اثارت التعديلات المراد إدخالها على قانون الأحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ المعدل والنافذ جدلا على مختلف المستويات، واصطدمت وقد تبنّاها عدد من النواب، بمعارضة في البرلمان ذاته، ومن جانب جماهير ومنظمات وأحزاب وقوى سياسية، وفي الأساس من جمهرة واسعة من النساء.
وجاء هذا الرفض الواسع ردا على مساس التعديلات المقترحة بقانون يخص المرأة والاسرة والمجتمع، وذي صلة وثيقة بأسس البناء المدني للدولة والحياة المدنية، وبإمكانية بناء دولة المؤسسات والقانون.
واستندت المعارضة للتعديلات الى مواد دستورية صريحة وواضحة، منها المادة ٣٧ التي تنص في فقرتها الأولى على إن "حرية الانسان وكرامته مصونة"، وفي الفقرة الثانية على ان "تكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني". فيما اكدت المادة ٣٨ بفقراتها الثلاث كفالة الدولة "حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل" وحرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر و"حرية الاجتماع والتظاهر". كذلك ما جاء في المادة ٤٢ من ان "لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة".
فمعارضة أيّ من السياسات او مشاريع القوانين او أيّة إجراءات تمس بالحريات او تقيدها، هي حق مشروع، ويتوجب على الحكومة والدولة ومؤسساتها والقضاء ومجلس النواب توفير كل الضمانات للممارسة الفعلية لهذا الحق، ووقف أي انتهاكات وتجاوزات من طرف اي جهة او جماعة سياسية، وتحميل من يقدم على ذلك كامل المسؤولية عن حياة وكرامة المواطنين، نساء ورجالا.
وان ما حصل من اعتداء جسدي ولفظي،على المجتمعين الرافضين للتعديلات المشوِّهة للقانون في النجف، وفي شارع الفراهيدي بالبصرة، هو تبرّم غير مقبول من الرأي الاخر المختلف، واعتداء مدان لا مبرر له، وانتهاك فظ لحقوق دستورية.
ولابد من الاشارة هنا كذلك الى ان الاعتداءات والطعون الشخصية واستحضار الماضي بصورة انتقائية، هي علامة ضعف وقصور حجة، وهي محاولة لصرف الانظار عن الصراع الفكري والاجتماعي والسياسي، الدائر حول القضايا الراهنة المتعلقة بتنظيم حياة المجتمع والاسرة، وبالحريات وحكم القانون والدستور والمرتكزات المدنية للدولة.
وكان بإمكان المتحمسين للتعديلات ان يقولوا كلمتهم سلميا، ويختاروا مكانا آخر بعيدا عن تجمع رافضيها، ويبتعدوا عن الالفاظ النابية التي يفترض الا تصدر عن أناس يدّعون التمسك بالفضيلة، وعن الاعتداء السافر على النساء العزل، الذي يُشين من أقدم عليه ويخزيه.
اما الشتائم التي اطلقت ضد حزبنا الشيوعي، فهي وللأسف عودة غير محمودة الى ما سبق وتأكد بآلاف الأدلة ضرره وبهتانه، وهي اعتداء وقح على حزب عريق ومناضل، قدم وما زال آلاف الضحايا من الشهداء والمفقودين والمغيبين، وهو حزب مجاز قانونيا ودستوريا. فاين الحكومة والقضاء من اعتداءات كهذه، ليس فقط على الحزب، بل وعلى هذه المؤسسات التي يفترض بها تطبيق القانون على الجميع؟
انها اعتداءات مرفوضة ومستنكرة، ونحن نحمّل مرتكبيها ومن يقف وراءها من افراد او جماعات، المسؤولية الكاملة عن هذا التطور الخطر، الذي يفند ادعاء القوى الحاكمة الحرص على الرأي والرأي الاخر، واحترام التعددية والديمقراطية. وان ما حصل كان اختبارا جديا لهذه المواقف، ولمدى تقبل الرأي المختلف، لاسيما وان رافضي التعديلات مارسوا حقهم الدستوري بكل انضباط وحرص.
واننا لنؤكد للمرة المليون بطلان هذا الممارسات، بغض النظر عن صراخ البعض وتلفيق التهم، فابناء شعبنا يعرفون جيدا من هو الحزب الشيوعي العراقي، ويعرفون مواقفه واحترامه لأتباع الأديان كافة، وحرصه الثابت على ضمان تأديتهم شعائرهم الدينية.
ولقد سبق لمثل هذا التجاوزات والتجاوزات ان جُرّب وعاد بالخزي على مرتكبيه، وهو بالقطع لم يُثننا سابقا عن مواقفنا وسياساتنا، ولن يزيدنا اليوم الا إصرارا على البقاء مع جماهير شعبنا الرافضة لتقييد الحريات، وتنميط الحياة، وتقزيم الديمقراطية، والنيل من المرأة وكرامتها وحقوقها، تحت أيّ مسمى كان، كذلك في الدفاع عن الكادحين والفقراء والمهمشين، والتصدي للفساد والمرتشين والفاسدين والسلاح المنفلت، والدفاع عن حقوق اغلبية العراقيين المكتوين بنار أزمات المحاصصة والطائفية السياسية، وطموحهم المشروع الى حياة آمنة وكريمة في عراق مستقل ومزدهر.
يمثل احتفاء الشيوعيين وأصدقائهم وسائر قوى الخير والحرية في بلادنا، بالعيد التاسع والثمانين للصحافة الشيوعية العراقية، وقفة وفاء لمسيرة مشرقة، عُمّدت بالتضحيات الجسام، دفاعاً عن إستقلال الوطن وسيادته وحريته وعن سعادة شعبه، ومن أجل إنتزاع حقوق الشغيلة والكادحين، وتأمين المطامح القومية العادلة للشعب الكردي ولكل القوميات المتآخية الأخرى، ولرفع الظلم عن المرأة وضمان مساواتها بالرجل. مسيرة لم تتوقف أو تنكفئ، لم تخنع أو تساوم، حتى باتت إيقونة للتواصل والعناد الثوري، دفاعاً عن العدل والحرية وعن كل ما يصون آدمية البشر.
فلم يكن قد مضى على ولادة حزبنا، الحزب الشيوعي العراقي، سوى عام واحد، حتى تبنى الرفاق الأوائل اصدار أول صحيفة عراقية شيوعية «كفاح الشعب» في 31 تموز 1935، والتي جرت طباعتها سرا في أقبية مستشفى السكك الحديد في منطقة الكرخ، وقدمت نفسها كلسان حال الحزب، وأداة فاعلة لتوطيد وحدته ولتعبئة جماهير الشعب في النضال لتحقيق اهدافها الوطنية والاجتماعية.
وحين شنت السلطات التابعة للمستعمر البريطاني هجمة القمع الشرسة على الحزب، واستشهدت صحيفته السرية الأولى، ولدت «الشرارة» في نهاية 1940، وبعدها «القاعدة» في مطلع العام 1943، ثم «اتحاد الشعب» في عام 1956 وأخيراً «طريق الشعب» في عام 1961.
واصدر الحزب، بالإضافة لصحفه المركزية هذه، عشرات الصحف والمجلات الاخرى مثل العمل، النجمة، الاتحاد، الأساس، شورش، العصبة، السجين الثوري، كفاح السجين الثوري، الفكر الجديد، آزادي، ريكاي كردستان، نهج الإنصار، والكثير غيرها، والتي دأبت كلها على قراءة الواقع وإعمال العقل فيه، وخلق علاقة متميزة مع الناس، وشكّلت نسغأ من الطاقة الإيجابية والثقة، زودت به الجماهير صحافتنا بالمواد وبشبكة من المتطوعين وبالقدرة على الصمود والتقدم، مقابل تنمية وترسيخ الوعي الوطني والطبقي، بما يمكّن الشعب من إدراك سبل الخلاص من التبعية والإستغلال والتمييز والظلم والعبودية.
واليوم، إذ تواصل صحافتنا الورقية والإلكترونية وكل أدواتنا الإعلامية، ذات المسار العذب رغم صعوباته، فإنهأ تؤكد قيمها الأصيلة في تبني المشروع الوطني الديمقراطي، والدفاع عن خلو أرض الوطن من أي تواجد عسكري أجنبي، وعن حرية الشعب وحقه في التمتع بثروات بلاده، وخلاصه من التمزق والإستقطابات الطائفية والإثنية، ومن ويلات الإرهاب وطغيان الفاسدين ومن الجوع والتخلف، وتمكينه من الحصول على الخدمات الأساسية وعلى العيش الكريم، وامتلاك القرار الوطني المستقل. ويحرص اعلامنا على الصدقية والمهنية والجرأة وتقصي الحقيقة وايصالها الى الرأي العام، بلغة وخطاب وآليات بسيطة، واضحة، مفهومة ومتاحة للجميع. ويعمل ايضاً على فضح المآسي التي جلبها نهج المحاصصة للبلاد، والنضال لدحر منظومة حكمه المتنفذة واحلال دولة مدنية ديمقراطية محلها، دولة تحترم الحريات وتكافح البطالة والفقر وتطلق تنمية مستدامة وتوفر فرص عمل حقيقية، وتتبنى سياسات اقتصادية ومالية سليمة، تُستثمر فيها طاقات الشباب ويُكافح عبرها الفساد ويعاد بها توزيع الثروة بعدالة تضمن مستويات معيشية مناسبة للمواطنين.
كما يكافح اعلامنا من أجل إحداث تغييرات اجتماعية، تؤمن حقوق الإنسان والمساواة للنساء وتكافح فيها الأمية ويجتث فيها العنف الأسري وافكار التطرف والكراهية والشوفينية والعنصرية والتعصب.
وفيما يواصل إعلامنا كفاحه من اجل التحديث والتنوير ورفع الوعي والتبشير بالفكر الاشتراكي والمثل الإنسانية وقيم الديمقراطية الحقة ودعم الثقافة الوطنية كرافعة ضد التخلف وفي سبيل التقدم الاجتماعي، يرفع صوته عالياً تضامناً مع الشعوب المكافحة في كل مكان، ولاسيما في الدول العربية الشقيقة وفي مقدمتها شعب فلسطين، ومع كل الأحزاب الشيوعية والعمالية واليسارية والتقدمية والوطنية والمدافعين عن البيئة والعدل والسلام في العالم.
اليوم، وكما في مثل هذا اليوم من كل عام، إذ يتوهج نقياً عيد الصحافة الشيوعية العراقية، ننحني لشهدائها الأماجد ولدمائهم الغالية، ونضع وروداً حمراء على قبورهم، وفاءً وعهداً على مواصلة المسار، ونتقدم بالتهاني لكل من ساهم ويساهم في وجودها واستمرارها ونجاحها.
يحل اليوم العالمي للبيئة هذا اليوم، الخامس من حزيران، وبلادنا في حالة يرثى لها على الصعيد البيئي.
فعناصر الحياة ومصادرها الاساسية من هواء وماء وتربة وغيرها، يسمّمها التلوث واسع النطاق وغير المسبوق ، ويحوّلها الى مصادر للامراض والاوبئة الفتاكة والتشوهات الولادية، والى عوامل اساسية في تردي جودة الحياة وتدهور ظروف العيش.
وتظهر المعلومات المتداولة ان التلوث الناجم عن انبعاثات عوادم السيارات ومولدات الكهرباء ومحطات الطاقة الكبرى والمنشآت النفطية والمعامل وسواها، وعن عدم معالجة مياه الصرف الصحي والمجاري ومياه المبازل والمصانع والمستشفيات، وعدم طمر او تدوير ومعالجة عشرات آلاف الاطنان من النفايات يوميا، وعدم الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والذي يسببه التجريف المتزايد للاراضي الخضراء وازالة الغطاء النباتي .. ان التلوث الناجم عن هذه وغيرها من العوامل يتفاقم باضطراد، وان تأثيره يتضاعف بفعل التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة وانخفاض مستويات هطول الامطار وشح المياه، وما يؤدي اليه هذا كله من جفاف وتصحر.
لكن الاخطر هنا هو ان هذه التطورات المثيرة لأشد القلق لا تقابلها اجراءات حكومية مناسبة، توقفها وتبدد مخاطرها.
فلا رقابة فعالة على مصادر تلوث المياه والهواء، او تنفيذا حازما للتشريعات التي تضع حدا للملوثات. ولا ادامة مناسبة لمحطات معالجة مياه المجاري القائمة وانشاء محطات جديدة تمس الحاجة اليها. ولا تحديث وصيانة للمنشآت والمصافي النفطية ومراقبة لانبعاثاتها الغازية. ولا تنظيم لعملية استيراد السيارات ومراقبة لانبعاثات عوادمها الضارة. ولا اهتمام جديا بحسم قضية الكهرباء والخلاص من المولدات الاهلية لتحسين جودة الهواء في المدن. ولا نظام فعالا يعالج قضية النفايات والمخلفات البلدية والصحية والتجارية وغيرها، او انشاء مواقع طمر صحية. ولا اهتمام بالتشجير لتعويض الاضرار التي يتعرض لها الغطاء النباتي المستباح. ولا .. ولا ..
ويحدث هذا وعندنا استراتيجية وطنية للحد من التلوث البيئي حتى عام 2030، لكنها وللاسف الشديد غير مفعّلة، أقرب الى حبر على ورق.
ويحدث هذا ولدينا حتى وزارة بيئة، لكنها وللاسف البالغ ايضا وزارة مهملة، غير سيادية، وزارة رقابة وبحوث لا وزارة قرار وتنفيذ، مجردة من الصلاحيات عمليا، وتعيش على فتات من التخصيصات المالية لميزانيات الدولة السنوية، وبضمنها الميزانية المقرّة قبل ايام.
لهذا يواجه بلدنا كارثة بيئية لا تبقي ولا تذر! بل هو اليوم في قلب هذه الكارثة، يصارعها وهو أعزل تماما من كل سلاح!
ولذلك نتوجه بالنداء الى كل المسؤولين والمكلفين رسميا والمعنيين بصورة او باخرى بهذا الملف الخطير، والى كل العراقيين المخلصين لوطنهم العزيز ، وندعوهم الى التحرك عاجلا لمواجهة المخاطر المحدقة به وبهم ولدرئها، ووضع البلاد على سكة السلامة والتغيير والتطور.
تثير جداول موازنة 2024 التي احالتها الحكومة قبل أيام إلى مجلس النواب، جدلا وانتقادات حادة من قبل نواب ومتخصصين. وصدر أكثر الانتقادات والتصريحات السلبية تجاه هذه الجداول، من اطرافٍ في تحالف الاطار الذي انبثقت عنه الحكومة الحالية. ويتركز أبرزها على التخفيض الكبير في تخصيصات الموازنة للمحافظات، مقابل زيادتها لبعض وزارات الحكومة الاتحادية، المعنية بتنفيذ مشاريع توصف بانها كبرى.
وصدرت عن الحكومة في الأيام الأخيرة بيانات توضيحية ردا على تلك الانتقادات، متضمنة معطيات تفصيلية تبين الحجم الفعلي لحصة المحافظات، وهي تزيد كثيرا على الأرقام المثبتة في جداول موازنة ٢٠٢٤ المقدمة الى البرلمان. فيما نشرت محافظات بيانات تشكو فيها من عدم تسلمها المبالغ المثبتة في موازنة 2023. أما الإقليم فاعلن قبوله بالجداول، لكنه أكد في الوقت نفسه ضرورة الالتزام بصرفها، وهو ما لم يحدث طيلة السنوات السابقة.
يؤشر هذا الجدل الأبعاد السياسية الضمنية الكامنة وراء هذا الصراع، والذي يتمظهر في توزيع التخصيصات بين الحكومة الاتحادية والمحافظات، فيما هو غير بعيد عن الحسابات المبكرة لانتخابات مجلس النواب القادمة.
ان الجوانب السياسية الضيقة للصراع، ينبغي أن لا تطغي على الخيارات الاقتصادية والاجتماعية، التي يفترض أن تعكسها بنية الموازنة ومقدار التخمينات المالية وأولوياتها.
ونشير هنا إلى تأخر الحكومة في ارسال الموازنة إلى مجلس النواب، على الرغم من ان تبني إقرار موازنة ثلاثية كان من اهم مبررات تجنب مثل هذا التأخير. كما أن سبب التساؤلات الكثيرة التي تثيرها هذه الجداول يعود إلى ضعف الشفافية في اعداد هذه الجداول، وضيق حلقة القائمين بإعدادها. يضاف الى ذلك انه كما في مشاريع قوانين الموازنات السابقة، لم ترفق أو لم تعلن في الأقل، الحسابات الختامية والمبالغ المصروفة فعلا من تخصيصات العامين المنصرمين، لكي لا تنحصر المناقشات بالتخمينات والأرقام التقديرية.
ثم أن جداول الموازنة تظهر استمرار المبالغة في ارقام التخصيصات، وما يلازم ذلك من ارتفاع متزايد في العجز وفي المبالغ المخصصة لخدمة الدين، وبما يفوق قدرة أجهزة الدولة التنفيذية الاتحادية والمحلية على انفاقها، لا سيما في شقها الاستثماري. كذلك يتواصل في موازنة 2024 التوسع في المصاريف التشغيلية، وفي اعداد الموظفين والمتعاقدين والمتقاعدين والمشمولين بنظام الرعاية الاجتماعية، ليزيد العدد الكلي على ثمانية ملايين شخص، ولتستحوذ الرواتب والاجور على اكثر من سبعين في المائة من الموازنة التشغيلية.
إن هذا التوسع وما يفضي اليه من ترهل في أجهزة الدولة، يتعارض مع أي منطق اقتصادي، ويشكل عبئا على الموازنة العامة تصعب استدامة تحمله، ويتحول إلى أزمة شديدة في حال تراجع أسعار النفط. وهذه حقائق معروفة للجميع، لكن العنصر الحاكم في اتخاذ مثل هذه القرارات سياسي، وهو يعكس فشلا في تحفيز الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية، في القطاعين الخاص والعام، القادرة على خلق فرص عمل حقيقية منتجة. ومن أسباب هذا التوسع الذي يشدد من الطابع الريعي الاستهلاكي للاقتصاد العراقي، استخدام موارد الدولة وعملية التوظيف وتوزيع الإعانات الاجتماعية لأغراض سياسية وانتخابية.
ولا تزال هيكلية الموازنة تعكس هزال حصة قطاعات الصناعة والزراعة والبيئة ، إذا ما استثنينا منها مبالغ شراء الدولة لمحاصيل الحنطة والشلب. كما انها تغفل التعامل مع مطالب شريحة المتعاقدين في وزارة التربية، وغيرهم من الموعودين بالتثبيت.
إن مراعاة التوازن والعدالة في توزيع التخصيصات بين المواطنين في المحافظات المختلفة أمر ضروري، كذلك الالتزام باولوية المحافظات التي تعاني من الفقر والمحرومية. وينبغي أيضا الانتباه إلى عدم تمدّد السلطة الاتحادية على صلاحيات السلطات المحلية في المحافظات، مع ادراكنا لما تشكله آفة الفساد من تهديد بالتهام جزء غير قليل من هذه التخصيصات، وهذا خطر داهم في المحافظات كما على المستوى الاتحادي.
ينعقد في الثالث من ايار القادم المؤتمر الرابع للتيار الديمقراطي العراقي في ظل ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية وامنية،داخلية وخارجية، بالغة التعقيد.
فعلى الصعيد الوطني آخذه بالتشكل ملامح و توجهات القوى المهيمنة على قرارات الدولة وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية، وما احدثته وتحدثه من فرز واستقطاب،وما تسببه من اثار سلبية على فئات واسعة من المجتمع ومنها تلك المهمشة والتي هي على خط الفقر أو دونه.
وعلى الصعيد الاقليمي والدولي، تستمر المجازر الوحشية الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني وسط تصاعد للقوى الرافضة للابادة الجماعية يقابله صمت رسمي ودولي يكتفي بالتفرج على شريعة الغاب والدوس على حقوق الانسان وفي المقدمة منها الحق في الحياة.
أمام هذه التحديات الكبرى والمسؤوليات الجسام الملقاة على عاتق الديمقراطيين العراقيين، ينعقد المؤتمر الرابع للتيار الديمقراطي والطموح في ان يلبي تطلعات المدنيين الديمقراطيين وتوقهم الى رص صفوفهم وتعزيزها وترصينها من اجل خوض صراع اجتماعي سياسي على وفق منهج ديمقراطي نستند اليه جميعا في عملنا التراكمي المفعم بالتضحيات ونكران الذات لبناء مستقبل البلد، ومستقبل الأجيال القادمة، حيث اثبتت هذه القوى ثباتها واصرارها على مواقفها المدافعة عن مصالح الشعب والوطن، وبالاستناد أيضا الى الدروس النستخلصة مو تجاربها بحلوها ومرها.
وعلى الصعيد الداخلي لعمل التيار، ومن أجل دحر منظومة المحاصصة الطائفية والقومية وشبكات الفساد واهدار المال العام وإعادة الحياة الى الانتماء على اساس المواطنة لا على تخندقات الهويات الفرعية، لابد من وضع برنامج عملي ملموس وواقعي يؤكد على تعزيز دور الشباب ومشاركتهم الفاعلة في مختلف نواحي وشؤون حياة البلاد من أجل بناء مجتمع عصري متطور، وهم يمثلون فيه النسبة الاكبر من قواه العاملة وموارده البشرية، وكذلك تمكين المراة لادواء دورها كاملا باعتبارها عنصرا رئيسيا في مقياس تطور أي بلد وعلى مختلف الصعد.
فيما تمس الحاجة الى احترام الاجتهادات السياسية في اطار عمل التيار الديمقراطي والالتزام بالمنهج الذي تأسس بموجبه التيار، وضرورة فهم التمايزات فيه بما يجعل الوحدة التنظيمية للتيار أكثر قوة وصلابة، وبما يستجيب لمتطلبات العمل الوطني والديمقراطي المشترك.
والتجربة تشير أيضا الى أهمية الانفتاح على القوى والشخصيات الديمقراطية المتطلعة لغد افضل، فبلدنا بطبيعته المدنية ينشد الحياة الديمقراطية التي لا بد من تنظيمها وفق أطر لتحقيق برامجها الداعية للتغيير. وفي هذا السياق تتجدد الدعوة الى الاكاديميين والمثقفين والشخصيات الديمقراطية ممن يؤمنون بالدولة المدنية الديمقراطية ان يكون لهم دور ملموس
وان يتحملوا مسؤوليتهم التاريخية في هذا الظرف المحتدم بالتحديات والعمل معا لبناء عراق ديمقراطي مؤسساتي يحترم الدستور والقانون وحقوق الانسان.
ومما له اهميته ان يتوقف المؤتمرون وهم يخوضون نقاشات جدية عند التحالفات الاجتماعية، والتواصل مع الفئات والشرائح الاجتماعية المتضررة والمتضررين من الفئات الوسطى جراء توقف آلاف المشاريع الصناعية والزراعية الإنتاجية وتأثير ذلك على ارتفاع معدلات البطالة وانتاج المزيد من الفئات المسحوقة وتعمق الهوة بينها وبين مجاميع تزداد ثراءً يوما بعد اخر.
وبالتأكيد ان السعي لانجاز هذه المهام يتطلب حراكا وعملا منتظما متسقا وضع جداول عمل بخطط وبرامج واقعية قابلة للتنفيذ.
ونحن نتجه لعقد المؤتمر الرابع للتيار الديمقراطي، يحدونا الامل المقترن بالعمل بأن تتسع مساحة عمل وتأثير الديمقراطيين وأنصارهم،كما ونوعا، في المحافل المختلفة من أجل عراق ديمقراطي ودولة مدنية حديثة وتحقيق أكبر قدر من العدالة الاجتماعية.
ونرى ان نجاح اعمال المؤتمر وخروجه بقرارات وتوصيات تعزز دور ومكانة التيار وقواه واحزابه وشخصياته، سيسهم في تشديد نضال شعبنا من اجل عراق جديد، خال من المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت، عراق السلام والاستقرار والسيادة الكاملة والحياة الكريمة.
النجاح لاعمال المؤتمر الرابع للتيار الديمقراطي العراقي.