن مجلس الوزراء "وافق رسميًا على سحب العمل من الشركة الإسبانية وإحالة الأعمال إلى شركات أخرى" دون تفاصيل اخرى. وجاءت هذه الموافقة بعد أن حمّل عضو مجلس محافظة الديوانية طارق البرقعاوي الحكومة مسؤولية إحالة مشروع تأهيل أحياء الديوانية الـ42 إلى جماعة مسلحة، متهمًا الشركة المحال إليها المشروع بأنها ليست إسبانية كما تدعي، ولم تنجز سابقا أية مشاريع مماثلة.
لا شيء يربط الخبرين أعلاه، لكنهما نموذجان للفوضى وغياب الشفافية، السائدين في التعامل مع قضايا بلادنا المختلفة. وإلا أيعقل أن نسمع من وزارة خارجية موزمبيق عن تنازل العراق عن ربع مليار دولار دون أن تنبس الحكومة ببنت شفة؟ واذا رجعنا الى العراق: هل يعقل أن يصوت مجلس الوزراء على سحب العمل من شركة متلكئة ومنتحلة للصفة، دون أن يتوعد الفاسدين بالملاحقة، أو ان يهددهم بذلك لا أكثر؟!
ردت محكمة القضاء الإداري، أمس الإثنين، اعتراض رئيس مجلس محافظة بغداد عمار القيسي، وأبقت عبد المطلب العلوي في منصبه محافظًا لبغداد. في المقابل طالبت لجنة الأقاليم والمحافظات البرلمانية مجلس محافظة نينوى بتقديم وثيقة تخرّج رئيس المجلس أحمد الحاصود، وسط جدل متزايد حول أهلية بعض المسؤولين لشغل مناصبهم!
وتأتي هذه التطورات بعد تداعيات إقالة محافظ ذي قار، إضافة إلى النزاع حول منصب رئيس مجلس محافظة صلاح الدين، ما يعكس حالة من التخبط في إدارة الحكومات المحلية.
القوى السياسية المتنفذة تصرّ على إدارة مؤسسات الدولة وفق مصالحها الحزبية، وبأساليب تفتقر إلى الحد الأدنى من قواعد العمل السياسي السليم، حتى أصبحت المناصب ساحة للتجاذب والصراع والتحاصص، بدل أن تكون أداة لخدمة المواطنين.
حتى الرقابة التشريعية، التي يفترض أن تثبت معايير صارمة في شأن شاغلي المناصب، باتت خاضعة لمعادلات التوافق والاتفاق والخلاف بين الكتل السياسية، الأمر الذي يقوّض مبدأ المساءلة.
وان ما يحدث اليوم في أكثر من محافظة ليس غير انعكاس لحالة الفوضى السياسية المتزايدة والاستئثار بالسلطة، في وقت يشهد فيه العراق اضطرابات متنامية، قد تنذر بأزمات أشد تعقيدًا في المستقبل.