بات استغلال الوظيفة العامة لأغراض شخصية وحسابات انتخابية خاصة، ظاهرة طاغية في اوساط غالبية المسؤولين التنفيذيين، وبصورة اكثر من واضحة ولا تخطؤها العين المجردة. كما بات جليا وبصورة متزايدة، مدى استثمار المناسبات الدينية للمآرب ذاتها، من خلال تسخير موارد الدولة لمصالح شخصية او حزبية ضيقة او فئوية.
وفي الوقت نفسه يتحدث قانونيون عن انتهاك روح الدستور والقانون، خصوصاً قانون الأحزاب في مادته الـ (24) المتعلقة بعدم استغلال الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب حزبية، ومادته الـ (25) التي تمنع استخدام دور العبادة لأغراض النشاط الحزبي، وبما يخدم الأغراض الدعائية لهذا الحزب او ذاك.
وقد شهدت مراسيم الزيارة الأربعينية الأخيرة ممارسات من قبل مسؤولين في الدولة، تدل بصورة لا تقبل الشك على توظيف موارد الدولة في المناسبات الدينية لأغراض دعائية. وكان آخر تلك الممارسات القبيحة توزيع مبالغ مالية من الخزينة العامة لنقل الزائرين العائدين من الزيارة الأربعينية، تحت عنوان شخصي.
واللافت هنا ان الصراعات بين العناوين المختلفة في الكتلة السياسية الواحدة، هي التي تكشف في أحيان كثيرة واقع تلك الخروقات والانتهاكات السافرة للدستور والقانون!
أثار قرار مجلس الوزراء زيادة حصة الخزينة العامة من أرباح الشركات العامة من 45 الى 75 في المائة، اعتبارًا من العام الحالي 2024، حيرة إدارات الشركات المذكورة، التي ألزمها القرار بتحويل 80 في المائة من المبالغ المستحقة عن حصة الخزينة خلال 7 أيام من تاريخ صدور القرار، وهو ما يصعب تحقيقه لكون خزائن الشركات خاوية أساسا، كما يهمس بعض العالمين بأحوالها.
وأشار اقتصاديون إلى أن من شأن القرار أن يحوّل جميع الشركات العامة إلى شركات خاسرة. لذلك نسأل: هل اتخذ القرار بعد دراسة لواقع الشركات وما تحقق من أرباح، وجاء منسجمًا مع واقعها، أم أنه من نوع القرارات الارتجالية التي تتخذ بصورة فوقية، بعيدًا عن ادراك آثارها ملموسة على مواقع مؤسسات الدولة؟
إن حصر إيرادات الشركات العامة وتحويلها إلى شركات خاسرة، يعكس كما يبدو استمرار نهج تصفية الشركات العامة بحجج متنوعة، وتخلي الدولة عن قطاعات خدمية وانتاجية، بدعوى عدم إمكانها المنافسة مرةً، والآن بسلب أرباحها وجهود موظفيها.
والحال فلا القطاع الخاص اخذ دوره، ولا مؤسسات القطاع العام جرى تفعيلها، والنتيجة هي استيراد بقيمة 70 مليار دولار في العام الماضي!
صادقت رئاسات المحاكم للمناطق الاستئنافية في عموم العراق عدا إقليم كردستان على 15.692 ألف عقد زواج وقعت خارج المحكمة و36.981 ألف حالة طلاق خارجي خلال النصف الأول من العام الجاري بحسب إحصائية نشرها موقع مجلس القضاء الأعلى.
وتأتي هذه الإحصائية وسط دعوات لتعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 وجعل خيار الأحوال الشخصية وفق المذاهب الإسلامية، إذ يقنن التعديل بحسب مسودته الزواج خارج المحكمة، مما يحرم الكثير من الأسر العراقية من حقوقها القانونية والشرعية، وكذلك يحرم الأطفال من حق الحصول على هوية أحوال شخصية ويزيد من معاناة النساء المطلقات في الحصول على حقوقهن.
الأرقام تؤشر واقع الحال، وعلينا تصور أية نتائج تنتظرنا لو مرر التعديل.
والغريب أن مجلس النوب ينشغل بأمور خلافية ويريد تشريع قوانين وفقها، بينما هو يعجز عن إكمال مهمة انتخاب رئيسه منذ عدة شهور، مع فشله المستمر في أدائه الرقابي والتشريعي.
الواضح أنه ليس هناك غاية من تعديل القانون سوى محاولة لإشغال الناس عن أمور أكثر مهمة، فضلاً عن السعي المتواصل لفرض هيمنة سياسية طائفية معينة على العراق التعددي قومياً ومذهبياً وطائفياً ودينياً وفكرياً وسياسياً.
رغم أن العراق لم يكن تاريخيا من مشترى القنابل المسيلة للدموع من كوريا الجنوبية، فانه استحوذ خلال الأعوام الخمسة الماضية على أكثر من ربع صادراتها من هذه القنابل.
بل واستورد منها خلال الـ 18شهرا الماضية مليونا و210 آلاف قنبلة، متفوقًا بذلك على غيره من الدول المستوردة.
وفي ظل غياب الشفافية والتستر على التعاقدات، تشير مواقع الكترونية إلى أن سعر القنبلة الواحدة يتراوح بين 15 و50 دولارًا. وبناء عليه، فإن الحكومة تكون قد استوردت قنابل بقيمة تقارب 20 مليون دولار، في حال كانت من النوع الاسوأ. اما اذا كانت قد استوردت أفضل الأنواع، فإن ما انفقته عليها يصل الى 60 مليون دولار، وهذ هو المرجح طبعًا، من اجل ضمان التأثير الفعال لتلك القنابل في اسالة دموع المواطنين، وذلك كاجراء احترازي لتوفير الامن لهم!
لا نريد الخوض اكثر في تفاصيل الموضوع، ولكن نود لفت الانتباه إلى أن ذاكرة العراقيين قوية، وهم يتذكرون جيدا مشاهد قتل المحتجين إيام انتفاضة تشرين، بالاستخدام الكثيف لأجود انواع القنابل المسيلة للدموع!
وما زالت عوائل الشهداء تنتظر معرفة قتلة ابنائها، في حين يتم الافراج عن المتهمين بقتلهم.
شغل الرأي العام في الايام الماضية موضوع زيادة رواتب ومخصصات أعضاء مجلس النواب ومساواتهم فيها بالوزراء. فقد استفزت الخطوة الملايين من العراقيين، الذين يعانون من الفقر ولا يستطيعون العثور على ما يسد رمق عوائلهم، وبضمنهم الموظفون ذوو الدرجات الدنيا والعاملون بعقود او بأجور يومية.
وما حدث في مجلس النواب يثبت بالدليل القاطع، أن الكتل السياسية المهيمنة على المجلس غير آبهة بأوضاع الناس ومعاناتهم، وأن هدفها الأول والأخير هو استلاب الدولة والتمتع بثرواتها.
وبدل ان تنشغل القوى المتحكمة بالسلطة التشريعية العليا بإقرار قوانين يمكن من خلالها ان تسهم في تحسين أوضاع الناس والتخفيف من مصاعبهم المعيشية، نراها تتجاهل واقع الحياة القاسي بالنسبة لملايين العراقيين، وتدفع باتجاه اختلاق المشاكل ومحاولة فرض سياسة الامر الواقع، وهي تبحث عن مصالحها الضيقة بعيدا عن مصالح الناس وهمومهم.
ولكن ليس مستبعدا ان يكون الموضوع، رغم خطورته وعدم عدالته، وسيلة من وسائل إلهاء الناس، بهدف تمرير صفقات أخرى مثل تعديل قانون الأحوال الشخصية، أو طمس حقيقة هروب نور زهير، او الافراج عن عمر نزار، وغير ذلك.