في مشهد بات يتكرر بصورة مقلقة، أصبحت قضايا النشر والإعلام في العراق تتحوّل تدريجياً من أداة قانونية للمساءلة والتنظيم، الى ساحة صراع سياسي بحت. حيث تُستثمر كسلاح للانتقام من أصحاب الرأي والصحفيين والمؤثرين.
ولا تقتصر الملاحقة على مواطنين عاديين، انما تشمل مؤثرين إعلامياً وناشطين يسعون لممارسة حقهم في النقد والمساءلة. وتكشف الوقائع أن هناك ازدواجية صارخة في التعامل مع القانون: فالمسؤولون وذوو النفوذ يحظون بحصانة وموارد تمكنهم من استخدام القضاء ضد خصومهم، بينما تُسوف أو تُغلق شكاوى المواطنين البسطاء، ما دفع المراقبين للتحذير من منحى خطير يكون فيه القانون أداة للضغط السياسي وتكميم الأفواه.
وفي هذا السياق، دعا عدد كبير من صناع الرأي، السلطة القضائية لوضع آليات واضحة تمنع استخدام القوانين لأهداف سياسية، وتحمي حرية التعبير والرأي، بما يضمن أن يبقى القضاء حصناً للنزاهة وليس أداة لتصفية الحسابات.
مسار خطير
يقول الأكاديمي محمد نعناع، إنه يواجه دعوى قضائية رفعها ضده النائب مصطفى سند، مؤكداً عزمه الدفاع عن نفسه امام القضاء، داعيا في سلسلة منشورات الرأي العام للوقوف والتضامن معه.
وأوضح نعناع، أنه سبق أن تقدم بشكوى ضد النائب نفسه لكنها لم تُحرَّك، بسبب تمتعه بالحصانة، مضيفاً انه "بما أنه بادر إلى تحريك دعوى قضائية ضدي، فقد لجأت بدوري إلى تفعيل الشكوى السابقة ضده أمام القضاء".
وأشار في حديث مع "طريق الشعب"، إلى أن قضايا الإعلام والنشر تحولت اليوم إلى أداة سياسية بحتة، بعدما صار القضاء يقبل دعاوى حتى على تعليقات بسيطة أو منشورات لا تتضمن أسماء، وهو ما جعلها وسيلة للتنكيل بأصحاب الرأي والمؤثرين إعلامياً ممن يختلفون مع السلطة أو مع بعض النواب والمسؤولين.
وبيّن نعناع أن "المواطن البسيط، أو حتى مجموعة من المتضررين، إذا أرادوا تقديم شكوى ضد نائب أو وزير أو مسؤول، فإن شكاواهم لا تتحرك وغالباً ما تُسوف أو تُغلق، بينما إذا قدم المسؤول نفسه شكوى ضدهم فإنها تتحرك بسرعة وتصدر بموجبها أحكام بالغرامات أو الحبس مع وقف التنفيذ، وأحياناً تُنفذ أحكام بالسجن لمدد قصيرة ثم يُصار إلى التنازل لاحقاً".
وتابع قائلاً انه "بهذا الشكل أصبحت القضايا تُستغل لتكميم الأفواه، وترافقها قسوة وتشديد غير مبررين. ونحن لا نتهم القضاء، لكننا نشكو من النفوذ السياسي المؤثر في مسار هذه القضايا".
وتمنى على إلى رئاسة مجلس القضاء الأعلى "الانتباه إلى خطورة هذا المسار، وألا تتحول هذه القضايا إلى أداة للنيل من أصحاب الرأي والمؤثرين إعلامياً بدوافع سياسية"، مؤكداً أن المطلوب "هو ضمان أن تكون المحاكم للفصل العادل لا لتصفية الحسابات".
وشدد على الحاجة إلى "تعزيز الوعي بخطورة استخدام القانون كوسيلة لكبت الحريات، وإلى دور فاعل من المنظمات الحقوقية لمتابعة هذه الملفات"، مبيناً أن "بعض الأطراف تسعى إلى تضخيم تعليقات بسيطة أو منشورات عادية وتكييفها على أنها إساءة أو تشهير، بينما الواقع مختلف تماماً".
وختم نعناع بالقول: "المفروض أن يكون القضاء الحصن الحصين للدولة والمجتمع. و ما يحصل اليوم من استغلال سياسي لهذه القضايا يُسيء إلى سمعته. نحن بدورنا نرفض أن تُلصق به هذه الشوائب، ونريد ان يبقى القضاء نزيهاً ومحترماً وبعيداً عن مهاترات السياسيين، وان يبقى الفيصل العادل في مثل هذه القضايا، لأنه إن لم يكن كذلك فلن ينصف أحداً".
عصا القانون
من جانبه، قال الحقوقي زين العابدين البصري إن استغلال الرأي العام للتنكيل بالخصوم السياسيين أصبح ظاهرة متكررة، حيث تقوم بعض الأطراف بتوظيف حالة الاستقطاب السياسي الحاد ضد معارضيها.
وأضاف في حديث لـ"طريق الشعب"، انه "على سبيل المثال، هناك أصوات شبابية تنتقد الأداء السياسي وتعارض الفئة المهيمنة على السلطة، لكن الأخيرة تحاول شيطنة هذه الانتقادات وتحويلها إلى صراع بين أقطاب متنافسة، قبل أن تنزلق الأمور إلى مربع خطير يتمثل في تشويه السمعة واستهداف الأشخاص في حياتهم الخاصة وأعراضهم وحرياتهم".
وأشار البصري إلى أن الأمر الأكثر خطورة "يتمثل في تعامل بعض النواب وممثلي السلطة التنفيذية مع النقد والصحافة وصنّاع الرأي العام بـ”العصا القانونية”، أي استخدام القانون كأداة ترهيب".
وتابع قائلاً: "ليس من المعقول أن يواجه ناشط أو صحفي دعوى قضائية لمجرد أنه وجه نقداً شديداً أو استخدم وصفاً قاسياً بحق مسؤول. حين يمتلك المسؤول سلطة ونفوذاً وحصانة وموارد وعلاقات، ويستثمرها لملاحقة مواطن أعزل، فإن المعادلة تصبح خطيرة، لأنها تضعف حرية التعبير وتقوّض مبدأ تكافؤ الفرص بين السلطة والمواطن".
وأضاف البصري أنه لا يمكن "تحميل القضاء وحده المسؤولية كاملة، كونه قضاءً إجرائياً غير اجتهادي لا يستطيع الخروج عن النصوص القانونية"، مشيراً إلى أن المشكلة الحقيقية "تكمن في غياب تشريعات عصرية تتوافق مع متطلبات النظام الديمقراطي".
وبيّن أن الفجوة بين الممارسات الديمقراطية وآليات عمل المؤسسات هي فجوة تشريعية بالدرجة الأولى.
وشدد في ختام حديثه على أن البرلمان، "الذي يفترض أن يشرّع قوانين تحمي حرية التعبير وتكفل ممارسة الرأي، يفرز للأسف طبقة سياسية غير مبالية بالقضايا الجوهرية، ما يؤدي إلى صدور مشاريع قوانين هشة لا ترتقي إلى بناء نظام ديمقراطي رصين يحترم الشعب ويحمي حقوقه".
القضاء ركيزة أساسية لضمان العدالة
من جانبه، أكد الخبير القانوني واثق الزبر أن الدستور العراقي والقانون يكفلان حق أي مواطن، دون استثناء، في إقامة الشكاوى والدعاوى ضد أي شخص، حتى لو كان رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو رئيس مجلس النواب، إضافة إلى وظيفته. هذا الحق متاح لجميع العراقيين بغض النظر عن مستواهم التعليمي أو وضعهم المادي والاجتماعي.
وأشار في حديثه مع "طريق الشعب"، إلى أن ما يُلاحَظ اليوم هو "إساءة استخدام هذا الحق من خلال دعاوى كيدية ضد الشخصيات الوطنية والاعلاميين وصنّاع الرأي العام، الذين يقتصر دورهم على النقد والمساءلة بشأن الأداء السياسي والقرارات العامة، دون أن يمسوا الحياة الشخصية للسياسيين أو ذويهم".
وأوضح أن تفسير حرية الرأي على أنها تهديد للنظام السياسي أو أداة للإطاحة به أمر خاطئ.
وطالب الزبر رئيس مجلس القضاء الأعلى بوضع آلية واضحة لتقنين الشكاوى والدعاوى، بما يضمن عدم استخدامها ضد الأصوات الحرة والوطنية".
ودعا الى " البت سريعا في الشكاوى الكيدية وغير المجدية وغلقها، و التمييز بين النقد السياسي المشروع والتشهير أو الإساءة الشخصية، اضافة لحماية الإعلاميين والوطنيين المعروفين بدفاعهم عن حقوق الشعب من أي تضييق قضائي".
ولفت الزبر إلى أن "استغلال بعض السياسيين لنفوذهم وحصانتهم وموارد الدولة في تحريك مثل هذه القضايا ليس مجرد إساءة استخدام للسلطة، بل يشكل أيضاً هدراً للمال العام، لأن موارد الدولة مُخصصة لخدمة المواطنين لا لملاحقة المعارضين أو الناشطين".
وأكد، أن القضاء العراقي "يظل ركيزة أساسية لضمان العدالة"، مشيراً إلى أن الفجوة الحقيقية تكمن في غياب تشريعات حديثة تتوافق مع متطلبات النظام الديمقراطي".
وأوضح أن مسؤولية البرلمان "تتمثل في سن قوانين متقدمة تحمي حرية التعبير وتضع حدوداً واضحة لإقامة الدعاوى، بما يمنع استخدامها كأداة لقمع الأصوات الوطنية".
وخلص الزبر الى القول: "نحن على ثقة بأن القضاء العادل سيبقى الملاذ الآمن لحماية حرية الرأي، وأن مجلس القضاء الأعلى قادر على معالجة هذه الحالة وإغلاق الباب أمام الدعاوى الكيدية التي تُستغل سياسياً لإسكات العراقيين الشرفاء".
تشهد السياسات المائية في العراق جدلاً متصاعداً مع تفاقم دخول البلاد مرحلة ندرة المياه وارتفاع الطلب على الموارد الطبيعية من قبل القطاعات المختلفة، وفي مقدمتها قطاع النفط.
إذ تعتمد الشركات النفطية على المياه العذبة في عمليات الاستخراج وحقن الآبار، ما أثار انتقادات واسعة بشأن استنزاف هذا المورد الحيوي على حساب الاستخدامات الزراعية والاستهلاكية للمواطنين.
وفي مقابل ذلك، تتجه الأنظار نحو مشاريع جديدة لنقل مياه البحر أو استخدام بدائل أخرى مثل استخدام المياه المالحة، والتي يحتاج قطاع النفط الى كميات هائلة منها.
هل تقلل استنزاف المياه العذبة؟
ووصف الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي فوز شركة هندسة وبناء البترول الصينية (CPECC) بعقد إنشاء مشروع أنابيب نقل مياه البحر في البصرة، بقيمة 2.524 مليار دولار، بأنه “خطوة مفصلية” في مسار تطوير قطاع النفط العراقي وتقليل الضغط على الموارد المائية العذبة.
وقال المرسومي، إن “مشروع إمدادات مياه البحر المشتركة يُعد الحجر الأساس في مشروع الجنوب المتكامل الذي تنفذه شركة توتال الفرنسية، ويستهدف تزويد الحقول النفطية في البصرة وميسان وذي قار بما يقارب 5 ملايين برميل يومياً من المياه لأغراض الحقن النفطي، على أن ترتفع الكميات لاحقاً إلى 7.5 ملايين برميل يومياً”.
وقال أن المشروع يمتد عبر شبكة أنابيب لا يقل طولها عن 1000 كيلومتر، وهو ما سيوفر بنية تحتية استراتيجية لدعم استمرار إنتاج النفط وزيادته في السنوات المقبلة.
وأشار المرسومي إلى أن “أهمية المشروع لا تقتصر على الجانب النفطي فحسب، بل تمتد لتشمل البعد البيئي والاجتماعي”، مبيناً أن “الاعتماد على مياه البحر يحد من استنزاف المياه العذبة، التي كانت الشركات النفطية تستخدمها بكميات ضخمة في عمليات الاستخراج، ما حرم المواطنين والزراعة من موارد حيوية، وأدى إلى تفاقم مشكلات الشح والتلوث”.
وأضاف أن “صحيفة الغارديان البريطانية كانت قد نشرت تقريراً صادماً كشف عن استخدام بعض الشركات العالمية مثل إيني وبي بي وإكسون موبيل ما يصل إلى 25% من المياه الصالحة للشرب لأغراض حقن النفط، إضافة إلى قيام بعضها ببناء سدود على قنوات مائية في البصرة لتحويل المياه إلى محطات معالجة تابعة لها، وهو ما فاقم من أزمة المياه وأثر سلباً على الصحة العامة”.
وشدد المرسومي على أن “التحول إلى مشروع مياه البحر سيُسهم في تقليل المخاطر البيئية والصحية المرتبطة باستخدام المياه العذبة، كما يعزز من استدامة قطاع النفط على المدى الطويل”.
حل جزئي يحمل مخاطر بيئية
من جهته، حذّر خبير السياسات المائية والتغير المناخي رمضان حمزة من أن اعتماد حقن المياه المالحة في آبار النفط، وإن كان يخفف الضغط على استخدام المياه العذبة في عمليات الاستخراج، يحمل مخاطر بيئية جدية على التربة والمياه الجوفية والزراعة.
وقال حمزة في حديث مع "طريق الشعب"، إن “المخاطر تكمن في ارتفاع ملوحة التربة نتيجة تسرب جزء من المياه المالحة من آبار الحقن، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور الأراضي الزراعية وضعف إنتاجية المحاصيل، فضلاً عن تراجع نوعية المياه الجوفية التي تعتمد عليها المجتمعات للسقي والشرب”.
وأوضح أن “المشاريع النفطية القائمة على الحقن بالمياه تؤثر بشكل مباشر على أزمة شح المياه في العراق، خصوصاً في مناطق الجنوب مثل البصرة، التي تعاني أصلاً من نقص حاد في المياه الصالحة للاستخدامات البشرية والزراعية”.
وبيّن حمزة أن استخدام المياه المالحة يُعد “إجراء تدبيري” في مواجهة استنزاف المياه العذبة، لكنه “ليس الحل النهائي”، لافتاً إلى أن هذا الخيار يخلق تحديات بيئية جديدة تتعلق بزيادة التملح، ما لم يترافق مع تقنيات معالجة دقيقة وإجراءات صارمة لمنع التسرب.
ودعا الخبير المائي إلى البحث عن بدائل أكثر استدامة، مثل استخدام مياه البحر المعالجة أو إعادة تدوير مياه الصرف الصحي، مشدداً على أهمية تحديث التشريعات الخاصة بتوزيع المياه بين القطاعات، وفرض رقابة حكومية صارمة على استهلاك الشركات النفطية.
كما شدد على ضرورة “إعداد سياسات مائية جديدة تضمن العدالة في توزيع الموارد، والاعتماد على بيانات شفافة حول الكميات المستهلكة، إلى جانب التعاقد مع شركات تمتلك تقنيات حديثة لمراقبة عمليات الحقن وتخفيف الأضرار البيئية المحتملة”.
ما هو الحل الأنسب؟
الى ذلك، عّد الخبير البيئي أحمد صالح نعمة أن حجم استهلاك المياه العذبة في قطاع النفط “مرتفع للغاية”، محذراً من أن استمرار اعتماد هذا المورد المحدود في عمليات استخراج النفط سيضاعف أزمة الشح المائي التي يعاني منها العراق.
وقال نعمة في حديث لـ"طريق الشعب"، إن “الاعتماد على المياه العذبة لحقن الآبار النفطية يمثل هدراً غير مبرر لمورد يعاني أصلاً من النقص الحاد، خصوصاً في محافظات الجنوب التي تشهد تراجعاً مقلقاً في مناسيب المياه وتملحاً متزايداً في الأراضي الزراعية”.
وأشار إلى أن “حقنها بالمياه المالحة خطوة نحو مغادرة هدر المياه، ولكن الحل الأنسب والأكثر جدوى بيئياً واقتصادياً يتمثل باستخدام مياه الصرف الصحي في عمليات الحقن”، مبيناً أن وزارة النفط كانت قد أجابت في وقت سابق على استفسارات الجهات البيئية بوجود إمكانية تقنية لحقن الآبار بمياه الصرف الصحي حتى وإن كانت غير معالجة بالكامل.
ولفت الخبير البيئي إلى أن هذا الخيار “يسهم في تقليل الضغط على المياه العذبة والمالحة كذلك، وفي الوقت نفسه يحدّ من الأثر السلبي لتصريف مياه الصرف إلى الأنهار والبيئة المحيطة دون معالجة”، مشدداً على ضرورة تبنّي خطط عاجلة لإعادة استخدام هذه المياه في القطاع النفطي بدلاً من هدرها.
وأضاف نعمة أن “اعتماد مثل هذه الخطط يتطلب تنسيقاً بين وزارتي النفط والموارد المائية، ووضع ضوابط فنية صارمة تضمن الاستخدام الآمن لمياه الصرف الصحي في عمليات الحقن، بما يقلل من المخاطر البيئية المحتملة، ويحقق توازناً في توزيع الموارد المائية بين القطاعات المختلفة”.
وأكد ضرورة ان "يكون التوجه الإستراتيجي نحو بدائل مستدامة، وفي مقدمتها إعادة استخدام مياه الصرف الصحي”.
تشهد مدينة بيجي في محافظة صلاح الدين كارثة صحية متفاقمة، مع تسجيل ارتفاع حاد في أعداد المصابين بمرض السرطان وأمراض الكلى خلال السنوات الأخيرة، وسط اتهامات مباشرة لمصفى بيجي والمنشآت الصناعية المحيطة بتلويث المياه والهواء.
كارثة صحية في بيجي
وقال الناشط ثابت عامر من محافظة صلاح الدين إن "قضاء بيجي شهد في السنوات الأخيرة ارتفاعا حادا في أعداد المصابين بمرض السرطان وأمراض الكلى، وهو ما أثار مخاوف واسعة بين الأهالي ودفع الناشطين إلى المطالبة بتدخل حكومي عاجل".
وأوضح عامر لـ "طريق الشعب"، أن "حالات السرطان في بيجي لم تتجاوز قبل عام 2014 نحو 100 حالة، لكن الأرقام بدأت ترتفع بشكل كبير بعد عودة الأهالي إلى مدينتهم عام 2017، حيث سجل عام 2019 نحو ألف وخمسمئة حالة، وقفز العدد في عام 2022 إلى أكثر من ألفين وأربعمئة حالة، بينما تظل إصابات أمراض الكلى بلا إحصائيات دقيقة رغم انتشارها الواسع".
وبين عامر أن "هناك ثلاثة أسباب رئيسة لهذا التدهور الصحي، أولها تلوث المياه الصالحة للشرب بمخلفات مصفى بيجي المحملة بمواد كيميائية من دون أي عمليات تنقية أو معالجة. وثانيها تلوث الهواء الناتج عن حرق نفايات المصفى وما تحويه من مواد مسرطنة، وثالثها اختلاط مياه المجاري الثقيلة بمصادر مياه الشرب القادمة من جهتي قرية البعيجي وقرية جريش".
وأكد أن استمرار هذه الأوضاع يمثل كارثة صحية حقيقية تهدد حياة السكان، مطالباً الحكومة ووزارتي الصحة والبيئة باتخاذ خطوات عاجلة لوقف التلوث، ومعالجة المياه، ومراقبة جودة الهواء والماء، فضلاً عن إنشاء مراكز متخصصة لعلاج المرضى داخل القضاء.
المشكلة قائمة منذ 1980
من جهته، قال قائمقام قضاء بيجي، عادل أحمد القيسي، إن "مشكلة التلوث في المدينة ليست جديدة، بل تعود جذورها إلى عام 1980 منذ إنشاء مصفى بيجي ومحطات الطاقة الحرارية ومصانع الزيوت النباتية المحاذية لنهر دجلة"، مشيراً إلى أن "هذه المنشآت تفرز مخلفاتها في مجرى مائي قريب".
وأضاف القيسي لـ"طريق الشعب"، أن "مديرية بيئة صلاح الدين، بالتعاون مع بيئة المصافي ولجنة مختصة من المصفى، أخذت عينات من هذا المجرى وتم تحليلها، ليتبين وجود مواد كيميائية تُستخدم في معالجة الغاز السائل داخل المصافي بغرض التمييز والرصد أثناء الاستعمال المنزلي".
وتابع، أن نتائج التحاليل ستعرض خلال الأيام المقبلة، معرباً عن أمله في أن يتم اتخاذ خطوات عملية لمعالجة الوضع. كما انتقد غياب المراكز الطبية المتخصصة لعلاج مرضى السرطان في محافظة صلاح الدين، مبيناً أن المفترض كان على وزارة النفط إنشاء مركز طبي خاص لمعالجة أهالي بيجي وموظفي المصفى في حي المصافي، إلا أن الواقع الحالي يضطر المرضى إلى السفر إلى أربيل أو السليمانية أو كربلاء لتلقي العلاج، وهو ما يثقل كاهلهم ويؤخر فرص شفائهم.
وعبّر القيسي عن غضبه وقلقه الشديدين من الارتفاع المخيف في حالات السرطان وأمراض الكلى داخل القضاء، حيث ارتفعت الإصابات من 100 حالة قبل عام 2014 إلى أكثر من 2400 حالة بحلول عام 2025، وسط غياب المعالجات الحقيقية، مشيرا الى أن "السبب الرئيس لهذا التدهور الصحي هو التلوث المباشر للماء والهواء جراء مخلفات المصفى وحرق نفاياته، إضافة إلى اختلاط مياه المجاري الثقيلة بمصادر مياه الشرب، ما جعل صحة الأهالي في خطر دائم".
وطالب القيسي الجهات الحكومية المختصة بالتحرك الفوري لإيقاف مصادر التلوث، ومعالجة المياه، ومراقبة جودة الهواء وإنشاء مراكز علاج عاجلة، محملاً السلطات المعنية المسؤولية الكاملة عن أرواح سكان القضاء.
مطالبة بخطة عاجلة
بدوره، بيّن الطبيب الاختصاص من محافظة صلاح الدين، مصطفى العبيدي، إن "التلوث الصناعي يشكل واحدا من أخطر المهددات للصحة العامة، إذ يؤدي تعرض الإنسان المستمر للمواد الكيميائية والملوثات الناتجة عن المصانع والمصافي إلى زيادة معدلات الإصابة بالسرطان، وأمراض الجهاز التنفسي، والفشل الكلوي".
وقال العبيدي لـ"طريق الشعب"، أن "هذه المواد المسرطنة لا تختفي بسهولة من البيئة، بل تتراكم في الماء والهواء والتربة، ومن ثم تصل في النهاية إلى أجسادنا عبر الشرب أو الغذاء أو الاستنشاق".
وأضاف أن "الأمراض السرطانية، وخاصة سرطان الثدي والمعدة، شهدت ارتفاعا في مناطق الدجيل وبلد جنوبي صلاح الدين في السنوات الأخيرة بنسبة تصل إلى 30 في المائة، مع تزايد مطرد في أعداد الإصابات".
ونبه الى ان "الضرر تضاعف بسبب عدم وضعف جاهزية المستشفيات المحلية، حيث يفتقر الكثير منها إلى الأجهزة المتخصصة والكادر الطبي المدرب للتعامل مع هذه الحالات المعقدة، مما يضطر المرضى إلى السفر لمسافات طويلة بحثا عن العلاج. هذا التأخير في التشخيص والرعاية يزيد من خطورة المرض ويقلل من فرص الشفاء".
وزاد العبيدي بالقول إن "حماية صحة المواطنين تتطلب خطة عاجلة لوقف مصادر التلوث الصناعي، ومعالجة المياه والهواء، إضافةً إلى الاستثمار الجاد في تطوير وبناء المستشفيات المحلية، حتى تكون قادرة على تقديم الرعاية الطبية المتخصصة في مناطق التأثر المباشر".
وشدد على أن "ملف الأمراض السرطانية يحتاج إلى دراسة معمقة وتقديم إجابات علمية دقيقة من أجل تحديد الأسباب المباشرة والسعي لاحتوائها، خاصة أن أعداد الإصابات ليست قليلة، وقد سببت معاناة قاسية لعشرات الأسر".
مع إعلان قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، انسحابها من مناطق وسط وغربي البلاد، باتجاه الاراضي السورية واقليم كردستان، يكون العراق قد دخل مرحلة مفصلية، بعد سنوات من الوجود العسكري الأجنبي الذي ارتبط بمواجهة تنظيم "داعش" ودعم القوات العراقية. غير أن هذا الانسحاب تحيط به جملة من الظروف والتحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، التي تجعل المشهد أكثر تعقيداً.
فعلى الصعيد الأمني، ما يزال خطر عودة الخلايا الإرهابية قائماً، في ظل هشاشة بعض المناطق الحدودية، وتعدد الفصائل المسلحة خارج أطار الدولة. أما سياسياً، فهناك إرادات ومطالب متناقضة بين من يريد إنهاء أي وجود أجنبي، ومن يرغب في استمرار التعاون الأمني والاستخباري مع المجتمع الدولي. يضاف إلى ذلك البعد الإقليمي، إذ يتقاطع ملف الانسحاب مع صراع النفوذ بين الولايات المتحدة وإيران على الساحة العراقية، وما يفرزه من اصطفافات داخلية.
وعلى المستوى الاقتصادي، يواجه العراق تحدي بناء قدراته الذاتية في مجال الدفاع والتمويل، في وقت تتأثر موازنته بضغوط مالية وتذبذب أسعار النفط. ومع أن الحكومة تؤكد أن الانسحاب يمثل خطوة نحو استعادة السيادة الكاملة، إلا أن الطريق أمام عراق مستقر ومستقل في قراره السياسي والأمني ما يزال محفوفاً بالعقبات.
وبدأت، يوم أمس، قوات التحالف الدولي، بالانسحاب من مواقعها داخل العراق. ووفقاً للسفارة الامريكية، ان "التحالف الدولي في العراق سينتقل إلى شراكة أمنية ثنائية".
نستطيع التصدي للإرهاب
من جهته، أكد المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، صباح النعمان، يوم امس، أن "انسحاب قوات التحالف من العراق أحد إنجازات الحكومة"، فيما أشار الى أنه مؤشر على قدرة العراق على التصدي للإرهاب.
وقال النعمان في تصريح صحفي، تابعته "طريق الشعب" إن "انسحاب قوات التحالف مؤشر على قدرة العراق على التصدي للإرهاب وحفظ الأمن والاستقرار من دون الحاجة إلى مساعدة آخرين".
وقالت السفارة الامريكية في بغداد، أمس ان "انحساب التحالف لا يعني نهاية عمله لهزيمة تنظيم داعش الارهابي، إذ سيواصل جهوده المدنية بقيادة مدنية على المستوى العالمي"
وأضافت، أن "المهمة التالية للتحالف في العراق ستنتقل إلى شراكة أمنية ثنائية أكثر تقليدية"، ولفتت الى ان "العمليات العسكرية والخطط ستحال الى وزارة الدفاع".
ضرورة تعزيز القدرات
أما المختص في الشؤون الاستراتيجية عباس الجبوري، فقد حذر من تداعيات الانسحاب المرتقب لقوات التحالف الدولي من العراق، والمقرر في أيلول المقبل، مؤكداً أن "الخطوة تمثل محطة حساسة وسط التطورات الإقليمية المتسارعة".
وقال الجبوري، إن "الانسحاب لا يعني فراغاً كاملاً، لكنه قد يؤدي إلى إضعاف القدرات الاستخبارية والدعم الجوي الذي كان يوفره التحالف للقوات العراقية"، وشدد على ضرورة "تعزيز القدرات الوطنية والاعتماد على اتفاقات ثنائية مدروسة مع دول صديقة".
وتابع الخبير، ان "العراق يقف اليوم أمام مفترق طرق: إما استثمار الانسحاب لتعزيز السيادة وإثبات جاهزية القوات الأمنية، أو مواجهة خطر استغلال الفراغ من قبل فلول الإرهاب أو الأطراف غير المنضبطة، خصوصاً مع تصاعد التوتر الإيراني – الإسرائيلي وانعكاساته على المنطقة".
ونبه الجبوري الى ان "انسحاب التحالف قد يشكل فرصة تاريخية لتعزيز السيادة العراقية، لكنه في الوقت نفسه ينطوي على مخاطر جدية إذا لم يتم الانتقال بشكل منظم ودقيق يجنّب العراق الانزلاق في صراعات المحاور"، لكنه رهن الحفاظ على الاستقرار الداخلي بـ"ضبط السلاح خارج إطار الدولة، وتوحيد القرار الأمني، وتأمين المنشآت الحيوية والحدود، لاسيما في المناطق التي ما تزال تشكّل ممرات محتملة لبقايا تنظيم داعش".
واتساقا مع ما ذهب اليه الجبوري، أكد الخبير الأمني عدنان الكناني أن "وجود جهات خارج إطار الدولة، يمثل خطراً كبيراً، لذا يجب أن يعود السلاح إلى سلطة الدولة".
وقال الكناني في حديث لـ "طريق الشعب"، أن امتلاك أطراف وجماعات أسلحة ثقيلة خارج سيطرة الدولة، قد يؤدي إلى صراعات شديدة تشبه الحرب بين دولتين، ما يهدد الأمن والسلم المجتمعي ويترتب عليه سقوط ضحايا من المدنيين.
واضاف الكناني، أن الانسحاب الأمريكي يمثل مكسباً مهماً لتلك الجماعات، إذ سيسمح لها بزيادة نفوذها في العراق دون ممانعة تذكر. كما سيسمح الانسحاب الأمريكي بتمدد عمليات الفصائل المُسلّحة، لا سيما في مجال نقل الأسلحة والصواريخ عن طريق العراق.
ورأى أيضا أن الانسحاب الأمريكي من العراق، قد يشكل فجوة أمنية؛ ستنتج عن فارق القدرات التكنولوجية التي توظفها القوات الأمريكية في العراق؛ إذ تمتلك الولايات المتحدة قدرات استخباراتية وقدرات استطلاع مُتطورة تسمح لها بمراقبة خطر تنظيم داعش وتوجيه ضربات استباقية له. على أن هذه الفجوة من المرجح أن تكون وقتية إلى حين تمكن القوات الأمنية من بناء القدرات الخاصة بها للتصدي لتنظيم داعش، إلا أن ذلك مرهون في المقام الأول بتركيز هذه القوات، على محاربة تنظيم داعش.
أولى المراحل
وانطلقت اول مراحل انسحاب قوات التحالف، باتجاه الأراضي السورية، يوم امس، وفقاً لمصدر امني، اكد "المباشرة بتحرك أول رتل أمريكي خرج من قاعدة عين الأسد (في محافظة الأنبار) ويضم شاحنات تحمل مركبات عسكرية".
وأضاف المصدر، أن التحرك يمثل المرحلة الأولى من الانسحاب، ويعتقد أنه ستكون وجهته باتجاه الأراضي السورية.
وقاعدة عين الأسد، هي ثاني أكبر القواعد الجوية في العراق، وهي مقر قيادة الفرقة السابعة بالجيش الأميركي.
وفي السياق، أكد حسين علاوي مستشار رئيس الوزراء، ان "الحكومة ملتزمة بالمنهاج الحكومي عبر بناء القوات المسلحة وإنهاء مهام التحالف، ونقل العلاقات الأمنية مع دول التحالف الدولي إلى علاقات دفاعية ثنائية مستقرة، تحكم في ضوء العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية، وبالتالي تنفيذ الاتفاق بين العراق ودول التحالف الدولي ماضٍ نحو الأمام".
تعاون أمني وتقني
إلى ذلك، أكد الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، أن "انسحاب القوات القتالية أو ما يُعرف بفيلق المستشارين من القواعد العسكرية العراقية، سيُعيد صياغة طبيعة الوجود الأميركي في البلاد، نحو مهمة تقوم على التعاون الأمني والتقني والمعلوماتي، إضافة إلى التدريب والتسليح".
ولفت الى أن "ذلك سيعزز المستوى القتالي لدى القوات الأمنية العراقية". وفي ذات الوقت شدد على ان "وزارة الدفاع العراقية لا تزال بحاجة إلى التسليح والتطوير والتجهيز والتدريب، فضلاً عن الاستفادة من القدرات التقنية والمعلوماتية والجهد الفني والجوي عند الضرورة".
رغم محاولات الإصلاح المتواصلة، لا تزال العلاقة بين المواطن والنظام المصرفي تعاني من أزمة ثقة متجذرة، تُعبر عنها معدلات الاكتناز المرتفعة التي تُبقي أكثر من 80 في المائة من الكتلة النقدية خارج الدورة المصرفية، بحسب تقديرات رسمية.
تنوع السوق المصرفية
يقول المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، د. مظهر محمد صالح، أن أزمة الثقة بين المواطن والقطاع المصرفي ليست وليدة اللحظة، بل هي متجذرة في التاريخ المالي للبلاد، مشيراً إلى أن "نحو 80 إلى 90 في المائة من الكتلة النقدية لا تزال متداولة خارج النظام المصرفي الرسمي".
ويضيف صالح في حديث خص به "طريق الشعب"، أن "أحد أبرز الأسباب وراء هذا الوضع هو الانقسام الواضح في السوق المصرفية، حيث تنقسم إلى ثلاثة أطراف رئيسية: المصارف الحكومية، والمصارف الأهلية، والمصارف الأهلية ذات الشراكات الأجنبية"، مشيرا إلى أن "بعض هذه المصارف تعرضت سابقًا لعقوبات أو مقاطعات، ما أدى إلى زيادة حالة الانقسام داخل القطاع".
ويبين أن "هذا التعدد والانقسام أضعف من فاعلية النظام المصرفي"، مؤكدا أن "الإصلاح المصرفي اليوم يجب أن يركز على توحيد الجهود وخلق سوق مصرفية موحدة، تقوم على أسس تنافسية عادلة ورؤى مشتركة بين جميع أطراف السوق".
ويشدد المستشار على أهمية توظيف التكنولوجيا المالية بالشكل الصحيح من خلال ما يُعرف بـ "الفنتك، لتوسيع الشمول المالي وتمكين الفئات الهشة والفقيرة من الوصول إلى الخدمات المالية"، مشيرا الى أن "هذه الفئات تضطر حاليا إلى اللجوء إلى الأسواق الموازية للاقتراض بأسعار فائدة باهظة، قد تصل إلى أكثر من 30 في المائة، بل وقد تتجاوز 70 في المائة سنويا في بعض الحالات"، وهو أمر وصفه صالح بـ"غير المعقول والمكلف للغاية".
ويشير إلى أن "المصارف الرسمية، سواء الحكومية أو الأهلية، تقدم خدمات مالية بفوائد معروفة ومعقولة، ما يجعل الكلفة على المقترض أقل بكثير". لكنه أقر في الوقت نفسه بأن هذه المصارف مطالبة أيضًا بتطوير أدائها وزيادة ثقة المواطن بها، من خلال تحسين الخدمات وتبني سياسات أكثر شفافية وكفاءة.
ويخلص صالح الى القول إن "الإصلاح المصرفي المطلوب يرتكز على ثلاثة محاور رئيسية: إنهاء الانقسام داخل القطاع المصرفي الأهلي، ردم الفجوة بين المصارف الأهلية والحكومية، وأخيرًا، توحيد السوق المصرفية ضمن إطار تنافسي مشترك.
نظام "عقيم"!
من جهته، يذكر المحلل الاقتصادي حسنين حسن، أن "النظام المصرفي في العراق، بخاصة الحكومي، يعاني من حالة من العقم وعدم الفاعلية"، مشيراً إلى أن "فوضى المراجعات وعدم التنظيم في المصارف أسهمت في ترسيخ صورة نمطية سلبية حول مدى أمان هذا القطاع".
ويعزو حسن في حديث لـ "طريق لشعب"، فقدان ثقة المواطنين بالمصارف الى "عملية تغيير سعر الصرف والحملات المتتالية، التي شملت آلية صرف الدولار وصعوبة استرداد الودائع"، معتقدا أن "هذه المشاكل تفاقمت مع المخاوف من احتمال فرض عقوبات أمريكية على النظام المصرفي في العراق بين فترة وأخرى".
ويجد ان "هذه العوامل مجتمعة خلقت جوا من عدم الاطمئنان لدى المواطنين، ما دفعهم إلى اعتبار بيوتهم المكان الأكثر أمانًا لحفظ أموالهم، بدلاً من إيداعها في المصارف".
إعادة هيكلة القطاع المصرفي
فيما يتحدث الخبير الاقتصادي عبد الرحمن الشيخلي عن "انطلاق خطة إصلاح شاملة يقودها البنك المركزي العراقي، تهدف إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي وفق المعايير الدولية، وذلك بالتعاون مع شركة "Oliver Wyman" العالمية".
ويقول الشيخلي لـ "طريق الشعب"، إنّ الخطة تمتد حتى العام 2028، وتُنفذ على مراحل نصف سنوية، وتشمل المصارف الخاصة التجارية والإسلامية، التي ستكون أمام ثلاثة خيارات الاستمرار مع الالتزام الكامل بالمعايير المطلوبة، أو الاندماج مع مصرف آخر، أو التصفية الطوعية والانسحاب من السوق.
ويضيف أن البنك المركزي يفرض رسوماً غير قابلة للاسترداد على المصارف التي تختار الاستمرار أو الاندماج: 2.4 مليون دولار سنوياً لحالة الاستمرار، و1.2 مليون دولار في حال الاندماج، بينما تُعفى المصارف التي تقرر التصفية الطوعية من أية رسوم.
مؤسسات غير مستقرة
ويفسّر الناشط السياسي علي القيسي، مشكلة فقدان الثقة بين المواطن العراقي والمصارف بأنها "ليس مجرد خلل إداري أو تقني، بل هو نتاج مباشر لتدهور المنظومة السياسية المتنفذة التي انعكست على جميع مفاصل الدولة، بما في ذلك النظام المصرفي".
ويقول القيسي لـ "طريق الشعب"، أن "الفساد المستشري، وغياب الشفافية، والصراعات السياسية التي عطلت بناء مؤسسات مستقرة، كلها عوامل ساهمت في ترسيخ قناعة لدى المواطن بأن المصارف، شأنها شأن باقي المؤسسات، غير موثوقة، وغير قادرة على ضمان حقوقه المالية".
ويبين بالقول "حين يرى المواطن أن بعض المصارف تُغلق فجأة بسبب عقوبات خارجية أو شبهات فساد، وأن الوصول إلى أمواله قد يتطلب أسابيع من الإجراءات، فمن الطبيعي أن يفضل الاحتفاظ بنقده في بيته على أن يغامر به داخل مصرف غير مستقر".
وطبقا للقيسي فإن "غياب الإصلاح السياسي الحقيقي وانعدام المحاسبة، جعل من النظام المصرفي مرآة للفوضى السياسية، وهذا ما أضعف دورة المال في السوق، وقيد حركة الاقتصاد الوطني".
ويختتم القيسي حديثه قائلاً: "إذا أرادت الدولة إعادة الثقة بالنظام المصرفي، فعليها أولاً إصلاح النظام السياسي ومحاربة الفساد بجدية، ثم التوجه نحو تحديث البنية المصرفية، وتحقيق الشمول المالي كجزء من استراتيجية شاملة لإعادة بناء العلاقة بين المواطن والدولة".