يبدو ان لا أمر يشغل بعض السياسيين المتنفذين مثل الحديث عن "المكون" و"تمكينه"، وما قد يكسبونه هم في تقاسم الحصص والمناصب والمواقع والمشاريع والأسهم. وليس هذا فقط، فالبعض قد ذهب بعيدا في السعى الى تقسيم محافظات الوطن وجعلها كانتونات طائفية.
وواضح انه مع اقتراب موعد الانتخابات، وبدء السباق الانتخابي غير القائم على أساس برامج ومشاريع تنطلق من مصلحة العراق وشعبه أولا، نرى الركض وراء المزيد من الانغماس في وحل الانغلاق الطائفي والمكوناتي، على حساب المواطنة العراقية الجامعة، ومن دون التوقف عند ما سبّبه هذا من ماسٍ ويلات للبلد ولغالبية مواطنيه.
والانكى ان البعض ينسى وحتى يتناسى موقعه في الدولة، ويتصرف وكأنه يمثل هذا المكون او ذاك. وهناك العديد من الأمثلة التي يمكن ايرادها بما فيها من دعاية تبدو باسم المكون، لكنها دعاية انتخابية شخصية بامتياز، وهذا ليس استغلالا للمنصب وموارد الدولة ومؤسساتها فقط، بل حتى للمكون الذي يجري الحديث باسمه.
تفضلوا بزيارة موقع مجلس النواب العراقي وغيره من مواقع مؤسسات الدولة، وتمعنوا جيدا في تصريحات ومواقف المتنفذين، ستجدون الدليل والبرهان.
تفتح المواسم الانتخابية شهية القيادات التنفيذية والتشريعية، فتعمد لاتخاذ قرارات عاجلة هدفها في الغالب كسب ود الناس لأجل الاستحواذ على أصواتهم، لكنها في معظم الأحول تلحق الضرر بالاوضاع عموما، بسبب ما يترتب عليها من التزامات تضعف الدولة ونظامها المؤسسي الهش.
وقد قرر مجلس الوزراء أخيرا، السماح لجميع الطلبة الراسبين في الصفوف المنتهية بأداء الامتحانات النهائية، بغض النظر عن عدد مواد الرسوب. وتلقف الخبر عديد من النواب والمسؤولين مرحبين مهللين، وروجوا له باعتباره ثمرة لجهودهم. لكن أحدا لم يفكر في ما يمكن ان يسببه هذا القرار للعملية التربوية في الحاضر والمستقبل.
ان القطاع التربوي يعاني في الوقت الحاضر من انهيار شبه تام، بسبب ما خلفته السياسات الفاشلة لمنظومة المحاصصة والفساد، ولسان حال التربويين يردد: ما احوجنا الى آلاف المدارس لفك الاختناقات. وقبل أيام اضرب المعلمون عن الدوام بسبب ظروفهم المعيشية والحياتية الصعبة، وتقادم المناهج التعليمية، والنقص الحاد في الكوادر التربوية، وانتشار التعليم الأهلي غير الرصين، وغير ذلك من ازمات عديدة وكبيرة.
فهل صار وضعنا التربوي ضحية للقرارات الانتخابية؟ ام اننا بحاجة الى مأسسة حقيقة للنهوض بهذا القطاع؟
رصد عدد من مراسلي "طريق الشعب" إقدام عدد من مديريات التربية باستدعاء بعض مدراء المدارس والمعلمين المشاركين في الإضرابات الاخيرة، وتوجيه التوبيخ واللوم إليهم، في مشهد يعيد إلى الأذهان بعضا من ممارسات النظام السابق، في قمع الحريات وامتهان كرامة العراقيين.
إن مثل هذه التصرفات يكشف عن عقلية سلطوية، عاجزة عن الاعتراف بفشلها في تأمين حياة كريمة للمواطنين، ومن بينهم التربويون، وتحاول التغطية على فشلها من خلال معاقبة من يمارسون حقهم المشروع في الاحتجاج، وفي المطالبة بحقوق كفلها الدستور والقانون.
ان على الحكومة ووزارة التربية ومديرياتها أن يدركوا جيدا ان هذه الأساليب المرفوضة والمدانة لن تحل أية مشكلة ، وإنما ستزيد الغضب والسخط، والإصرار على نيل الحقوق.
أما أولئك الذين يظنون أن الوظيفة الحكومية هي منّة من الأحزاب المتنفذة على المواطنين، فهم واهمون. فمثل هذا التصور لا يمتّ للواقع بصلة، وسيرتدّ أثره على أصحابه عاجلاً أم آجلاً. وإذا كان المتنفذون قد استخدموا مؤسسات الدولة لترسيخ الزبائنية، فإن ذلك لا يعفيهم من التزامهم تجاه المواطنين، ولا من مسؤوليتهم في الوفاء بوعود العيش الكريم.
لم تفلت التسعيرة الدوائية من ظاهرتي الفوضى والفساد، اللتين تسيطران على غالبية مفاصل الدولة، بينما يبقى المواطن ضحيتهما الأولى.
في العام ٢٠١٧ قالت نقابة الصيادلة أنها تريد ضبط التسعيرة لدى القطاع الخاص، لكن "الاسكيتر" لم يظهر على حافظات تلك الأدوية الا قبل مدة قصيرة. ويبدو أن هذا "الاسكيتر" لم يسيطر على كثير من العلاجات المورّدة، لأن السعر المحدد فيه غير ما يشتريه به المواطن! نعم، والفرق بينهما كبير.
وهنا يرمي أصحاب صيدليات الكرة في ملعب المذاخر، التي تبيعهم بأسعار مرتفعة، والمذاخر تعيد رميها في ملعب المستوردين، والاخيرون يتبرؤون، والنقابة تهدد المخالفين! وتضيع "التسعيرة" بين جشع هذه الأطراف وبين الضعف الرقابي للنقابة ووزارة الصحة.
فالمطلوب نظام رقابي يضبط الحوكمة الالكترونية لأسعار الدواء، مع ضمان مأمونية الادوية، ودعم المنتج الدوائي الوطني. وهذا لا ينجح دون تعاون حقيقي بين الوزارة ونقابتي الصيادلة والأطباء. كما تتوجب سيطرة السلطات المعنية والجهات الأمنية على الغش الدوائي، عبر ضبط الحدود ومنع دخول الأدوية غير المرخصة، وتفعيل وتكثيف عمل الفرق الصحية الجوالة، كي لا يردد المواطن مع فيروز "فايق يا هوى وفتش عالدوا...".
كشف وزير النفط عن ورود رسائل شفهية من واشنطن عن ضبط البحرية الأمريكية ناقلات نفط إيرانية في الخليج تعمل بوثائق عراقية. وتحدث عن رد الحكومة رسمياً بكون الوثائق مزورة، وأن شركة "سومو" تراقب شحناتها عبر الأقمار الصناعية، وتُخضع عملياتها لتدقيق صارم.
ان تزوير الوثائق الرسمية ليس انتهاكا قانونيا عابرا، بل استهداف مباشر لسيادة العراق ومصالحه الاقتصادية. فتهريب النفط الإيراني، حسب الوزير، تحت غطاء الشرعية العراقية يهدد سمعة العراق ويعرّضه لعقوبات دولية محتملة، في حين تسعى بغداد للنأي عن سياسة المحاور.
لكن ورغم تأكيد الحكومة أن الوثائق مزورة، يبقى السؤال عن الإجراءات العملية التي ستتخذها لمواجهة الانتهاكات؟
هل ستفتح تحقيقاً رسمياً لكشف الجهات المتورطة ومحاسبتها؟
ام ستتقدم بشكوى رسمية إلى الأمم المتحدة أو الجهات الأخرى المعنية بسلامة التجارة البحرية؟
ام تفرض رقابة مشددة على السفن التي تحمل علمنا أو وثائقنا النفطية؟
وهل ستطلب من طهران توضيحا والتزاماً بعدم استخدام وثائقنا العراقية مستقبلاً؟
أخيرا، لا يكفي إعلان الحكومة أن الوثائق مزورة، بل يجب تبنيها موقفا استباقيا حازما، فالصمت أو التراخي سيشجع آخرين على استخدام بلدنا ورقة في صراعات، لا ناقة له فيها ولا جمل.