في أجواء من الفخر والاعتزاز، احتفى الحزب الشيوعي العراقي، بالذكرى الحادية والتسعين لتأسيسه، في حفل جماهيري مميز أقيم على قاعة معرض بغداد الدولي، بحضور واسع من ممثلي الأحزاب والقوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والنقابات، والجمعيات، والحركات الشعبية، فضلًا عن نخبة من الشخصيات الوطنية والمثقفين وحشود من أصدقاء الحزب ورفيقاته ورفاقه.
نشيد الوطن واستذكار الشهداء
انطلق الحفل الحاشد مباشرة بالنشيد الوطني العراقي، ثم وقوف الجميع دقيقة صمت تكريماً لأرواح شهداء الحزب والحركة الوطنية والديمقراطية في العراق، أولئك الذين سطّروا بدمائهم صفحات من الكفاح في سبيل وطن حر وشعب سعيد.
.. وما زالت الراية خفّاقة
بعدها دعا عريف الحفل الشاعر علي رياض تايه، الرفيق بسام محي، نائب سكرتير اللجنة المركزية، لالقاء كلمة الحزب. وقد استعرض فيها مسيرته منذ تأسيسه في 31 آذار 1934 على يد كوكبة من المناضلين، يتقدمهم يوسف سلمان يوسف (فهد)، وحتى يومنا هذا، مؤكدًا أن الحزب وُلد من رحم معاناة الشعب، ليكون معبرًا عن تطلعات العمال والفلاحين والكادحين، ولكي يخوض نضاله من أجل وطن حر، ينعم فيه الإنسان بالعدالة والمساواة والكرامة.
وأكد محي، أن الحزب لم يتخلَ يومًا عن مبادئه، رغم محاولات الاستئصال والبطش التي مورست بحقه من قبل الأنظمة الاستبدادية، التي أعدمت قياداته، وزجت بآلاف المناضلين في السجون والمنافي، من دون أن تنال من عزيمته، حيث بقي متجذرًا في وجدان الجماهير، مستمدًا منها قوته وصموده.
دعوة للتغيير..
وتحالف من أجل الدولة المدنية
وفي كلمته، اشار محي الى أن الأوضاع الحالية في البلاد، تشهد انسداداً سياسياً، وهيمنة أوليغارشية على السلطة والثروة، واستفحال الفقر والبطالة والفساد، ما يستدعي تغييرًا شاملًا في بنية النظام السياسي القائم على المحاصصة والطائفية.
ونبّه إلى أن الحزب طرح مبكرًا مشروعا للتغيير الوطني الديمقراطي، يرتكز على دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.
كما دعا إلى تعبئة الجماهير وقوى التغيير المدني والديمقراطي، لخوض الصراع السياسي عبر الوسائل السلمية، والمشاركة الواعية في الانتخابات القادمة، مع السعي لإقرار منظومة انتخابية عادلة، إلى جانب تصعيد الحراك الجماهيري الضاغط من أجل إزاحة المنظومة الحاكمة التي كرّست الخراب والانهيار.
مشروع التحالف المدني
استحقاق وطني
ودعا عريف الحفل مصطفى محمد الأستاذ اثير الدباس منسق التيار الديمقراطي، الذي القى كلمة التيار، وأكد فيها أن المناسبة تمثل فرصة لاستحضار تاريخ حافل بالنضال ضد الاستبداد والفساد، مشيرًا إلى أن الحزب الشيوعي كان ولا يزال قوة حية تدافع عن الكادحين والمحرومين.
وأشار المتحدث إلى أن التحالف بين القوى المدنية والديمقراطية بات ضرورة وطنية ملحّة، في ظل تعمق الأزمة السياسية والاقتصادية، مؤكداً أن التيار الديمقراطي يدفع باتجاه بناء جبهة مدنية واسعة تُعد بديلاً حقيقيًا لنظام المحاصصة، وتُعزز مشروع الدولة المدنية التي تضع حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في جوهرها.
مواقف الشيوعي العراقي ثابتة
وارتجل سعادة السفير الفلسطيني في بغداد احمد الرويضي، كلمة السفارة وجاء فيها: يأتي احتفالكم هذا وما زال شعبنا الفلسطيني في معركة الحفاظ على أرضه، وعلى ثباته ورفض التهجير. وفي هذا الظرف الصعب وهذه المرحلة الحرجة تظهر المواقف. وسوف يتبين من هو مع الحق والحرية. لذا نقول ان هذه المرحلة تتطلب مواقف فعلية جدية، للتأكيد على ان فلسطين دولة.
ومن هذه الفعالية أقول، لا لازدواجية المعايير والمواقف المتراخية، اذ ان الشعب الفلسطيني يريد موقفاً جدياً فعلياً، يقف معه في معركته الآنية، التي هي مستمرة منذ 76 عاما. وكذلك أن هذه المناسبة تمثل فرصة لتقديم الشكر الى العراق بكل مكوناته ومؤسساته الرسمية والدينية والشعبية والاتحادات والنقابات على مواقفهم السباقة الثابتة في عدم القضية الفلسطينية، وكذلك نشكر الحزب الشيوعي العراقي ايضاً على مواقفه الثابتة التي تؤكد دوماً انه يقف مع الحق الفلسطيني في نيل الحرية والاستقلال، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
إلى التكاتف من أجل التغيير
فيما أكدت كلمة رابطة الأنصار الشيوعيين العراقيين، التي قرأها الرفيق شاكر عبد جابر رئيس اللجنة التنفيذية، أن النضال الذي خاضه الأنصار في جبال كردستان، وامتزجت فيه التضحيات بالثبات على المبادئ، سيبقى مشعلاً ينير درب الكفاح من أجل عراق ديمقراطي حر، خالٍ من الاستبداد والمحاصصة والفساد.
وشددت الرابطة على أن ذكرى تأسيس الحزب هي مناسبة لتجديد العهد مع رفاق السلاح الذين ارتقوا شهداء في سبيل وطن حر وشعب سعيد، مشيرة إلى أن تضحيات الأنصار ووقوفهم بوجه الدكتاتورية، في أحلك الظروف، تمثل جزءاً أصيلاً من ملحمة الحزب النضالية التي لم تتوقف منذ لحظة تأسيسه.
ودعت رابطة الأنصار إلى وحدة قوى التغيير الديمقراطي وتصعيد النضال السلمي والشعبي لإحداث التغيير الشامل، مؤكدة أن الأنصار سيظلون سنداً للحزب في معاركه الوطنية والاجتماعية الراهنة، كما كانوا دائماً.
قصائد وفاء للحزب وتضحياته
وتخلل الحفل إلقاء قصائد للشاعرين أجود مجبل وفالح حسون الدراجي، مجّدت الحزب وشهداءه. كما قدم الفنان علي حسن وفرقته أغاني ثوريةً ووطنية تفاعل معها الحضور الحاشد.
استمرار النضال من أجل التغيير
وبعد ان دعت عريفة الحفل الرفيقة منال جبار، في ختام الحفل، الشيوعيين الى مواصلة نضالهم من اجل الوطن الحر والشعب السعيد، صعد الى المنصة رفيقات ورفاق شباب، مرددين أغاني الحزب والنشيد الاممي.
وحتى بعد ذلك، واصل الشيوعيون المحتفلون بعيد حزبهم الغناء وأداء الدبكات في باحة القاعة وخارجها الى وقت متأخر، مؤكدين أن الحزب سيواصل نضاله رغم التحديات، وسيظل صوته عاليًا في الدفاع عن مصالح الكادحين، وعن حقوق المرأة والشباب والطلبة والمهمشين، من أجل بناء عراق ديمقراطي مزدهر خالٍ من الفساد.
ضيّفت محلية الناصرية للحزب الشيوعي العراقي، الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب، في ندوة حوارية عُقدت في القصر الثقافي بمدينة الناصرية، لمناقشة آخر التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وقدم الرفيق رائد فهمي، خلال الندوة التي أدارها الأكاديمي نجم عبد طارش، رؤيته حول مستقبل العراق في ظل التحولات الإقليمية والعالمية والتحديات الداخلية.
العراق في قلب المتغيرات الإقليمية
وأكد الرفيق أن ما حدث في سوريا ولبنان يمثل تحولات كبرى، مشيرًا إلى أن العراق لن يكون بعيدًا عن هذه التغيرات. لكنه شدد على أن التوقيت وشكل التغيير لا يزالان غير واضحين، برغم شعور الجميع، بما في ذلك السلطة ورجال الدولة، بأن هناك شيئًا قادمًا.
وقال إن التغيير في موازين القوى على المستوى الإقليمي لا بد أن ينعكس على العراق، خاصة في ظل الصراع الأمريكي – الإيراني، مشيرا إلى أن هناك رغبة في إعادة إيران إلى حدودها الجغرافية وتقليص دورها الإقليمي، مستدلًا على ذلك بالأحداث الجارية في غزة ولبنان واليمن.
وأضاف، أن العراق سيكون مشمولًا بهذه التغييرات، وإن كان شكل التعامل معه لا يزال غير محسوم، منبهاً الى أن هناك أطرافًا سياسية داخل العراق وخارجه تروج فكرة التغيير الخارجي. ويتحدث البعض عن استهداف الاقتصاد، وبعض القوى المسلحة، إضافة إلى إعادة صياغة العلاقة مع إيران.
ضعف بنيوي يعيق الإصلاح
واعتبر فهمي، أن التحديات الداخلية للعراق تفاقمت بسبب بنية المنظومة السياسية القائمة على المحاصصة والتخادم، مؤكدًا أن هذه القاعدة لا تسمح لأي حكومة بمكافحة الفساد أو إجراء إصلاحات حقيقية.
وأوضح، أن الفساد أصبح جزءًا من بنية الدولة، حيث تعتبر القوى السياسية المتنفذة، المؤسسات الحكومية حصصًا لها، ما أدى إلى غياب رؤية وطنية موحدة.
وأضاف أن الدولة العراقية اليوم متشظية بنيويًا، حيث لم يعد رئيس الوزراء هو الفاعل الوحيد في صناعة القرار، إذ توجد قوى أخرى تمتلك نفوذًا كبيرًا، ما أدى إلى غياب سياسة خارجية موحدة، وخلق تناقضات داخل السلطة حول القضايا الإقليمية والدولية.
مشكلة السلاح والفصائل المسلحة
وتطرق فهمي إلى ملف السلاح خارج إطار الدولة، مشيرًا إلى أن قضية إعادة هيكلة الحشد الشعبي ودمج الفصائل المسلحة داخل المؤسسة العسكرية، لا تزال محل جدل داخلي وخارجي.
وأكد أن هناك مخاوف دولية من فكرة الدمج، إذ أن بعض الأطراف الإقليمية والدولية لا ترغب في أن يكون هناك أي دور للفصائل المسلحة داخل الدولة، مؤكدا أن احتكار الدولة للسلاح يمثل أحد مقومات السيادة.
وحذر فهمي من أن استمرار وجود قوى مسلحة خارج سلطة الدولة، يعني أن العراق لا يملك قراره السيادي بشكل كامل، وهو ما يضعف الدولة أمام التحديات الداخلية والخارجية.
وطرح فهمي تساؤلا جوهريا حول دور الفصائل المسلحة، قائلاً: "إذا كانت هذه الفصائل تحمي النظام السياسي، فما دور الجيش؟"، مشيرا إلى أن هناك إشكالية في تعريف النظام السياسي الذي تدافع عنه تلك الفصائل، حيث يبدو أن الأمر مرتبط بطبيعة القوى الحاكمة حاليًا وليس بالمفهوم العام للدولة.
التغيير مطلب شعبي
وأكد فهمي أن التغيير في العراق ليس مجرد طرح سياسي أو خارجي، بل هو مطلب وطني ملح وشعبي عراقي بالدرجة الأولى، مشيرًا إلى أن الحركات الاحتجاجية، مثل انتفاضة تشرين، كانت تدعو إلى تغيير جذري وليس مجرد إصلاحات شكلية.
وأضاف، أن العراق بحاجة إلى معالجة جذرية لمشاكله البنيوية، وإلا فإنه سيبقى رهينة التوازنات الخارجية والصراعات السياسية الداخلية، مشدداً على أن غياب الإرادة السياسية، واستمرار المحاصصة، سيجعل أي محاولة للإصلاح غير مجدية.
وفي ختام حديثه، أشار إلى أن العراق بحاجة إلى دولة مدنية حقيقية، تقوم على أسس المواطنة والعدالة، بعيدًا عن منطق المحاصصة الطائفية والتدخلات الخارجية، مشددًا على أن التغيير يجب أن يكون نتاجا للإرادة العراقية، وليس مجرد انعكاس لصراعات القوى الإقليمية والدولية.
شهدت الفترة الماضية، تصريحات ومواقف وردود فعل متشنجة تداولتها القوى السياسية المتنفذة، وأضهرت جانبا من أزمة المنظومة السياسية الحاكمة، ورافق ذلك حراك وخطابات واصطفافات طائفية ومناطقية من شأنها التأثير في معادلة الانتخابات المقبلة، وهي ليست جديدة كما يرى بعض المراقبين، لكنها تأتي هذه المرة متزامنة مع مرحلة ترقب واضطراب على المستوى الإقليمي والعالمي، وهو ما يُفسر بعدم تفهم هذه القوى لحجم المخاطر المؤثرة في الملف العراقي، او عدم اعتمادها خطابا غير الكراهية والتأجيج الطائفي، لإعادة انتاج نفسها سياسيا. وتجلى هذا من بين قضايا أخرى في طرح مشاريع "إقليم النفط مقابل إقليم المياه".
الكراهية.. أسلوب وحيد!
عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، الرفيق حسين النجار، قال ان "قوى السلطة الحاكمة، لم تدرك بعد كما يبدو الاخطار الداخلية والخارجية المحدقة بالبلد، فهي تعيد تصدير خطاب المحاصصة الطائفية والكراهية في سبيل إعادة إنتاج نفسها في الانتخابات النيابية المقبلة، وهو الأسلوب الوحيد الذي تتقنه وتقدمه للملتفين حولها. وليس لديها أي مشروع لتغيير الواقع المزريِ الذي سببته للعراق والعراقيين.
وأضاف النجار، ان "العراقيين جربوا طيلة المدة الماضية هذه الخطابات وما نتج عنها، وكذلك اختبروا حكم هذه القوى التي باتت تشكل اقلية محدودة جداً، اغتنت على حساب الأغلبية التي تزداد فقراً وحرماناً"، لافتا الى انه "بسبب ذلك لا تفاعل غالبية المواطنين مع الحملات الانتخابية. كون الشعور السائد بأنها لن تنتج شيئا جديدا، وهذا بالفعل ما تريده القوى المتنفذة والفاسدة من اجل حصر المشاركة في الانتخابات بجمهورها الذي ينقسم بين المتحزبين المتنفذين والمستفيدين او المخدوعين. واللافت ان هذا الخطاب يسري دون رادع قانوني او سياسي".
التصويت لقوى التغيير
وقال: "نريد ان تشترك الجماهير في عملية التغيير، من خلال اشراكها بتفاصيل هذا المشروع، اذ انه يعتمد بالدرجة الأساس على حركتها ومشاركتها في عملية صنع القرار من خلال حضورها الفاعل في التصويت للقوى التي تمتلك مشاريع وبرامج للتغيير".
وبين النجار ان "محاولات إعادة انتاج الخطاب الطائفي لن يجدي نفعاً لشعبنا الذي عانى من الويلات، وهو مدعو للتحرك ضد ذلك، والحضور بصورة فاعلة في الانتخابات النيابية المقبلة، كما كان حاضراً في الانتفاضة الجماهيرية في تشرين 2019، وبالتالي بواسطة هذا الحراك المتعدد الاشكال يمكن ان نسير نحو التغيير الذي نريد من خلاله عزل منظومة المحاصصة والفساد والخلاص من نهجها الفاشل، والآتيان بمشروع جديد يستند الى الديمقراطية الحقة والمواطنة والعدالة الاجتماعية".
الطائفيون يشيعون خطاب الكراهية
من جانبه، يرى الصحفي والناشط المدني، شمخي جبر، ان البعض بدأوا يكشرون عن انيابهم الطائفية لاشاعة ثقافة الكراهية والدعوة للتخندق الطائفي المقيت.
وقال جبر لـ"طريق الشعب" ان "الطائفيين من القوى السنية والشيعية، كلما حدثت ازمة هنا او هناك، او حُمي وطيس الصراع السياسي، يمارسون النعيق الطائفي، لكنهم يدركون ان الاحزاب الطائفية فشلت في تحقيق استقطاب طائفي مهما رفعت من شعارات او طرحت مشاريع تفريقية تقسيمة. ولعل فشل مشروع الاقليم الشيعي الذي طرح عام ٢٠٠٥ كان علامة فارقة للتعبير عن التماسك المجتمعي وعدم استطاعة العازفين على أوتار الفرقة، تحقيق أهدافهم".
وأضاف انه "كثيرا ما تستخدم شعارات طائفية وبخاصة في مواسم الانتخابات، إذ يتوهم من يرفعها انه سيحقق منافع ومكاسب سياسية، بينما صار الجمهور اكثر وعيا ويسعى وراء البرامج والمشاريع التي تحقق التغيير والإصلاح. فقد سقطت الى غير رجعة جميع مشاريع التقسيم، وكانت انتفاضة تشرين 2019 أخر هزيمة للطائفيين ومشاريعهم".
صراع تحريضي!
وأوضح جبر، ان "الحياة السياسية في الكثير من الدول تسودها صراعات سياسية سيما في فترة الانتخابات واللحظات السياسية الحرجة في حياة المجتمع والدولة، وقد تكون الصراعات السياسية الدائرة في اية دولة هي صراعات ارادات سياسية باتجاه اصدار قرارات معينة او اتخاذ مواقف ما، وقد تعبر عن حيوية المشهد السياسي وحرص الفاعلين فيه نحو حياة وتصورات أكثر ايجابية لتقرير حالة ما، وهذا الوصف الايجابي للصراع السياسي يعبر عن حالة الدول المستقرة التي تجري فيها الصراعات في إطار من السلم الأهلي".
ولفت الى انه "حين نقول الصراع فنعني به اختلاف الارادات والرؤى والبرامج والتوجهات، وهذا كفيل بإغناء الحياة السياسية من أجل تقديم خيارات أفضل لواقع المجتمع في حاضره ومستقبله"، مردفا "لكن بمتابعة بسيطة وسريعة للحياة السياسية وحراكاتها في العراق _ منذ التغيير في التاسع من نيسان وحتى الان _ نرى ان الصراع السياسي بين الفرقاء السياسيين يأخذ مديات لها انعكاساتها على الواقع المجتمعي، ما يحوله الى خطاب تحريضي قد يصل في الكثير من الاحيان الى مستوى العنف".
وبيّن "نرى ان الخطب النارية والتصريحات اللا مسؤولة غالبا ما تنعكس على الواقع المجتمعي وعلى حياة الشارع، فتتمظهر على شكل تشنجات مجتمعية او أعمال عنف"، مشيرا الى ان "الكثير من السياسيين عندنا صناع أزمات، وقادرون على إنتاج المشاكل والاشكاليات لكنهم غير قادرين على إنتاج الحلول".
حرث نوعي للشحن الطائفي!
الكاتب والصحفي، فلاح المشعل قال لـ"طريق الشعب" ان "السياسيين يندفعون نحو استخدام الطائفية لغرض تجديد بقائهم وانتخابهم من قبل المغفلين في الانتخابات المقبلة، فهذا يتحدث عن النفط الشيعي، وآخر يتحدث عن ماء سني، في حرث نوعي للشحن والتهديد الطائفي بالانفصال، وهو أمر مخالف للدستور وللقانون".
وأوضح المشعل ان "الموضوع وأهدافه مكشوفة للأذكياء من العراقيين، فهي محاولات يائسة لكي يغطوا على فسادهم وفشلهم بعد 22 سنة من البؤس والإفقار والتخلف".
التصدي لدعوات التقسيم
والمشكلة بحسب المشعل في "بسطاء الناس وهم الأغلبية التي تصدق هذا الكلام، بل ان العديد منهم ربما يندفعون نحو أفعال طائفية مدمرة للمجتمع والناس الأبرياء، وبهذا يحققون للسياسيين الطائفيين أهدافهم القاتلة".
وتمنى المشعل من القضاء والجهات الرقابية أن تتصدى لمثل هكذا دعوات لتقسيم الوطن وخلق عداوات وحروب داخلية وأهلية.
في ظل تجربة قاسية مرّ بها العراقيون بين عامي 2006 و2017، دفعوا خلالها أثمانًا باهظة من دمائهم واستقرارهم، وبرغم ما شهدوه من مآسٍ نتيجة الخطاب الطائفي خلال العقدين الماضيين، تعود اليوم نبرة الكراهية والانقسام إلى الواجهة مجددًا، مدفوعة بأجندات سياسية تسعى إلى استثمارها لتحقيق مكاسب انتخابية أو لإعادة تدوير نفسها في السلطة.
ومع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، تصاعدت محاولات بعض القوى السياسية المفلسة لاستقطاب الشارع عبر تأجيج الانقسامات الطائفية، رغم إدراك العراقيين أن هذا النهج لا يجلب سوى الفوضى والعنف وتهديد السلم المجتمعي.
دولة ضعيفة ومجتمع ممزق
في هذا الصدد، أكد المحلل السياسي، داوود سلمان، أن تصاعد الخطاب الطائفي مجددًا ليس ظاهرة عفوية، انما تدفع به جهات سياسية لتحقيق أهداف معينة، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات.
وقال سلمان في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "هذا الخطاب، الذي ينبذه العراقيون، في جزء منه هو ارتداد للوضع في سوريا، لكنه أيضًا يُستخدم كأداة من قبل قوى سياسية فقدت نفوذها، وتسعى إلى إعادة تموضعها عبر تأجيج الانقسامات الطائفية".
وأضاف سلمان، أن "بعض الجهات التي تراجع دورها تحاول استغلال هذا الخطاب لإعادة إنتاج نفسها في المشهد السياسي"، مشدداً على أن "الرهان الحقيقي يجب أن يكون على وعي الناس".
وتابع: “إذا كان هناك وعي مجتمعي كافٍ، فلن يجد هذا الخطاب من يتأثر به، وسيتم نبذ القوى التي تروجه”.
ولفت إلى أن "العراقيين، بمختلف مكوناتهم واطيافهم، عانوا من تداعيات الخطاب الطائفي بين عامي 2006 و2017، حيث شهدت البلاد موجات عنف وتهجير وقتل ومعاناة قاسية"، مؤكدًا أن "العراقيين غير مستعدين للعودة إلى دوامة الصراع مجددًا".
وحذر المتحدث في ختام حديثه من أن "الخطاب الطائفي لا يهدد فقط وحدة المجتمع، بل يُضعف الدولة العراقية، ويقوض قرارها السيادي"، مضيفاً ان "تجربة الماضي أثبتت أننا لا يمكن أن نبني دولة قوية تتمتع بالسيادة والاستقرار من خلال الفوضى والانقسامات الطائفية”.
فوضى سياسية وتغيرات إقليمية
من جانبه قال رئيس مركز مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية، د. سعد سلوم، إن بعض الخطابات الشائعة اليوم تعكس ردود فعل على الفوضى السياسية وفقدان البوصلة، لا سيما في ظل التداعيات التي تخلفها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في المنطقة.
وأضاف، أن "هذه التهديدات دفعت العديد من النخب السياسية إلى إعادة النظر في مواقفها وخطابها تجاه العديد من القضايا".
وأشار سلوم في حديث لـ"طريق الشعب"، إلى أن هذه الأوضاع "ساهمت في تصاعد خطاب الكراهية على أسس طائفية، وظهور سيناريوهات غير واقعية حول تقسيم البلاد وغير ذلك. كما برز عدد من الصحفيين والمدونين الذين يرتبطون ببعض القوى السياسية النافذة، ويطرحون أفكارًا وآراء لا تحظى بقبول واسع في المجتمع، لكنها تعكس حالة الارتباك السائدة".
وزاد بالقول انه "نتيجة لذلك، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي ردود فعل واسعة من ممثلي مكونات مختلفة، ما أسهم في تغذية هذا الخطاب وانتشاره".
وزاد سلوم قائلاً أن "التغيرات في سوريا، لا سيما مع صعود حكومة جديدة، وما تبعها من مجازر مرتبطة بالإدارة التي أعقبت نظام الأسد، كان لها تأثير تجاوز الحدود".
وأوضح، أن هذه التطورات "أثارت مخاوف واسعة في المجتمع العراقي، خصوصًا في بعض الأوساط السياسية، ما انعكس على تصاعد خطابات الكراهية كردّ فعل انتقامي على تاريخ طويل من القمع في سوريا، وأيضًا كاستجابة لمخاوف من امتداد تداعيات الوضع السوري إلى العراق".
وخلص سلوم الى التأكيد على أن "النهج الحكيم في التعامل مع هذه المرحلة، يتمثل في الحد من خطابات الكراهية عبر رصدها ومراقبتها، والعمل على معالجة العوامل التي تغذيها"، مشدداً على أهمية "فتح قنوات دبلوماسية شعبية بين مكونات المجتمع داخل العراق، وتعزيز الحوار بين النخب الثقافية ومراكز الأبحاث والمؤسسات المعنية في كل من العراق وسوريا".
وسيلة إلهاء مكشوفة
فيما عدّ الناشط السياسي، زين العابدين البصري، تصاعد خطاب الكراهية والاستقطاب الطائفي في العراق هو محاولة مكشوفة من بعض القوى السياسية لإعادة إنتاج نفسها، عبر استغلال أجواء التوتر الإقليمي في المنطقة.
وقال البصري، إن هذه الجهات، "التي فشلت في تقديم أي حلول حقيقية للأزمات الاقتصادية والخدمية، تلجأ إلى تأجيج الانقسامات الطائفية لإلهاء الشارع عن فشلها، وتحويل النقاش من قضايا الإصلاح والتنمية إلى صراعات الهوية والانتماء".
وأضاف البصري في حديث لـ"طريق الشعب"، أن العراقيين دفعوا ثمناً باهظاً بسبب هذا الخطاب في السنوات الماضية، ولا يمكن السماح بإعادة تدويره لتحقيق مكاسب سياسية ضيّقة.
ولفت الى ضرورة "مواجهة هذا النهج بخطاب وطني جامع، يعزز الهوية العراقية بعيداً عن محاولات الاستقطاب والتفرقة".
واعتبر أن مسؤولية مواجهة هذا الخطاب "لا تقع فقط على عاتق النخب السياسية، بل أيضاً على وسائل الإعلام والمجتمع المدني، من خلال تعزيز الوعي، وكشف الجهات التي تروج الكراهية، خدمةً لمصالحها الضيّقة على حساب وحدة العراق واستقراره".
برغم الرهان الكبير الذي وضعته الحكومة على إقرار موازنة ثلاثية تهدف إلى تفادي شبح التأخير المزمن الذي رافق إعداد الموازنات المالية، يبدو أن الواقع لا يزال يراوح مكانه، مكرراً ذات السيناريو المألوف من التباطؤ والتخبط في إعدادها وقراءتها وتمريرها.
ويشير مختصون إلى ان تكرار نفس المشهد، يؤكد وجود خلل بنيوي أعمق، سببه صراعات المحاصصة والتجاذبات السياسية، المسببة لأزمة لها تداعيات مباشرة على السوق المحلي والاستثمار والاعمار والبناء وتلبية حاجات المواطنين الأساسية وإيجاد فرص عمل للعاطلين وخاصة من الشباب.
ترجيحات حول موعد إقرارها
ويرجح المستشار المالي لرئيس الوزراء، أن تقر الحكومة مشروع قانون الموازنة قبل عيد الفطر.
وقال د. مظهر محمد صالح، في حديث صحافي إن "مجلس الوزراء سيقر على الأرجح جدول قانون موازنة 2025 قبل عيد الفطر ويحيله إلى البرلمان".
واضاف أن "الإنفاق يشكل نحو 67 في المائة إلى 70 في المائة من إجمالي حجم النفقات العامة في قانون الموازنة، والتي تضم الرواتب والمخصصات والتقاعد والرعاية الاجتماعية".
وبين أن "حجم الموازنة يبلغ نحو 200 تريليون دينار، وسيكون هناك عجز بحوالي 64 تريليونا".
نتيجة لغياب المحاسبة
في هذا الشأن، أكد عضو اللجنة المالية النيابية، جمال كوجر، انه "من الطبيعي ان يكون هذا الحال حين لا يلقى تأخر الموازنة أي محاسبة أو التزام بالقانون، وحين لا تحتاج الحكومة الجداول بشكل ضاغط ومُلح، بفضل وجود موازنة ثلاثية تتيح لها صلاحية صرف موازنات 2023 و2024".
وأضاف، أن هذه "هي النتيجة الطبيعية حين تكون الحكومة حكومة محاصصة وليست حكومة أغلبية سياسية، ما يسهم في استمرار هذا التأخير".
وأشار كوجر في حديث لـ "طريق الشعب"، إلى أن "تأخر الموازنة في أي دولة يؤثر بشكل مباشر على تنفيذ المشاريع والتنمية، ما يؤدي إلى توقف عجلة الاستثمار والتطوير".
وأوضح، أن هذا التأخير "ينعكس سلبًا على الموظفين والعاملين في المشاريع والمقاولات، وتأثر هؤلاء ينعكس ويرتد كذلك على شريحة الفقراء وشرائح أخرى من المجتمع".
كما أكد عضو اللجنة المالية أنه لا يوجد أي مبرر لهذا التأخير، مشيراً الى أن "الهدف الأساس من الموازنة الثلاثية هو ان تفلت الحكومة رقبتها من قبضة مجلس النواب بشكل عام واللجنة المالية خصوصاً".
وأوضح، أن الحكومة الآن اصبحت "لا ترد على الكتب الرسمية من اللجنة المالية، ما يعني أنها لا تحتاج إلى البرلمان في هذا السياق، وهو ما كان الهدف من الاصرار على اقرار موازنة ثلاثية".
مشكلة فنية أم ازمة اقتصادية؟
في هذا الصدد، قال استاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي ان تأخير إقرار جداول الموازنة في العراق يعكس خللًا مركبًا يمتد بين العوامل السياسية والإدارية والاقتصادية، ما يجعله أكثر من مجرد تأخير فني، بل مشكلة ذات أبعاد أعمق تؤثر على الاقتصاد الوطني واستقرار الدولة.
ومن وجهة نظره، يرى ان هذا "التأخير هو امتداد لمشكلة هيكلية في عملية إعداد وتنفيذ الموازنات في العراق، حيث يظل الجدل السياسي حول توزيع الموارد والصلاحيات هو العائق الأساسي أمام إقرارها بسلاسة وفي الوقت المناسب".
ونوه في حديث لـ"طريق الشعب"، بأن "العراق، كدولة تعتمد بشكل كبير على الإيرادات النفطية، يواجه تحديًا في وضع موازنة مرنة تستجيب للمتغيرات الاقتصادية والسياسية. ان التأخير في إقرار الجداول يُفاقم من الأزمة المالية، حيث تعاني القطاعات المختلفة من شلل شبه كامل نتيجة لعدم توفر السيولة الكافية لتنفيذ المشاريع أو دفع الالتزامات المالية المستحقة، سواء للقطاع العام أو للمتعاقدين مع الحكومة".
ولفت الى ان هذا التأخير "لا يتوقف عند كونه مشكلة فنية، بل يمتد ليصبح أزمة اقتصادية لها تداعيات مباشرة على السوق المحلي والاستثمار، حيث يعاني القطاع الخاص من تباطؤ في المشاريع الحكومية التي تمثل جزءًا رئيسيًا من الحركة الاقتصادية في البلاد".
وفيما يتعلق بمسؤولية هذا التأخير قال السعدي انها "تتوزع بين عدة جهات، لكن لا يمكن إنكار أن الطبقة السياسية تتحمل الجزء الأكبر منه. فالصراعات الحزبية والتجاذبات بين القوى السياسية تعيق اتخاذ القرارات المصيرية، وتبقي الموازنة أداة للمساومات السياسية بدلاً من أن تكون أداة لتخطيط التنمية الاقتصادية".
وينبه الى أن "غياب الاستراتيجيات الاقتصادية طويلة الأمد يؤدي إلى اعتماد حلول آنية وغير مستدامة، ما يجعل أي موازنة يتم إقرارها لاحقًا غير قادرة على مواجهة الأزمات المالية المتجددة".
أما فيما يخص الموازنة الثلاثية، التي طرحت كحل لضمان الاستقرار المالي على مدى ثلاث سنوات، يرى السعدي أنها "لم تحقق التغيير الجوهري المطلوب. لا يزال التأخير في تنفيذ بنودها مستمرًا، مما يعني أن المشكلة ليست في مدة الموازنة بل في آلية تنفيذها وإقرارها".
واتم حديثه بالقول ان "العراق بحاجة إلى إصلاحات أعمق في سياسات إعداد الموازنة، بما يشمل تعزيز الشفافية، تقليل التدخلات السياسية، وتحسين الإدارة المالية العامة، وإلا فإن التأخير سيظل سمة متكررة بغض النظر عن شكل الموازنة أو مدتها الزمنية".
مبررات التأخير
من جهته، قال المحلل الاقتصادي باسل العبيدي، ان هناك "أربعة أسباب رئيسية وراء تأخر الموازنة، أولها أن وزارة المالية لا تمتلك رؤية واضحة وشاملة للمشهد الاقتصادي العالمي، في ظل التغيرات الاقتصادية والتحديات المستجدة على الساحة الدولية".
وواصل حديثه بالقول أن "السبب الثاني يعود إلى حرص مجلس الوزراء ووزارة المالية على تجنب استغلال جداول الموازنة في المزايدات السياسية، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات، حيث يسعى البعض إلى توظيف هذه الجداول لأغراض سياسية".
وأضاف العبيدي قائلاً في تصريح تابعته "طريق الشعب"، أن " السبب الثالث يتمثل في رغبة مجلس الوزراء بالحصول على ضمانات من مجلس النواب بعدم إخضاع الموازنة للمناكفات السياسية، والتأكيد على تمريرها بصيغتها المقدمة دون تأخير، فضلاً عما يتعلق بالوضع المالي الحرج الذي يمر به العراق، حيث تعمل الحكومة حالياً على إيجاد حلول لهذه الأزمة المالية".
وأكد في ختام حديثه أن "الموازنة ستُعرض بشكل نهائي للتصويت داخل مجلس النواب بعد عطلة العيد".
لا حسابات ختامية
تواجه جداول موازنة 2025 أزمة جديدة، رغم وجود قرار من المحكمة الاتحادية يلزم الحكومة بتقديم الحسابات الختامية. ورغم ذلك، يبدو أن الموضوع ما زال بعيد المنال ولم يتم اتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذه.
وأكد الخبير الاقتصادي صلاح نوري أن "عدم تقديم الحساب الختامي للدولة مع مشروع قانون الموازنة يعد مخالفة للمادة الدستورية (62-أولاً)، التي تنص على أنه يجب على مجلس الوزراء تقديم مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي إلى مجلس النواب لإقراره".
وأضاف نوري أنه "من المهم جدًا دراسة مشروع قانون الموازنة العامة بالمقارنة مع ما تحقق من تنفيذ الموازنة السابقة ونسب التنفيذ، بالإضافة إلى معرفة أسباب الانحرافات وجوانب الإخفاق في مشاريع الموازنة الاستثمارية".
وأشار نوري إلى أن "الحساب الختامي يتم تدقيقه من قبل ديوان الرقابة المالية الاتحادي، وهذا يمكن مجلس النواب من مقارنة الحساب الختامي والملاحظات الواردة في تقرير ديوان الرقابة المالية مع مشروع قانون الموازنة العامة، ما يساعد في تصويب تخصيص الموارد للموازنتين الجارية والاستثمارية".