ينعى الحزب الشيوعي العراقي الشخصية الثقافية الوطنية الشامخة، ابن الحلة والعراق الوفيّ، الشاعر الشيوعي المبدع المتفرد موفق محمد.
برحيله المفجع والموجع اليوم خسرنا رفيقا أمينا مخلصا، وانساناً نادر المثال قلبا وعقلا، انساناً بقي أبدا يفخر بانتمائه إلى عالم الفقراء والكادحين، صناع الحياة وخيراتها، يتشبث بهم ويقاسمهم الحرمان، ويثور ولا يكفُّ بوجه مضطهديهم وسارقي اللقمة من افواههم، فاضحا موبقاتهم وشناعاتهم، ومؤلبا على الاقتصاص منهم، وانتزاع الحقوق السليبة من بين مخالبهم.
لقد فقدنا اليوم في موفق محمد شاعرا مقاتلا بحق، مناضلا جسورا كرس نفسه ومواهبه للدفاع عن الناس المحرومين المهانين، ولكشف وضاعات مضطهديهم ومستغليهم وتمريغ أنوفهم بالوحل.
غادرنا موفق محمد مأسوفاً عليه، لكن صوته بقي ويظل مدويا في فضاء العراق، يقضّ مضاجع الفاسدين اللصوص، وترتعد له فرائصهم!
غادرنا شاعر الشعب جسدا، لكن روحه الحية تبقى بيننا ومعنا، وتبقى قلوب ملايين العراقيين الكادحين تحتضن ذكراه المضيئة وتصونها.
أود ان انقل اليكم أحر التحيات من رفاقكم في الحزب الشيوعي العراقي، ونعبّر عن التثمين العالي للرفاق في الحزب الشيوعي الروسي لمبادرتهم إلى تنظيم هذه الفعالية المتميزة، "المنتدى العالمي لمكافحة الفاشية"، التي تقام بمناسبة الذكرى الثمانين للانتصار على الفاشية والنازية في الحرب العالمية الثانية.
يأتي انعقاد هذا المنتدى العالمي في ظل ظروف بالغة التعقيد على الصعيد العالمي ودخول الرأسمالية طورا متقدما في وحشيتها جراء فشل السياسات الليبرالية الجديدة، ومع تأجيج هستيريا الحرب والتهديد المتصاعد للفاشية وقوى اليمين المتطرف. وفي مواجهة هذه التحديات الجسيمة يتعين على الحركة الشيوعية العالمية، ومعها قوى اليسار والتقدم، القيام بدورها في استنهاض حركات السلام وفي بناء جبهات شعبية من أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي. ويكتسب ذلك أهمية بالغة في التصدي للسياسات العدوانية للإمبريالية الأمريكية وحلفائها الأوروبيين، وفضح دعمها لليمين الشعبوي المتطرف، وتأجيجها للنزعات العنصرية والفاشية. وتجلى ذلك بوضوح في تأجيج الحرب بين الاتحاد الروسي وأوكرانيا وإدامتها، التي تتواصل منذ أكثر من 3 سنوات، ومنع التوصل إلى إنهائها عبر تسوية سياسية سلمية. كما تجلى ذلك في الدعم السافر الذي تقدمه الولايات المتحدة لنتانياهو وحكومة اسرائيل الفاشية في حرب الإبادة الصهيونية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، إلى جانب التهديدات الخطيرة التي تواجه السلام في منطقة الشرق الأوسط جراء تداعيات هذه الحرب الاجرامية، واستمرار الحرب الدموية الكارثية في السودان.
في ظل هذه الأوضاع المتقلبة والخطيرة، تواجه أحزابنا الشيوعية وقوى اليسار، في العالم وفي كل بلد، مهمات ملحة تستدعي تعزيز وحدتها، وبناء جبهات واسعة من أجل السلام، وطرح بدائل ورؤى من أجل تحقيق تغيير جذري. ان ذلك ضروري لإنقاذ شعوبها والإنسانية من كوارث وشيكة، لتحقيق تطلعاتها نحو نظام اجتماعي جديد يقوم على قيم الديمقراطية والمساواة والعدالة والتعاون، وهي القيم الأساسية للاشتراكية.
الرفيقات والرفاق الأعزاء
نظرا لقصر الوقت المخصص لتقديم المداخلات سأحاول، وضمن المحور المحدد في هذه الجلسة والمعنون (التطرف الاسلامي – تجسيد للفاشية)، ان أقدم بشكل مكثف تجربة العراق مع التطرف الاسلامي وخاصة في مرحلة احتلال تنظيم "داعش" الارهابي لما يقرب من ثلث اراضي العراق، والذي بدأ في العاشر من حزيران (يونيو) 2014.
- إن الأسباب وراء ما حققه هذا التنظيم الاسلامي المتطرف والفاشي في العراق آنذاك ترجع إلى مجموعة من العوامل المركبة الداخلية والخارجية. إن العوامل الداخلية لها صلة مباشرة بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويكمن جذرها في فشل بناء الدولة بعد 2003، وفي النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية الاثنية الذي تم تأسيسه بعد الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق في نيسان 2003، بالإضافة إلى التركة الثقيلة لعقود من دكتاتورية صدام الفاشية وحروبها، والعقوبات الدولية القاسية التي أدت إلى تفتيت النسيج الاجتماعي. وأدت سياسات الحكومات المتعاقبة بعد 2003 إلى زيادة ظاهرة التشظي والانقسام المجتمعي، وعمّقت من الاغتراب داخل البنية الاجتماعية والدولة، ولم تتمكن من ترسيخ مبدأ المشاركة، وخلقت ظروف احتكار السلطة.
- إن الاخفاق الأكبر هو الفشل في بناء نظام سياسي يقر بالتعددية الاجتماعية والسياسية والهوياتية ذات الثقافات والإثنيات والديانات والمذاهب المتعددة.
- وكانت البلاد، عشية هجوم تنظيم "داعش" الارهابي في 2014، تعيش حالة احتقان وانعدام الثقة بين الأطراف السياسية، والاستئثار بالسلطة، وتفشي الفساد، وارتفاع نسب الفقر والبطالة، وتعمق الصراعات وتأجيج النزاعات الطائفية، والاستقطابات داخل المؤسسة العسكرية على أساس الحزبية بعيداً عن العقيدة الوطنية، وغياب العلاقة الايجابية مع سكان مناطق محافظة نينوى (شمال العراق)، فضلاً عن اختراقات "داعش" داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية، ونشاط بقايا نظام صدام حسين، التي لعبت دوراً قيادياً في التخطيط وتنفيذ عمليات الارهاب. كما ان التدخلات الخارجية، للقوى الدولية والاقليمية، وأجهزتها الاستخبارية، لعبت دوراً في تمدد القوى الإرهابية إلى الاراضي العراقية، وتوظيفها لصالح أجنداتها في الصراع على النفوذ ومخططاتها لإدامة الهيمنة على المنطقة عبر تمزيق مجتمعاتها وتأجيج حروب طائفية داخلية. وهناك معطيات تؤكد حصول "داعش" والمنظمات الإرهابية المتطرفة الأخرى على الدعم المالي والإعلامي واللوجستي من بعض دول الجوار ومن مؤسسات وشركات رأسمالية.
- اعتبر حزبنا الشيوعي سيطرة "داعش" على الأراضي العراقية حدثاً فاصلاً، فسقوط مدينة الموصل (ثاني أكبر مدينة في العراق) تحت سيطرة هذا التنظيم الارهابي، وانهيار الجيش، شكّل لحظة تغيير في العلاقات السياسية وفي عملية بناء الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية.
- ساهمت مختلف الفئات الاجتماعية في التصدي لـ "داعش" الارهابي، وتجنّد مئات الآلاف في الدفاع عن الوطن من الإرهاب، وللقضاء على "داعش". كما ساهم حزبنا الشيوعي وأصدقاؤه في الدفاع عن مناطق عدة في الموصل وديالى وغيرها.
- كان هدف "داعش" هو بناء ما يسمى بـ "الدولة الاسلامية في العراق"، وزرع الفوضى والتأجيج الطائفي وإضعاف مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية وتغذية الصراعات الدينية والمذهبية، وتشجيع التطرف والقبول بالفكر الإقصائي والتكفيري، مستفيدة من ظاهرة الرفض الواسعة لنهج السلطة القائمة في العراق.
- شكلت تلك الأحداث منعطفاً خطيراً وتركت تداعيات كبيرة على الوضع الداخلي. وجاء تحرير المناطق من سيطرة "داعش" (وتحرير مدينة الموصل في تموز 2017) ليعبر عن عدة دروس، وأبرزها هي:
- أن مكافحة الإرهاب وحواضنه، وعزل الارهابيين، لا يمكن تحقيقه من خلال عمليات عسكرية فقط. بل من خلال إعادة بناء الدولة والاقتصاد وإرساء علاقات اجتماعية وثقافية وترسيخ الهوية الوطنية.
- وهي تؤكد بقوة ضرورة إحداث التغيير الحقيقي في العراق بالخلاص من نهج المحاصصة الطائفية والإثنية، ومن أقلية حاكمة "اوليغارشية" فاسدة، وتحقيق البديل المدني الديمقراطي. وذلك بإعادة بناء الدولة العراقية على أساس المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية، وحصر السلاح بيد الدولة، والتخلص من كل أشكال التسلح خارج اطار الدولة، بإنهاء وجود المليشيات، وبناء مؤسسات عسكرية وأمنية ذات عقيدة وطنية، وتعزيز السيادة والاستقلال الوطنيين وعدم السماح بالتدخلات الخارجية، الدولية والإقليمية، والتخلص من الطابع الريعي للاقتصاد وبناؤه على أساس الانتاج الحقيقي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، ومعالجة تداعيات سيطرة "داعش" الارهابي بضمان عودة النازحين والمشردين إلى ديارهم، وإعادة إعمار المناطق المتضررة، والتوجه الجدي إلى "المصالحة الوطنية". أي إشاعة نمط جديد من التفكير السياسي لإعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية، على أساس الدستور، وتفعيل القوانين التي تحظر الأنشطة العنصرية والارهابية والتكفيرية، وتفعيل القضاء المستقل واحترامه، واتخاذ اجراءات لاستعادة الهوية الوطنية العراقية، وإعادة بناء النسيج المجتمعي الوطني، وضبط الخطاب الاعلامي، الهادف إلى نبذ الطائفية، وتحسين العلاقة بين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان الفيدرالي.
- كما أن محاربة التطرف الإسلامي تتطلب المواجهة الفكرية مع الجماعات الإسلاموية المتطرفة والتصدي لأيديولوجياتها، ومنع التطرف، وحماية حقوق الإنسان، وخصوصا بالنسبة للفئات المهمشة والنساء، والترويج لمبادئ المساواة والعدالة والحرية، وتعزيز التعددية والتنوع في النقاش والممارسة السياسية والاجتماعية. إنه نهج متعدد الأوجه يتطلب التعاون بين علماء الدين والأكاديميين وصانعي السياسات ومنظمات المجتمع المدني والمجتمعات لتحدي الخطابات المتطرفة وتقويضها بشكل فعال.
- إن ظاهرة تنظيم "داعش" الإرهابي شكل من التطرف الاسلامي، ذو ايديولوجية فاشية مرتبطة بالإسلام السياسي. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك تنظيمات "القاعدة" و"داعش" و"الإخوان المسلمين". وهي ذات طابع بربري في نمط التفكير والممارسة والأساليب، في القتل والسيطرة والارهاب.
- والانتماء إلى "داعش" ليس للوطن او القومية بل لمفاهيم إسلامية متطرفة فقط.
- وقد سعى تنظيم "داعش" إلى إقامة نظام سياسي يهدف في الأساس إلى تعميق العلاقات الرأسمالية، وبناء رأسمالية للدولة. واعتمدت في المناطق التي خضعت لسيطرتها على واردات النفط، وكانت تتلقى دعومات ومساعدات مالية من الخارج ومن دول ومؤسسات. وكان لها سمات دولة ضرائب وغنائم وإتاوات. وكانت مواردها النفطية أكثر من 834 مليون دولار، بالإضافة إلى غنائم بلغت أكثر من 3 مليارات دولار.
- إن روح الفخر الفاشية التي تمارس الإكراه والمال والارهاب هي ايديولوجية الحركات الاسلامية المتطرفة، ومن ضمنها "داعش"، وتعتبرها شأنا إلهيا.
- من المهم الاشارة إلى أن الإسلام السياسي وتفعيل دور أشكاله المتطرفة وتعزيز مكانته السياسية جاء عبر رساميل الشركات العالمية، ولتسخيره كأداة لمخططات الرأسمالية العالمية وتوجهاتها "النيوليبرالية"، وخاصة مطامع الإمبريالية الامريكية. وهذا ما كشفته الحركات المتطرفة بعلاقاتها مع أمريكا واجهزتها الاستخبارية. ولا تزال تجربة افغانستان على امتداد أكثر من أربعة عقود ماثلة امامنا.
ملاحظات أخرى مهمة:
- تشير الأيديولوجية المتطرفة عموما إلى مجموعة من المعتقدات أو المبادئ التي تتميز بالتطرف، والتي تدعو في كثير من الأحيان إلى اتخاذ تدابير عنيفة لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو اجتماعية محددة. وتعتبر الأيديولوجية المتطرفة بين الجماعات الإسلاموية ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه، وتتشابه في سماتها ومنطلقاتها مع الفاشية الجديدة. وتاريخيا، كان تنظيم "الإخوان المسلمين" من أشد المعجبين بالفاشية والنازية وخاصة في التلقين الأيديولوجي للنصوص الدينية وتفسيرها واستخدام العولمة والتكنولوجيا الحديثة في نشر أفكارها والدعاية والتنسيق. وتلقت الجماعات الإسلاموية المتطرفة الدعم من دول إمبريالية وأجهزة استخبارية دولية واقليمية، وفي أحيان كثيرة تحت غطاء جهات غير حكومية تشترك في أهداف أيديولوجية أو مصالح استراتيجية مماثلة. ويمكن لهذا الدعم أن يزود تلك المجموعات المتطرفة بالموارد والتمويل والملاذات الآمنة، مما يزيد من تمكين أنشطتها.
- ويميل الخطاب المتطرف إلى خلق واستغلال الانقسامات داخل المجتمع، ما يزيد من ترسيخ المعتقدات المتطرفة وينفّر الأصوات المعتدلة. وتعتمد الجماعات الإسلاموية المتطرفة بشكل كبير على الدعاية ووسائل الإعلام للترويج لأيديولوجياتها المتطرفة في عملية التجنيد لأعضاء جدد، والنشر في المنصات الإعلامية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، وفي تمجيد الدعاية للهجمات الإرهابية. كما تعتمد المنظمات المتطرفة على وسيلة العنف الجسدي او اللفظي، ورفض الديمقراطيات، وإنشاء مجتمع تحكمه قوانين دينية صارمة ("الخلافة الإسلامية")، وإن كانت مؤجلة مثل ما يحدث عند جماعات الإسلام السياسي. واعتماد إدارة الصرامة والسيطرة المركزية، وممارسة التكفير لتبرير العنف، فضلا عن "الجهاد"، أي الحرب المقدسة ضد الآخرين، لإقامة "الخلافة الاسلامية" عابرة الحدود.
- ولابد من التوقف امام ظاهرة أخرى في العراق وهي تشكل الميليشيات المسلحة، أو الجماعات المسلحة، من المدنيين، والتي يجري تسليحها بعيدًا عن الجيش والشرطة، وبدعم من احزاب طائفية متنفذة ومدعومة من الخارج لتنفيذ أجندات سياسية واقتصادية. وفي أحيان أخرى يتم تشكيل هذه الجماعات كقوة عسكرية ضاربة لحماية النظام السياسي والمنظومة الحاكمة، وليس هدفها الرئيسي محاربة الاحتلال او مقاومته. كما يجري توظيفها في الصراع التنافسي على السلطة، وفي التصفيات الجسدية، والممارسات الطائفية لفرض أجنداتها. وفي بعض الاحيان تتحول هذه الجماعات إلى قوة عسكرية موازية للمؤسسة العسكرية والأمنية، وتمثل خطورة كبيرة على التغيير المنشود في إعادة بناء الدولة على أساس المواطنة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتصبح عائقا امام التحول الديمقراطي، ويمكن ان تتحول إلى قوة ذات سمات فاشية يتم توظيفها للتخلص من أي شكل للمعارضة السياسية والشعبية.
الرفيقات والرفاق الأعزاء
ختاما، نعبّر مجددا عن تقديرنا العالي للأشقاء في الحزب الشيوعي الروسي لتنظيم هذا المنتدى العالمي لمكافحة الفاشية. ونغتنم هذه الفرصة للتعبير عن الاعتزاز بالتضامن الأممي الذي قدمته الأحزاب الشقيقة، الشيوعية والعمالية في ارجاء العالم، مع شعبنا العراقي، والشيوعيين والديمقراطيين العراقيين، في نضالهم العادل ضد منظومة الحكم القائمة على المحاصصة الطائفية والفساد، ومن أجل بناء دولة تقوم على أساس المواطنة والعدالة الاجتماعية. فلا بديل سوى هذا الخيار الديمقراطي لضمان السيادة الوطنية للعراق ووضع حد للتدخلات الأجنبية في شؤونه الداخلية، سواء من قبل الامبريالية الامريكية وحلفائها أو من قبل القوى الاقليمية والأنظمة الرجعية في المنطقة. نتمنى كل النجاح لأعمال هذا المنتدى العالمي، ولأحزابكم الشقيقة في نضالاتها المثابرة، ونتطلع إلى تعزيز الروابط الأممية العريقة التي تجمع أحزاب حركتنا الشيوعية العالمية، في نضالنا المشترك من أجل الحرية والسلام والديمقراطية والتقدم الاجتماعي والاشتراكية.
تنظر المحكمة الاتحادية اليوم في الطعونات المقدمة من رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية بخصوص قرارها الذي اعتبر التصويت في مجلس النواب على إقرار اتفاقية خور عبد الله في ٢٠١٣ غير دستوري لانه لم يحظ باغلبية ثلثي مجلس النواب .
نحن نؤكد أهمية وضرورة الالتزام بقرار المحكمة الاتحادية على وفق الدستور، كما ان اتفاقية خور عبد الله تنطوي على غبن للعراق في استخدام الممرات المائية ينعكس سلبا على موانئه ، وخصوصا ميناء الفاو الكبير .
يحتفلُ العمال في العراق والعالم في الأول من أيّار بالعيد الأممي للطبقة العاملة، وهم يواصلون النضال دفاعا عن حقوقهم، وللتحرر من نير الاستغلال الرأسمالي والتمييز والاضطهاد، في ظل تحديات مصيرية في قطاعات العمل مع تدهور أوضاعهم المعيشية وغياب العدالة والمساواة، وفيما يواجهون مع شعوبهم حروبا ونزاعات مدمرة، تمثل تهديدا خطيرا للسلام في بلدانهم والعالم أجمع.
وفي هذه المناسبة يُحيي الحزب الشيوعي العراقي عمّال وكادحي بلدنا وعموم الشغيلة، ويستذكر تضحياتهم الجسام على مدى عقود، والتي جسّدت مبكراً وعيهم الطبقي والترابط الوثيق بين النضال الوطني والاجتماعي.
ولا يزال الأول من أيار رمزاً لوحدة العمال وتضامنهم العالمي، وإدراك أن نضالهم لا يقتصر على مطالب اقتصادية، بل يتعداه إلى النضال للتخلص من سلطة الاستغلال والظلم الاجتماعي. ولذا فإن هذا اليوم في بلادنا مناسبة كذلك لرفض كل اشكال الظلم والاستغلال، وللمطالبة بتطبيق قانوني العمل والضمان الاجتماعي، وإقرار حق التنظيم النقابي في القطاعين العام والخاص، وحق العمال في الإضراب والتظاهر والاعتصام وفي المساواة في الأجر وفرص العمل، وإلغاء القانون الجائر رقم 52 لسنة 1987، وضمان أمان المرأة في مواقع العمل، وتعزيز مساهمتها في العملية الانتاجية، والضمان ضد البطالة، والتصدي للخصخصة، وإعادة تأهيل شركات القطاع العام، ومنع عمالة الأطفال، وتوفير ظروف آمنة للعمل والاستقرار الوظيفي.
وفي الأول من أيّار لا نحتفي فقط بيوم العمال، ونسلّط الضوء على حقوق طال انتظارها، انطلاقا من حقيقة أن لا كرامة بلا عدالة ولا عدالة بلا تنظيم، بل ونجدد العهد على مواصلة النضال الدؤوب والمثابر، مؤكدين أهمية وحدة الطبقة العاملة واستقلال تنظيمها النقابي عن التبعية للسلطة، من أجل المضي بكفاحها لانتزاع حقوقها المشروعة في العدالة الاجتماعية والكرامة والتوزيع العادل للثروة.
بعد عشرين عاماً تقريباً على تسلّم منظومة المحاصصة والفساد الحكم، لا تزال بلادنا ترزح تحت وطأة الأزمة البنيوية الشاملة، وتتعمق الهوّة بين الغنى الفاحش والفقر المدقع وانتفاء العدالة الاجتماعية، جرّاء السياسات الليبرالية الجديدة، وفي ظل اقتصاد سوق منفلت ورأسمالية متوحشة ريعية مندمجة بالسوق العالمية. وتنشغل القوى الماسكة بمفاتيح السلطة في توظيف كل ما تيسر لها من أجل البقاء في الحكم، فيما يواجه شعبُنا نار الأزمات، وتفاقم البطالة وتفشي الفقر وغياب الرعاية الصحية وتردي التعليم، وخراب المعامل والمصانع وانهيار الانتاج الوطني وتراجع الزراعة وانتعاش الفساد، بجانب انتشار المخدرات وغياب القوانين ونهب الثروات وجفاف مصادر المياه، وتوسّع التصحر وتردي حال البنى التحتية، وتصاعد انتهاك حقوق المرأة والحريات العامة والخاصة.
وفي الآونة الأخيرة تزايدت حدة الاحتجاجات الشعبية، وتظاهر ممثلو مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية ومنهم الفلاحون والمعلمون، رافعين شعارات تطالب بتحسين المستوى المعيشي وزيادة الرواتب وإيجاد فرص عمل، وغيرها من مطالب مشروعة.
إن استفحال هذه الأزمة العامة، فضلا عن المخاطر المحدقة ببلادنا جراء التغيرات الدولية والاقليمية وتداعياتها، يعزز القناعة بأن التغيير الشامل في بلادنا بات ضرورة ملحة. وان ذلك يتطلب إقامة أوسع اصطفاف للقوى التي تنشد هذا التغيير، للخلاص من منظومة المحاصصة والطائفية السياسية والفساد والسلاح المنفلت، عبر المساهمة الفاعلة في الحراك الشعبي والجماهيري متعدد الأشكال، والتوجه للمشاركة النشيطة في الانتخابات القادمة بروح التحدي لقوى السلطة وأجهزتها، والتصويت لقوى الخير والعمل والبناء، القوى المدنية الديمقراطية والوطنية، من أجل دفع عملية التغيير قدما، وتدشين مرحلة بناء الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
يا جماهير العمال والكادحين.. إنّ حزبنا الشيوعي العراقي كان وما زال يدعم مطالبكم العادلة، وسيبقى مدافعاً اميناً عن مصالحكم وحقوقكم المشروعة مع سائر ابناء شعبنا العراقي، ويظل يسعى معكم من أجل حرية الوطن وسعادة الشعب.
رصّوا صفوفكم، وفعّلوا أطرَ التنظيم النقابي والتضامن العمالي، فالمستقبلُ الأكثر إنصافاً، المستقبل الخالي من الاستغلال والفساد والنهب، لا يُمنح.. بل يُتنزع.
عاش الأوّل من أيّار يوم التضامن العمالي العالمي
تحية لعمال فلسطين والسودان والبلدان العربية والعالم في عيدهم
المجد والخلود لشهداء الطبقة العاملة العراقية
وإلى المزيد من النضال في سبيل غدٍ مشرق لعمّال العراق وكادحيه، ولكل أبناء شعبه.. في عراق حرٍّ مدني ديمقراطي.
نعود اليوم ، للمرة الرابعة عشرة ، الى الاحتفال الثقافي التي نعتز باقامته في مثل هذا الموسم من كل سنة ، ونحن نحيي ذكرى تأسيس حزبنا الشيوعي العراقي ، ونحتفي فيه بفننا التشكيلي العراقي ، وبمبدعينا في ميادين الرسم والنحت والخزف والغرافيك وبقية الصنوف التشكيلية ، ونوفّي بعض ما في رقابنا لهم من عناية واجبة وعرفان وتكريم.
نعود الى هذه القاعة الرحبة الفسيحة ، لنجد أنفسنا مجددا ، ونحن نجتاز عتبتها بعد قليل ، في البستان المزهرة للابداع الفني العراقي ، وتجلياته المتنوعة بجمالاتها الآسرة ، ولنطلق العنان لحواسنا تغرق في فيض التكوينات الجميلة بألوانها وخطوطها وأشكالها ، محمولة على 53 لوحة فنية ، و18 عملا نحتيا ، وأعمالا خزفية عديدة ، أبدعها ما يربو على 50 من فناناتنا وفنانينا التشكيليين ، من بغداد والمحافظات الاخرى. بل حتى من بعض مبدعينا التشكيليين العراقيين في الخارج ، الذين نعرض اضطرارا نماذج مصورة لبعض اعمالهم ، بعدما تعذر نقل نسخها الاصلية.
ونحن إذ نتوجه هنا بالتحية اليهم جميعا ، ونعبر عن الامتنان لهم على استجابتهم الكريمة لدعوتنا ومشاركتهم في المعرض ، نرى واجبا ان نسلط شيئا من الضوء على الظروف الصعبة حقا ، التي يحيون فيها ويعيشون ويعملون. ويقينا ان كثيرين منكم يتذكرون اننا ، ونحن نفتتح دورات سابقة لمعرضنا التشكيلي هذا ، أشرنا الى اضطرار فنانين كثيرين لهجرة نشاطهم الفني تماما ، وامتهان اعمال اخرى لا صلة لها بالفن والابداع الفني ، من أجل ان يوفروا لأسرهم ولأنفسهم أسباب العيش والبقاء.
ايها الاعزاء
لقد شهد الطلب والاقبال على الأعمال التشكيلية تغيّرا كبيرا في السنوات والعقود الاخيرة. فقاعات العرض صارت تُعدّ على الاصابع بعدما اختفى الكثير منها، والتخصيصات المالية لشراء الاعمال الفنية اختفت هي الاخرى من الميزانيات السنوية. ذلك ان الدولة اليوم ومؤسساتها الرسمية لا تولي أيّ اهتمام للفنون التشكيلية ، ولا لأية فنون اخرى ، بل ولا للثقافة كلها.
انما ، والحق يقال ، شهدت السنتان الماضيتان بعض الرعاية من طرف مكتب رئيس مجلس الوزراء ، ببعض القطاعات الثقافية ، خاصة قطاع الادب وقطاع الدراما التلفزيونية وقطاع السينما. لكن الفنون التشكيلية والمسرح والموسيقى والقطاعات الفنية الاخرى ، لم تحظَ للأسف بنصيب!
غير ان منح مكتب رئيس الوزراء ، مهما كانت سخيةً ، وحتى لو امتدت لتشمل جميع حقول النشاط والابداع الثقافيين ، تعجز عن تأمين العلاج المطلوب للمعضلات الجمّة ، التي تكبّل اليوم حركة الثقافة والمثقفين في ميادين الابداع والنشاط كافة.
فماذا مثلا عن البنى التحتية للثقافة ، الشائخة والمتهالكة ، من مسارح ومكتبات وقاعات عرض وغيرها ، ومتى يتم تجديدها وإنشاء المزيد والحديث منها؟ وماذا عن الصناديق الثقافية ، التي بُحّت اصوات المطالبين بتأسيسها ، من الفنانين المبدعين ومن اصحاب المشاريع الفنية والادبية والبحثية المتنوعة؟
من جانب آخر ، ماذا لو احتل كرسي رئاسة الوزراء، بديلٌ للرئيس الحالي، ممن ينفرون من الثقافة جملة وتفصيلا ؟ هل نتوقع ان يواصل بديل كهذا ، ما قدمه الرئيس الحالي ويقدمه من دعم للثقافة ، على محدوديته وجزئيته؟
لهذا اكدنا دائما ، ان لا أفق حقيقيا للثقافة والفنون ، من غير تخصيص نسبة محددة ، مجزية ، من نفقات الميزانية السنوية للدولة ، لهما ولتنميتهما والنهوض بهما. الى جانب وضع استراتيجية وطنية مدروسة للتنمية والنهضة الثقافيتين.
ولكن مع وجود منظومة المحاصصة والفساد الحاكمة القائمة ، لن يكون بالامكان تحقيق ما يصبو اليه الـ 80 بالمئة ، من بنات وأبناء شعبنا الذين قاطعوا الانتخابات السابقة. لن ولن يتحقق ذلك ما لم نباشر تغيير هذه المنظومة ، والانتقال مع شعبنا ووطننا الى نظام المواطنة والديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية.
وان امامنا شهورا فقط ، للإقدام على ذلك في الانتخابات القريبة لمجلس النواب ..
فلنغتنمْ الفرصة ونباشر هذا التغيير! لنتوجه جميعا نحو خوضها مع عائلاتنا واصدقائنا ومعارفنا ، ونمنحْ اصواتنا لمن يستحقونها من المدنيين الديمقراطيين والوطنين المخلصين ، الذين اثبتوا ولاءهم للشعب والوطن لا لغيرهما ، ودللوا وبرهنوا تكرارا على استقامتهم ونزاهتهم وعفّتهم.
وكونوا على ثقة من اننا اذا لم نبدأ عملية التغيير في انتخابات هذا العام ، فسنبقى في افتتاح معرضنا السنة المقبلة ، والسنوات التي تعقبها ، ندور وندور في الحلقة نفسها ، من دون طائل.
فلنحزم أمرنا اذن هذه المرة ، لكي نعود في السنة القادمة وما يليها، بمعارض مختلفة ، أجمل وأغنى ، وبحفلات افتتاح مغايرة ، اكثر بهجة وأملا وتفاؤلا.