عاودت حشود الموظفين في إقليم كردستان، وفي محافظة السليمانية بصورة خاصة، التظاهر احتجاجاً على تأخر صرف الرواتب. فالموظفون عموما لم يتسلموا شيئا بعد راتب شهر أيلول الماضي.
صحيح أن الحكومة الاتحادية حولت مبلغ 761 مليار دينار إلى وزارة مالية الإقليم كجزء من مستحقات رواتب شهر تشرين الأول، إلا أن الرواتب لم تُصرف حتى الوقت الحاضر. ويرجع ذلك إلى خصم 235 مليار دينار من المبلغ الإجمالي، ما أدى إلى عجز وزارة المالية في الإقليم عن تغطية المستحقات الكلية، مثلما اعلنت حكومة الإقليم.
ومن الواضح انه على رغم قرار المحكمة الاتحادية بتوطين رواتب موظفي الإقليم في المصارف الحكومية، وصرفها من قبل الحكومة الاتحادية، فان هناك مماطلة غير مبررة من جانب الحكومتين في بغداد وأربيل، في التعامل مع هذا الملف الذي يمس حياة مئات آلاف المواطنين بشكل مباشر.
ان من غير المقبول أبدا أن تبقى الخلافات السياسية والمصالح الفئوية والتدافع بين الكتل المتنفذة، تنال من مصالح المواطنين وحقوقهم، ولابد للجهات المعنية من اتخاذ إجراءات فورية، لمعالجة هذه الأزمة المتواصلة منذ سنوات عديدة.
لا يكاد يمر يوم في العراق دون الكشف عن ملفات خطيرة وحساسة، تتعلق بالسيادة وبالفساد، وتتطلب إجراءات عاجلة. لكن السلطات تغض الطرف عنها بشكل مريب يدفع للتساؤل عن جدوى الشعارات المرفوعة بشأن مكافحة الفساد وحفظ السيادة.
عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية محمد الشمري كشف عن نيّة تركيا إبقاء قواتها المسلحة طويلا داخل الأراضي العراقية، وإنشاء معسكرات وقواعد ثابتة لها في الشمال. فيما أكد النائب ياسر الحسيني أن الفساد في النقاط الحدودية الرسمية يعقّد ضبط الحدود ويزيد من عمليات تهريب المخدرات، والنائب مثنى أمين أشّر وجود نماذج خصخصة سلبية، تُمنح فيها مشاريع اقتصادية حيوية لشخصيات متنفذة بطرق غير قانونية. وفي تطور آخر تحدث تقرير لوكالة "رويترز" عن تصاعد تهريب المشتقات النفطية لمصلحة جهات داخلية وخارجية وبمساعدة جهات حكومية.
قضايا متشابكة تفضح تقصيرا واضحا للسلطات الثلاث، خاصة التنفيذية، في درء التدخلات الخارجية وردع الفساد الذي ينخر القطاعات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
وإزاء استمرار التجاوزات في غياب الرقابة والمساءلة، يتوجب تحرك القوى الوطنية والشعبية المتضررة، لفرض وضع مصلحة العراق فوق المصالح الضيقة، وإنقاذ الدولة من الانهيار.
وافق مجلس النواب أمس على غالبية مواد القوانين الخلافية (الاحوال الشخصية، العفو العام، العقارات) في اجواء من الفوضى والصياح قبل ان ترفع الجلسة.
ودلل المشهد خلال ذلك على الحال الهابط للدورة البرلمانية الحالية.
ويبدو ان الحراك السياسي والاجتماعي والشعبي الذي شهدته الفترة الماضية، وما قُدم من ملاحظات جدية بخصوص تعديل قانون الاحوال الشخصية والقوانين الاخرى، لم تنعكس في النصوص النهائية للمواد، ما يفند ادعاء المتنفذين بالانصات الى الرأي الاخر في جلسات الاستماع المزعومة.
لقد سهلت العودة الى "السلة الواحدة" والمساومات بين المتنفذين، إمكانية تمرير قوانينهم الخلافية التي تخدم مصالحهم ومحاولاتهم للهيمنة السياسية بعد فقدانهم الشرعية الشعبية، فلم يبق لهم سوى سبيل الالتفاف على الديمقراطية، ليضمنوا البقاء في السلطة.
ويؤكد هذا الاسلوب تعمق ازمة الثقة بين القوى المتنفذة، وهي تكرس مصالحها البعيدة عن حاجات الناس وتطلعاتهم، فيما بقيت تتجاذب الازمات وترحلها من استعصاء الى آخر.
ان الديمقراطية الحقة واحترام حقوق الناس وتحقيق مطالبهم، تتنافى تماماً مع طريقة تمرير هذه القوانين، التي يريدون من خلالها تحقيق مكاسب ضيقة وانتخابية مرحلية، على حساب وحدة المجتمع ومتانة نسيجه وتآخي اطيافه.
قياسية، لتبلغ حوالي 7 ساعات تجهيز مقابل 17 ساعة انقطاع يومياً، ما يعكس فشلاً مستمراً في إدارة ملف الكهرباء.
فرغم إنفاق أكثر من 100 مليار دولار على هذا القطاع الحيوي، بقيت وعود تجاوز الأزمة مجرد كلمات جوفاء لا يطيق المواطن سماعها. أما المشاريع "الكبيرة" التي تتغنى الحكومة بها، فظل تأثيرها محدوداً وغير ملموس لدى المواطنين، الذين باتوا يعتبرون انقطاع الكهرباء معاناة أبدية، أشبه بمرض مزمن لا أمل في شفائه.
الجميع يدرك مثلنا، أن أزمة الكهرباء تتطلب حلولاً جذرية وتراكمية في الانتاج والنقل والتوزيع. لكن الواقع في العراق يشير إلى غياب التخطيط والاستمرارية؛ فمع تبدّل الحكومات، يعود العمل إلى نقطة الصفر.
وإذا كانت أسباب الأزمة الحالية تُعزى إلى انقطاع الغاز الإيراني، فإن السؤال المنطقي هو: أين ذهب عقد توريد الغاز من تركمانستان، الذي أعلنت عنه الحكومة كحل لهذه المشكلة؟
ثم .. الى متى نظل نعتمد على الغاز الايراني ونحن نحرقه؟
لو خير العراقيون لاصطفوا في طوابير طويلة دعما واسنادا وتبرعا للشعبين الفلسطيني واللبناني، ولكن القرارات الحكومية في هذا الشأن ليس لم تفسد الموضوع وحسب، بل واساءت الى موقف العراقيين تجاه الشعبين الشقيقين.
وانطبق المثل الدارج على قرار الحكومة "اجه يكحلها عماها"، حيث ولد قرار "التطوع الاجباري" ردود فعل لا تمت باية صلة لموقف العراقيين المعروف منذ عقود والمتواصل حتى الان، ولاسيما ما يخص قضية الشعب الفلسطيني العادلة.
ردود الفعل اجبرت الحكومة على مراجعة جوانب من قرارها المستعجل وغير المدروس جيدا، وغير العارف بحساسية العراقيين في فرض مثل هذه الإجراءات عليهم وهو ما يذكرهم "بالتطوع الاختياري" أيام النظام المقبور، ولكن المراجعة هي الأخرى لم تعالج الامر وتضعه في نصابه الصحيح وان يكون الامر حقا طوعا ولا علاقة له بمكرمة الوزراء واستثناءاتهم.
هناك طرق ووسائل متنوعة طوعية متعددة يمكن للجهات الرسمية وغير الرسمية تنظيمها طوعا وليس عبر "الاستقطاع الاجباري" الذي اقتصر على الموظفين والمتقاعدين وبالتساوي، فيما المطلوب حملة وطنية شعبية عامة طوعية لدعم الشعبين؛ الفلسطيني واللبناني.