أعلنت هيئة النزاهة أمس عن رصد 250 ألف تجاوز من موظفي الوزارات وافراد عوائلهم على نظام الحماية الاجتماعية. وذكرت ايضا رصدها حالات ابتزاز لمواطنين مقابل وعود بشمولهم بالحماية الاجتماعية.
هذه التصريحات تبين بكل وضوح أن قبول طلبات الشمول بالإعانات الاجتماعية تشوبه خروقات كثيرة، وهو ما كنا أشّرناه في مناسبات سابقة. حيث سلطنا الضوء مرارًا على منح الإعانات لغير مستحقيها، نتيجة قبول وزارة العمل والشؤون الاجتماعية طلبات قدمت اليها عبر مكاتب النواب والأحزاب المتنفذة وشيوخ العشائر. كما أن الكشف الميداني من قبل المختصين بالوزارة كان يجري غالبا داخل مقرات الأحزاب ومكاتب النواب ودواوين شيوخ العشائر، وهو ما تم استغلاله كثيرا في الانتخابات المحلية.
فليس سرا أن الأموال المخصصة للإعانات الاجتماعية لا تصل عموما إلى مستحقيها، بل توزع بشكل غير عادل. فالكثير من المتقدمين متمكنون ماديًا ويزاحمون الفقراء على هذا الدعم المحدود.
إن إيصال الإعانات إلى مستحقيها يتطلب جهدًا كبيرًا وقاعدة بيانات دقيقة، يمكن من خلالها تحديد المحتاجين الحقيقيين. أما الطريقة المتبعة حاليا فتبدد الأموال، وتُبقي الكثير من المحتاجين محتاجين، عاكسة شكلاً آخر للفساد، والتوظيف للدعاية السياسية والانتخابية.
تناقلت وسائل الإعلام صورًا لفريق طبي في مركز للرعاية الصحية بمنطقة الدوانم التابعة للشعلة في جانب الكرخ من بغداد، يقوم افراده بفحص المراجعين دون توفر أبسط مقومات العمل (لا ميز ولا كرسي وكاعدين ع الكاع). في حين نقلت إحدى القنوات الفضائية خبرًا عن تكرار ظهور الأفاعي في مستشفى بنت الهدى الحكومي في محافظة ذي قار.
في البداية يتوجب الاعراب عن الشكر والتقدير لكل العاملين في المستشفيات الحكومية، لما يبذلون من جهود لأجل تقديم الخدمات الصحية للمراجعين، في ظل غياب الاهتمام الحكومي بهذا المرفق الحيوي، الذي ينبغي أن يُدار بعيدًا عن حسابات الربح والخسارة.
اما المشاهد التي أشرنا لها وغيرها، فلا يمكن السكوت عنها، خصوصًا وأن الحكومة وعدت عند تشكيلها بتقديم الدعم الكامل للمواطنين في مجال الرعاية الصحية. لكن الواقع يعكس غير ذلك؛ حيث تستمر أسعار العلاج في الارتفاع، وسط تراجع واضح في مستوى الخدمات الطبية وتفاقم الاكتظاظ في المستشفيات.
وفي هذا السياق نتساءل: أين وصلت أعمال لجنة الأمر الديواني رقم 45 المكلفة بمتابعة ملف المشاريع المتلكئة للمستشفيات الحكومية، بعد مرور عامين على تشكيلها؟
وقعت وزيرة المالية اتفاقية تمويل قرض من مصرف نمساوي، لدعم مشروع منظومة الري بالرش المحوري لصالح وزارة الزراعة، بقيمة 262 مليون يورو (ما يعادل 292 مليون دولار).
معلوم ان مبالغ " سرقة القرن" التي اعلنت رسمياً تقدر بـ 2,5 مليار دولار. فكم منظومة ري بالرش المحوري كنا نستطيع شراءها بهذا المبلغ، وغيره من الاموال المهدورة والمسروقة والمهربة الى الخارج؟
لا شك في أهمية تطوير منظومات الري واستخدام التقنيات الحديثة، في ظل شحة المياه وعجز الحكومات المتعاقبة عن توفير حصة عادلة للعراق في مياه نهري دجلة والفرات. لكن الاقتراض لتمويل مثل هذا المشروع، سيلقي اعباء اضافية على مستخدمي تلك المنظومات من فلاحين ومزارعين. وحتى ان حظي المشروع بدعم من الدولة فالنتيجة ستكون واحدة، وهي المزيد من ضياع الأموال التي ستذهب الى تغطية الفوائد المترتبة على مثل هذه القروض!
ان التوسع في الاقتراض الخارجي يعكس سوءاً في ادارة الموارد المالية، وعدم ترتيب للاولويات، الأمر الذي يقود الى مزيد من استنزاف الاقتصاد، ويعمق من هشاشته، خاصة في ظل التذبذب الحاصل في اسعار النفط عالمياً.
من تابع جلسة البرلمان الاثنين الماضي، استهجن بالتأكيد ما تعرّض له قسم من النواب من محاولة واضحة لتكميم أفواههم، سواء بمنع ظهور مداخلاتهم كاملة في البث التلفزيوني أو برفض رئيس المجلس بالإنابة تسلم طلب 124نائبا رفع القراءة الثانية لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية من جدول أعمال الجلسة.
كانت مداخلات النواب المعترضين على تمرير التعديل تناقش جوهر الموضوع بشكل مهني، وتهدف إلى حفظ الدور التشريعي للمجلس وضمان عدم تجاوز الدستور وتأمين الفصل بين السلطات. إلا أن الرئاسة، وبما يتنافى مع النظام الداخلي للمجلس والأعراف البرلمانية، حاولت فرض تقييد على النواب المعترضين، ما عكس انحيازاً فاضحا من جانب الرئيس بالإنابة، الذي يبدو أنه نسي دوره في إدارة أعلى سلطة تشريعية، وما يتطلبه من تعامل مع الجميع دون اعتبار لانتماءاتهم وآرائهم.
ندرك أن ما حصل ليس ببعيد عن الصراع على اختطاف مؤسسات الدولة، وتكوين مؤسسات بديلة بهدف تقويض سلطة القانون وهدم مؤسسات الدولة المدنية، وإنشاء مؤسسات تعمل لصالح الأحزاب النافذة، كما حدث في المؤسسات الاقتصادية والعسكرية للدولة.
ان ما حدث في مجلس النواب مؤسف، ويجب ألا يمر مرور الكرام مثل بقية التجاوزات على القانون.
أفاد الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي أن الحكومة تعتزم فرض ضريبة دخل على الأطباء وأخرى على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
ولا شك ان فرض ضرائب على ميسوري الحال وتحويلها لفائدة الطبقات المحرومة، أو توجيهها لقطاعات خدمية، أمر مطلوب ويسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية. لكن المتداول حاليًا من تصريحات الخبراء والمسؤولين، يثير القلق.
فالحديث عن نيّة الحكومة فرض ضريبة على الأطباء في ظل استمرار ارتفاع معدلات التضخم وغياب فرص العمل والتنمية الحقيقية، يدفع الى التساؤل المشروع عمن سيتحمل عبء هذه الضريبة؟ وألا تثقل كاهل المواطنين الفارين من تردي الرعاية الصحية في المستشفيات الحكومية، مثلما حدث سابقًا مع ضريبة كارتات تعبئة الهاتف المحمول؟
وسيحدث هذا طبعا فيما تُمنح بعض الشركات الأجنبية سماحات ضريبية!
لكن الأطرف ان يعلن مستشار رئيس الوزراء ورئيس اللجنة العليا للإصلاح الضريبي عبد الحسين العنبكي، ان قانون ضريبة الدخل الجديد الذي استكملت مسودته، سيكون "صديقًا لبيئة الأعمال، محققًا للعدالة، ومحفزًا للتنمية"!!
وفي كل الاحوال لابد للحكومة، إن كانت جادة في اتخاذ إجراءات كهذه، من طرح مسودة القانون المقترح للنقاش العلني العام والمستفيض، بدلاً من مباغتة المواطنين ووضعهم امام الأمر الواقع!