قضت محكمة في بغداد، أمس الأربعاء، بسجن الموظف المتعاقد في بلدية الزهور محمد عاشور أربعة أشهر، بسبب دعوى رفعتها ضده النائبة عن تيار الفراتين سهيلة الساعدي، لانه كتب عنها في فيسبوك مستخدما عبارة "عليها السلام"، وهو ينتقد أداءها الخدمي في منطقة الحسينية ببغداد.
سبق هذا الحكم قرارٌ بحبس زوج النائبة ثلاثة أشهر، على خلفية اعتدائه على الموظف المذكور داخل مكان عمله، وهو حكم تم تمييزه خلال يومين ليُخفف إلى غرامة 500 ألف دينار! وكان الحكم الأولي على الموظف غرامة مالية بالقيمة ذاتها، لكن النائبة ميّزته فصدر حكم مشدد بالسجن.
وكانت سبقت هذا الحكم تصريحات لمسؤولين، هددوا فيها من يفكر بالاحتجاج على أزمة الكهرباء وما يماثلها، بـ "قص أذنه"، فيما ادعى آخر أن المتظاهرين "مدعومون من الفضاء والكواكب المحيطة بالأرض".
هذا كله وغيره تجسيد صارخ لاستغلال السلطة، ومحاولة لإسكات كل صوت معارض ناقد، وهو يكشف مدى تداخل النفوذين السياسي والإداري، ويشكل تهديدا لاستقلال القضاء ولحرية التعبير. ثم أن سرعة تمييز الأحكام وتخفيف العقوبات على المتورطين، مقابل الإصرار على معاقبة مواطن بسبب منشور، يعكس ازدواجية مقلقة في تطبيق العدالة.
بلغت الايرادات الكمركية في ايار الماضي 274 مليار دينار، وارجعت هيئة المنافذ الحدودية هذه الحصيلة، التي اعتبرتها أعلى ايراد يتحصله العراق منذ سنوات، الى اجراءاتها الرقابية والتدقيقية، المسندة بالحوكمة الإلكترونية والمستندة إلى توجيهات رئيس الوزراء بضبط المنافذ.
ولو اعتمدنا الوارد الشهري "التاريخي" هذا في حساب الإيرادات الكمركية السنوية للعراق، لوجدناها تبلغ 3 ترليونات و 288 مليار دينار. وهذا رقم لا يُذكر إزاء مبيعات البنك المركزي من الدولار لتمويل الاستيرادات. فقد تجاوز حجم تمويله الاستيراد خلال الربع الأول من العام الحالي 20 مليار دولار، وبلغ العام الماضي 77 مليار دولار وأكثر. ما يعني ان واردات الكمارك لا يمكن ان تقلّ عن 14 ترليون دينار!
ان محاولة "بيع" إنجازات وهمية لن يُكتب لها النجاح، فحجم الخلل في المنافذ وما يجري فيها ومن يتحكم بها، ليست بخافية.
والمنجز الفعلي يكمن في الكشف عن مصير الـ 11 ترليون المتبقية من الإيرادات السنوية للكمارك، وفي منع دخول اية بضائع عبر المنافذ دون علم السلطات الرسمية.
فهل يتحقق ذلك، ام تبقى منافذنا "خان جغان" دخولا وخروجا للسلع والمواد، بضمنها المخدرات!
منذ مدة والمشهد السياسي في العراق يسجل تبادلًا للاتهامات بين مؤسسات الدولة وأعضاء مجلس النواب، سواء عبر بيانات رسمية أو من خلال شاشات الفضائيات ووكالات الأنباء، بشأن حقيقة وضع البلاد المالي والاقتصادي، في ظل تعثّر وزارة المالية والحكومة في إنجاز جداول موازنة العام الحالي.
يحدث هذا وسط حديث متصاعد عن عدم توفر الإيرادات الكافية لتغطية النفقات الحاكمة، البالغة 134 تريليون دينار واجبة الدفع خلال هذا العام، ما دفع الحكومة إلى فرض تعرفة كمركية جديدة، كان مفترضا اعتمادها في أول حزيران، مع ترجيحات بتأجيل التنفيذ ثلاثة أشهر مقبلة، في إجراء قد يرفع أسعار بعض السلع المستوردة.
ويجمع مراقبون اقتصاديون على حراجة الوضع المالي في العراق اليوم، لا بسبب نقص الموارد فقط، بل ونتيجة السياسات الحكومية المالية والاقتصادية، وتوسعها غير المدروس في الإنفاق. وإلا كيف نوصف حكومة تُقر موازنة حجمها 211 تريليون دينار، فيما لا تتجاوز إيراداتها 130 تريليون دينار؟
انها إدارة تُخفي فشلها وراء "الضرورات" و"الالتزامات الحاكمة"، فيما المواطن وحده من يدفع الكلفة.
فمتى تقال الحقيقة كاملة عن الوضع الاقتصادي والمالي، ليعرف الناس واقع ما يدور وما يجري؟
نعم .. العراقي شهم ويتميز بحب الوطن والمشاعر الوطنية. وهذا ينطبق على عامة المواطنين. لكنه لا ينطبق قطعا على بعض السياسيين وذوي الولاءات الخاصة. وهناك في تاريخ العراق القديم، والحديث أيضا، الكثير من الأمثلة على التعاون والتنسيق والتماهي من جانب البعض مع الارادات الخارجية. وذلك ما حصل في العهد الملكي، وغداة ثورة 14 تموز 1958، وفي السنين والعقود التالية.
آفلم يصرح أحدهم قائلا بكلام واضح: "نعم، جئنا الى الحكم بقطار امريكي"؟ وهناك امثلة أخرى وحتى يومنا الحاضر.
فلا أحد يستطيع القول بعدم وجود علاقات للبعض من المتنفذين والسياسيين مع هذه الجهة الأجنبية او تلك، وهي علاقات لا تنطلق بالضرورة من المصلحة الوطنية. وهنا ينهض السؤال: هل توقفت التدخلات الخارجية اليوم في الشأن الوطني العراقي؟ وهل استعاد العراق قراره الوطني المستقل؟
كثيرة هي الادلة التي تؤشر استمرار هذه التدخلات، وجعل البعض منها وسيلة إضافية يستخدمها في سعيه للسيطرة والهيمنة. اما التصريحات التي تناقض ذلك، فلا تعكس الواقع بحال!
ونبقى بانتظار الصوت الصادق القويّ والمدوّي، وهو يشق الفضاء العراقي: لا لأي تدخل خارجي في شؤوننا، ولا لأي تواطؤ معه!
نقلت وكالات محلية امس الأول خبر وفاة سجين خلال عملية نقله من سجن المطار الى سجن التاجي "وسط درجات حرارة قاتلة". وحسب الخبر تُرك السجين ساعات تحت اشعة الشمس الشديدة في ساحة الانتظار، دون توفير حماية له من الحرارة اللاهبة، ولا الاستجابة من جانب الضابط المسؤول الى مناشداته المتكررة بنقله الى الظل.
وفي اليوم نفسه وصل خبر وفاة سجين من الانبار داخل احد السجون في بغداد، لسبب مشابه هو صمّ الآذان وعدم سماع طلبه المتكرر الملحّ، بنقله الى المستشفى للمعالجة العاجلة.
الخبران المحزنان والمثيران للغضب، جاءا بعد أيام فقط من حادث الوفاة المفجعة لاثنين من طلبة الكلية العسكرية في الناصرية، جراء الإرهاق الشديد وحرارة الشمس.
ويذكّر هذا كله بحوادث وفاة السجناء في السجون العراقية عموما، لأسباب متنوعة يُذكر بينها غالبا غياب التعامل الإنساني، وانتزاع الاعترافات بالقوة والعنف، وإهمال السجناء المرضى وتركهم دون رعاية صحية حتى حين يحتاجونها بشدة.
ان مثل هذا التعاطي يشكل انتهاكا صارخا للقوانين والشرائع والاعراف، ويفرض اخضاع إدارات السجون والسجانين لمراقبة ومحاسبة شديدتين.
فالموت والتسبب في الموت هما آخر ما أقيمت السجون لأجله.