يشهد العراق تصاعداً في درجات الحرارة، يقابله تدهور بيئي ملحوظ، تزامنا مع تصاعد درجات الحرارة لأكثر من 40 مئوية، في تراجع المساحات الخضراء، تجريف الأراضي الزراعية، ونقص الموارد المائية، فكل هذه العوامل تسهم في تفاقم الاحتباس الحراري. ويرافق هذه المشكلات ارتفاع في معدلات التلوث وزيادة في الاعتماد على المولدات الأهلية، ما يزيد من التحديات الاقتصادية والبيئية التي تهدد حياة الناس.
وتشير التقارير إلى أن درجات الحرارة في العراق ارتفعت بمقدار 4 إلى 5 درجات مئوية فوق المعدل خلال العقود الخمسة الماضية، ما يزيد من الحاجة الملحة إلى الكهرباء لتشغيل أجهزة التبريد والتكييف.
مناطق السهل الرسوبي
وأرجع المتنبئ الجوي صادق عطية، الموظف في الهيئة العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزالي، سبب تسجيل مناطق جنوب العراق أعلى درجات حرارة خلال الصيف، إلى مجموعة من العوامل الطبيعية والبشرية المتشابكة. وقال عطية لـ "طريق الشعب"، أن طبيعة التضاريس تلعب دوراً مهماً، إذ أن معظم مناطق الجنوب لا يتجاوز ارتفاعها عن سطح البحر مترين أو أقل، في حين ترتفع المناطق الشمالية، لاسيما الجبلية منها، إلى عدة كيلومترات فوق مستوى سطح البحر، مما يجعل الجنوب أكثر عرضة لظواهر ارتفاع الحرارة مقارنة بالشمال.
وواصل عطية حديثه، أن "هذه المناطق قد تشهد أحياناً موجات من الرطوبة المرهقة، وذلك عند تحول الرياح إلى جنوبية شرقية قادمة من مياه الخليج العربي.
وأكد عطية أن استمرار التدهور البيئي يسهم في تفاقم هذه الظواهر، إذ تعاني البلاد من تراجع المسطحات الخضراء وتجريف الأراضي الزراعية، فضلاً عن انخفاض منسوب المياه، مما يحرم المناطق من عناصر طبيعية كانت تخفف من حدة الحرارة في السابق. وخلص الى ان "هذه العوامل مجتمعة تمثل سبباً رئيسياً في ارتفاع درجات الحرارة المتطرف الذي تعيشه مناطق الجنوب العراقي، خاصة خلال الفترة الممتدة من مطلع حزيران وحتى نهاية أيلول".
حملات تشجير غير مجدية
من جانبه، حذّر عضو مرصد العراق الأخضر المتخصص بشؤون البيئة عمر عبد اللطيف، من أن فصل الصيف بات يشكل تهديداً متزايداً للعراق في ظل تفاقم مشكلات الجفاف، والنقص الحاد في الموارد المائية، وتراجع الحزام الأخضر، إضافة إلى تجريف البساتين والأراضي الزراعية.
وقال عبد اللطيف في حديث لـ"طريق الشعب"، إن موسم الصيف بات يمثل وبالاً على العراقيين بسبب ارتفاع معدلات الجفاف، مشيراً إلى أن العراق يعاني من نقص كبير في المياه، ما يجعل من هذه الأزمة واحدة من أكبر التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه البلاد.
وأوضح عبد اللطيف أن حملات زراعة الأشجار لا تحقق نتائج مستدامة بسبب غياب مصادر مياه قريبة تضمن بقاء الأشجار على قيد الحياة، ما يؤدي إلى هلاكها.
وأضاف أن "أي حملة للتشجير يجب أن تسبقها دراسة شاملة لتوفير المياه، مشدداً على أن "الاعتماد على حملات تشجير غير مدروسة يفاقم المشكلة بدل أن يحلها".
كما دعا عبد اللطيف إلى فرض عقوبات صارمة على قاطعي الأشجار، سواء في المشاريع الاستثمارية أو في المزارع، محذراً من خطورة اتساع رقعة التصحر الذي، بحسب إحصاءات وزارة التخطيط، أصبح يشمل نحو 60 في المائة من مساحة الأراضي العراقية، وسط مخاوف من امتداده إلى مناطق أخرى مع استمرار فقدان الغطاء النباتي وشح المياه.
وأكد عبد اللطيف، أن معالجة أزمة التصحر والتغير المناخي تتطلب تعاوناً مشتركاً بين عدة وزارات، وليس وزارة البيئة وحدها، مشيراً إلى ضرورة تكاتف جهود وزارات الزراعة والموارد المائية والجهات الأخرى ذات الصلة، لوضع خطة طارئة وعملية للحد من هذه الظواهر البيئية الخطرة.
مشاريع سكنية تأكل الساحات الخضراء
فيما حذّرت الناشطة البيئية نجوان علي من تفاقم التغيرات المناخية في العراق، مشيرة إلى أن عدد السيارات في العراق، والذي يتجاوز سبعة ملايين، إلى جانب المصانع والمولدات، يفرز ملوثات يومية تفاقم الأزمة.
وأضافت أن "تراجع المساحات الخضراء لصالح المشاريع السكنية يزيد من ظاهرة ارتفاع الحرارة، مع غياب الأشجار المعمرة القادرة على مقاومة التلوث".
وأشرت عدم وجود "موقف حكومي واضح في ملفات المياه والبيئة والكهرباء"، معتبرة انها "غير جادة في وضع حلول لهذه المشاكل التي بدأت تتفاقم في السنوات الأخيرة".
يتزامن عيد العمال العالمي هذه السنة مع الذكرى السنوية العاشرة لتشريع قانون العمل في العراق، وهي مناسبة استثنائية يراجع من خلالها الناشطون في قطاع العمال ما قدمه القانون من امتيازات، والاخفاقات التي أدت الى عدم تطبيقه وانفاذه بالشكل المطلوب، فضلا عن استمرار الانتهاكات التي يتعرض لها العمال في القطاعين العام والخاص.
انقسامات ومسؤوليات!
عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، علي صاحب، قال ان "هناك إشكالية حقيقية في انفاذ قوانين العمل والضمان الاجتماعي. ولغاية هذه اللحظة وزارة العمل لم تحقق شيئا كبيرا في هذا الجانب. كما ان لجان التفتيش ما زالت اعدادها محدودة، وهذا ما يؤثر على تطبيق قانون العمل".
وأضاف، ان "الشركاء الاجتماعيين لوزارة العمل يتحملون جزءا من هذه المسؤولية. كما ان نقابات العمال ـ برغم ظروفها وانقساماتها ـ تتحمل جزءا آخر، إذ يمكن لها بذل جهد أكبر من اجل إنفاذ قانون العمل والضمان الاجتماعي ومتابعة ذلك".
أزمة حقيقية وغياب المعالجات!
وأشار صاحب الى إشكالية حقيقية تتعلق بالقرارات والتعليمات التي تصدر بعد القانون. كما لا يجري حساب الأثر المترتب على عدم تنفيذ القانون.
وتابع ان الاحتجاجات التي تدشن في قطاعات عدة تعكس مدى الغبن الذي يتعرض له العمال والشغيلة سواء في القطاع العام أم الخاص، على مستوى الموظفين أو الحرفيين وغيرهم، منبها الى أن "عدم توفر الحلول والمعالجات يحول تلك الاحتجاجات الى حركة جماهيرية واسعة".
ودعا عضو المكتب السياسي الى أن يكون هناك حراك جماهيري واسع للمطالبة بتغيير ظروف العمل وتحسينها: "وهنا يتطلب من القوى الاجتماعية والطبقية ان تقود هذا الحراك وان تكون مؤثرة فيه، وداعمة ومساندة له".
أفضل التشريعات ولكن!
من جانبها، قالت الناشطة العمالية منال جبار، ان "مناسبة الأول من أيار ـ عيد العمال العالمي تمر هذه السنة بالتزامن مع مرور عقد كامل على تشريع قانون العمل العراقي، الذي كان من بين أفضل التشريعات القانونية التي أنصفت العمال وحقوقهم، وتضمن الكثير من المواد التي توفر الحماية القانونية للعمال وخاصة للمرأة العاملة".
وأضافت، انه "بمناسبة مرور عقد كامل على تشريع القانون الذي نص على حقوق ومكتسبات قانونية للمرأة خاصة، نتساءل: هل فعلا هذا التشريع أدى المهمة التي شرع من اجلها؟ للأسف لم ينفد القانون حتى الآن، وهنا تكمن المشكلة، فالواقع يعطي مؤشرات مختلفة عن الهدف الذي جرى التشريع من اجله؛ فالمرأة تعاني من تهميش وتمييز وزيادة ساعات العمل غير مدفوعة الاجر".
ضعف قانوني وإعلامي
وأشارت الى ان "المرأة العاملة لا تفصح عن الانتهاكات التي تتعرض لها أمام لجان التفتيش التي يكون أعضاؤها من الذكور عادة، وذلك لتجنب الحرج الاجتماعي"، مردفة "هذا إن وصلت لجان التفتيش إليهن أصلا!".
وتابعت ان "هناك مشكلة لدى الاتحادات والنقابات المعنية برصد الانتهاكات وتوعية العمال بالجهات التي يلجؤون اليها حتى يحصلون على حقوقهم او دفع الانتهاك عنهم. كذلك الجانب الإعلامي يشهد ضعفا كبيرا، كون الكثير من العمال والعاملات لا يعرفون حقوقهم، وهم بحاجة الى تبني اعلامي واسع وإطلاق حملة كبيرة يستفيد منها العمال والعاملات، بطريقة سهلة وسلسة".
وبيّنت الناشطة النقابية، ان "الكثير من النساء الحوامل يجري الاستغناء عنهن في سوق العمل بمجرد معرفة بدء فترة الحمل. هناك أصحاب عمل يأخذون تعهدات على النساء العاملات بعدم الحمل أثناء فترة العمل. هذا انتهاك صارخ للخصوصية بحق النساء العاملات".
العطلة للموظفين لا للعمّال!
رئيس اتحاد نقابات عمال النجف احمد عباس، ذكر ان "عيد العمال العالمي والذي يعد يوما عالميا للعمال للاحتفاء بالمنجزات التي حصلوا عليها، ويعتبر عطلة رسمية، الا انه للأسف الشديد نرى في العراق عموما، وفي محافظة النجف على وجه الخصوص، العمال يعملون في هذا اليوم، من اجل قوتهم اليومي، كون رب العمل لا يوافق على منحهم إجازة العطلة، اضافة الى ان هناك عمالا إذا لم يعملوا لن يحصلوا على قوت يومهم، فيما نجد الموظف يتمتع بعطلة ليست عطلته، وهذا غير منصف بحق العمال".
وتابع، انه "من جانب آخر نجد هناك العديد من القوانين التي شرعت ومنها (قانون العمل رقم 37 وقانون التقاعد والضمان الاجتماعي)، ولكنها لم تطبق او تفعل بشكل صحيح حتى هذه اللحظة. ولا يوجد اي شيء يخدم العامل ويضمن حقوقه ويحافظ على سلامته او يوفر الحياة الكريمة لعائلته، كون القوانين معطلة، وهي حبر على ورق".
وأضاف انه "بالنسبة لعمال الاجر اليومي في القطاع العام وبالأخص العاملين في البلديات (عمال التنظيف)، فان اجورهم لا تتجاوز 200 ألف دينار. بينما المقر رسميا يكون اقل اجر 350 ألف دينار"، مبينا انه "في القطاع الخاص سنجد الايدي العاملة الأجنبية تفوق الواقع والخيال وفي اغلب مجالات العمل، وهي ايدي اجنبية غير شرعية، وتحظى بدعم من شخصيات حكومية او رجال دين، على حساب الايدي العاملة العراقية التي وصلت البطالة فيها الى أكثر من 40 بالمئة، وغالبيتهم من الشباب، وهذا الامر أدى الى مزاولة أنشطة أخرى ومنها بيع المخدرات والتسول، ناهيك عن حالات الانتحار".
ولفت عباس الى ان "اخر ما حدث هو بيع وايقاف عمل المعامل التابعة الى وزارة الصناعة وتسريح اعداد من العمال، وعدم إعطائهم مستحقاتهم"، داعيا الحكومة المحلية في محافظة النجف الى "الالتفات إلى شريحة العمال، والعمل على زيادة أجورهم، وتوفير فرص عمل للعاطلين منهم، وإصدار قرارات داعمة لتنفيذ القوانين الضامنة لحقوقهم، وبالأخص قانون التقاعد والضمان الاجتماعي".
في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها القطاع الزراعي في العراق، تحدث عدد من الفلاحين لـ "طريق الشعب" عن معاناتهم المستمرة بسبب الظروف الصعبة التي يمر بها هذا القطاع، مشيرين إلى غياب الدعم الحكومي الفعلي، بالإضافة إلى جملة من المشاكل الأخرى مثل نقص المياه، وارتفاع تكاليف الزراعة، ومنافسة المنتجات المستوردة التي تؤثر سلباً على قدرتهم على تسويق محاصيلهم. كما عبّروا عن استيائهم من الخطط الزراعية غير الكافية التي تضعها الحكومة، فيما طالبوا بتعديل القوانين الزراعية وتوفير الدعم اللازم لضمان استدامة الزراعة وتحسين أوضاعهم المعيشية.
قانون الإصلاح الزراعي
قال الفلاح شمخي جبوري من محافظة ذي قار، إن القطاع الزراعي يواجه العديد من التحديات في الصيف المقبل، مشيرا إلى أن "هناك تحديات موضوعية وذاتية ستؤثر على الخطة الزراعية في هذا الموسم، من بينها الجفاف وقلة المياه.
وأضاف جبوري في حديث لـ "طريق الشعب"، أن الحكومة الحالية والحكومات السابقة، أهملت الفلاح تماما من حيث توفير الدعم الدائم وحماية الإنتاج الزراعي.
وتابع "لقد شهدنا أيضًا تجاوزات في تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي، وما يحدث الآن من صعوبات في العمل الزراعي يمكن أن يُعتبر متعمدًا. العديد من المسؤولين في هذا القطاع لا يبدون اهتمامًا حقيقيًا بتحقيق مصالح الفلاحين".
وفيما يتعلق بالصعوبات التي يواجهها الفلاحون في الزراعة، قال جبوري: "من أكبر المشاكل التي نواجهها هي المنافسة من المحاصيل المستوردة، التي تجعل الفلاح يتردد في بذل الجهد في الزراعة والانتاج، رغم أن هذه المحاصيل تتطلب وقتاً وجهدًا كبيرين".
لا يوجد دعم كاف
وفي حديث عن التظاهرات التي شهدتها مناطق الفرات الأوسط مؤخراً، ذكر الفلاح حامد رزاق من محافظة واسط: أن الخطط الزراعية الموضوعة للفلاحين لا تتناسب مع حجم الأراضي التي يملكونها، مشيراً إلى أن الفلاحين يحصلون على دعم غير كافٍ مقارنة مع تكلفة الزراعة.
وقال رزاق لـ "طريق الشعب": في البداية كانت لدينا مطالب بحقوق الفلاحين، وكانت المشكلة الأساسية تكمن في الخطط الزراعية. حيث تم تحديد دعم بنسبة أقل من 20 في المائة، وهذا يعني أن الفلاح الذي يمتلك مساحة 35 دونمًا يحصل على خطة لدعم سبعة دونمات فقط، بينما بقية الأرض لا يتم دعمها بشكل كافٍ، ما ينعكس سلبًا على دخل الفلاحين.
وأضاف، أن التظاهرات التي اندلعت في مناطق متعددة من الفرات الأوسط كانت نتيجة للضغط الكبير الذي يعاني منه الفلاحون بسبب ضعف الدعم الزراعي، لافتا إلى أن الفلاحين في الكوت والزبيدية وغيرهما من المناطق كانوا قد نظموا احتجاجات ضد هذا الوضع، لكن الخلافات بين الحكومة المحلية والوزير المعني بمشاريع الزراعة أدت إلى تعقيد الأمور أكثر.
وبين ان "الحكومة المحلية تقول إن مسؤولية الوزارة هي التي تمنعنا من الحصول على حقوقنا، والوزير في المقابل يلقي اللوم على المحافظات. وفي النهاية، نحن من ندفع الثمن".
جهات متنفذة تسيطر على الأراضي
وركز حديثه على أن الفلاحين في مناطق مثل واسط يعانون من سيطرة بعض الجهات المتنفذة على الأراضي الزراعية، وهي مشكلة متأصلة منذ العهد السابق. "الأراضي الزراعية كانت تحت سيطرة النظام السابق، وهذه السيطرة لا تزال قائمة حتى بعد سقوط النظام، حيث تسيطر جهات متنفذة على الأراضي، بينما يبقى الفلاحون الفقراء محرومين من حقوقهم".
وأشار رزاق إلى ضرورة تعديل قانون الإصلاح الزراعي، موضحًا أن القانون الحالي لا يخدم الفلاحين بشكل جيد، مطالبا بـ"إجراء تغييرات لضمان توزيع الأراضي بشكل عادل بين الفلاحين، لا سيما أن هناك فجوة كبيرة بين كبار المزارعين والفلاحين الفقراء".
واختتم رزاق حديثه بالتأكيد على ضرورة تطبيق قانون الإصلاح الزراعي بشكل صحيح يضمن توزيع الأراضي بشكل عادل بين جميع الفلاحين، مع التأكيد على أهمية توفير الدعم الزراعي الكافي والعدالة في توزيع الموارد.
خطة لا تلبي الطموح
وفي السياق، قال الفلاح علي عبد الله، أحد الفلاحين في محافظة الديوانية، إن معاناة الفلاحين في العراق تتفاقم بسبب غياب الدعم الحكومي الفعلي، إضافة إلى الأوضاع الصعبة التي يعانون منها في ظل الخطة الصيفية التي لا تلبي احتياجاتهم الحقيقية.
وأضاف عبد الله لـ" طريق الشعب"، قائلا "نحن كفلاحين نعاني من غياب الدعم الحكومي الذي كان من المفترض أن يساعدنا على تحسين إنتاجنا الزراعي، ولكن في الحقيقة الدعم لا يصل إلينا بالشكل المطلوب. الخطة الصيفية التي وضعتها الحكومة كانت مبهمة وغير واضحة، ما أثر بشكل كبير على الموسم الزراعي. على سبيل المثال، لم يتم تأمين ما يكفي من المياه أو الأسمدة التي يحتاجها الفلاحون، وهو ما أثر على جودة المحاصيل".
وأوضح عبد الله أن الفلاحين يعانون أيضًا من منافسة المنتجات المستوردة التي تغرق الأسواق بأسعار أقل، ما يجعلهم غير قادرين على تسويق محاصيلهم. وقال: ان "المنتجات المستوردة تأتي بأسعار أقل من أسعارنا، ما يجعلنا غير قادرين على بيع محاصيلنا بشكل جيد. هذا يسبب لنا خسائر كبيرة، بينما لا نجد أي دعم حكومي لمساعدتنا في مواجهة هذه المنافسة غير العادلة".
وأشار إلى أن هذا الوضع يهدد بقاء العديد من الفلاحين في العمل الزراعي، قائلاً: "إذا استمر الوضع على هذا النحو، سيضطر الكثير منا إلى ترك الزراعة والانتقال إلى أعمال أخرى، لأنه ببساطة لا يوجد أي أفق لتحسين أوضاعنا الزراعية".
وفي ختام حديثه، طالب عبد الله الحكومة بالتحرك لتوفير الدعم الكافي للفلاحين، وحماية المنتج المحلي. كما دعا إلى تحسين الخطط الزراعية وتقديم دعم فعلي يضمن للقطاع الزراعي الاستمرار والنمو.
تعيش العاصمة بغداد على وقع أزمة عقارية غير مسبوقة، حيث تتصاعد أسعار العقارات بوتيرة "خرافية"، وسط تحذيرات من تحول المدينة التاريخية إلى سلعة بيد مافيات اقتصادية وسياسية. وفي ظل غياب التخطيط الحضري، وتهالك البنى التحتية، وارتفاع تكاليف المعيشة، تتفاقم معاناة المواطنين، الذين وجدوا أنفسهم بين مطرقة الفقر وسندان سوق عقاري منفلت.
ومع تشابك الأجندات الاستثمارية والسياسية، باتت ملامح بغداد التراثية مهددة بالزوال، فيما ترتفع تساؤلات حائرة عن مصير النسيج الاجتماعي والهوية الحضرية للعاصمة.
وتعد العاصمة بغداد الأعلى كلفة للمعيشة بين محافظات العراق، بحسب تقرير "شبكة المستشارين الميدانيين" لعام 2022، حيث بلغت تكلفة معيشة الفرد غير المقيم ضمن أسرة نحو 675 ألف دينار شهرياً، ما وضعها في المركز الأول محلياً والتاسع عربياً.
وتشير الشبكة إلى أن كلفة المعيشة في بغداد تفوق مثيلاتها في مدن مثل دمشق، التي تُعتبر الأرخص في العالم العربي، بينما تتصدر الدوحة ودبي قائمة المدن الأعلى تكلفة، تليها بقية مدن الخليج وبيروت.
طمس معالم بغداد
واتهم المحلل السياسي محمد زنكنة جهات سياسية متنفذة بشن حملة ممنهجة تهدف إلى طمس المعالم الحقيقية لمدينة بغداد، من خلال إزالة الأبنية القديمة والتصاميم التراثية، بالإضافة إلى هدم تماثيل لشخصيات بارزة كان لها دور محوري في تاريخ العاصمة، وذلك لأسباب سياسية بحتة.
وأشار زنكنة لـ "طريق الشعب"، إلى أن هذه الحملة تقودها ما وصفها بـ"مافيات سياسية" تهيمن على القرار في هذا الملف، مؤكداً أن هناك دوافع اقتصادية وراء هذه التحركات، تتجلى في السعي نحو السيطرة على العقارات القديمة وشرائها بأسعار زهيدة، مستغلين تهالكها أو كونها آيلة للسقوط.
وبيّن أن هذه العقارات تهدم خلال فترات قصيرة لتفسح المجال أمام مشاريع استثمارية جديدة، تتضمن إنشاء عمارات سكنية أو مجمعات تجارية مبنية على مساحات صغيرة لا تتجاوز 75 متراً مربعاً للوحدة السكنية، وبمواصفات بعيدة عن المعايير العمرانية العالمية.
وأضاف زنكنة، أن أسعار العقارات في بغداد تشهد حالياً ارتفاعاً "خرافياً" وغير طبيعي، نتيجة لما وصفه بـ "التنافس السياسي" بين هذه المجموعات، والتي تسعى إلى تعظيم أرباحها من خلال إعادة تدوير ملكيات الأراضي والعقارات وسط العاصمة.
واختتم زنكنة بالتحذير من أن هذه التحركات ليست سوى جزء من خطة ضيّقة لخدمة مصالح فئة محددة، ترتبط بشكل مباشر بأطراف نافذة داخل مؤسسات الدولة، وهي التي تمسك بزمام الأمور في هذا الملف الشائك.
وتشير دراسات حديثة إلى أن أسعار العقارات في العاصمة بغداد ارتفعت بنسبة 50 في المائة خلال العام الماضي فقط، فيما سجلت بعض المناطق تضاعفًا في الأسعار خلال السنوات الخمس الماضية، ما يعكس اضطرابًا واضحًا في سوق العقارات.
ويرى مختصون أن من أبرز أسباب هذا الارتفاع الحاد هو النقص الكبير في المعروض من الوحدات السكنية، إذ لا تواكب المشاريع العقارية الجديدة حجم الطلب المتزايد، ما يُفاقم من أزمة السكن في المدينة. ويأتي هذا في وقت تُعاني فيه بغداد من كثافة سكانية مرتفعة، تُسهم في زيادة الطلب على السكن، في ظل نمو سكاني متسارع ونقص في التخطيط الحضري الفعال.
وحذر الباحث الاقتصادي أحمد عيد من أن ما تشهده المناطق الشعبية والتراثية في بغداد من ارتفاع غير مبرر في أسعار العقارات، لم يعد نتاجا طبيعيا لحركة العرض والطلب، بل ينذر بتدخل منظم لمافيات عقارية تهدف إلى السيطرة على هذه المناطق عبر شراء العقارات بأسعار خيالية، رغم تهالك البنى التحتية وغياب الخدمات الأساسية فيها.
وأوضح عيد لـ "طريق الشعب"، أن "الكثير من سكان تلك الأحياء اضطروا إلى بيع منازلهم نتيجة الضغوط الاقتصادية، أو بسبب الظروف الاجتماعية والبيئية القاسية، لا سيما في ظل التراجع الكبير في فرص العمل، وتدهور الأمن والخدمات العامة"، مؤكدا ان "هذا الواقع ساهم في خلق "هجرة صامتة" من هذه المناطق، وقد أفرغت تدريجيًا أحياء بغداد القديمة من سكانها الأصليين".
وتابع، أن "الجهات التي تقف خلف موجات الشراء الجديدة تتسم بالغموض وتفتقر إلى الشفافية"، مرجحا استخدامها للعقارات كوسيلة لغسل الأموال أو لتنفيذ أجندات سكانية موجهة، ما يثير تساؤلات حول النوايا الحقيقية الكامنة خلف هذه التحولات السكانية.
وأشار عيد إلى أن "استمرار هذا النهج يهدد النسيج الاجتماعي للمدينة، ويحيل الإرث البغدادي العريق إلى سلعة بيد قوى استيطانية ذات طابع مافيوي". داعيا الجهات الرقابية إلى فتح تحقيق شفاف ومستقل، بعيدا عن التأثيرات السياسية والحزبية، لكشف طبيعة عمليات البيع، وأسباب ارتفاع الأسعار، وتحديد مصادر الأموال التي تمول هذه الظاهرة الخطيرة في قلب العاصمة.
تحذيرات من تفاقم الأزمة
من جانبه، يحذر الباحث الاقتصادي علي نجم من تفاقم أزمة العقارات في العاصمة بغداد، والتي تشهد ارتفاعًا غير مسبوق في الأسعار، متجاوزة في بعض الأحياء نظيراتها في مدن أوروبية وعربية، في ظل تراجع القدرة الشرائية للمواطن.
ويقول نجم لـ "طريق الشعب"، إن "سوق العقارات في بغداد لم يعد يتحرك وفق معايير اقتصادية طبيعية، بل تديره شبكات تبحث عن الربح السريع، مستغلة الاضطراب الاقتصادي والفراغ الرقابي".
ويضيف أن بعض أصحاب المباني المدرجة ضمن لائحة الحماية يلجؤون إلى إغراقها بالمياه أو إشعال النيران فيها للتحايل على قوانين الهدم، بهدف بيع الأرض بأسعار مرتفعة.
ويرى نجم أن تراجع قيمة الدينار العراقي أمام الدولار يُعد من أبرز أسباب ارتفاع الأسعار، خاصة أن معظم التعاملات العقارية تُحتسب بالدولار، في وقت يعتمد فيه العراق على الاستيراد ويعاني من ضعف واضح في الإنتاج المحلي.
ويشير إلى أن غياب التخطيط الحكومي في ملف الإسكان، وتفشي الفساد الإداري، من العوامل الرئيسية التي تُغذي هذه الأزمة "هناك مسؤولون يسيطرون فعليًا على سوق العقارات، ويمارسون الابتزاز والاحتكار"، على حد قوله.
ويحذر نجم من أن هذا الواقع أدى إلى صعوبة حصول المواطنين على سكن ملائم، في ظل تضخم الأسعار، ما يدفع كثيرين إلى إنفاق أغلب دخلهم على الإيجارات أو شراء منزل، وهو ما يزيد من معدلات الفقر ويُضعف باقي القطاعات الاقتصادية.
ويؤكد أن استمرار هذا الوضع دون تدخل سيُسهم في تراجع الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، حيث يفضل كثير من المستثمرين الاتجاه نحو العقارات لعوائدها العالية.
ويختتم نجم حديثه بالإشارة إلى أن "هناك عدة أسباب رئيسية تقف خلف أزمة العقارات، منها ضعف قيمة العملة، وارتفاع كلف الإنتاج، وتدني مستوى البنى التحتية، وغياب البيئة الاستثمارية الآمنة"، مؤكدًا أن الاقتصاد العراقي يعيش ظروفًا غير طبيعية، وأن عدم استقرار المؤشرات الاقتصادية يؤدي مباشرة إلى ارتفاع تكاليف المعيشة في بغداد مقارنة ببقية مدن المنطقة.
أخفقت الحكومات العراقية المتعاقبة والحالية بضمنها، في التعامل وفق الدستور والقانون مع الاحتجاجات بأشكالها المختلفة، المطلبية والسياسية والخدماتية، واستمرت في اعتماد العنف المفرط وسيلة وحيدة لمواجهتها، وغالبا ما كان هناك ضحايا من بين المحتجين، فضلا عن الاعتقالات التعسفية والملاحقات، وفرض توقيع تعهدات خطية بعدم التظاهر، وهذه كلها إجراءات تخالف القانون والدستور.
الديمقراطية تواجه تحدياً حقيقياً
وقال الرفيق حسين النجار عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، ان "الحكومات العراقية جميعاً غير معفية مما يحصل من قمع وحشي للاحتجاجات الشعبية في جميع الأوقات؛ لان الأجهزة الأمنية تتلقى التوجيهات من قيادات العمليات، والأخيرة على اتصال مباشر بالجهات الحكومية العليا".
وأضاف النجار في تصريح لـ"طريق الشعب"، ان "مسؤولية محاسبة المتورطين بهذا القمع تقع ايضاً على عاتق الحكومات، فهي المعنية بإيقافه. لذلك فالسؤال هو عن سبب عدم توقف العنف تجاه كل فعل احتجاجي، وهل هو يجري دون علم الحكومات، ام انها غير قادرة على توجيه زمام الأمور؟ فهي تتحدث في الكثير من المناسبات عن مسؤوليتها عن حفظ الامن واحترامها لحق الناس في التعبير عن آرائهم، لكن ما يحصل هو ان الجهات الأمنية خاصة قوات الشغب حتى وان لم تقمع الاحتجاج بالعنف، فهي تقمعه بالتضييق والمحاصرة".
وتابع ان "أجهزة الدولة الأمنية تطورت في مجال متابعة ملف الاحتجاج، اذ انها ترصد مسبقاً أي فعل احتجاجي، وهناك انتشار للقطعات العسكرية بالقرب من أي مكان يحتمل ان تنظم الاحتجاجات فيه، خصوصاً في ساحة التحرير ببغداد، كما ان الاجهزة الاستخبارية تسعى دوماً الى اختراق صفوف المحتجين، وهذا ما حصل أيضاً في انتفاضة تشرين". ولفت الى ان "المحتجين كشفوا الكثير من هؤلاء الذين اشترت الحكومات ذممهم".
وشدد الرفيق النجار على ان "الديمقراطية تواجه تحدياً حقيقياً في ظل منظومة الحكم الفاسدة التي تريد البقاء في السلطة بأية وسيلة ممكنة، وبالتالي فان الحقوق المكفولة في الدستور والمواثيق الدولية باتت منتهكة من قبل السلطة الحاكمة، ما يتطلب ان تكون هناك وقفة جدية من قبل القوى والجهات السياسية المدنية والديمقراطية ومعها مختلف القوى والنقابات والاتحادات من اجل مواجهة هذا الانتهاك، والدفاع عن الحق في التعبير والاحتجاج والتظاهر".
عنوان للدكتاتورية!
الباحث بالشأن السياسي والأكاديمي د.غالب الدعمي، يرى ان النظام السياسي في العراق وخلال 20 سنة لم يعمل على تعزيز الحريات، بل على العكس جرى تعزيز التعامل بالقسوة والقمع، وهذا متأت من نزعة سلطوية في ادارة الدولة.
وقال الدعمي لـ"طريق الشعب"، ان "الدستور العراقي واضح جدا وهو يكفل الحريات والتعبير عن الآراء، وحق المواطن في ان يكون له دور في مساءلة الحكومة والسعي نحو حكومة رشيدة، والتظاهر بشكل سلمي خال من العنف، وهذا واحد من أهم حقوق المواطن، سواء كانت تظاهرات سياسية او للمهندسين أو الفلاحين أو لطلبات التعيين. ويفترض ان يكون هناك حوار مع هؤلاء بنوع من الشفافية وبالاحترام والتقدير، كون أي قمع لأية تظاهرات هو عنوان للدكتاتورية وليس عنوانا للحرية".
وأضاف، ان "سلطة العشيرة بدأت تنتقل الى سلطة الدولة وحين تكون سلطة العشيرة هي من تمثل الدولة، فان سلطة الدولة او الحكومة التي تمثلها تبدأ برفض أي نزاع او أي خلاف او أي وجهة نظر أخرى، وهذه الثقافة موجودة في المجتمع وانتقلت الى ان تكون ثقافة حكومات، وبالتالي هناك حاجة الى تعزيز الوعي لمغادرة هذه الصفة.
صدمة تشرين حاضرة!
رئيس مؤسسة حق لحقوق الانسان، عمر العلواني قال ان "صدمة انتفاضة تشرين يبدو انها ما زالت حاضرة في ذهن القوى السياسية الحاكمة، ولذلك فإنها تنظر إلى كل حركة احتجاجية بوصفها تهديدًا محتملاً قد يخرج عن نطاق السيطرة".
وأضاف، انه "على هذا الأساس، تلجأ السلطة إلى استخدام أسرع وأسهل الوسائل لقمع الاحتجاجات، مستعينة بأدوات نظام سياسي يفتقر إلى الأسس الديمقراطية، ما يعكس غيابًا واضحًا لاحترام حقوق المواطنين وكرامتهم".
ونوه العلواني في حديث مع "طريق الشعب"، الى أن "أجهزة إنفاذ القانون ما زالت حتى اليوم غير مؤهلة للتعامل مع الاحتجاجات والمتظاهرين بطريقة مهنية، إذ لا تقابل الدولة ومؤسساتها هذه الحركات على أنها تعبير عن مطالب مشروعة، بل يتم التعامل مع المحتجين باعتبارهم خصومًا يجب قمعهم".
إرث سلطوي!
من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي ان "مستقبل حرية التعبير والتظاهر السلمي في العراق يواجه تحديات جسيمة، في ظل تصاعد القمع وتغوّل السلطة على الفضاء المدني".
ولفت الى انه "رغم هذه التحديات، فإن تنامي الوعي الجماهيري وظهور جيل جديد من الناشطين يمنح بارقة أمل. إذ يمكن لاستمرار الضغط الشعبي والدعم الدولي أن يُحدثا تغييرات تدريجية، ولكن من دون إصلاحات حقيقية في بنية المؤسسات الرسمية، ستبقى هذه الحريات مهددة".
ورأى التميمي ان "الأمل ما يزال قائماً، لكنه مشروط بقدرة المجتمع على التنظيم، وكسر دائرة الخوف، وفرض واقع جديد يحترم الدستور ويصون كرامة الإنسان. فحرية التعبير ليست منّة تُمنح، بل حق أصيل لا يقبل المساومة أو القمع".
وبين أن "الحكومة الحالية تكرّر ذات النهج القمعي، من خلال تفريق الاحتجاجات السلمية بالقوة، واعتقال الناشطين، في تجاهل صريح للمادة 38 من الدستور التي تضمن حرية التعبير والتظاهر".
وخلص الى ان "الخروج من هذا المسار يتطلب ضغطاً شعبياً متواصلاً، ودعماً فاعلاً من منظمات المجتمع المدني، إلى جانب إصلاح شامل للمنظومة الأمنية، وتدويل ملف الانتهاكات من أجل ردع السلطات. فلا يمكن الحديث عن ديمقراطية بلا مساءلة، ولا عن إصلاح دون احترام الحقوق الأساسية للمواطنين".