في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، أصدر البنك المركزي العراقي قرارًا يقضي برفع سقف العمولات المستحصلة من العمليات المصرفية المرتبطة بالشمول المالي والدفع الإلكتروني، الامر الذي يؤدي إلى زيادة ملموسة في تكاليف الخدمات المالية.
ويشكل هذا القرار جزءا من الإجراءات الخاصة بمحاولة تعزيز ثقافة الدفع الإلكتروني بين المواطنين. لكن مختصين، يرجحون أن يسهم رفع رسوم السحب والتحويل، في ابتعاد الناس عن هذه الثقافة واستمرارهم في الاعتماد على النقد.
حراك نيابي
في السياق، أكد عضو مجلس النواب كاظم الفياض، وجود تحرك نيابي من أجل معرفة أسباب قيام البنك المركزي العراقي برفع سقف الفائدة لشركة كي كارد.
وقال الفياض في تصريح صحفي، ان "البرلمان سوف يتحرك عبر لجانه المختصة من أجل معرفة أسباب قيام البنك المركزي العراقي برفع سقف الفائدة لشركة كي كارد، على حساب الموظفين والمتقاعدين، فلا يوجد أي مبرر لرفع سقف الفائدة، رغم ان الفائدة القديمة هي عالية من الأساس".
وأضاف ان "هذه الخطوة سوف تزيد الثقل على كاهل الموظفين من أصحاب الرواتب القليلة وكذلك المتقاعدين، لذا يجب ان تكون إصلاحات البنك المركزي لصالح المواطن وتعزيز دخله الشهري المالي، وليس لصالح الشركات".
القرار يحتاج الى دراسة
الباحث في الشأن المالي والمصرفي مصطفى حنتوش، قال إن "قرار البنك المركزي العراقي برفع سقف العمولات المستحصلة من العمليات المصرفية المرتبطة بالشمول المالي والدفع الإلكتروني سيؤدي إلى زيادة كبيرة في تكاليف هذه الخدمات".
وأوضح في حديث لـ"طريق الشعب"، أن بعض البطاقات المصرفية "مثل ماستر كارد، التي كانت تُصدر بحد أقصى 10,000 دينار، ارتفعت إلى 15,000 دينار. كما أن بعض المعاملات التي كانت تستوجب رسومًا قدرها 2,000 دينار أصبحت الآن 4,000 دينار، ما يعني مضاعفة الكلفة على المستخدمين في بعض الحالات".
وقال حنتوش، إنّ هذا القرار، كغيره من القرارات غير المدروسة، سيؤثر على أصحاب الرواتب المتدنية، ويشكل عائقًا أمام تعزيز ثقافة الدفع الإلكتروني، التي تتطلب تشجيع المواطنين على استخدام البطاقات المصرفية بدلاً من التعامل النقدي.
وأضاف، أن "عمليات الشراء عبر الدفع الإلكتروني لا تزال مجانية، إلا أن رسوم السحب النقدي والتحويل، خصوصًا عبر الصرافات الآلية (ATM)، ارتفعت"، معتقدا أن "مثل هذه القرارات تحتاج إلى دراسات معمقة لقياس تأثيرها على المجتمع، ومدى قدرة المواطنين على التكيّف معها، مع ضرورة التمهيد التدريجي لأية تغييرات لضمان نجاح عملية التحول إلى الدفع الإلكتروني".
"يهدف لحماية الجمهور"
من جهته، قال الخبير في الشأن النقدي إحسان الياسري، إن الأجور التي تُستوفى من الجمهور مقابل الخدمات المصرفية وخدمات شركات الدفع الإلكتروني هي أجور مشروعة، إذ إن هذه المصارف والشركات تتحمل تكاليف تشغيلية، وتقدم خدمات مختلفة، إضافة إلى التزاماتها المالية ورسومها، كما أنها تهدف إلى تحقيق أرباح معقولة.
وفي ما يتعلق بقرار البنك المركزي الأخير، أشار الى أنه "لوحظ وجود التباس لدى الجمهور أدى إلى فهمه بشكل خاطئ على أنه يتضمن زيادة في رسوم وأجور خدمات الدفع الإلكتروني، غير أن الرجوع إلى البنك المركزي وبياناته السابقة يوضح أن القرار يهدف إلى وضع سقوف محددة لهذه الرسوم، وليس زيادتها".
وأضاف الياسري في حديث لـ"طريق الشعب"، ان "القرار جاء بعد أن لاحظت اللجان التفتيشية في البنك المركزي أن بعض المنافذ، وشركات الدفع، والمصارف تستوفي رسوما أعلى من الحدود التي يحددها البنك المركزي".
وبين انه "نظراً لعدم وجود سقوف سابقة لهذه الخدمات، فإن القرار الحالي يضع حدودًا قصوى لا يجوز تجاوزها، لضمان عدم فرض رسوم مفرطة على المستهلكين".
وخلص الى القول ان "القرار بالنتيجة، لا يعني زيادة في الأجور والرسوم، بل يمكن اعتباره خطوة تنظيمية تهدف إلى حماية الجمهور من أي استغلال، وضمان التزام المصارف وشركات الدفع بالحدود المعقولة لاستيفاء الرسوم".
خطوة لتعزيز أرباح المصارف
فيما يجد الخبير الاقتصادي صفاء الشمري، أن قرار المركزي "سيؤدي لعرقلة الدفع الالكتروني، فبدلًا من أن يكون البنك المركزي قوة دافعة نحو الاقتصاد الرقمي، جاء هذا القرار ليكون عقبة جديدة أمام انتشار الدفع الإلكتروني".
ويقول الشمري في تصريح صحفي، أن "القرار يبدو وكأنه مصمم لحماية أرباح المصارف الخاصة بدلًا من خدمة الاقتصاد والمستهلكين"، مشيرا الى انه "في الوقت الذي تتسابق فيه الدول لتطوير خدمات الدفع الإلكتروني وتقديم بدائل مريحة، يأتي هذا القرار ليضع قيودًا قاتلة على القطاع، فالمصارف الآن غير مضطرة لتطوير خدمات جديدة أو تحسين أنظمتها، لأن البنك المركزي منحها سقوف رسوم مريحة تضمن لها الربح بدون الحاجة إلى التنافس والابتكار".
ونبه الى أنه "كلما زادت تكلفة الدفع الإلكتروني، زادت الحوافز لاستخدام النقد خارج النظام المصرفي، ما يفتح الباب واسعًا أمام التهرب الضريبي وتداول الأموال خارج الإشراف الحكومي".
أقامت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، أمس السبت، حفلاً كبيراً لمناسبة "يوم الشهيد الشيوعي"، في قاعة نادي المهندسين بالعاصمة بغداد، بحضور حاشد من الشيوعيين وأصدقائهم وعدد من الشخصيات السياسية والناشطين الوطنيين.
وبدأ الحفل بالوقوف دقيقة صمت حدادًا على أرواح شهداء الحزب والحركة الوطنية، الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الشعب والوطن، مادّين جسورًا لعبور مواكب الكفاح الوطني والتاريخي.
ثم وجهت الرفيقة منال جبار عريفة الحفل تحية خاصة لعوائل الشهداء، مؤكدة تقدير قيادة الحزب العميق لتضحياتهم، ومنوهة بالحضور الحاشد، إذ حرص العديد من عوائل الشهداء في بغداد والمحافظات ومدن بعيدة على المشاركة في هذا الحدث.
فيما ألقى الرفيق ميعاد القصير كلمة اللجنة المركزية للحزب، والتي تحدثت عن مسيرة النضال، وتضحيات الشهداء من أجل عيش وكرامة الشعب العراقي، مؤكدًا أن تضحياتهم ستظل مصدر إلهام للأجيال القادمة.
وهنا النص الكامل للكلمة:
ضيوفَنا الكرام الرفيقات والصديقات العزيزات..
الرفاق والأصدقاء الأعزاء
طاب نهاركم خيرا وسلاما..
نرحب بكم باسم اللجنة المركزية لحزبنا الشيوعي العراقي، ونعبر عن امتناننا على مشاركتكم لنا في إحياء يوم الشهيد الشيوعي، الذي يصادف يوم الرابع عشر من شباط من كل عام.
في كل عام نستذكر، بفخر، ذلك الهتاف الذي أطلقه مؤسس حزبنا الرفيق الخالد فهد: الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق. وهو هتاف ساطع كنجم، مثل قائله، ينير الدرب الذي سار فيه الشهداء، وسائر الشيوعيين والثوريين، وهم يحملون رايات التحدي والمسير الظافر.
إن احتفاءنا بهذا اليوم ذو دلالات عميقة، إذ نستذكر فيه شهداء حزبنا والمآثر التي اجترحوها والأمثلة الملهمة التي قدموها، ونجدد عهد الوفاء لهم، والاعتزاز بعوائلهم التي أنجبت خيرة مناضلات ومناضلي شعبنا ممن ضحوا بحياتهم في سبيل قضيتنا العادلة وغاياتنا السامية.
إن أمثولة الشهداء تؤكد طائفة من الحقائق الساطعة في تاريخ بلادنا: حزب شيوعي هو حاجة وضرورة تاريخية، وفكر يأتلف فيه الطبقي والوطني، ودفاع عن مصالح شغيلة اليد والفكر، وعن حق الأمم في تقرير مصيرها، وعن حرية المرأة وحقوق الانسان، وتجسيد لثقافة التنوير، ودعوة للتسامح والتعايش السلمي والتنوع الثقافي، وتعبير عن روح التضامن الأممي، وسعي الى إقامة الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ولعل أبلغ درس قدمه فهد وسلام عادل وقوافل شهيدات وشهداء حزبنا، وبينهم شهداء العمل السري وأقبية التعذيب والسجون والاغتيالات، شهداء حركة الأنصار وانتفاضة تشرين، وكل سوح الكفاح الثوري، يتجسد في حقيقة أن أفكار الشيوعية عميقة الجذور في مجتمعنا، وأن اولئك الذين توهموا أن بوسعهم اقتلاعها لم يكن مصيرهم سوى لعنة التاريخ ومزبلته، بينما ظل الشهداء نبراسا في وجدان الشعب، يسترشد بسيرتهم الملهمة كل الساعين الى الحرية والعدالة والمستقبل الوضاء.
أيها الحضور الأعزاء
لا ريب أنكم تتابعون، بقلق واهتمام بالغين، تطور الأوضاع في بلادنا، حيث تتفاقم الأزمة السياسية والاجتماعية البنيوية، ومعها تتفاقم المعاناة المريرة للملايين من أبناء شعبنا. وارتباطا بحقيقة أن العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والاثنية أفضت الى طريق مسدود، وان منظومة الحكم المنبثقة عنها أخفقت في بناء دولة مدنية ديمقراطية ، وأدى نهجها الى تفاقم الأزمات والمآسي، ارتباطا بهذه الحقيقة بات التغيير الشامل ضرورة تفرضها أزمة البلاد العميقة، والتحديات الكبيرة التي شهدتها وتشهدها المنطقة وتداعياتها المحتملة.
إن إنقاذ البلاد من أزمتها المستعصية، والمحن التي تطحن رحاها الملايين، ومن حكم الأقلية الأوليغارشية الذي يصادر إرادة الشعب ويؤبد منظومة احتكار السلطة السياسية، لا يمكن تحقيقه الا عبر التغيير السياسي والاجتماعي العميق.
ومن المؤكد أن التغيير الذي يتطلع اليه شعبنا ويدعو حزبنا الى تحقيقه يستند الى مشروع وطني ديمقراطي يستهدف منظومة الحكم ونهجها القائم على المحاصصة والفساد. وإن حزبنا يجدد دعوته لسائر القوى الديمقراطية والوطنية الى إطلاق حوار واسع يستهدف إعادة النظر جذريا بالعملية السياسية وما وصلت اليه من استعصاء، وخلق الظروف التي تمهد الطريق لقيام الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.
أيها الحضور الكرام
اليوم نجدد العهد للشهداء، والتبجيل لبطولاتهم، والتمسك بأمثولتهم..
اليوم تضيء مصابيح الشهداء دروب الكفاح، ويرفع الشيوعيون رايات التحدي ومشاعل الأمل، وهو يمضون في الطريق نحو الوطن الحر والشعب السعيد..
وشهد الحفل أيضا إلقاء كلمة عوائل الشهداء، من قبل الرفيق أبو هند، نيابة عن عائلة الشهيد عبدالله وديع جرجيس من محافظة نينوى، والتي أشارت إلى ان تضحيات الشيوعيين كانت بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية، لافتا إلى أن محافظة نينوى قدمت العديد من الشهداء، من بينهم الشهيد عبدالله وديع، الذي أعدمه النظام السابق.
كما أكدت الكلمة على ضرورة مواصلة نهج الحزب في النضال من اجل وطن حر وشعب سعيد، مشددة على أن الحزب سيظل متميزا دون غيره في سعيه نحو التغيير.
وكرّمت قيادة الحزب في الاحتفال عددا من عوائل الشهداء.
وفي الفقرات الفنية، ألقى الرفيق مسلم عوينة قصيدته الشهيرة "القائد الأسطورة"، التي ألقاها أول مرة في عام 1965 في الحفل الذي أقيم في الموقف العام ببغداد لمناسبة الذكرى الثانية لاستشهاد الرفيق الخالد سلام عادل ورفاقه الأماجد، والتي مستهلها "باق قلب العراق بالوعي حتى اضاء.. باق ترابك باقي يا فهد يأبى الفناء". تلتها قصيدتان للشاعرين الشعبيين ميثم الطفيلي وحيدر جليل، حيث لاقت القصائد استحسان الحضور.
والى جانب ذلك، شهدت قاعة النادي معرضاً لصور شهداء الحزب من سنة 70 وحتى 73 مع توثيقات لقصصهم البطولية الملهمة.
واختتم الحفل بوصلات غنائية للمطرب وعازف العود علي البابلي، الذي قدّم مع عازف الإيقاع علي خيون ثلاث أغنيات وطنية، كان آخرها أغنية "صويحب"، التي أضفت أجواء من الفرح والفخر في الحفل.
ويعد "يوم الشهيد الشيوعي" مناسبة سنوية للاحتفاء بتضحيات الشهداء الذين قدموا أرواحهم في سبيل الحرية والعدالة الاجتماعية، ويُعتبر الحدث فرصة لتجديد العهد بالقيم التي ناضل من أجلها الشهداء.
برغم الوعود الحكومية بشأن الموازنة الثلاثية، إلا أنّ واقع إعدادها وتنفيذها عكس استمرار النهج ذاته الذي اتُّبع منذ 2005، حيث تبقى الأولوية لضمان مصالح الطبقة السياسية الحاكمة، دون أن يلمس المواطن أي تحسن فعلي في مستوى الخدمات أو المعيشة أو الاقتصاد.
فالموازنة، التي يُفترض أن تكون أداة لتحقيق التنمية الاقتصادية، لا تزال بحسب أصحاب الاختصاص، بعيدة كل البعد عن البرامج التي يفترض ان تعالج المشاكل لا مفاقمتها، ما يجعلها مجرد انعكاسا لتوزيع عائدات النفط بين القوى النافذة، بدلًا من توجيهها نحو مشاريع تنموية تُسهم في تنويع الاقتصاد.
ويؤكد مراقبون ان الموازنة لم تحقق الأهداف التي زُعِم أنها وُضعت من أجلها، حيث تغيب الحسابات الختامية، ما يعزز الشكوك حول أوجه صرف هذه الأموال الضخمة. ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر، يبدو واضحًا أن هذه الموازنات ليست سوى أداة بيد القوى السياسية لتعزيز نفوذها، دون أية نية حقيقية لإجراء إصلاحات جوهرية.
موازنات سياسية
الخبير الاقتصادي صالح الهماشي قال: ان "الموازنة في العراق تعد موازنة كلاسيكية قائمة على بنود إنفاق، وليست موازنة برامجية كما تدّعي الحكومة. وبرغم الإعلان عن نية تحويلها إلى موازنة برامج، إلا أن الواقع يؤكد استمرارها كموازنة لسد الاحتياجات دون وجود توظيف حقيقي للأموال في مشاريع استثمارية منتجة. وحتى بالنسبة للموازنة الاستثمارية، فإن 90 في المائة منها يذهب إلى الشركات والاستثمارات النفطية، بينما تقتصر الاستثمارات الأخرى على المشاريع الترفيهية، في حين بدأ مؤخرًا التوجه نحو الاستثمار العقاري الذي لا يزال في مراحله الأولى".
أما في ما يتعلق بالموازنة الثلاثية قال لـ"طريق الشعب"، إنّها "لا تزال موازنة بنود، ولم تشهد حتى الآن أية تعديلات جوهرية تصب في مصلحة الشعب أو الاقتصاد الوطني. ولا يوجد في البلاد نظام إداري أو مالي أو محاسبي قادر على تحويلها إلى موازنة برامجية، إذ يتطلب ذلك تطويرًا حقيقيًا في آليات إعداد الموازنة وإدارتها وهو ما نفتقده". ومن جهة أخرى، أكد الهماشي أن "الموازنة تم تصميمها وفق مصالح الطبقة السياسية المتنفذة، حيث تُوزّع الحصص على الجهات المسيطرة على الوزارات بهدف تحقيق مكاسب سياسية. ومع كل زيادة في حجم الموازنة، تتفاقم الأزمات الاقتصادية، ويتنامى الفقر المدقع، ويزداد التضخم، دون أن ينعكس هذا الإنفاق على تحسين الواقع المعيشي أو الخدمات المقدمة للمواطنين".
وأردف بالقول: ان "الموازنات منذ عام 2005 لا تزال حتى اليوم تفشل في تحقيق أية نتائج إيجابية تُذكر، بل على العكس، هناك تراجع واضح في مستوى الخدمات ودخل الفرد، إلى جانب تدهور مستمر في النشاطات الاقتصادية. فعندما تُعدّ موازنة حكومية، يُفترض أن تنعكس على مختلف القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات، لكن الواقع يشير إلى أن جميع هذه القطاعات تشهد تراجعًا متواصلاً".
وخلص الى القول: ان "السؤال الأهم يبقى: هل التعديلات التي تجرى على الموازنة تهدف فعلًا إلى خدمة الصالح العام وتعزيز الاقتصاد الوطني، أم أنها تُفصَّل وفق مقاسات القوى السياسية المسيطرة لضمان مكاسبها؟ إن ما نشهده حاليًا يؤكد أن التعديلات الأخيرة ليست سوى انعكاس لصراعات سياسية بين الكتل المتنفذة، ومحاولة لإرضاء بعض الأطراف على حساب التنمية الحقيقية".
هل أدت الموازنة غرضها؟
من جهته، قال عبد العظيم الخفاجي ان "إعداد الموازنة الثلاثية تم في واقع الحال لخدمة السلطة والطبقة الحاكمة وليس لصالح الشعب؛ فهي لا تختلف عن الموازنات السابقة التي أُقرت منذ عام 2005 وحتى الآن. إذ وُضعت هذه الموازنات لضمان استمرار نفوذ الطبقة السياسية وأدواتها، دون أن يلمس المواطن العراقي أي أثر إيجابي لها على حياته".
وأضاف في حديث مع "طريق الشعب"، أن "هذه الموازنات أصبحت مجرد وسيلة لنهب ثروات العراق الهائلة، وخاصة النقدية منها، والتي يُفترض أنها لا تنضب. على سبيل المثال، تحقق الطبقة السياسية الطفيلية إيرادات جانبية تقدر بحوالي 8.4 تريليون دينار عراقي، وهو مبلغ ضخم يعادل ميزانية بعض الدول، مما يعكس حجم الفساد المستشري".
وتابع الخفاجي، أنّ "الدولة رخوة، حيث تُسن قوانين على الورق، لكنها لا تُطبق على أرض الواقع. وهذا النهج السياسي المتبع منذ 2003 جعل العراق يتراجع في جميع المجالات، سواء الزراعية أو الصناعية أو الاقتصادية أو الثقافية أو العلمية أو الصحية أو حتى السكنية. فالكلام قد يكون مُطمئنًا، لكن الأفعال على النقيض تمامًا، وهي سمة الأنظمة الشمولية التي تتقن الخطاب الشعبوي، بينما تعمل على سرقة مقدرات الشعوب".
ولفت الى انه "ما يهم في النهاية هو النتائج، والواقع يشير إلى أن نحو 90 في المائة من الشعب العراقي يعاني من الفقر والأزمات الاقتصادية، ويُواجه هذه التحديات وحده دون أية معالجات حكومية جادة".
وخلص الى القول ان "الموازنة الثلاثية لم تحقق الغاية التي زُعِم أنها وُضعت من أجلها، كما يجري التهرب من تقديم الحسابات الختامية، التي تعد أساس أي موازنة سليمة، كونها تُبين أوجه الصرف الفعلي للأموال. فبدلًا من ذلك، يتم إنفاق الموازنات بشكل غير شفاف، لصالح الفئات السياسية المتسلطة، دون تقديم أي كشف حساب يُوضح أين ذهبت هذه الأموال الضخمة ولمصلحة من صُرفت".
قصور واضح
إلى ذلك، قال المختص في الشأن الاقتصادي ثامر الهيمص انه "لم نشهد في إعداد الموازنات السابقة والحالية، أي توجه حقيقي نحو تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال دعم الصناعة والزراعة وتنويع الإنتاج، بل تظل الموازنة مجرد انعكاس لعملية توزيع الإيرادات النفطية دون تحقيق تطور فعلي في القطاعات الإنتاجية".
واكد الهيمص لـ"طريق الشعب"، إن "غياب الاهتمام بالصناعة والزراعة، إلى جانب تراجع الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، يعكس قصورًا واضحًا في التخطيط الاقتصادي وطريقة إعداد الموازنة".
وعن التعديلات التي أجريت قال ان "الأمر يعتمد على الجهات التي تُجري هذه التعديلات والأدوات التي تستخدمها. ومع أن الموازنة الحالية لا تختلف كثيرًا عن سابقاتها من حيث العجز والموقف الاستثماري، إلا أننا نأمل أن يتم تنفيذ الجانب الاستثماري منها فعليًا، وتقديم الحسابات الختامية. لكن بالنظر إلى التجارب السابقة، يبدو من غير المرجح أن يتم تطبيقها بالشكل المطلوب".
يشكل النظام الانتخابي في العراق مادة دسمة للجدل المستمر، في ظل مواجهته تحدياتٍ كبيرة تعرقل تطور العملية السياسية، وتحقيق تمثيل حقيقي للشعب. فما يزال الجدل متواصلا حول مدى قدرة هذا النظام على ضمان تمثيل عادل لجميع مكونات الشعب، في عملية الاقتراع العام والمحلي.
ومع استمرار عزوف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات، لأسباب كثيرة أهمها فقدان الثقة بمنظومة الحكم وبإمكانية التغيير بعد عقدين من الفشل، تبرز محاولات تعديل قانون الانتخابات من أطراف سياسية متنفذة، لكن مختصين يرون أن هذه المحاولات تؤدي إلى مزيد من التلاعب والتضييق على المنافسين لهذه الأطراف.
أين الخلل؟
في هذا الصدد، شدد الخبير الانتخابي دريد توفيق على أهمية أن يعكس النظام الانتخابي في العراق تنوعه الديني والمذهبي والقومي، مع ضمان تمثيل كل مكون بحجمه الحقيقي، مشيرا إلى أن أي قانون انتخابي يجب أن يراعي هذا التنوع دون تفضيل مكون على آخر.
وقال توفيق أن "النظام الانتخابي يجب أن تكون فيه ديمومة ويشجع ويحفز على المشاركة الانتخابية، ولكن المشكلة تكمن في فهم العملية الانتخابية، حيث يسعى بعض المشرعين في مجلس النواب إلى تمرير قرارات تخدم مصالحهم، ما يؤدي إلى إيجاد قوانين وقرارات مفصلة على مقاسهم، وهذا النهج غير صحيح".
وبين أن "طلبات الكيانات السياسية تتصادم مع المعايير التي أشرنا لها في أعلاه، والتي يجب أن تراعيها، وهذا ما يجب أن يحدث".
وفي ما يتعلق بتعديل قانون الانتخابات، أشار توفيق في حديث مع "طريق الشعب" إلى أن هناك "أسبابًا فنية تمنع تعديل قانون الانتخابات، فالجدول العملياتي لمفوضية الانتخابات انطلق في بداية الشهر الثاني، بعد طلبها من الحكومة تخصيص المبلغ المالي اللازم لإدارة العملية الانتخابية، وتم تخصيصه وإعلانه بشكل رسمي".
وأضاف توفيق، أن المفوضية "تحتاج إلى فترة تتراوح بين ستة إلى ثمانية أشهر للتحضير للانتخابات على أقل تقدير، مثل تحديث البطاقات الانتخابية ومنحها لمواليد 2007 وإعطاء التحالفات فرصتها وإعداد قوائم المرشحين، مع مراعاة أن الاستحقاق الانتخابي ملزم في نهاية شهر تشرين الثاني".
ونوه إلى أن "المشكلة الحقيقية تكمن في قلة الثقافة الانتخابية؛ فالانتخابات هي عمل جماهيري يتطلب مشاركة واسعة"، مبينًا أن "لكل قانون انتخابي استراتيجية معينة تتطلب التعامل معه من منطلق الاستراتيجية الخاصة به حسب القانون".
الكتل المتنفذة تبدأ تصفية الحسابات
وبحسب مصادر سياسية مطلعة، فإن هناك رغبة لدى أطراف داخل الإطار التنسيقي في تقسيم محافظات بغداد وديالى والبصرة وبابل ونينوى وصلاح الدين إلى دوائر انتخابية وفقا لتوزيعها الطائفي، لمنع أي طرف من الحصول على مقاعد إضافية محتملة، موضحة أنها خطوة في إطار السعي لتوجيه العملية الانتخابية بما يخدم مصالح تلك الأطراف.
ونبهت المصادر في حديثها لـ"طريق الشعب"، إلى أن دعوة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لاعتماد البطاقة الوطنية بدلًا من بطاقة الناخب ما تزال تواجه معارضة من جهات سياسية مستفيدة من ضعف المشاركة الانتخابية.
وهناك قرابة 15 مليون ناخب لا يملكون بطاقة انتخابية بايوميترية.
ويبلغ عدد الناخبين في العراق، بعد إدراج مواليد عام 2007، حوالي 29 مليون ناخب، إلا أن 14 مليونًا فقط يمتلكون بطاقات انتخابية بايوميترية، الأمر الذي يسهّل عملية التنافس الانتخابي، ويضمن عدم مشاركة واسعة في الانتخابات.
وأضافت المصادر، أن الخلافات حول هذه القضايا، وإن لم تظهر بشكل علني، إلا أنها تشهد نقاشات مكثفة واجتماعات حثيثة بين الأطراف السياسية. وتهدف هذه الجهود إلى التضييق على عدة أطراف، سواء داخل المكونات التي تدعي تمثيلها أم خارجها، في إطار صراع محتدم للحصول على المناصب والمواقع المؤثرة في المشهد السياسي.
وتسلط هذه التطورات الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه العملية الانتخابية في العراق، بدءًا من محاولات التلاعب بتقسيم الدوائر الانتخابية وصولًا إلى الخلافات حول آليات التصويت. وتكشف هذه الخطوات عن توجهات بعض الأطراف السياسية لتعزيز هيمنتها على المشهد السياسي.
ما إمكانية التعديل؟
في هذا الصدد، رجح المراقب للشأن الانتخابي والسياسي د. سيف السعدي، أن يبقى قانون الانتخابات العراقي على حاله دون تعديل.
وقال السعدي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "رئيس الوزراء محمد السوداني يفضل الإبقاء على القانون الحالي، في حين يسعى المالكي إلى إضافة فقرة تُلزم المسؤولين التنفيذيين، من درجة مدير عام فما فوق بالاستقالة من مناصبهم قبل ستة أشهر من الانتخابات، وذلك لضمان عدم استغلال موارد الدولة أو النفوذ السياسي خلال العملية الانتخابية".
وأضاف أن "التعديل المطروح يدفع لاعتماد نظام 1.9 وليس 1.7، ما يقلص الفرصة أمام الكتل الصغيرة والمستقلين، وتضييق الخناق على تحقيق تمثيل لجماهيرهم في مجلس النواب".
وطبقا للسعدي، فانه يستبعد إجراء أي تعديل على قانون الانتخابات الحالي في المرحلة المقبلة، معتقدا أن أي محاولة للتعديل قد تؤدي إلى تجاذبات سياسية ومناكفات، والجميع شاهد ما حدث الآن مع القوانين الجدلية.
إلى ماذا يؤدي هذا التراخي؟
وحول ظاهرة عزوف الناخبين، أوضح السعدي أن "انخفاض نسبة المشاركة يصب في مصلحة الأحزاب المتنفذة، التي تمتلك جمهورًا زبائنيًا ومؤدلجًا وعقائديًا"، مشيرًا إلى أن "هذه الأحزاب تستفيد من هذا العزوف، حيث إن جمهورها يشارك بفاعلية، ما يعزز نفوذها في المشهد السياسي أمام عزوف الناس، بل إنها تروج عدم المشاركة بشكل غير مباشر".
وأكد أن "استمرار هذا التراخي والعزوف يؤدي إلى بقاء نفس الأحزاب في السلطة دون تغيير في النهج أو السلوك، مع تبديل في الأسماء والمناصب فقط، وهذا الوضع مستمر منذ عام 2003، دون تحقيق تقدم حقيقي من أجل بناء نظام سياسي رصين".
واختتم السعدي حديثه بالتأكيد على أن "استمرار التراخي يؤدي لبقاء هذه الأحزاب بالسلطة عبر لعبة التدوير، وبالتالي مطلوب ان يكون هناك وعي لدى المواطنين لتغيير ما أفسدته الطبقة السياسية الحالية".
استفحلت الخلافات بين القوى السياسية، خلال الأيام الماضية، في مشهد غير مسبوق، حتى وصل الى جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. فقد رفع رئيس الجمهورية دعوى قضائية ضد رئيس الوزراء، فيما قررت محكمة التمييز الغاء الامر الولائي الصادر عن المحكمة الاتحادية بخصوص القوانين الجدلية.
ولم يتمكن ائتلاف إدارة الدولة من عقد اجتماعه الطارئ، على خلفية الازمة الأخيرة، بسبب تخلف الكتل الكردية والسنية عن الحضور.
وتعتزم المحكمة الاتحادية العليا عقد جلسة تداولية اليوم الثلاثاء للنظر في الطعون المقدمة ضد جلسة مجلس النواب التي جرى خلالها التصويت على قوانين السلة الواحدة.
وأصدرت المحكمة الاتحادية يوم الثلاثاء الماضي، أمراً ولائياً بإيقاف تنفيذ القوانين الثلاثة، الأحوال الشخصية، العفو العام، العقارات، المقرة في مجلس النواب، فيما افتى مجلس القضاء الأعلى، الاربعاء الماضي، بعدم جواز إيقاف تنفيذ القوانين التي يتم تشريعها من قبل مجلس النواب قبل نشرها في الجريدة الرسمية.
وشرعت المحاكم في محافظات العراق منذ يوم الخميس بتنفيذ تعديل قانون العفو العام على وفق نصوصه والتعليمات التي أصدرها مجلس القضاء الأعلى بهذا الخصوص رغم اعتراض المحكمة الاتحادية العليا.
أزمة بنيوية
أستاذ العلوم السياسية د. اياد العنبر، يرى ان هناك ازمة بنيوية في النظام وهذه الازمة بدأت تتراكم وتصل الى اعلى تجلياتها يوما بعد اخر.
ويقول العنبر لـ"طريق الشعب" ان "التفسير الذي يذهب الى ان هذه الازمات مفتعلة ومحاولة للتغطية على مشاكل النظام، لا تبدو حقيقية وعلى العكس من ذلك، فهي كاشفة لمشاكل حقيقية في بنية هذه المنظومة التي لا تحترم دور المؤسسات والتعامل معها بالمسؤولية التضامنية".
ويؤشر العنبر وجود مفارقة مهمة، مبيناً انها متمثلة بانه كلما يتقادم عمل النظام السياسي كلما تبرز عيوبه ومشاكله أكثر، بدلا من ان يكون مع التقادم قادرا على ان يعالج مشاكله بين المؤسسات السياسية وادارتها عن طريق التفاعل وليس التقاطعات والشخصنة.
مشكلات انعكست على القضاء!
وفي اطار المشكلات التي انعكست على القضاء مؤخرا، يؤكد القاضي والسياسي وائل عبد اللطيف، ان "الجميع يعلم ان المحكمة الاتحادية العليا هي محكمة مستقلة إداريا وماليا وهي بالأصح تسمى بالمحكمة الدستورية وكل ما يتعلق بالدستور من ضمن اختصاص هذه المحكمة، ولا يجوز لمجلس القضاء الأعلى بصفته الإدارية ان يتدخل في المواضيع بجنبتها القضائية".
ويقول عبد اللطيف، ان "ما حصل في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بالتعامل مع القوانين التي شرعها البرلمان، فهي من اختصاص المحكمة الاتحادية العليا وليس من اختصاص مجلس القضاء الأعلى، كون مجلس القضاء هيئة إدارية وليست هيئة قضائية".
ويرى القاضي عبد اللطيف، ان "من أكبر الأخطاء ان تتدخل القوى السياسية في العمل القضائي، وقد تدخلوا وأعلنوا – بدون حياء – وقالوا، نعم نحن نتدخل في القضاء، وكذلك اعلن القضاء انهم يتدخلون بعمله".
ويشير الى أن "هذه التدخلات يجب ان تتوقف، ومن يعمل في السياسة عليه ان يبقى في إطار عمله السياسي، والوزير ضمن عمله الوزاري، ورئيس الهيئة المستقلة يعمل في اتجاه تخصصه. اما ان يتم التدخل في عمل القضاء فهذه من أكبر الكبائر في ما يتعلق بالقضاء العراقي، سواء كان على مستوى محكمة التمييز نزولا، أو بالمحكمة الاتحادية العليا والتي تعتبر اكبر محكمة في العراق".
وشهدت جلسة مجلس النواب في 21 كانون الثاني الماضي، تمرير "قوانين جدلية" تشمل تعديل قانون العفو العام، وتعديل قانون الأحوال الشخصية، وقانون إعادة العقارات لأصحابها في كركوك.
تمزيق النسيج الاجتماعي
وعن انعكاس هذه الازمات على الواقع المجتمعي، يلفت الباحث غالب الشابندر الى أن "المجتمعات والشعوب تتأثر بالقيادات السياسية والأفكار والتصورات والفلسفات، ولذلك كلما زادت المشاحنات بين هذه القيادات انعكست على البنية الاجتماعية باليأس والقنوط والإحباط".
ويعتقد الشابندر، أن "السياسيين الذين يفتعلون هذه الازمات، لا يخافون من احداث انقسامات مجتمعية، لاسيما مع تكريسهم للمناكفات والمشاهد التي تمزق النسيج الاجتماعي، والمساهمة بخلق شروخ في داخل البنية الاجتماعية، بسبب نظام المحاصصة والاستئثار الحزبي".
ويطالب الشابندر في حديثه لـ"طريق الشعب" ان "تعمل الدولة على رفع التعامل بالألقاب في العمل الوظيفي، وما هو سائد حاليا في استخدام هذه الألقاب كممارسة لتحطيم الدولة العراقية، والتي عن طريقها يتم تسييس النظام العام ومؤسساته بما فيه القضاء العراقي".
ويزيد على حديثه، ان "استغلال دور المكونات بهذه الطريقة في مؤسسات الدولة وارسال رسائل من خلالها اساء للعمل الوظيفي، وعليه ان يجري التخلص من هذه الحالة والتعامل مع الموضوع على أساس النظام ومن دون أي تمييز".