القوانين والتعليمات التي تُعتمد لا بد ان تنفذ في نهاية المطاف، والا ما الحاجة الى تشريعها وإقرارها. والمواطن معنيّ بكل اساسي فيها، فهو المستهدف أولا، ويفترض انها لمصلحته توضع وتُسن.
وهناك من هذه القوانين والتعليمات بل وحتى من التوجيهات والقرارات الرسمية، ما يمس مباشرةً حياة المواطنين ويُيسّر شؤونهم اليومية، ومنها مثلا حصولهم على الوثائق الرسمية التي تمس حاجتهم اليها ولا غنى لهم عنها.
فكيف للمواطن ان ينفذ تلك القوانين والتعليمات والتوجيهات، التي تصدرها وزارات ومؤسسات الدولة المختلفة، اذا لم يطلع عليها، بل ويتفاجأ بها عند توجهه الى هذه المؤسسة او الدائرة او تلك، لا سيما وانها في بلدنا دائمة التغيير ولا تستقر على حال، والبعض منها يخضع لأمزجة وارادة اصحاب القرار!
هذه المشكلة تسبب للمواطنين ارهاقاً وخسائر مادية، خصوصاً وان هناك من يبتزهم في كل زاوية ويطلب «المقسوم»!
السؤال : كيف السبيل الى اطلاع المواطنين على القوانين والتعليمات ولا سيما الجديد منها، وتنويرهم بمحتوياتها؟
على الرغم من مرور ثلاثة أشهر على إعلان رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، دخول قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال حيز التنفيذ، أكد نائب رئيس لجنة العمل ومنظمات المجتمع المدني النيابية، حسين عرب، أن القانون ما زال في انتظار إصدار تعليمات تنفيذه من قبل مجلس الدولة.
التأخير في إصدار التعليمات بشكل غير مبرر هو أمر يدعو للاستغراب، خاصة وأنه ليس بذلك التعقيد الكبير، كما أن البرلمان لم يشرع عددا كبيرا من القوانين حتى نجد العذر في الانشغال بإصدار تعليمات القوانين.
إن الإسراع في إصدار تعليمات تنفيذ القانون أمر لا مفرّ منه، وعلى الحكومة الإسراع في تنفيذ القانون والبدء بتسجيل العمال في صندوق الضمان الاجتماعي، وعدم الاكتفاء بالإعلان عن ذلك في وسائل الإعلام والتغاضي عن تطبيقه عمليا.
إن نفاذ القانون في مصلحة المواطنين والحكومة في نفس الوقت، فهي توفّر الضمان والأمان للعمال وتشجعهم على طرق ميادين العمل الأخرى وعدم اقتصار الأمر على التعيين في مؤسسات الدولة.
ونرى أن عملية تنفيذه لا تتطلب كل هذا التعقيد، الا ان كان هناك رأي آخر نجهله وغاية أخرى.
بعد أن وضع رئيس الوزراء الحجر الأساس لمدينة الغزلاني، إثر إحالتها كفرصة استثمارية في محافظة نينوى، تساءل أهالي المحافظة عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن المستفيدين من هذه المدينة؟ وهل ستذهب إلى مستحقي السكن الذين تضررت منازلهم خلال العمليات العسكرية إبان اجتياح تنظيم داعش الإرهابي لعدد من المحافظات في عام 2014، وبالتالي أضحوا بلا سكن؟ الى جانب أولئك الذين لا يملكون سكنا.
الأسئلة التي يطرحها المواطنون محقة في جوهرها، فماذا قدمت الحكومات العراقية للعوائل المتضررة؟ وما هي الخطة الموضوعة لمعالجة أزمة السكن في البلاد خاصة مع وجود 4679 تجمعا سكنيا عشوائيا يسكنها ما يقارب 3 ملايين و725 ألف نسمة في عموم العراق؟
بناء المدن والمجمعات السكنية يشكل خطوة طبيعية لتطوير المدن، ولكن التحدي الأكبر يبقى متعلقا بكيفية معالجة أزمة السكن وتوفيره للعراقيين باعتباره حقا أساسيا من حقوقهم. ومن غير المقبول استمرار الارتفاع الجنوني في أسعار الوحدات السكنية، الذي انعكس بدوره على أسعار الإيجارات التي أصبحت أكثر من رواتب فئات من الموظفين، وباتت عملية شراء عقار للفئات المتوسطة والفقيرة مهمة مستحيلة.
الحكومة مطالبة بتوفير سكن واطئ الكلفة إلى الطبقات والفئات الفقيرة والكادحة وذوي الدخل المحدود، وان تقدم الدعم المطلوب للحصول عليه.
أكدت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان أن بغداد شهدت خلال 23 يوماً فقط من شباط الماضي، 25 عملية اغتيال مؤكدة، و41 محاولة اغتيال فاشلة. فيما عرضت وسائل الإعلام والاتصال الاجتماعي، أخباراً وأفلاماً عن مواجهات مسلحة بين قوى عشائرية وفصائل وأفراد وعصابات، في مشاهد مثيرة لقلق ورعب المواطنين الآمنين.
ورغم ما خصصته الدولة من ميزانيات مالية هائلة للأجهزة الأمنية في البلاد، وما وفّرته من خبراء ومعدات وكاميرات مراقبة وأجهزة إنذار وترسانة استخبارية، تتواصل هذه الظاهرة وتشتد مخاطرها وتتسع دائرتها لتشمل مناطق محصنة أمنيا، من جرّاء تفشي السلاح المنفلت والفساد وتأجيج النعرات الطائفية والدينية والتعصب، فيما يعيش المتنفذون ويبثون ـ عمداً أو سهواً ـ الأوهام بأن كل شيء مستتب، في ظل عجز الحكومة عن التعامل الجدي مع هذه الظاهرة التي تتسع يوماً بعد اخر.
قبل انتهاء العام الماضي بأيام، اعلن وزير الداخلية ان أول آذار 2024 سيكون موعد اعتماد البطاقة الوطنية الموحدة مستمسكا رسميا وحيدا، فأربك حسابات المواطنين الذين ما زالوا يعتمدون الهوية الوطنية (الجنسية).
لكن البعض استغل قرار الوزير وجعله منفذا للفساد في بعض دوائر اصدار البطاقة الموحدة.
أمام أحد مكاتب معلومات البطاقة الوطنية ببغداد يصطف عرضحالجية عديدون، وما ان تمر أمامهم حتى تكتشف خدمات «الـ VIP»، التي يستعرضونها امام المارة بصوت مرتفع.
التسجيل على اصدار البطاقة الوطنية يتطلب من المواطن حجزا إلكترونيا. ومنذ صدور القرار والأمر يبدو مستحيلا، الا عند هؤلاء العرضحالجية الذين يضعون المراجع أمام طريقين اثنين: دفع 50 الف دينار لضمان التسجيل والحجز خلال شهر واحد، او دفع 150 الف دينار ليكون الاستلام خلال 24 ساعة.
لاحقا اصدرت الوزارة تنويها: في مطلع آذار سيوقف تعامل مؤسسات الدولة بالمستمسكات الورقية، وسيكون الاعتماد على البطاقة الوطنية حصرا». ومع هذا يستمر التزاحم على تلك الدوائر، فيضطر كثيرون للاستعانة بـالعرضحالجية لتدبير «الوطنية»، التي أضحت عبئا جديدا ضمن المعاناة اليومية للعراقيين.
نسأل السيد الوزير بالحاح: لمَاذا هذه التعقيدات امام الحصول على البطاقة الموحدة؟ وأين الأجهزة الرقابية في الوزارة وتوابعها، والنزاهة، عما يدفع الناس الى شراك الفساد، شاءوا أم أبوا؟