العمل الإعلامي وبضمنه الصحفي لم يكن يوماً مفروشاً بالورود، بل كان طريقه على الدوام محفوفاً بالمشقات والتضحيات. وفي بلدنا بالذات حفلت مسيرة الصحافة والاعلام بالتحدي والتفاني، في سبيل تأمين مساحة من الحرية تُمكّن العاملين فيهما من أداء رسالتهم، دون قيد أو تحكّم.
ومنذ سقوط النظام الدكتاتوري في 2003، دفع الاعلاميون والمجتمع عموما ثمناً باهظاً لترسيخ مناخ يضمن حرية التعبير، ويُطلق العنان للكلمة الحرة والرأي الذي لا يخضع لسطوة الأجهزة المتسلطة وأموال القوى المتنفذة الفاسدة وتهديدات السلاح المنفلت.
الا انه وبعكس هذا جاءت التوجيهات الأخيرة الصادرة عن هيئة الإعلام والاتصالات، لتثير قلقاً مشروعاً على مستقبل حرية التعبير وعموم الحريات والحقوق المنصوص عليها في الدستور.
فقد وجهت الهيئة في كتاب صادر عن مدير جهازها التنفيذي، المؤسسات الإعلامية بـما أسمته "الالتزام بالمهنية والموضوعية في تغطية أحداث سوريا، وتجنب بث معلومات قد تثير النزاعات أو تضرّ بعلاقات العراق الخارجية". وطلبت منها "الامتناع عن استضافة شخصيات معادية للمصلحة الوطنية، وعدم تناول المواضيع الأمنية الحساسة أو نشر أخبار غير موثوقة". كما دعتها إلى "تعزيز الخطاب الديني الوطني عبر استضافة رجال الدين لتشجيع التماسك المجتمعي ودعم الأجهزة الأمنية".
هذه التوجيهات التي يغلب عليها الطابع الأمني البحت، تعكس توجهاً واضحاً نحو التحكم بالإعلام ومفرداته والتضييق عليه، وتكشف عن استمرارية سياسة ممنهجة لتقييد حرية التعبير بذريعة حماية الأمن الوطني هذه المرة. ولا شك انها تضع الإعلام والإعلاميين أمام معادلة صعبة: بين أداء الدور المهني في نقل الحقائق، وبين التزام الخطوط التي تضعها الجهات المتنفذة على وفق رؤاها، التي تبين التجربة انها تضيق ذرعا بالرأي الاخر الذي لا يُسبّح بحمدها. ثم ان القلق يتجاوز هذه التوجيهات ونصوصها، فهي ليست إلا امتداداً لعقلية غير منفتحة رغم الادعاءات، ولنهج لا ينقطع من التضييق على الحريات، نهج يتعامل مع الإعلام كوسيلة للدعاية، لا كمنصة للنقاش الحر وكشف الحقائق وتسليط الضوء على الهفوات والإخفاقات والفساد المستشري في أروقة مؤسسات الدولة. وهو نهج يتناقض على طول الخط مع الديمقراطية التي يطمح العراقيون الى ترسيخها ممارسة ومنهجا ومؤسسات، ويعزز مناخ الخوف الذي يحول دون قيام الاعلام بدوره الحقيقي في الرقابة وكشف الحقائق.
وتعكس هذه التوجهات كذلك خللا في أداء الهيئة والجهات التي تقف وراءها، وتفصح عن نكوص في قيامها بمهامها، وذلك أمر ليس مستجدا وانما هو تراكم ممتد عبر سنوات طويلة. حيث أخفقت الهيئة في تقديم نفسها ككيان مستقل يلتزم بالقوانين النافذة والدستور، بل وجنحت مراراً طوعا أو تحت ضغط جهات متنفذة نحو تسخير إمكاناتها لخدمة مصالح تلك القوى، متجاهلةً تماماً الدور المناط بها.
ولا أدلّ على ذلك من تغاضيها المتواصل عن الأصوات التي تبث خطاباً يوميا مشحوناً بالتهديد، وبنشر بذور الفرقة، وترسيخ الطائفية والانقسام داخل المجتمع، في انحراف واضح عن مسؤولياتها الجوهرية.
ان ممارسات كهذه وما يلاحظ من عودة لاستخدام قوانين النظام الدكتاتوري المقبور وتضييق الخناق على الإعلاميين، انما تشكل ارتدادا عن ضمان حقوق العراقيين الدستورية وحريتهم في التعبير والاجتهاد والتفكير الحر غير المنمط.
ان تطورات الأوضاع الراهنة في منطقتنا وتداعياتها المحتملة على العراق، تتطلب مواقف وإجراءات من نوع آخر. فالحاجة ماسة الى المزيد من الحريات ومن تعزيزها، وتقوية دور مؤسسات الدولة وردم الهوة بينها وبين المواطنين، وحشد كل الطاقات الوطنية وتنمية الشعور بالانتماء للوطن، والتوعية السليمة بالمخاطر التي تهدده، والابتعاد عن كل ما يضعف النسيج الوطني، إضافة الى تعزيز قدرات وإمكانات القوات المسلحة النظامية وحصر السلاح بيد الدولة، والانطلاق من مصالح العراق وشعبه أولا قبل كل شيء.
تلك هي الإجراءات الواجب الاقدام عليها، وليس تلك التي تُضيّق على الناس وتحصي انفاسهم. وإن التوجهات المذكورة تتطلب التوقف الجاد عندها من طرف القوى المدنية الوطنية والمنظمات المدافعة عن حرية التعبير وحقوق الإنسان، والتصدي لها والعمل على حماية الحقوق الدستورية، وضمان حرية الكلمة وصيانة حقوق المواطنين. فالدفاع عن حرية التعبير وحرية الاعلام هو دفاع عن حق المواطنين في الوصول إلى الحقيقة، بعيدا عن مقص الرقيب وسطوة الإجراءات الأمنية.
تمر اليوم الذكرى 107 لقيام ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى، التي كنس فيها تحالف العمال والفلاحين والجنود وعموم الكادحين عروش الطغاة، ونقل شعوب روسيا القيصرية من هيمنة سلطة الإستغلال والقهر، سلطة التخلف والجهل والفقر والفوضى والتمييز الطبقي، الى مجتمع الحرية والعدالة والتقدم العلمي والحضاري، المجتمع الذي صار مثالاً يكشف عن بشاعة الرأسمالية وإرتباطها العضوي بالعبودية والبؤس الثقافي وتشويه المعرفة، ويلهم البشرية القدرة على الكفاح لتحقيق حريتها وسعادتها وخلاصها.
لقد تمكّنت شعوب الإتحاد السوفيتي خلال سنين قليلة من تخطي التخلف الإقتصادي والثقافي، وبناء دولة عظمى، حققت منجزات غير مسبوقة في مستوى الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والنقل والسكن والطرقات والتغذية ورعاية الأطفال والحاجات الثقافية، وقضت تماماً على الأمية، وغزت الفضاء، وتحققت في ظلها ولأول مرة في التاريخ المساواة الحقيقية بين المرأة والرجل وبين القوميات، وساهمت بشكل رئيسي في القضاء على النازية والفاشية وفي تفكيك النظام الكولونيالي وتقديم كل اشكال الدعم لمجموعة كبيرة من الشعوب المستعبدة لإنجاز استقلالها وتحقيق تنمية بلدانها، وبقيت نصيرا للحق والسلم، وأعاقت الهيمنة الكاملة للأمبريالية على العالم.
ويعود لثورة اكتوبر العظمى الفضل في الكشف عن قانون الثورة وارتباطها بحدوث أزمة وطنية عامة، رفضت فيها الأغلبية الساحقة العيش تحت سلطة النظام السائد، وخاضت سلسلة من الإنتفاضات والهبات الواسعة، لتحقيق هدف مشترك واحد، هو الحرية والعدالة الإجتماعية، وتمكّنت بقيادة البروليتاريا، أكثر الطبقات ثورية، من تحديد لحظة إشتعال الحريق الثوري الذي أسقط سلطة الحروب وحقق أولى الخطوات على طريق السلام والتضامن بين البشر.
لم تكن الثورة فعلاً إرادوياً ومبالغةً في أهمية العامل الذاتي، كما يروج البعض، بل جاءت قراءة مبدعة للماركسية في ظروف روسيا، وكانت حصيلة لتراكم الخبرة الثورية، وإستجابة لرفض ملايين الناس للواقع وإستعدادهم للعمل المنظم من أجل إجهاض الردة البرجوازية عن اهداف ثورة شباط، وتراجعها عن ابرام السلم وعن توفير الخبز للجياع والارض للمعدمين في الريف.
ولم تكن ثورة عنيفة ودموية، كما يسعى الإعلام الإمبريالي تصويرها، متناسياً عمداً الدفاع المشروع عن النفس ضد العنف البشع الذي مارسه اتباع القيصر الكورنولوفيون وحلفاؤهم من برجوازيين واقطاعيين وجيوش دول امبريالية معتدية. واخيراً مثلت سلطة الثورة تعبيراً ديمقراطياً حقيقياً عن إرادة اغلبية الناس.
في كل عام، حين تحل الذكرى، يغمرنا نحن الشيوعيين وكل محبي الخير والسلام في العالم، شعور بالفخر مما تحقق، ويقين لا يتزعزع بقدرة الطلائع الثورية على المواصلة واستيعاب الدروس وتصحيح الأخطاء والوثوب من جديد، كي يزول الليل وتبزغ شمس الحرية والعدالة من جديد.
ما زال البعض يتمنى ان يستيقظ صباحاً ويسمع الخبر السار له ولأمثاله، بان لا حركات احتجاجية وجماهيرية بعد اليوم!
غير ان الواقع العراقي بحراكه المتجدد يوميا يبعث رسائل معاكسة، تقضّ مضاجع البعض المذكور وتسبب له المزيد من الصداع والقلق والاكتئاب.
يحصل هذا في بلادنا منذ الانطلاقة الجريئة في شباط 2011 للحركة الاحتجاجية، التي تواصل مسيرتها رغم التعرجات وحالات الصعود والنزول، وهو ما نراه امرا طبيعيا في العراق وغيره من البلدان.
الحركات الاحتجاجية في مسيرتها ومحطاتها، والابرز بينها انتفاضة تشرين المجيدة، ردت وترد بقوة على كل المشككين بأصالتها ووطنيتها، فيما تمتد خيوط الاتهام الى الجهات التي ساهمت وتساهم حتى اليوم في قمعها، وفي السعي الى إلحاق مختلف التهم بها، وهي منها براء.
اليوم وبفضل هذه الحركات والمساهمات الجريئة فيها ودور الفاعلين المدنيين، ومن بينهم الشيوعيون، غدت المطالبة بالحقوق والتظاهر والاحتجاج من أجلها، طريقاً مجرّباً لإجبار المتنفذين على الاستجابة ولانتزاع الحقوق.
وبسبب سياسات ومواقف المتنفذين، اخذ المواطنون يدركون بتجربتهم الخاصة، انه لا بد من الحراك المنظم لفرض المطالب ونيلها.
ومع اطلالة اليوم الاول من تشرين الاول، يوم اندلاع انتفاضة الشعب الباسلة، يتوجب التوقف عندها ليس فقط لتمجيد مآثرها وبطولاتها وشهدائها البررة، بل ولاستخلاص العبر والدروس منها، لا سيما وان المراقبين والمتابعين ما زالوا يقولون ان ظروف اندلاع تلك الهبّة الشعبية الجماهيرية الواسعة ما زالت قائمة، بل ان العديد من جوانب الازمة العامة في البلاد تتعمق، في ظل استمرار الاصرار على النهج الخاطئ في ادارة البلاد، والتشبث بالمحاصصة ومنهجها والتحاصص المكوناتي.
وهنا يتوجب القول بوضوح، ان علاج الازمة في بلادنا سياسي بامتياز في اساسه، وان ايّ محاولة للف والدوران والحلول الترقيعية، لن تزيد الامور الا تعقيداً، وقد تدفعها الى الأسوأ. فالناس لن تبقى تنتظر الوعود التي تداف في عسل الكلام .
فيما يتوجب على الحركات الاحتجاجية، بمختلف انواعها واشكالها وتنوّع مطالبها، ان تدرك إلحاح الحاجة الى المزيد من التنظيم والتنسيق والتشاور وتوحيد التوجهات، والى المزيد من الالتصاق بهموم الناس وتبني مطالبهم، وان تجمع على نحو سليم بين ما هو خاص بمختلف الفئات وما هو عام يخص الوطن وهموم المواطنين عموما.
في ذكرى انتفاضة تشرين 2019، يتوجب السعي لا الى ايجاد التبريرات والذرائع، بل الى الاقرار بصراحة ووضوح بفشل المنهج الذي اعتُمد حتى الآن في ادارة شؤون البلاد، وبضرورة التفكير والعمل الجدي من اجل البديل الذي يسعى الى بناء وطن للجميع، وطن مبرّءٍ من المحاصصة الطائفية، وتسوده قيم المواطنة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
في الذكرى المجيدة للانتفاضة نجدد المطالبة بإنصاف عوائل الشهداء، والاستجابة لمطالبهم، والكشف عن القتلة والمجرمين وتقديمهم الى المحاكم، لينالوا جزاءهم العادل.
يحتدم الجدل حول مساعي تشريع تعديل لقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، ومدى انسجام ذلك مع الدستور وحقوق الانسان، ومع المعاهدات والمواثيق الدولية التي وقع عليها العراق وأقرّها.
ورغم الاعتراض والرفض الواسعين لهذه المساعي، شعبياً وسياسياً وبرلمانيا، أصرت القوى المهيمنة على إجراء القراءة الثانية لمقترح التعديل. فهناك 124 نائبا رافضا لذلك، وقد قدموا قائمة بتواقيعهم الى رئاسة مجلس النواب بالإنابة، التي تسلمت تواقيع 100 نائب مؤيد، فيما رفضت استلام قائمة بتواقيع المعترضين، بل واقتطعت أجزاء من مداخلات بعضهم عند بثها، في مؤشر على عدم الالتزام بالسياقات القانونية للنظام الداخلي لمجلس النواب.
وبعد كسر النصاب في الجلسة السابقة، جرى ادراج القراءة الثانية في جدول عمل المجلس، احتوى على قوانين مختلف عليها ايضاً، مثل (العفو العام وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل) في محاولة لفرض تمريرها بحزمة واحدة، رغم الأصوات المعارضة لتعديل القانون ١٨٨.
لقد فشلت قوى برلمانية عديدة في انجاز شيء لجمهورها وللشعب العراقي عامة، طيلة مدة الدورة البرلمانية الحالية، مما دعاها الى دعم هذا التعديل المجحف، في توجه لإشعال الاختلاف الطائفي الذي تستفيد منه وحدها في الصراع السياسي، ثم توظيف ذلك انتخابياً ليس الا.
ولم يبرر مقدمو المشروع حتى الآن، الصيغة التي جرى ادراج التعديل بها في الدورة البرلمانية الحالية، ولم يقدموا إجابات على الأسئلة الكثيرة التي طرحت منذ اكثر من شهر، وغالبها متعلق بالمدونات وطريقة كتابتها وآلية اقراها. كذلك عدم ادراجها بالتوازي مع طرح التعديل، بل الانتظار 6 اشهر، ما اثار استغراب الكثير من النواب والمهتمين.
وواضح ان القانون الحالي بحاجة الى اجراء بعض التعديلات على القضايا الإشكالية، التي باتت مهمة مع التطورات التي يمر بها بلدنا، خصوصاً ما يتعلق بحقوق الطفل والمرأة ويحفظ كرامة الاسرة وفق الدستور. لكن طريقة تقديم القانون تدل على سعي لتعديله في سياق بعيد عن حفظ حقوق المرأة وكرامتها، وعن ادامة تماسك الاسرة، إضافة الى تداعياته ذات الصلة بالبناء المدني للدولة، وإيجاد سلطات موازية لمؤسسات الدولة ولا سيما القضاء.
اننا لا نرى مبررا لتشريع قانون مهم كهذا، يمس حياة الاسرة العراقية بشكل يومي، بمثل هذه الطريقة المستعجلة، ودون ان يُطلَق نقاش واسع حول مضامينه ومدى إمكانية تطبيقه، ودون ان يكون هناك خلل يواجه المنفذين له، كذلك عدم قضمه حقوق المرأة والطفل وتجاوز القضاء.
ومن اجل تشريع قانون خال من المشاكل والصعوبات، نؤكد أهمية تحويل الامر الى مجلس الوزراء، الذي عليه معالجة الإشكالات التي جرى طرحها في التعديل، ويبدأ نقاشا مع جميع الجهات ذات المصلحة في القانون، باعتباره قانونا يهم المجتمع كله، وبالتالي لا بد من توافق عام عليه، وعدم احتساب إقراره نصراً لطرف على حساب طرف اخر. ومن الضروري الا يكون هناك سعي لقضم حقوق المرأة والطفولة والاسرة، ولا لاعتماد ما يتعارض مع الحقوق التي نص عليها الدستور.
ان هذا الطريق السليم، كما نرى، لتقديم مشاريع القوانين وان تكون في محصلتها تخدم المواطنين جميعا، وليس إضافة تعقيدات جديدة الى معاناة المواطنين الحالية.
تواصل القوات التركية تنفيذ عملياتها العسكرية داخل الأراضي العراقية، وهي الان اقرب الى احتلال مناطق واسعة في إقليم كردستان. وتفيد معلومات صحافية ان لها حوالي ٧٣ قاعدة عسكرية في أراضينا، فيما تضيف معلومات متداولة ان هذه القوات توظف مرتزقة للعمل في صفوفها، ممن اخذت اعدادهم تتزايد في جبال الإقليم، وانها تغدق عليهم رواتب شهرية تصل الى ٢٥٠٠ حتى٣٠٠٠ دولار امريكي!
فمن الذي سمح لتركيا ولقواتها ان تسرح وتمرح في أراضينا، بما يعد انتهاكا فظا للسيادة الوطنية، فيما هي تلحق الأذى بالمواطنين وبمساكنهم ومحاصيلهم واراضيهم، وتنغص عليهم حياتهم وتجلب التوتر الى مناطقهم. وهي تعرف جيدا ان ما تقوم به لم ينفعها سابقا ولن ينفعها مستقبلا، طالما هناك قضايا عادلة يناضل من اجلها مواطنون يتطلعون الى نيل حقوقهم والتمتع بالعيش الكريم في وطنهم.
وتؤشر تجربة كردستان العراق بما لا يدع مجالا للشك، ان اضطهاد الناس والتنكر لحقوقهم تحت اية ذريعة، لن يجلب الامن والاستقرار مهما كان جبروت آلة القمع والبطش المستخدمة، ومهما جُيشت الجيوش واستُخدمت احدث المعدات العسكرية وأشدها فتكا.
وتقول التجربة أيضا ان إرادة الشعوب المكافحة لا بد ان تنال مبتغاها، طال الزمن ام قصر. لذا نكرر ان اقصر الطرق امام تركيا واقلها ايلاما وإهدارا للأرواح والممتلكات، هو الاعتراف الصريح والواضح بحقوق الشعب الكردي في كردستان تركيا، وتحقيق ديمقراطية متسقة تضمن ممارسة تلك الحقوق وعدم الانقلاب عليها والتراجع عنها. فعليها، ان هي إرادت حقن دماء أبناء وبنات بلدها من مختلف القوميات، ان تبادر الى ذلك، وكفى تدخلا سافرا في شؤون بلدنا وانتهاكا متكررا لحرمة أراضينا.
والمستغرب انه فيما تقوم تركيا بكل هذا وتواصل اعتداءاتها الوقحة، تلزم الحكومة الاتحادية وفي الإقليم الصمت ازاءها، واحيانا نسمع كلمات مكرورة لا تغني ولا تسمن من جوع. بل ان الحكومة الاتحادية راحت تعقد معها الاتفاقات تلو الأخرى، ومنها ما حصل مؤخرا بتوقيع مذكرة تفاهم عراقي - تركي للتعاون العسكري والأمني، حسبما صرح وزير خارجية تركيا هاكان فيدان، فيما قال مصدر دبلوماسي تركي ان الاتفاق يقضي بانشاء مركز مشترك للتنسيق الأمني في بغداد، الى جانب مركز تدريب وتعاون مشترك في بعشيقة بمحافظة نينوى. فعن أي تدريب واي تعاون مشترك يجري الحديث، والقوات التركية متوغلة في العمق العراقي وتتحكم في مناطق واسعة داخل الإقليم؟
يحصل هذا وتركيا لم تف حتى الآن بوعودها المتكررة بتأمين حصة عادلة للعراق في مياه نهري دجلة والفرات، وخاصة الأخير الذي يعاني العديد من المحافظات الوسطى والجنوبية من العطش بسبب النقص الحاد في مياهه، الى جانب التصحر وانخفاض منسوب مياه الاهوار. في حين تتزايد اعداد السكان الذين يهجرون الارياف الآن، حيث لا زرع ولا ماشية يمكن تربيتها. فعلى ماذا نكافئ حكومة تركيا بتوسيع التعامل معها على مختلف الصعد، وآخرها ما لم يكن في الحسبان من تعاون وتنسيق عسكريين وأمنيين.
ونقول ونكرر ان لا مصلحة لشعبنا ووطننا في ما جرى الاتفاق عليه، وفي ان يكون بلدنا سوطا بيد الآخرين، وقد عانت جماهير شعبنا كثيرا من مثل تلك السياط الظالمة .
وهنا نجدد موقفنا الرافض لاي وجود عسكري اجنبي على أراضينا، ونرفض أي تعاون وبأي شكلٍ بما يديم هذا الوجود ويمنحه الشرعية، مثلما نرفض كل التدخلات الخارجية في شؤون وطننا وفي حق بناته وابنائه وحدهم في تحديد خياراته وتوجهاته، حاضرا ومستقبلا.