تمر هذه الأيام الذكرى الخامسة والستون لانعقاد المؤتمر الاول لاتحاد الجمعيات الفلاحية في العراق يوم ١٥-٤-١٩٥٩، غداة ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة.
لقد عانى الفلاح والريف والقطاع الزراعي في العراق الامرّين بسبب من سيطرة الاقطاع والملاكين على مجمل الاراضي الزراعية الخصبة، فيما الفلاح لا يحصل من الناتج الا النزر اليسر الذي لايسد رمقه وعائلته، وهو مثقل بالديون بسبب نظام المحاصصة البغيض.
تضاف الى ذلك الاتاوات التي كان يفرضها عليه الاقطاعيون وسراكيلهم. كذلك كان مفروضاً عليه العمل في السخرة لدى الاقطاعين والمستعمر الانكليزي خارج عملهم كفلاحين في الارض.
كل هذا وغيره كان دافعا لاندلاع العديد من الانتفاضات الفلاحية، مثل انتفاضة ال ازيرج وانتفاضة فلاحي قلعة دزة وانتفاضة الشامية وغيرها، وكان أعضاء الحزب الشيوعي العراقي في الطليعة بين المنتفضين.
وبسبب هذه الحراك الاجتماعي وارتفاع مستوى الوعي، كان الفلاحون مهيأين تماماً بعد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة لخوض الصراع دفاعا عن مصالحهم الطبقية، وبالاخص بعد صدور قانون الاصلاح الزراعي رقم ٣٠ لسنة ١٩٥٨ حيث كانت الحاجة ماسة للادوات المساعدة لتنفيذ القانون. لذا كان ضروريا انطلاق العمل على تأسيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية في العراق. ولم يكن ذلك بمعزل عن دعم واسناد الفرق الشيوعية الارشادية، وزياراتها لكل الريف العراقي من شماله الى جنوبه.
انطلقت عملية تأسيس الجمعيات الفلاحية في كل القرى والارياف، وتوج ذلك بأنعقاد المؤتمر التأسيسي الاول للاتحاد يوم ١٥-٤- ١٩٥٩.
لقد لعب الاتحاد دوراً مجيداً في الدفاع عن مصالح الفلاحين بدءا من عضويته في لجان الاستيلاء والتوزيع ولجان حل المنازعات في الريف ، واسهامه في نشر التعاون بين الفلاحين وتأسيس مئات الجمعيات التعاونية، وفي المطالبة بتشييد البنى التحتية في القرى والارياف من طرق وجسور وقناطر ومدارس ومستوصفات. وكان ممثلوه يواصلون العمل مع الفرق الصحية الجوالة لمعالجة ضحايا الامراض المستوطنة، أضافة لدوره الفاعل في حل المشاكل الاجتماعية والعشائرية.
لكن كل هذا لم يدم طويلاً، حيث حصلت الردة الرجعية وتكاثرت محاولات الاستيلاء على الاتحاد من قبل اغنياء الريف وكبار الملاكين، الذين تحالفوا مع انقلابيي شباط الاسود عام ١٩٦٣ ، فيما قام البعث الصدامي بعد انقلابه الثاني بتحويل الاتحاد الى منظمة حزبية تابعة له. ورغم هذا بقيت العشرات من الجمعيات غير خاضعة له، تمارس عملها في الدفاع عن مصالح الفلاحين على الرغم من اقدام النظام المقبور على حل المزارع الجماعية والجمعيات التعاونية.
وبعد الخلاص من الدكتاتورية المقيتة عاد الاتحاد للعمل، وجراء صراع وتأثيرات القوى المتنفذة على قيادته شُلّ عمل الاتحاد المركزي. في حين تفرض التطورات الجارية وحالة التمايز الحاصلة في الريف ، وما حصل من الغاء الدعم المقدم للفلاح وللزراعة من الاسمدة والبذور وبعض المبيدات والعلاجات الحيوانية، وعدم تسديد أثمان محاصيل الفلاحين في وقتها المحدد عند تسليمها، إضافة لشح المياه … إن كل هذا وغيره يفترض وجود اتحاد قوي ومتماسك للدفاع عن مصالح وأراضي الفلاحين والمزارعين ومربي الحيوان، وعن البوادي العراقية التي استبيحت من قبل المتنفذين. كذلك اسهامه في تفعيل دور الفلاحين ونشر التعاونيات وإدخال التقنيات الحديثة في الزراعة والري ، وكل ما يسهم في تطوير القطاع الزراعي الوطني وزيادة إسهامه في تأمين السلة الغذائية للمواطنين.
ان الحاجة ماسة اليوم لوقف التدخلات في شؤون الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية من قبل المتنفذين والمؤسسات الحكومية والتشريعية، وللسماح له بأجراء انتخابات حرة ديمقراطية لاختيار قياداته من الجمعيات التعاونية الفلاحية وصولا الى المجلس المركزي. وان كوادر الاتحاد بما يمتلكون من التجربة الثرة الكبيرة مؤهلون لادارة شؤونه دون تدخلات وبعيدا عن صراع المصالح الضيقة.
ان الفلاح العراقي في عيده السنوي يستحق كل دعم واسناد ، فيما يبقى الريف بحاجة ماسة الى إعادة اعماره وتطوير قواه المنتجة المادية والبشرية.
مهّد رئيس مجلس الوزراء لزيارته الى واشنطن بنشر مقال بقلمه في مجلة الشؤون الخارجية الأميركية «فورن افيرز»، تناول فيه قضايا أساسية ومهمة وذات صلة ليس فقط بمستقبل العلاقة بين العراق والولايات المتحدة، بل وبالعديد من القضايا العقدية التي تشكل تحديات كبرى امام الحكومة والقوى السياسية الحاكمة، ومختلف الفعاليات السياسية والاجتماعية، والشعب العراقي بأطيافه كافة.
وفيما يخص العلاقة مع أمريكا، سيكون محورها الأساسي من وجهة نظر العراق، إعادة تنظيمها وترتيبها ليس فقط فيما يتعلق بتواجد القوات الأمريكية وقوات التحالف، وإنما ايضاً بإنهاء تداعيات وآثار الاحتلال ورفع مختلف أشكال التدخل والوصاية على الشأن العراقي في الميادين العسكرية والمالية، ولا يمكن الا الاتفاق على أهمية وضرورة ان تُبنى، كما مع بقية دول المنطقة والعالم، على أساس المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، واحترام سيادة العراق وقراره الوطني المستقل، ووقف اية تدخلات في شؤونه الداخلية، العسكرية وغيرها. وفي هذا الشأن لابد من السير بخطوات ملموسة وبتوجه واضح لتعزيز قدرات العراق وامكاناته على مختلف الصعد، بما يمكّن القوات العسكرية والأمنية العراقية من أداء مهامها الدستورية والقانونية في تحقيق الامن والاستقرار، وحماية السيادة والنظام الديمقراطي الاتحادي (الفيدرالي). وان تكون واضحة أهمية وضرورة الرفض التام لاي وجود عسكري أجنبي على أراضي وطننا، ومن اية جهة ودولة كان، وتجنيب بلدنا صراع المصالح الذي لا ناقة لشعبنا به ولا جمل.
وفي هذا السياق وفيما اشّر مقال رئيس الوزراء وجود السلاح خارج مؤسسات الدولة، وتعهد بمعالجة الامر بما يحمله من تعقيدات جمة، مؤكدا وجوب أن يكون التحكم بقرار الحرب والسلم بيد الحكومة والدولة حصرا، وهو امر سليم، تبقى خطوات وإجراءات تطبيق هذه الوجهة متواضعة جدا، ولم يمكن تلمس نتائج محسوسة وذات شان في هذا السياق حتى الآن، فضلا عن زيادة عديد التشكيلات العسكرية او شبه العسكرية واغداق الأموال عليها، ما يضع الحكومة ومختلف القوى ذات العلاقة امام تحد كبير واختبار لجديتها في رفع شعار حصر السلاح بيد الدولة.
وفي هذه الزيارة المهمة لابد ان تكون قضايا الشرق الأوسط على طاولة البحث، وبالذات العدوان الصهيوني المتواصل على الشعب الفلسطيني، والمطالبة الواجبة بالوقف الفوري لحرب الإبادة، وتوقف الولايات المتحدة الامريكية عن دعم الكيان الصهيوني وعدوانه المستمر، وان تتم تلبية حقوق الشعب الفلسطيني العادلة كاملة.
من جانب اخر وارتباطا بوضع بلادنا الداخلي ومسار الاحداث فيها، ذكر المقال ان امام العراق طريقا مليئا بالتحديات، وان من الواجب ولوج طريق التنمية، والاقدام على إصلاحات اقتصادية ومالية، وتعزيز حقوق الانسان، وتمكين المرآة، وتعزيز مباديء الحرية والديمقراطية، ومحاربة الفساد والإرهاب، وتنويع مصادر الدخل الوطني، وغيرها من القضايا.
ولا شك ان الحديث عن هذه القضايا المهمة واعتبارها تحديات امام الحكومة والقوى المشكلة لها والداعمة، يؤشر الحاجة الى معالجات جدية لها، ورسم خارطة طريق بتوقيتات محددة للتنفيذ والانتقال من مرحلة الى أخرى. فالكثير من هذه التعهدات جاء بها البرنامج الحكومي، لكن بعض جوانبها لم تنفذ، بل ويلاحظ نكوص وتراجع عنها واتخاذ قرارات تناقضها، خاصة ما يتعلق بالحريات العامة وتعزيز الممارسة الديمقراطية. وقد بالغ بعض المحافظات والوزارات كثيرا في إجراءاته ذات العلاقة، وعلى مرأى ومسمع من الحكومة والبرلمان، اللذين لم يحركا ساكنا للحفاظ على روح ومبادئ الدستور، ووقف هذا التقزيم التدريجي للديمقراطية تحت عناوين شتى.
وهنا يثار سؤال مهم يتعلق بالتحدي الأكبر كما نرى. إذ لا يمكن المضي قدما في تحقيق الوعود دون ادخال إصلاحات جدية وجوهرية على نهج إدارة الدولة وبناء مؤسساتها والتوجه الجدي نحو الخلاص من نهج المحاصصة، فمن دون ذلك لا يستقيم ولا يمكن وضع حد لتفشي ظاهرة الفساد في ظل تواضع الإجراءات بشأنها.
وتشير تجارب الشعوب الى أن مواجهة تحديات كالتي أشار اليها رئيس الوزراء، تتصل وثيقا بتعزيز مدنية الدولة، وترصين بناء مؤسساتها على أساس المواطنة والعدالة الاجتماعية.
هنا تكمن نقطة البدء والانطلاق، فما لم تتخذ خطوات واضحة جدية لإعادة توزيع عادل للدخل الوطني، وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية وتوفير الخدمات الأساسية، وبناء سلم اهلي ومجتمعي وطيد على اساس تعزيز هيبة الدولة وامكانية انفاذ القانون بالفعل على الجميع، تبقى الوعود وعودا.
ومن المؤكد ان تحقيق التعهدات أيضا لا يجمعه جامع مع أي مسعى لاحتكار السلطة، وتحويل تداولها السلمي الى تبديل لأدوار المتنفذين، وتضييق دائرة اتخاذ القرار الوطني.
ان اعلان التوجهات امر مفيد ومهم، لكن العبرة لا تكمن في حسن النوايا على أهميتها، وانما في ان ترى تلك التوجهات النور وتتحول إلى واقع ملموس ومعاش، وان تكون في خدمة المواطنين جميعا من دون تمييز.
احتفى الشيوعيون العراقيون واصدقاؤهم ومؤازروهم وكل الوطنيين والديمقراطيين أمس، الرابع عشر من شباط، بيوم الشهيد الشيوعي، الذي اقترن هذا العام، بالذكرى الخامسة والسبعين لإعتلاء قادة حزبنا الأماجد، يوسف سلمان (فهد) وحسين محمد الشبيبي (صارم) وزكي بسيم (حازم)، ارجوحة الأبطال بتحدي وشموخ نادرين، وبيقين لا يلين، من أن الشيوعية اقوى من الموت واعلى من اعواد المشانق، وأن درب الوصول لوطن حرُّ وشعب سعيد، لا بد أن يتعّمد بالتضحيات وتشرق عليه شمس عناد ثوري مضّمخ بالتضحيات.
لقد تواصلت في هذا الوطن المستباح، قوافل الشهداء، مذ بزغت في سمائه فكرة الحرية والعدالة، وسرت كشذى القداح بين فقرائه المستضعفين، ممهدة الأرض للربيع والمطر والروح للفجر القادم، تصارع طواطم العسف والإستغلال والإستبداد والتخلف، وتروي ظمأ المتعبين. قوافل لا تدفن في القبور، بل ترفرف كالغرانيق في الأعالي، واضحة كالحقيقة وعميقة لا تعرف الإنحناء وساطعة بوهج لا يخبو.
ولذا كان بديهياً أن ننحني دوماً، اجلالاً وافتخاراً بهم: سلام عادل وجمال الحيدري والعبلي وأبو العيس وجورج تلو وحسن عوينة وعبد الرحيم شريف ونافع يونس وعائدة ياسين وصفاء الحافظ وصباح الدرة ونجية الركابي وابو فرات وسعدون وحيدر القبطان وابو كريم وخضر كاكيل وسعيد متروك وكاظم الجاسم، والالاف من اعضاء وكوادر حزبنا، وان نستلهم من تضحياتهم وعطائهم، دروس الوفاء للراية التي أبقوها خفاقة، وأن نصونها حتى يطلع فجر الخلاص من العبودية والإستغلال وتعاد للبشر آدميتهم المستلبة.
كما كان منعشاً للروح الثورية ولا يزال، استلهام مأثرة فهد ورفاقه، في كل حياتنا ونضالنا، نحن الشيوعيين العراقيين، سواءً في بنائهم لحزب من طراز خاص، يقرن الكفاح الوطني بالنضال الطبقي، ويتصدر حركة الجماهير، والكادحون منهم بشكل خاص، من اجل حقوقهم وحرياتهم، يقودهم ويتعلم منهم ويمتزج بهم ولا يتخلى عنهم. حزب يدافع عن الهوية الوطنية الجامعة، ويكافح ضد التخلف والإستغلال وضد التبعية للإمبريالية وعولمتها المتوحشة، ومن أجل حرية البلاد وسعادة ابنائها، ويتضامن مع كل المضطهدين والمستعبدين في الأرض.
إن إستلهام تلك الدروس، في ظل المخاطر الجدية التي تهدد إستقلال العراق وسيادته الوطنية وأفاق تطوره وتطبيق الديمقراطية الحقة فيه، ومع قيام منظومة المحاصصة بالهيمنة على الدولة وتشويه مؤسساتها وحماية الفساد والفاسدين، والتماهي مع السلاح المنفلت، وتبني سياسات السوق المفتوحة ونزعة الليبرالية الجديدة، التي اضعفت الإنتاج الوطني وفاقمت التفاوت الاجتماعي وزادت من نسب العراقيين المكتوين بالفقر والبطالة وغياب الخدمات الأساسية، يضاعف الحاجة لتصعيد كفاحنا، نحن الشيوعيين وكافة الديمقراطيين والوطنيين، لإحداث التغيير الشامل. ويديهي أن يكون في مقدمة إشتراطات نجاح هذا الكفاح، تقوية تنظيم الحزب، وتعزيز صفوفه وترقية دوره وتوسيع دائرة صلاته وعلاقاته مع أوسع القطاعات الجماهيرية، وتقوية تحالف قوى التغيير الديمقراطية.
إن تواصل الحركات الاحتجاجية، ورفض اغلبية العراقيين لمنهج الحكم وآليات إدارة الدولة والفساد ونهب وهدر المال العام والمصاعب المعيشية التي يعانون منها والتدخلات الأجنبية الواسعة وتغييب إرادة الشعب وإصرار المتنفذين على التمسك بذات المنهج الفاشل، وعجزهم عن تقديم حلول لما راكمته حكوماتهم من مشاكل وخراب، لا بد وأن يحفّز كل الخيرين على التحرك من أجل أن يحقق الشعب غده الوضاء سلمياً وبأقل التضحيات، عبر نضال متعدد الاشكال وحراك جماهيري منظم، ومن خلال تجميع القوى المدنية والديمقراطية والوطنية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والشخصيات في تكتل وطني واسع، ومن أجل منع أية محاولات لحرف مسار الحراك أو تغييب جوهره الوطني، عبر تأجيج استقطابات طائفية واثنية، أو التهاون في التصدي لأية محاولات للقمع او تكميم الأفواه ومصادرة حق التعبير والتظاهر والاحتجاج المكفول دستورياً أو التهديد بعودة الإستبداد.
لتتضافر كل الجهود من اجل دحر منظومة المحاصصة والفساد وفرض إرادة الغالبية الساحقة من أبناء الشعب التواقة للتغيير، ولحياة أفضل يستحقونها.
في يوم الشهيد الشيوعي.. الخلود لشهداء حزبنا والحركة الوطنية.
في مثل هذا اليوم قبل 61 عاماً، نجحت قطعان من الذئاب البعثية والشوفينية، مستندة الى تحالف بغيض من بقايا الإقطاعيين والكومبرادور والبرجوازية العقارية والبيروقراطية العسكرية المشبعة بالفكر الرجعي والشوفيني، وبدعم وتمويل من الغرب الإستعماري، في اسقاط حكومة ثورة 14 تموز والسيطرة على السلطة، وتحطيم ما تحقق من إنجازات على صعيد الإستقلال السياسي والبناء الاقتصادي–الاجتماعي وضمان الحريات والعدالة الاجتماعية، وفي اغراق البلاد بحمامات دم راح ضحيتها الآلاف من خيرة ابناء شعبنا عربا وكردا وتركمانا وكلدو آشوريين، شيوعيين ووطنيين ديمقراطيين وتقدميين، وفي طليعتهم قادة حزبنا الأماجد سلام عادل وجمال الحيدري ومحمد صالح العبلي وحسن عوينة ونافع يونس ومحمد حسين أبو العيس وعبد الرحيم شريف وجورج تلو، وغيرهم الآلاف من كوادر الحزب واعضائه، ممن أبوا الا أن يفتدوا العراق بأرواحهم وأن يُّبقوا راية الحزب والشعب خفاقة على الدوام.
وبقيت أحداث الإنقلاب المشؤوم وتفاصيله محط شجب وادانة متواصلين من العراقيين وكل المدافعين عن الحرية والعدالة في العالم، وتحولت ذكراه الى فرصة مهمة للتعرف على دروسه والعبر التي تستقى منه، وأبرزها ما يختزنه شعبنا من طاقات ثورية، اشرق الكثير منها في المآثر التي إجترحها مقاومو المذبحة، وفي صمودهم بوجه أبشع أشكال القمع والتعذيب الوحشيين، وتمسكهم بالقيم التي حددت مسارهم الكفاحي المجيد.
كما أشارت تلك الدروس الى اهمية ادراك المخاطر التي ستحيق بالعراقيين، إذا ما مُزقت هويتهم الوطنية الجامعة وهُددت وحدتهم، واذا ما سُلبت ثروات وخيرات وطنهم وغابت العدالة عن توزيعها، وفي حال جرى التهاون مع أي إنتهاك لقيم الحرية والديمقراطية وشُوهّت مؤسساتها واضعفت قوة القانون وهيبة الدولة، وأفرغ التبادل السلمي للسلطة من محتواه الحقيقي.
كذلك بيّنت دروس شباط الأسود والسنون التي تلته، العوامل التي مكنت البغاة وأسيادهم المستعمرين من النجاح، وفي الصميم منها غياب وحدة قوى الشعب، والفشل في تطهير أجهزة الدولة من الفساد والفاسدين، وانفلات السلاح وعدم حصره بيد الدولة، وغياب مبدأ تكافؤ الفرص في كل مجالات الحياة.
ونحن إذ نستذكر مأساة شباط الأسود، وننحني تمجيداً لشهدائها، ونؤكد على التمسك بكل الأهداف الوطنية والطبقية التي ضحوا من أجلها، نعاهد شعبنا على مواصلة الكفاح من أجل تغيير موازين القوى لصالحه، وتحقيق التغيير الشامل وصيانة استقلال البلاد وإخراجها من الأزمة الشاملة التي تعيشها في ظل منظومة المحاصصة، ومن أجل إقامة نظام ديمقراطي إتحادي يطلق إستراتيجيات تنموية ويكافح الفساد والفقر والبطالة والأمية ونزعات العنف، ويحقق العدالة الاجتماعية.
وبديهي أن يتطلب ذلك تحركاً جاداً ودؤوباً من قوى شعبنا التي يهمها انقاذ الوطن مما هو فيه، وأن تعمل على تعزيز العمل الوطني والديمقراطي، وبلورة معارضة مدنية - ديمقراطية وشعبية واسعة لمنهج الحكم الحالي، ولمنظومة المحاصصة والفساد ونهجها، ولفتح الآفاق للسير على طريق التغيير الشامل وبناء دولة المواطنة والديمقراطية الحقة.
وفي هذه المناسبة نجدد، ومعنا كل الخيّرين من بنات وأبناء شعبنا، مطالبة الدولة العراقية، بسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، بإنصاف ضحايا 8 شباط، ورد الإعتبار القانوني والمعنوي لهم، وطرح سيرهم العطرة وبطولاتهم في الإعلام والمناهج المدرسية، لتتعلم الأجيال الشابة كيف إجترح أولئك البواسل مأثرة التصدي للفاشست، وكيف كانت أرواحهم ثمناً لنضال أسفر عن تخليص العراق من الطغاة في ما بعد.
لنهر الدمِ و الدموعِ اللذين روَيا ترابَ بلادنا.. نقول مجداُ وسلاما. للشهداء، إذ يشكلون للعراقِ ظلاً ونخيلاً، نقول مجدا وسلاما.
والخزي والعار للقتلة والمجرمين الطغاة، والظفر لأهداف شعبنا في الحرية والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.
حلّت يوم أمس الذكرى السنوية (١٠٣) المجيدة لتأسيس الجيش العراقي الباسل. وكما في كلِّ سنة حظيت هذه الذكرى باهتمام كبير، نظرا لمكانة ودور الجيش في الماضي والحاضر، ولما يقوم به من أداءٍ لمهامه المناطة به وفقا للدستور.
الاهتمام تخطى الجانب الرسمي إلى الشعبي، عاكسا الاعتزاز والتقدير لهذه المؤسسة الوطنية، ولما قدمت من تضحيات جسام في معارك شعبنا، وحديثا في إسهام الجيش في تحقيق الانتصار العسكري على داعش الإرهابي. ذلك الانتصار الكبير الذي يعود فيه الفضل أولا وقبل كل شيء إلى الشعب العراقي بجميع أطيافه، والى كلّ المقاتلين على اختلاف تشكيلاتهم، والى دعم وإسناد الهيئات والمرجعيات الدينية والأحزاب السياسية الوطنية.
واليوم أيضا تقوم أمام جيشنا، كما أمام التشكيلات العسكرية والأمنية الدستورية الأخرى، مهام كبيرة في مواصلة التصدي للإرهاب وتجفيف منابعه، والمساهمة في تحقيق الأمان والاستقرار لجميع المواطنين، والدفاع عن سيادة البلد واستقلاله وقراره الوطني المستقل، وفي تعزيز مقومات البناء الدستوري الاتحادي الديمقراطي.
ان المعركة ضد الإرهاب لا بدّ من مواصلتها حتى النهاية، وطيّ هذه الصفحة المؤلمة، وان يكون ذلك بمقاربات متكاملة سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية وثقافية وإعلامية.
ويجدر التذكير بانه بات ملحا القيام بالمعالجة الشاملة لكل ما خلفه تنظيم داعش الإرهابي، ويأتي في المقدمة إعادة النازحين والمهجرين إلى مناطق سكنهم ، وإعادة إعمار البلدات التي خربها الإرهاب ، وتقديم التعويض العادل والمجزي للمواطنين، فمن غير الإنصاف بقاء ملفات التعويض معلقة بعد كل هذه السنين منذ هزيمة داعش العسكرية وتحرير مدننا من رجسه وطغيانه. وأيضا لا بدّ من الكشف عن مصير كافة المغيبين قسرا والمخطوفين، وإطلاق سبيل من بقي على قيد الحياة منهم.
إنّ الدور الموكل الى جيشنا العراقي وغيره من القوى العسكرية والأمنية، الرسمية والدستورية، يتطلب إعادة بناء هذه المؤسسات وفق أسس تقوم على مبدأ المواطنة والعقيدة الوطنية، وإسناد المسؤوليات فيها الى العناصر المخلصة والوطنية والنزيهة والكفؤة، وإبعادها عن الصراعات السياسية والفاسدين، وعن كل ما يمت بصلة الى الولاءات الخاصة والطائفية والعشائرية والمناطقية، وان تكون حقا مؤسسات وطنية عامة لكل العراقيين، بغض النظر عن قومياتهم وأديانهم وطوائفهم. وان تتخذ كافة الإجراءات بما يجعل هذه المؤسسات، قولا وفعلا، بوتقة للوحدة الوطنية، لا يعلو فيها أي صوت للكراهية والبغضاء والتفرقة، وان تكون بعيدة عن اية نعرات طائفية وعنصرية وشوفينية.
ومن الضروري أيضا تنشيط وتفعيل العمل الاستخباراتي الوطني، والسعي على الدوام لتسليح الجيش وتزويده بأحدث التكنولوجيا والمعدات العسكرية، وبما يعزز من قدراته ويدعم أداءه مهامه الوطنية.
وان من شأن تحقيق مهنية المنظومة العسكرية والأمنية وتقيّد منتسبيها بمهامهم الدستورية، وحمايتها من التدخلات السياسية في شؤونها، كذلك تحقيق وحدة القرار الأمني والعسكري ومركزيته وحصره بالجهات المخولة دستوريا ووفقا لصلاحيات القائد العام للقوات المسلحة، من شانه ان يقود الى طمأنة المواطنين ويرفع من مناسيب الثقة بقدرة هذه المؤسسات على أداء المهام الموكلة اليها، ويسهم في استعادة الدولة هيبتها وسلطتها وإمكانية إنفاذ القانون.
إنّ تحقيق كل هذا وغيره، سيعزز إمكانات البلد في الدفاع عن نفسه وعن مواطنيه، وعن استقلال البلد وسيادته وحفظ حقوقه، وفي الانهاء العاجل لكل تواجد عسكري أجنبي على أراضي بلدنا.
وفي هذه المناسبة بات ضروريا أيضا التأكيد على اتخاذ إجراءات عملية وخطوات فعلية لحصر السلاح بيد الدولة، وعدم السماح للأحزاب والتنظيمات السياسية بامتلاك جماعات مسلحة تحت أي عنوان، والحؤول دون تجاوزها صلاحيات ومهام مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، والحلول محلها.
تحية إكبار واعتزاز الى جيشنا العراقي في ذكرى تأسيسه، وهو يستحق كل الدعم والإسناد، ومواصلة تعزيزه بالقدرات والإمكانيات، وتمكينه من أداء مهامه على أفضل وجه.