طوال السنتين الماضيتين، عمل البنك المركزي العراقي على إجراء أكثر من انتقالة في عملية التحويلات الخارجية، بعد سنوات من نزيف العملة الصعبة من خلال بوابة نافذة بيع العملة.
وجرت هذه التحولات السريعة بضغط من الفيدرالي الأمريكي، الذي ألزم البنوك العراقية بالامتثال الى إجراءات المنصة الالكترونية، والتي جرى إغلاقها لاحقاً لصالح تعزيز الأرصدة المالية لدى المصارف العراقية واعتمادها على بنوك مراسلة أجنبية كوسيط في هذه التعاملات، إلا أن هذه الإجراءات، التي قال عنها البنك المركزي إنها "ناجحة"، أشّر عليها الكثير من الخبراء الاقتصاديين "إشكالات" مختلفة، أبرزها الزيادة "التاريخية" في عملية تحويل الدولار الى الخارج، حيث بلغ 81 مليار دولار خلال عام 2024، وهو الأعلى خلال العشرين سنة الماضية.
الزيادة المخيفة في عمليات تحويل الكتلة الدولارية من الأموال العراقية، خلال عام 2024 تحديدا، أثارت نوعا من القلق لدى الخبراء في الاقتصاد والأنظمة المصرفية؛ اذ جرت مقارنتها مع بدايات الامتثال للمنصة الالكترونية في عام 2023 والتي أسهمت بخفض هذه التحويلات الى 50 مليون دولار يوميا، لكن سرعان ما انفجرت هذه الأرقام مجددا لتضرب أرقاما قياسية في عمليات التحويل اليومية، حتى بلغت 300 مليون دولار يوميا في السنة الماضية.
عمليات التهريب لن تنتهي
الخبير المالي والمصرفي مصطفى حنتوش قال لـ"طريق الشعب"، ان "عملية الانتقال التي قام بها البنك المركزي في التعامل مع ملف التحويلات المالية بقيامه بالمراسلة مع بعض المصارف التابعة للمستثمرين ومصارف أجنبية تمتلك حسابات في (ستي بنك وجيبي مورغان) وفروعها في دولها، هي أشبه بالهروب من مسؤولية الدولار وتوزيعه على القطاع المصرفي العراقي الى إعطائه إلى نظام مصرفي أشبه بالأجنبي".
وأضاف، أنّ "هذه العملية دفعت مصرفين أردنيين للحصول على إجازة عمل في المراسلة وكذلك مصرف الاتحاد والإسكان، وبالنتيجة هذه عملية لتسليم قدرات العراق الدولارية إلى نظام مصرفي أجنبي، وكان بالإمكان اسناد النظام المصرفي العراقي وحمايته".
وتساءل حنتوش: "هل سيكون هذا الموضوع ذا جدوى؟، لاسيما وان البنك المركزي يطبق هذا التحول منذ سنة ونصف".
وعن إمكانية مساهمة هذا الإجراء بإيقاف عملية تهريب الدولار، أشار حنتوش إلى ان "عمليات التهريب لن تنتهي، كون هذه المصارف لن تعمل على ربط الحوالات بالكمارك، لتتم مطابقتها مع البضائع الداخلة الى البلد. وبالتالي تقل عملية التهريب، فضلا عن غيرها من التقييمات الحقيقية للبضائع"، لافتا الى ان "الإجراءات التي قام بها المركزي الهدف منها هو الحوالات لأجل الأرباح السريعة".
وشدّد حنتوش على ان "عملية تهريب الدولار لن تنتهي الا إذا تم ربط الحوالات والاعتمادات الخاصة بالبنك المركزي بالكمارك والمنافذ، وهذا المشروع، للأسف، البنك المركزي ليس جادا في تحقيقه".
الدولار يتسرب الى دول مجاورة
من جانبه قال الخبير الاقتصادي كوفند شيرواني، لـ"طريق الشعب"، ان "الآلية التي كانت معتمدة في مزاد العملة وتبناها البنك المركزي لم تكن ناجحة، بل على العكس، وأدت الى تسرب كميات كبيرة من العملة، تتجاوز 250 مليون دولار يوميا الى عدد محدود من المصارف، وهذه الأموال تبين لاحقا بعد متابعة الأرقام التسلسلية للأوراق النقدية انها تتسرب الى دول مجاورة ودول إقليمية، وبالتالي لا يصل منها الى الأسواق إلا النزر اليسير، ما أدى الى بقاء سعر صرف الدولار مقابل الدينار في السوق الموازية مرتفعا، وتجاوز ما كان عليه قبل عدة أشهر".
وأوضح، أنه "يفترض أن تكون هناك مؤشرات توضع من قبل البنك المركزي، على البنوك الأهلية التي لها دور في تهريب العملة وتبييض الأموال وتقديم فواتير تجارية غير صحيحة، وان تخضع للعقوبات وصولا الى سحب الرخص منها، وإتاحة المجال لبنوك أخرى معروفة بكونها ذات سلوك مهني مستقيم، ولا تمارس هذه المخالفات"، مردفا ان "واقع الحال يشير الى أن عددا قليلا من البنوك، يستحوذ على غالبية العمليات التجارية، ومنها مزاد العملة، الذي أصبح عرضة لمساءلات دولية من قبل الفيدرالي الأمريكي".
ولفت الى انه "كلما كانت هناك عقوبات على عدد كبير من البنوك المحلية، يؤثر ذلك على سمعة النظام المصرفي العراقي والمصارف المحلية".
هشاشة النظام المصرفي العراقي
واستطرد شيرواني في الحديث: "للأسف، ان الإيرادات المتحصلة من المنافذ الحدودية والرسوم الجمركية هي اقل بكثير من التوقعات، والبعض يقدر انها لا تتجاوز 25 بالمئة من الاستحقاقات الفعلية وربما السبب ان هناك جهات متنفذة داخل الأجهزة الحكومية تسيطر على المنافذ بدرجة كبيرة وتستحوذ على إيراداتها لصالح أحزاب وجهات متنفذة، وبالتالي ما يصل الى الخزانة العامة اقل بكثير من المتوقع، وهذا يعني هدرا كبيرا في الإيرادات، كان بالإمكان الاستفادة منه في تقليل العجز الكبير في الموازنة العامة".
وأردف بالقول، ان "عمليات تهريب الدولار لن تتوقف كون هناك جهات متنفذة تدير هذا الملف"، مشيرا إلى ان هناك أطرافا تهرب الدولار العراقي "بدوافع سياسية وحزبية الى دول لديها عملة محلية متدهورة جدا، وعليها عقوبات، وبالتالي تلجأ الى هذه الوسائل بسبب رخاوة وهشاشة النظام المصرفي العراقي والمنافذ الحدودية".
ورأى، ان "تهريب العملة أصبح ظاهرة ملحوظة، ويفرز نتائج سلبية على الاقتصاد العراقي، وعلى قيمة الدينار في أسواق الصرف امام الدولار، وهذا يؤدي الى الإضرار بالمواطن وبالقدرة الشرائية، كونه يفقد ما لا يقل عن 20 بالمئة من قيمة راتبه".
هل عاد التهريب وغسل الأموال؟
الباحث الاقتصادي، زياد الهاشمي، نشر على حسابه الرسمي في "فيسبوك" مجموعة من التصورات المتعلقة بزيادة تحويل وبيع الدولار، لاسيما الخارجي، مشيرا الى ان "البنك المركزي العراقي يعود لتحويل وبيع مبالغ دولارية هائلة وبنفس المستوى السابق قبل تطبيق الضوابط الفيدرالية، مما يعيد الشكوك بعودة التهريب وغسيل الأموال كما كان".
وأضاف، ان "الحوالات اليومية اقتربت من حاجز 300 مليون دولار اليوم، مقابل 50 مليون دولار فقط كان يتم تحويلها نهاية عام 2023 عندما كانت الضوابط الفيدرالية يتم تنفيذها بدقة"، لافتا الى ان "هذا الارتفاع الهائل في الحوالات يؤكد ان هناك خطأ ما يتسبب في هدر أموال البترودولار العراقي من خلال هذه الحوالات الضخمة، أخطاء او تواطؤ من قبل المركزي او الفيدرالي او شركات التدقيق او كل هذه الاطراف مجتمعة".
وتساءل الهاشمي، "هل أرخت ادارة بايدن الحبل وتركت عمليات التحويل تتم من دون تطبيق مشدد للضوابط الفيدرالية كما في السابق لتوريط إدارة ترامب مثلاً، ام ان شركات التدقيق الدولية ولاسيما K2 قد تم اختراق عملياتها ولم تعد قادرة على ضبط التهريب وغسيل الاموال عبر الحوالات الدولارية العراقية".
وانهى منشوره بالقول: ان "الخبر السيء للمواطن هو ان المركزي العراقي عاد لتحويل مبالغ ضخمة بنفس حجم الحوالات السابقة من خلال المزاد والنافذة وقبل تطبيق الضوابط الفيدرالية، وهذا يعني ان هناك شكوكا حقيقية بعودة الحوالات الاحتيالية للتهريب وغسل الأموال وبالتالي خسارة الوطن والمواطن أموال لا يمكن تعويضها".
قال سفير جمهورية الصين الشعبية لدى العراق، السيد تسوي وي، إن الشراكة الصينية العراقية والتعاون العملي بين البلدين حققا إنجازات مثمرة، معتبرا بغداد شريكا مهما لبكين في مشروع الحزام والطريق.
وأضاف السفير في ندوة خاصة أقامتها لجنة العلاقات الخارجية للحزب الشيوعي العراقي، أنّ "الصين تسعى إلى تطوير علاقاتها مع العراق على أساس النية الصادقة والاحترام المتبادل والكسب المشترك، وهذا العام يصادف الذكرى العاشرة لإقامة الشراكة الاستراتيجية بين الصين والعراق، وكذلك يصادف الذكرى العاشرة لتوقيع بيان التعاون للحزام والطريق بين الصين والعراق، وما رأيناه من تطور العلاقات يتماشى مع سياسات الصين الخارجية، وإننا أنجزنا العقد الباهر في العلاقات بالاسترشاد إلى مجتمع مشترك لمستقبل البشرية".
تطور الشراكة الصينية العراقية
وأكد، انه "في العقد الماضي تطورت الشراكة الصينية العراقية بشكل مستمر وحقق التعاون العملي بين البلدين إنجازات مثمرة، وتكثف التواصل الإنساني والثقافي يوما بعد آخر، وبلغ التبادل التجاري بين البلدين في العام الماضي إلى ما يقرب من 50 مليار دولار أمريكي".
وتابع، أنّ "الصين أصبحت أكبر شريك تجاري للعراق وأكبر مستورد للنفط العراقي، والعراق هو ثالث أكبر شريك تجاري للصين في المنطقة، وتشارك الشركات الصينية في عملية البناء في كافة المجالات بما فيها قطاعات الكهرباء والنقل والمواصلات والاتصالات ونشارك في بناء هذه المشاريع التي لا تخدم فقط النمو الاقتصادي للعراق، بل تأتي بالمخارج الملموسة للشعب العراقي. وقد أصبح العراق شريكا لا يستغنى عنه من قبل الصين وأن العراق سيواصل جهوده لتعزيز التنمية، والجانب الصيني يتبنى طريق بناء مجتمع مستقبل مشترك للبشرية، وذلك يتماشى مع رغبة الجانب العراقي، وهذا سيجلب لنا الكثير من الفرص للتعاون المشترك بين البلدين في المستقبل".
الحزام والطريق
وفي معرض رد السفير الصيني على المداخلات، وللتأكيد على أهمية مشروع "الحزام والطريق" تعيد "طريق الشعب" نشر مداخلة سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، التي أشار فيها إلى أن "اهتمامنا بعكس التجربة الصينية على عدة مستويات، أولا بما حققته من إنجازات غير اعتيادية وفي فترة زمنية قصيرة جدا، ومع هذا ما تزال الصين تعتبر نفسها دولة نامية، رغم أنها ثاني اقتصاد في العالم، والسؤال الذي يطرح دائما، هو ماذا يمكن ان نستفيد أو نستلهم من التجربة الصينية، في ظل حديث الصين عن التنمية في الخصائص الصينية، وهل فيها مشتركات مع دول مثل دولنا؟".
وتابع فهمي في مداخلته، أن "النقطة الثانية تتعلق بالحزام والطريق. السيد السفير ذكر أن العراق في عام 2013 كان ضمن هذه الاتفاق، وهذا الكلام نسمعه في الأوساط الرسمية بآراء مختلفة: منها ما يقول إنه لا مكان للعراق في الحزام والطريق، فهل هناك اتفاق رسمي أم مجرد رغبة؟ وهل يتعارض طريق التنمية مع مشروع الحزام والطريق؟".
وردّ السفير الصيني على مداخلة الرفيق فهمي بالقول: ان "العراق شريك مهم للصين في بناء الحزام والطريق، وفي عام 2015 تم توقيع مذكرة تفاهم بين العراق والصين بخصوص التعاون في هذا الخصوص، وهذا السؤال دائما ما يطرح من قبل العراقيين، والجواب دون أدنى شك هو (نعم). فالعراق عضو في الحزام والطريق، وأنجزنا نتائج مثمرة. وممكن نقول إن العراق من طليعة الدول المشاركة في الحزام والطريق على صعيد دول المنطقة".
وأضاف، "اما بخصوص ما يقال عن البطء في تنفيذ مشاريع الحزام والطريق، فما لدي من معلومات باعتباري سفيرا للصين في العراق، فإن الحزام والطريق يتقدم بسلاسة، ولكن جهود الصين تتواصل لتحقيق أهداف أحسن وسنواصل العمل لتحسين العمل بالحزام والطريق، بما يتماشى مع معايير أعلى. وهناك الكثير من الأصوات التي تتحدث عن وجود مشاكل، ولا بد ان نكون حذرين من هذه الاصوات ومن يقف خلفها".
أثار موضوع إقرار مجلس النواب تعديل قانون العفو العام جدلاً واسعًا داخل المجلس، حيث وصفه معنيون ومراقبون بأنه محاولة لتحقيق مكاسب سياسية وتوفير حماية للفاسدين وكبار المسؤولين المتورطين في سرقة المال العام، مشيرين إلى أن هناك العديد من المظلومين داخل السجون، إلا أن ذلك لا يبرر تمرير هذا القانون بصيغته الحالية.
توظيف سياسي واضح
وفي هذا الشأن، أكد المحلل السياسي داوود سلمان أن قانون العفو العام الذي تم تمريره يحمل العديد من الإشكاليات القانونية والأخلاقية.
وقال سلمان في حديث لـ"طريق الشعب": "نحن مع الأبرياء بكل تأكيد، ويزعم أن الهدف من هذا التشريع هو إخراج الأبرياء الذين وُضعوا خلف القضبان نتيجة انتزاع اعترافات بالإكراه والقوة أو بسبب المخبر السري. لكن إقرار قانون عفو عام يمثل خرقا كبيرا".
وأضاف، "كان الأجدر إقرار قانون عفو خاص يشمل جزءًا من السجناء وليس كل الجرائم، مع إعادة التحقيق في بعض القضايا"، لافتا إلى أن "هناك توظيفًا سياسيًا واضحًا في تمرير هذا القانون، خاصة وأن العديد من الجرائم التي يشملها العفو لها أبعاد سياسية، مثل تزوير الشهادات وقضايا المخدرات، حيث إن الكثير من التجار مرتبطون بسياسيين، فضلًا عن قضايا التعيينات والأموال المسروقة".
وأوضح أن هذه "الجرائم زُجت وسط العديد من الجرائم الأخرى لتختفي الأبعاد السياسية خلفها"، منتقدا بشدة ما وصفه بالظلم الكبير الذي لحق بالشعب العراقي نتيجة التغاضي عن المجرمين والسراق والمزورين ومن أضروا بالبلاد.
ورأى أنّ "البرلمان بهذا العفو داس على كرامة الشعب العراقي وتضحياته، خصوصًا في مجالات مكافحة الإرهاب والمخدرات وسرقة المال العام"، موضحا أن تمرير القانون بهذه الطريقة يعطي إشارة واضحة بأن "القوانين أصبحت أداة لحماية المجرمين، خصوصًا أولئك المرتبطين بالسياسيين، ما يعزز الإفلات من العقاب، ويُفقد المواطن ثقته بالنظام القانوني".
وخمّن أن "هذا العفو سيخلق فوضى كبيرة ويُفقد ثقة المواطن بالقوانين، وهنا يجب أن يكون للمحكمة الاتحادية العليا والمنظمات والإعلام دور في مواجهة هذه الفوضى".
وذكّر سلمان "بما حدث في عهد النظام الدكتاتوري المباد حين تم إطلاق سراح اللصوص والمجرمين في نهاية حكمه".
وخلص الى القول: إن "رئاسة البرلمان أخلّت بواجباتها الدستورية، وما جرى يؤكد أن هذا البرلمان لم يعد يمثل الشعب العراقي، بل أصبح أداة بيد قادة سياسيين يمررون القوانين التي تخدم مصالحهم فقط"، مؤكدا تطلع الشعب الى "تغيير هذه الطبقة السياسية التي جثمت على صدره وأعاقت تقدمه".
مخالفة صريحة للدستور
من جانبه، قال الخبير القانوني د. سيف السعدي إن الإشكالية الرئيسية المتعلقة بقانون العفو العام تكمن في نظام "السلة الواحدة".
وأكد السعدي في حديث مع "طريق الشعب"، إنّ "تمرير القوانين بهذا النظام يُعدّ مخالفة صريحة للدستور وانحرافًا عن المسار التشريعي السليم وفق قانون مجلس النواب والدستور العراقي".
وأضاف السعدي، أن هذه المخالفة "ترتبط بالمادة 61 من الدستور العراقي، والتي تنص على صلاحيات مجلس النواب في تشريع القوانين الاتحادية".
وزاد، أنّ أي "قوانين تحمل طابعًا طائفيًا أو فئويًا أو قوميًا تتعارض مع أسس التشريع الاتحادي، الأمر الذي ينحرف عن المبدأ الذي أقرت به المادة المذكورة"، مشيرا إلى أن قانون العفو العام، وتحديدًا المادة 4 الفقرة العاشرة منه، يشكل تحديًا آخر، حيث تنص على إطلاق سراح المتسببين بأضرار مالية للدولة والمتورطين بالفساد المالي والإداري، وخاصة ما يتعلق بعبارة "التسوية"، التي اعتبرها "حمالة أوجه".
وتابع السعدي، أنّ "القانون لا يمكن اختزاله بهذه الفقرة فقط، حيث إنه يهدف إلى معالجة أوضاع الفئات المظلومة والأبرياء المحتجزين داخل 28 سجنًا"، مؤكدا أن هذا الملف يستلزم قانونًا لإعادة التحقيق وليس إعادة المحاكمة، لان الأخيرة تعني التشكيك في نزاهة القضاء العراقي العادل.
وأكد، أن المشكلة "تكمن في عمل اللجان التحقيقية"، لافتا الى أن المادة 37 (ج) من الدستور العراقي ترفض انتزاع الاعترافات بالإكراه.
وفي ما يتعلق بفقرة شمول من تم ضبط 50 غرامًا من المخدرات ضمن قانون العفو العام، أشار السعدي إلى أن "النص الحالي لا يفرق بين الحيازة بغرض التعاطي أو المتاجرة"، وهو أمر يتنافى مع المادة 28 من قانون مكافحة المخدرات التي تتعامل مع المتعاطي كمريض يحتاج إلى إعادة تأهيل، لا كمتهم، مؤكدًا غياب المصحات اللازمة داخل السجون العراقية لمعالجة هذه الحالات.
سجون VIP وأخرى مزرية!
وتطرق السعدي إلى "الوضع المزري داخل السجون العراقية، حيث تعمل بأكثر من 300% من طاقتها الاستيعابية، وفق تصريحات وزير العدل خالد شواني وعضو اللجنة القانونية النيابية د. عبد الكريم عبطان".
وأوضح، أن هناك "سجونًا مخصصة لكبار المسؤولين وأصحاب النفوذ، تُوفر لهم جميع سبل الراحة، وهو ما يعد مخالفة صريحة للدستور".
وختم السعدي بالقول إن إقرار قانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016 بصيغته المعدلة "يتطلب تشكيل لجان مختصة من مجلس القضاء الأعلى للنظر في قضايا الجرائم الإرهابية ومن تعرضوا للاحتجاز أو الاعتراف بالإكراه".
يشكل ضعف المشاركة في الانتخابات سواء كانت لمجالس المحافظات أم لمجلس النواب، ظاهرة تستحق التوقف عندها ومناقشتها، وتحفيز تقديم المقترحات لمعالجتها، فموضوعة الانتخابات والمشاركة توجبان ان تكونا هما وطنيا، وخصوصا إذا ما اريد لها ان تكون احدى روافع التغيير.
فبقاء نسبة المقاطعين والعازفين بحدود ٨٠ في المائة من الناخبين المعتمدين يثلم شرعية الانتخابات وشمولية تمثيلها للإرادة الشعبية. ومن هنا تنطلق الدعوات المخلصة للمراجعة الشاملة للمنظومة الانتخابية واصلاحها، وبما يوجه رسائل اطمئنان الى المواطنين ويحفزهم على المشاركة واختيار الأفضل والاكفأ.
نسب العزوف الكبيرة
ويقينا ان القوى المتنفذة، ورغم ما تعلنه، قد تكون راضية على هذه النسب الواطئة، ما دامت تؤمن لها بقاءها في مركز القرار التشريعي والتنفيذي وبما يديم مصالحها، ولكن كلنا شهود على الضعف المحسوس لأداء مجلس النواب التشريعي والرقابي، وكذلك لمجالس المحافظات، واساسا يعود ذلك الى احتكار التمثيل وضيقه، وهو فاقد للشرعية الشعبية، رغم الغطاء القانوني له.
إن من المفيد كما نرى الاطلاع ايضا على تجارب بلدان أخرى وما ابتكرته من وسائل متنوعة لمعالجة ظاهرة العزوف والتشجيع على المساهمة في الانتخابات.
وإذ تنشر "طريق الشعب" مقترح قانون الحوافز الانتخابية الذي اثار تقديمه الى مجلس النواب جدلا في أوساط سياسية وإعلامية وشعبية، فهي ترغب بفتح حوار بشأن موضوع المشاركة في الانتخابات، وتتطلع الى ان تصلها مساهمات جادة ذات صلة ومشجعة على هبة شعبية انتخابية واسعة تكسر احتكار التمثيل وتوسع من قاعدة اتخاذ القرار وتعكس حقيقة التنوع في مجتمعنا وتمثيل الإرادة الشعبية الحقة.
مقترح القانون
وينص مقترح قانون الحوافز الانتخابية المقدم من قبل النائب عامر عبد الجبار على منح كل ناخب مصوّت من الموظفين المدنيين والعسكريين قدما لمدة ستة اشهر لكل من ساهم منهم في ممارسة حقه بالتصويت على ان يتم توثيق ذلك من قبل المفوضية بشكل إلكتروني، ويستثنى هذا القدم من التحديدات الواردة في قوانين الخدمة العراقية التي تحدد أعداد كتب الشكر السنوية وامتيازاتها.
كما يمنح لكل ناخب مصوت عدا المذكورين في الفقرة (1) من المادة اعلاه افضلية بالتعيين من غير المشتركين بالانتخابات وحسب اليات التعيين المتبعة من قبل مجلس الخدمة الاتحادي.
ويمنح كل ناخب مصوّت من المشمولين بالالتزامات الضريبية من العاملين في القطاع الخاص وبمختلف القطاعات صناعي تجاري، زراعي، خدمي ... الخ) سماح ضريبي ۱۰ % من اجمالي الضريبة المكلف بها المصوت في سنة الانتخابات فقط، على ان يتجاوز السماح مبلغ ۱.۰۰۰.۰۰۰) مليون دينار عراقي فقط. مع مراعاة الوضع المادي الأمثل للمشمولين بالضمان الاجتماعي من موظفي وكسبة القطاع الخاص.
ويمنح أيضا كل ناخب مصوت من المشمولين بدفعات الضمان الاجتماعي المقدمة من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أفضلية في اجراء المعاملات الرسمية في الوزارة، مع الاخذ بنظر الاعتبار الحالة الصحية للمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة من العاجزين عن الحركة بموجب التقارير الطبية الموثقة سابقا والمعتمدة لدى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
وينص كذلك، على قيام مفوضية الانتخابات باعداد قوائم الكترونية لكافة الناخبين المصوتين وبنسختين الأولى للامانة العامة المجلس الوزراء لغرض مقاطعة الاسماء الواردة ضمن قوائم المصوتين وارسالها الى الجهات المعنية حسب الاختصاص لغرض تنفيذ ما ورد ضمن هذا القانون. والنسخة الثانية الى مجلس النواب لغرض الرقابة والمتابعة لضمان تطبيقه بصورة صحيحة ومنصفة والتحقق من خلوها من التلاعب أو الأهمال.
في تجاوز خطير على الدستور والقوانين، أقدم مجلس النواب على تمرير ثلاثة قوانين مثيرة للجدل عبر ما يُعرف بـ"السلة الواحدة".
الجلسة، التي عُقدت يوم الثلاثاء الماضي، شهدت تصويتاً على تعديل قانوني الأحوال الشخصية والعفو العام، بالإضافة إلى تشريع قانون استرجاع الأملاك المصادرة في كركوك، وسط أجواء من الفوضى واعتراضات نيابية شديدة على طريقة إدارة رئيس البرلمان محمود المشهداني للجلسة.
في اجواء هرج ومرج
ومشهد فوضوي، عُقدت الجلسة بعد توافق بين القوى السياسية لتمرير القوانين دفعة واحدة. وخلافاً للإجراءات المعتادة، لم تُعرض القوانين منفردة للتصويت، بل عمد المشهداني إلى طرحها دفعة واحدة وإقرارها خلال دقائق، ثم غادر القاعة، ليعلن نائبه الثاني شاخوان عبد الله رفع الجلسة.
إثر ذلك، اشتعلت الأجواء داخل قاعة البرلمان، حيث صرخ عدد من النواب بأن آلية التصويت "باطلة وغير قانونية"، مشددين على أن التصويت الجماعي "يفتقر إلى الشرعية".
تهديد بالطعن
وعقد عدد من النواب مؤتمراً صحافياً في مبنى البرلمان.
وقال النائب يوسف الكلابي، انه "في سابقة خطيرة، صوّت البرلمان على ثلاثة قوانين جدلية دفعة واحدة، وهو إجراء باطل. سنتجه إلى المحكمة للطعن في الجلسة".
وأضاف، "لن نقبل بأن يتحول النواب إلى أدوات خاضعة لرئاسة المجلس والكتل السياسية".
من جهته، وصف النائب سعد التوبي الجلسة بأنها "مزاجية سياسية"، مشيراً إلى أن التصويت جرى دون تحقيق النصاب القانوني.
وأكد أن أكثر من 50 نائباً وقعوا على طلب لإقالة المشهداني من منصبه.
طعن في شرعية الجلسة
وفي تصعيد جديد، أعلن النائب هادي السلامي تقديم طعن لدى المحكمة الاتحادية، أعلى سلطة قضائية في العراق، بشأن دستورية الجلسة.
ونشر السلامي صورة له برفقة عدد من النواب أمام بوابة المحكمة الاتحادية، مؤكداً المضي قدماً في الإجراءات القانونية لإبطال نتائج الجلسة.
وعلى ما يبدو، فقد دفع رئيس مجلس النواب ثمن انتخابه رئيسًا للمجلس بسرعة، حيث تعرض لانتقادات واسعة بعد أن كان قد أكد في وقت سابق أنه لن يمرر القوانين الثلاثة دفعة واحدة.
تحديات قانونية
خبراء وناشطون اعتبروا التصويت على القوانين ضمن "سلة واحدة" خرقاً واضحاً للدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب، ووصفوا الخطوة بأنها إساءة جسيمة للديمقراطية.
واستنكر التيار الديمقراطي العراقي تصويت مجلس النواب على مجموعة من القوانين الجدلية، متجاهلاً إرادة الشعب وتطلعاته، ومتناسياً الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخانقة التي يعيشها المواطن العراقي.
وأشار التيار إلى أن تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 يُعد انتهاكاً لحقوق المرأة والأسرة العراقية.
كما أعرب عن قلقه من التعديل الثاني لقانون العفو العام رقم (27) لسنة 2016، مشيراً إلى إمكانيات استغلاله لإطلاق سراح المتورطين في قضايا فساد أو جرائم جنائية خطيرة.
وأكد التيار، أن عملية التصويت شابتها خروقات قانونية وإجرائية، ما يثير الشكوك حول نزاهة العملية التشريعية.
ودعا إلى إعادة النظر في هذه التشريعات، مشدداً على أهمية وضع مصلحة المواطن على رأس الأولويات.
وأكد المحامي زهير ضياء الدين أن الجلسة الأخيرة التي عقدها البرلمان تمثل نموذجاً للتخادم بين القوى السياسية البرلمانية، مشيراً إلى أنها تمت بعيداً عن الدستور ونصوصه الأساسية، ما يشكل تهديداً لمصلحة المواطن العراقي.
وأضاف ضياء الدين في تصريحات صحفية، أن احتمالية قبول الطعن أمام المحكمة الاتحادية ستكون كبيرة، خاصة أن العملية التشريعية تمت بعيداً عن الأطر الدستورية، حيث تم التصويت على القوانين بطريقة غريبة اعتمدت فقط على "الأسباب الموجبة"، بينما تم إغفال النصوص القانونية الأساسية التي تشكل جوهر وأساس التشريع.
وأوضح ضياء الدين، أن المحكمة الاتحادية قد ترى في هذه الإجراءات خرقاً دستورياً، لأن الدستور يتطلب إجراءات تشريعية تشمل قراءة أولى وثانية للمناقشة قبل التصويت النهائي على القوانين.
وأشار إلى أنه سيتم الطعن في القوانين بعد نشرها في جريدة الوقائع العراقية، وهو ما يتيح للمحكمة الاتحادية النظر في الطعن إذا كانت القوانين قد أصبحت نافذة.
بدعة جديدة
من جهته، وصف الخبير القانوني أمير الدعمي جلسة البرلمان بأنها استحدثت "بدعًا جديدة"، أبرزها "قوانين السلة الواحدة"، التي لا تستند إلى نصوص الدستور أو النظام الداخلي لمجلس النواب. وأكد الدعمي أن هذه التعديلات ما هي إلا مقايضة سياسية تهدف إلى ترسيخ الطائفية والمحاصصة ،ما يعكس تجاهل مصالح المواطن العراقي.
الدعمي أضاف أن هذه القوانين تحمل في طياتها العديد من المخاطر، مثل قانون العفو العام الذي يتضمن فقرات تتيح العفو عن سارقي المال العام، بما في ذلك ما يسمى بـ "التسوية"، التي تسمح للمتهمين بسرقة الأموال العامة بإعادتها على مدى سنوات دون ضمانات فعلية لتحصيل الأموال. وأشار إلى أن تعديل قانون الأحوال الشخصية يعتبر خطوة سياسية لترسيخ الطائفية، محذراً من أن ذلك قد يؤدي إلى تفكيك المجتمع العراقي. كما حذر من أن قانون العقارات قد يفتح الباب للصراعات والاقتتال، خاصة في المناطق المتنازع عليها مثل كركوك.
وأشار الدعمي في ختام تصريحاته إلى أن المحكمة الاتحادية قد تدرس الطعون، لكنها قد تُحجم عن التدخل بسبب التوافقات السياسية، ما يعكس الصعوبات التي تواجه النظام القضائي في ظل توافقات القوى السياسية.
وأضاف، أن العراق يتراجع في مسار الديمقراطية بسبب الطبقة السياسية التي تخدم مصالحها الفئوية، ما يعرقل تقدم البلد.