شهدت عدة محافظات سلسلة من الاحتجاجات والتظاهرات التي نظمها فلاحون ومزارعون ومربو مواشي وخريجون وعمال، مطالبين بحقوقهم وتحسين أوضاعهم المعيشية، وذلك في ظل تزايد الأزمات الاقتصادية والخدمية التي تعاني منها البلاد.
احتجاجات الفلاحين
وتظاهر المئات من الفلاحين والمزارعين في محافظات النجف والديوانية والسماوة، صباح أمس، عند مفرق غماس، احتجاجًا على شح المياه الذي تسبب في تضررهم بشكل كبير.
وأكد المتظاهرون أن الأزمة المائية أدت إلى تعطيل الزراعة بشكل واسع، ما تسبب في خسائر مادية كبيرة نتيجة عدم قدرتهم على زراعة أراضيهم.
وطالبوا الحكومة بتعويضهم عن هذه الخسائر، ووضع خطط زراعية فعالة تضمن استدامة الإنتاج الزراعي، بالإضافة إلى توفير المستلزمات الأساسية مثل الأسمدة والمبيدات والبذور لضمان استمرارية الزراعة.
وقال مراسل "طريق الشعب"، أحمد عباس، أن المحتجين رفعوا لافتات تطالب بضرورة وضع سياسات مائية وزراعية تتناسب مع التحديات التي يواجهها القطاع الزراعي. وشددوا على أهمية دعم الفلاحين وتعويضهم لضمان عدم هجرتهم أراضيهم بسبب الأزمات المتكررة.
خريجو هندسة الطيران
وتظاهر العشرات من خريجي هندسة الطيران والكسبة يوم امس أمام مجلس محافظة النجف، مطالبين بتعيينهم في المطار. ويشكل هذا الحراك تصعيدا جديدا بعد خمسة أشهر من الاحتجاجات المستمرة؛ حيث قام المتظاهرون بإغلاق مبنى المجلس تزامنًا مع انعقاد الجلسة الأسبوعية للحكومة المحلية، وأعلنوا عن عزمهم على تكرار هذه الاحتجاجات كل يوم ثلاثاء حتى يتم الاستجابة لمطالبهم.
وقال علي سالم، أحد الخريجين المتظاهرين: "نخرج منذ 5 أشهر أمام أبواب المطار وأمام مجلس المحافظة. مللنا من المطالبة ونحن أصحاب حق. إذا لم يأتِ أي مسؤول للاستماع لمطالبنا، فسنخرج كل يوم ثلاثاء في موعد انعقاد جلسة المحافظة، ونمنع أعضاء الحكومة المحلية من دخول المبنى".
فيما قال سيف الشمري، أحد المتظاهرين من فئة الكسبة: "أغلقنا المجلس لأن قراراته فاشلة ولا تمثل طموحات الشعب. فهم لا يتطرقون في جلساتهم لموضوعنا نحن الشباب الذين نتظاهر منذ 5 أشهر".
أما حوراء مرتضى، إحدى المتظاهرات من خريجي هندسة الطيران، فأكدت أنها "خريجة هندسة طيران وأتيت من قضاء المشخاب إلى النجف من أجل التظاهر. منذ 13 أسبوعًا ونحن نتظاهر دون أن يستجيبوا لمطالبنا".
مربو الثروة الحيوانية
وفي العاصمة بغداد، نظم العشرات من أصحاب الثروة الحيوانية في منطقة الفضيلية تظاهرة احتجاجية للمطالبة بالتعويضات بعد نفوق عدد كبير من العجول بسبب إصابتها بالحمى القلاعية.
وأكد المتظاهرون أنهم تكبدوا خسائر كبيرة نتيجة لهذا المرض، الذي انتقل إلى الثروة الحيوانية في العراق بعد استيراد مواشي مصابة من إفريقيا. وناشدوا الحكومة بتوفير التعويضات المناسبة وتقديم العلاجات اللازمة، بالإضافة إلى فرض الرقابة على استيراد المواشي لتجنب تكرار تلك الأزمة.
احتجاجات فلاحي ديالى
وفي محافظة ديالى، نظم عدد من الفلاحين وقفة احتجاجية أمام مبنى مجلس ديالى وسط مدينة بعقوبة، ضد صدور قرارات بفسخ عقودهم الزراعية وعدم تجديدها.
وقال المزارع علي الزبيدي، إن "عقودنا الزراعية تم فسخها دون معرفة الأسباب، ما أدى إلى قطع المياه عن أراضينا وعدم شمولنا بالخطط الزراعية والأسمدة".
وأضاف الزبيدي، أن فسخ العقود وعدم تجديدها سيضعهم أمام مستقبل مجهول، وقد يضطرون للنزوح إلى مناطق أخرى في حال عدم إيجاد حلول لهذه القضية.
ووجّه رئيس مجلس ديالى تحذيرات من إفراغ الأراضي الزراعية، داعيًا إلى تدخل الجهات المعنية لإيجاد حلول تنصف المزارعين وتحفظ حقوقهم.
أهالي قضاء المدينة
وتظاهر العشرات من أهالي قضاء المدينة شمالي البصرة، مطالبين بإقالة مدير البلدية بسبب "التقصير في أداء العمل". كما دعا المحتجون إلى فتح مقلع للتراب وإحالة مشروع كورنيش القضاء على ضفة نهر الفرات للتنفيذ، بالإضافة إلى تشغيل المهندسين من أبناء القضاء.
وقال عادل السامر، أحد المشاركين في الوقفة الاحتجاجية، ان "أهالي المدينة خرجوا للمطالبة بإقالة مدير بلدية المدينة لتقصيره في عمله، إلى جانب المطالبة بإحالة مشروع كورنيش المدينة على ضفة نهر الفرات للتنفيذ. كما طالبنا بتشغيل المهندسين من أبناء المدينة وفتح مقلع جديد للتراب".
وأضاف السامر، "طالبنا بإلغاء استملاك الأراضي الزراعية في مناطق الفتحية والحيادر وتوانس، مع إعداد الخرائط القطاعية لمناطق القضاء بغية تنفيذ المرحلة الرابعة من مشروع البنى التحتية. وإذا لم تتم الاستجابة لمطالبنا، فسنذهب باتجاه التصعيد السلمي".
موظفو الموانئ
ونظم العشرات من موظفي الموانئ في البصرة وقفة احتجاجية في منطقة الداودية بالقرب من النجيبية، مطالبين محافظ البصرة بإدراج المنطقة ضمن خطة الخدمات لعام 2025.
وأكد مسؤول ملف متابعة قطع الأراضي في دائرة الموانئ، أن الأرض ملك عام للشركة العامة لموانئ العراق، مطالبًا بشمول المنطقة بالخدمات ضمن جهود المحافظة لإزالة التجاوزات والعشوائيات.
كما طالب المحتجون الحكومة المحلية بتوفير الحماية للأرض ومنع التجاوزات عليها، بالإضافة إلى منع رمي النفايات فيها. وأشار إلى أن شركة الموانئ تعهدت بإفراز الأراضي وفتح الشوارع، مؤكدًا أن المنطقة ستشهد تطورًا قريبًا مع ضرورة شمولها بالبنى التحتية.
أصحاب البسطات في السماوة
وتجددت احتجاجات أصحاب البسطات والكسبة في مدينة السماوة أمام مبنى مجلس المحافظة، رفضًا لقرارات إزالة بسطاتهم من السوق. وأعرب المحتجون عن قلقهم من أن إزالة بسطاتهم دون تعويض مناسب سيؤدي إلى ضرر كبير لعوائلهم، مطالبين مجلس المحافظة بالتدخل الفوري لإيجاد حل مناسب يضمن لهم استمرارية معيشتهم.
تعكس الأرقام الحكومية المتناقضة بشأن عدد إصابات المواشي بمرض الحمى القلاعية، مدى الارتباك الحكومي في التعامل مع هذه الأزمة الصحية، التي أثارت قلقًا واسعًا بين المربين والمواطنين.
وفيما يربط وزير الزراعة "تهويل الموضوع" بـ"نظرية المؤامرة"، تشير خبيرة بيئية الى أسباب جديدة محتملة لانتشار المرض، بما في ذلك دور الطيور المهاجرة والأعلاف المستوردة.
وزير الزراعة: هجمة مقصودة!
وعدّ وزير الزراعة عباس جبر المالكي، أمس الأربعاء، أن ما يُثار حول مرض الحمى القلاعية التي أصابت المواشي في عدة محافظات عراقية هو "هجمة مقصودة"، مؤكدًا في الوقت نفسه أن المرض لا ينتقل إلى الإنسان.
وقال المالكي في مؤتمر صحفي: "مرض الحمى القلاعية مستوطن في العراق منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وفي كل سنة تحصل إصابات"، مشيرًا إلى أن المرض موجود في جميع دول العالم، لكنه في العراق يعتبر مرضًا مستوطنًا.
وأضاف الوزير، أن "تناول الموضوع بهذا الشكل هو حرب على المواطنين، وهي هجمة مقصودة من بعض المستفيدين مع قرب الانتخابات التشريعية في البلاد"، مبينًا أنه "جرى تحذير الناس من أكل اللحوم ومشتقات الحليب".
وأشار إلى أن العام 2023 شهد إصابات بالحمى القلاعية لأكثر من 17 ألف حالة، لكن لم تُثر حولها ضجة، بينما الآن هناك ما يزيد على ثلاثة آلاف حالة فقط!
وطمأن المالكي المواطنين بأن "هذا الفيروس لا ينتقل إلى الإنسان عبر أكل اللحوم أو مشتقات الحليب، ولا توجد أي إصابة بشرية سجلت في العراق أو حتى في دول العالم بهذا الفيروس، حيث إنه يصيب فقط الحيوانات المجترة مثل الأبقار والأغنام والجاموس".
إجراءات الوزارة
المتحدث باسم الوزارة، محمد الخزاعي، قال إن دائرة البيطرة اتخذت عدة إجراءات للحد من انتشار المرض، شملت محاصرة البؤر الوبائية الأربع في جرف النداف، الفضيلية، حي الوحدة، والنهروان. كذلك تقديم العلاجات للحيوانات المصابة، ورش الحظائر بالمبيدات، بالإضافة إلى حملة احترازية في باقي المحافظات لمنع ظهور أي بؤر جديدة.
وأضاف الخزاعي، أن "البؤر الوبائية في بغداد شهدت بعض حالات النفوق، لكنها لا تزال ضمن المعدلات الطبيعية"، موضحًا أن "إجمالي الإصابات بلغ 6,151 حالة، فيما وصل عدد النفوق إلى 654 حالة".
وفند الخزاعي الشائعات حول انتقال المرض من الحيوان إلى الإنسان، مؤكدًا أن "الحمى القلاعية تصيب الحيوانات فقط، ولا تشكل أي تهديد للبشر".
أسباب أخرى لانتشار المرض
من جانب آخر، أكدت خبيرة التلوث البيئي الدكتورة إقبال لطيف جابر وجود أسباب أخرى لانتشار مرض الحمى القلاعية في العراق، غير الحيوانات المستوردة التي نفت وزارة الزراعة أن تكون المسبب الرئيس للفيروس.
وقالت جابر، إن "الطيور المهاجرة قد تكون سببًا رئيسا لانتشار الفيروس، حيث لاحظنا انتشار المرض بعد وصول هذه الطيور إلى العراق قبل شهر ونصف الشهر"، مضيفا أن "هناك دراسات عالمية تؤكد أن الطيور المهاجرة تلعب دورا نشطًا في نشر فيروسات الحمى القلاعية، خاصة أن المرض لم يصب فقط الحيوانات، بل الطيور أيضا مثل الدواجن والبط والطيور المنزلية، بعد اصطيادها من قبل بعض المواطنين".
واشارت الخبيرة الى تقرير لمنظمة الفاو عن صحة الحيوان في أوكرانيا، تضمن انتشار العديد من الأمراض هناك، باعتبار أنها منطقة حرب، حيث توجد الآلاف من جثث الحيوانات التي قتلت بفعل العمليات العسكرية أو بسبب الخوف والصدمة، وهناك مخاوف من انتشار الحمى النزفية وداء الكلب وحمى القرم في أوكرانيا.
ونبّهت إلى ضرورة تعزيز الأمن البيولوجي البيئي لمعرفة مصادر الطيور المهاجرة وعدم صيدها من قبل المواطنين، لاحتوائها على بعض الفيروسات، بالإضافة إلى مراقبة الرياح التي قد تنقل الفيروسات.
كما أشارت إلى أن الأعلاف المستوردة قد تكون سببًا رئيسيًا لانتشار المرض، داعية إلى إجراءات صارمة وفحص دقيق في المنافذ الحدودية للأعلاف الداخلة إلى العراق، خاصة أن نسبة كبيرة منها قد تأتي من أوكرانيا، حيث امتنعت العديد من الدول عن استيراد الأعلاف منها بسبب مخاوفها من انتشار الفيروسات.
شهدت العاصمة بغداد وعدة محافظات أخرى موجة احتجاجات واسعة، نظمها خريجو الكليات الطبية والهندسية والمهن الصحية، إضافة إلى فئات أخرى من العاملين في قطاعات مختلفة، مطالبين بحقوقهم الوظيفية وتحسين أوضاعهم المعيشية، في ظل تجاهل حكومي مستمر لمطالبهم.
خريجو المجموعة الطبية
ففي بغداد، نظم خريجو كليات المجموعة الطبية والمهن الصحية والتمريضية تظاهرة حاشدة انطلقت من أمام وزارة الصحة وصولًا إلى وزارة المالية، احتجاجًا على عدم توفر الدرجات الوظيفية، وتجاهل الحكومة لتطبيق قانون رقم 6 لسنة 2000 الخاص بالتدرج الطبي، الذي ينص على تعيين جميع الخريجين.
ورغم محاولات منع المتظاهرين القادمين من المحافظات الأخرى من دخول العاصمة، أصر المحتجون على المضي قدمًا في احتجاجاتهم، رغم التضييق الذي طال وسائل الإعلام لمنعها من تغطية الحدث.
فاطمة سمير، إحدى المتظاهرات، أعربت عن استيائها من محاولات التكتم الإعلامي على قضيتهم، قائلة: "نحن خريجو المجموعة الطبية والمهن الصحية، تم التعتيم على قضيتنا إعلاميًا، لمنع إيصال صوتنا".
وأضافت، أن الحكومة تمارس تمييزًا واضحًا في التعيينات، حيث تم تعيين بعض الخريجين بينما تم تجاهل آخرين، في مخالفة واضحة لقانون التدرج الطبي.
من جانبه، أكد محمد كريم، ممثل خريجي الصيدلة، أن الحكومة تحاول التهرب من مسؤولياتها، رغم إصدار رئاسة الوزراء كتابًا ينص على أن وزارة المالية هي المسؤولة عن جمع درجات الحذف والاستحداث، والتي أكملتها وزارة الصحة.
وطالب كريم وزيرة المالية، بالوقوف إلى جانب الخريجين وإنصافهم بعد تعرضهم للظلم.
وفي محافظة بابل، دشن خريجو المجموعة الطبية تظاهرة مماثلة أمام مجلس المحافظة، مطالبين بتطبيق قانون التدرج الطبي، وتعيين خريجي دفعة عام 2023 بالكامل، وسط استياء من عدم استجابة الجهات المعنية لمطالبهم.
احتجاج واسع في البصرة
وفي محافظة البصرة، شهدت المدينة سلسلة احتجاجات واسعة. فقد تظاهر المئات من عمال النظافة وسط المدينة، مطالبين بتحسين رواتبهم وإقرار سلم الرواتب، حيث قاموا بقطع الطريق المؤدي إلى المحافظة القديمة تعبيرًا عن استيائهم من تدني الأجور التي تتراوح بين 170 و350 ألف دينار، وهي من أدنى الرواتب في العراق.
وأكد المتظاهرون، أنهم لم يجدوا أي اهتمام من قبل الحكومة المحلية، مهددين بالتصعيد واللجوء إلى الاعتصام إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم.
وفي خطوة أخرى تعكس أزمة البطالة بين الخريجين، نظم العشرات من خريجي كليات الهندسة تظاهرة أمام بوابة شركة نفط البصرة، مطالبين بتفعيل قرار مجلس الوزراء القاضي بتعيينهم.
زينب علاء، إحدى المتظاهرات، قالت: "نحن نتظاهر منذ ثلاث سنوات في ساحات المطالبة بالحقوق، دون أي استجابة تُذكر، سوى وعود تتكرر دون تنفيذ. سنوات تمر وأعمارنا تقترب من الثلاثين، بينما طموحاتنا وأحلامنا تُعلق بين المماطلة والتجاهل".
وأكد المحتجون، أنهم مستمرون في احتجاجاتهم حتى يتم تنفيذ القرار وتوفير فرص العمل لهم وفقًا للتعهدات الحكومية السابقة.
موظفو البلديات
كما نظم العشرات من موظفي مديرية بلديات البصرة، تظاهرة أمام مقر المديرية مطالبين بتوزيع قطع الأراضي، وتحسين رواتبهم، بالإضافة إلى تعديل سلم الرواتب، مؤكدين أن رواتبهم الحالية لا تتناسب مع متطلبات الحياة اليومية.
وفي وقفة احتجاجية أخرى، تظاهر عدد من موظفي دوائر الدولة أمام مجلس المحافظة، مطالبين بشمول مقاطعة 36/27 الأكوات في قضاء شط العرب بالخدمات والبنى التحتية.
وبين المحتجون، أن الأراضي تم توزيعها منذ عام 2019-2020، لكنها لم تُشمل بالخدمات الضرورية، ما اضطر الكثير منهم للسكن في منازل مستأجرة، على أمل إدراج منطقتهم في خطة البنى التحتية لعام 2025.
أصحاب البسطات في السماوة
وفي محافظة المثنى، شهدت مدينة السماوة احتجاجات لعشرات من أصحاب البسطات والكسبة، رفضًا لقرارات إزالة بسطاتهم من الأماكن المخصصة لهم دون توفير بدائل مناسبة.
وأكد المتظاهرون أنهم ليسوا ضد تنظيم السوق، لكنهم يطالبون بحلول عادلة تضمن استمرار مصدر رزقهم. وأشاروا إلى أن فرض أجور عليهم أو إبعادهم عن السوق الرئيس يؤدي إلى فقدانهم مصدر دخلهم الوحيد.
وحذروا من أن إزالة بسطاتهم دون توفير أماكن بديلة يقود إلى تدهور أوضاعهم المعيشية، داعين الحكومة المحلية إلى الاستماع لمطالبهم وإيجاد حلول تحمي مصالحهم.
وتعكس هذه التظاهرات حالة الاحتقان الشعبي نتيجة تجاهل الحكومة لمطالب الخريجين والعمال والموظفين، ما يدفع بالمزيد من الفئات المتضررة إلى الاحتجاج في الشوارع، في ظل غياب أية إجراءات فعلية لمعالجة هذه الأزمات المتفاقمة.
داهمت الأوبئة والفيروسات المواشي العراقية، بشكل مفاجئ، لتفتك بالجواميس والأبقار، التي يقف مربوها مكتوفي الأيدي أمام آليات البلدية وهي ترفع يوميا حيواناتهم النافقة.
وبين الاشتباه بالإصابة بالحمى القلاعية أو الطاعون البقري، أخذ المرض يتنقل بأريحية بين مراعي الجاموس في بغداد والمحافظات.
ففي بغداد تركزت البؤر الوبائية في مناطق النهروان والفضيلية وحي الوحدة. وتوالت الأخبار بشأن إصابات مشابهة في محافظات نينوى وبابل وذي قار وواسط والبصرة.
الزراعة تنفي استيراد شحنة موبوءة
المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي قال إن "الإصابات تركزت في بعض البؤر الوبائية في مناطق النهروان والفضيلية وحي الوحدة بمحافظة بغداد"، مشيرًا إلى أن "دائرة البيطرة والجهات الساندة استنفرت جهودها منذ اللحظات الأولى لاحتواء انتشار المرض واتخاذ الإجراءات المناسبة للقضاء عليه."
وأوضح الخزاعي، أن "المبيدات الخاصة بمعالجة المرض متوفرة في المستشفيات والعيادات البيطرية في جميع المحافظات"، لافتًا إلى أن "الوزارة فرضت حظرًا على انتقال المواشي من وإلى بغداد وبين المناطق المصابة داخل المحافظة، ضمن إجراءات السيطرة على تفشي المرض".
ونفى الخزاعي صحة الأنباء التي تتحدث عن أن "استيراد مواشي مصابة هو السبب وراء تفشي الحمى القلاعية"، مؤكدًا أن "المواشي المستوردة تخضع لسلسلة من الفحوصات المشددة منذ لحظة خروجها من بلد المنشأ، مرورًا بنقلها عبر البواخر، وحتى وصولها إلى الموانئ العراقية، حيث تتم مراقبتها والتأكد من خلوها من أية أمراض وبائية".
تجاهل تحذيرات المختصين
من جهته، أكد الطبيب البيطري سلام الزهيري، أن انتشار هذه الأمراض قد يكون مرتبطًا بالاستيراد العشوائي للعجول من دول تعاني من انتشار الأوبئة الحيوانية مثل بعض دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا والهند.
وأشار في حديث لـ"طريق الشعب"، إلى "وجود اعتراضات سابقة من قبل المختصين في المحاجر البيطرية على دخول مثل هذه الحيوانات إلى العراق بسبب الاشتباه بإصابتها، إلا أنه تم السماح باستيرادها رغم تلك التحذيرات"، مبينا أن "بعض الأمراض الفيروسية تُعد مشتركة بين الإنسان والحيوان مما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انتشارها".
ودعا الزهيري الحكومة الاتحادية ووزارة الزراعة والجهات البيطرية إلى اتخاذ سلسلة من التدابير العاجلة، من بينها الإعلان بشفافية عن طبيعة هذه الأمراض وأسبابها وتأثيرها، عبر تشكيل لجنة تحقيقية تضم متخصصين من وزارتي الزراعة والصحة ونقابة الأطباء البيطريين والمهندسين الزراعيين ومحاسبة الجهات المتورطة في استيراد الحيوانات المصابة، إضافة إلى إيقاف ذبح الحيوانات المستوردة حتى يتم التأكد من خلوها من الأمراض، وفرض رقابة صارمة على جميع المجازر في البلاد ومنع الذبح العشوائي في محلات بيع اللحوم والمناطق السكنية".
وشدد الزهيري على "ضرورة تفعيل عمل فرق تفتيش مدعومة من القوى الأمنية وحظر نقل الحيوانات من بغداد إلى باقي المحافظات، لحين السيطرة على انتشار المرض، وإيقاف استيراد اللحوم والحيوانات الحية حتى انتهاء الأزمة والسيطرة على الإصابات".
وطالب الزهيري بـ"تعويض المربين عن الخسائر التي تكبدوها جراء نفوق حيواناتهم، بسبب الأمراض المعدية، إلى جانب توفير العلاجات واللقاحات اللازمة مع تنظيم حملات توعية وإرشاد للمربين في الأرياف حول كيفية التعامل مع الأمراض المعدية وإدارتها".
وطبقا للزهيري، فإن من أعراض تناول الإنسان لحوم المواشي الموبوءة، الإصابة بالتسمم والإسهال.
ومع استمرار تفشي الفيروس، يواجه مربو الجاموس مشكلة التخلص من المواشي النافقة، حيث يلجأ بعضهم إلى رمي الحيوانات النافقة على الطرقات العامة، مما يزيد من خطر انتشار العدوى، بينما تقوم فرق البلدية والبيطرة بجمع هذه الجثث وإتلافها، إلا أن تأخر عمليات الإزالة يجعل المنطقة مهددة بانتشار الأوبئة والأمراض.
المربون يلومون الحكومة
مربي الجاموس احمد العكيلي، القى باللوم على الجهات الحكومية في نفوق الحيوانات، معتقدا أن الوباء انتقل الى المراعي العراقية عبر شحنة أبقار مستوردة من دول أجنبية، مشيرا الى ان خسائرهم تجاوزت مليارات الدنانير.
وقال العكيلي لمراسل "طريق الشعب"، ان رأس الجاموس يبلغ سعره 8 ملايين دينار، وقد نفقت لديه أكثر من 20 رأس جاموس.
فيما وجه وزير الزراعة عباس المالكي كوادر وزارته بتشكيل غرفة عمليات واستنفار الجهود والأنشطة والفعاليات البيطرية اللازمة لمتابعة الحالات المرضية التي أُصيبَ بها حيوانات الجاموس في مناطق الفضيلية وجرف النداف والنهروان وحي الوحدة في محافظة بغداد.
وتضمنت توجيهات الوزير "تكثيف عمليات الرصد والتحري والقيام بالإجراءات الاحترازية لتقويض الحالات المرضية والكشف عن مسبباتها، وقيام الكوادر البيطرية المختصة بإجراءات وقائية سريعة وعقد اجتماعات فنية حال ظهور الحالات المرضية للجاموس وبإشراف وكيل الوزارة الفني وبمتابعة مباشرة من مدير عام دائرة البيطرة".
ومنعت الوزارة حركة الحيوانات من وإلى البؤر المصابة لمدة 14 يوماً، فيما باشرت تزويد المستشفيات بمعقمات الفايروسات لرش الحظائر بالمبيدات وغيرها.
وطمأنت الوزارة بأن الإصابات المسجلة تعود إلى مرض الحمى القلاعية، وهو مرض لا ينتقل إلى الإنسان.
نفوق مئات رؤوس الجاموس
وتشهد منطقة العيفار وسط مدينة الحلة بمحافظة بابل، نفوق مئات رؤوس الجاموس، وسط عجز المربين عن احتواء الأزمة وتأخر استجابة الجهات المعنية.
يقول المربي حامد رهيف، وهو أحد المتضررين: إن الخسائر فادحة، والفيروس مستمر بالانتشار؛ حيث فقد هو لوحده 25 رأساً حتى الآن، بينما فقد مربون آخرون أعداداً أكبر.
ويضيف رهيف، إن "المرض اجتاح القرية منذ 10 أيام، والمواشي تصاب بارتفاع حرارة شديد ثم تموت سريعاً"، مبيناً "حاولنا العلاج لكن دون فائدة، والبيطرة لم توفر اللقاحات في الوقت المناسب".
فيما يؤكد مدير دائرة البيطرة في المحافظة أحمد فرهود، أن حملات التلقيح والتعفير مستمرة، لكن بعض المربين امتنعوا عن تلقيح مواشيهم، ما زاد من تفشي الفيروس.
ومع تزايد النفوق يوماً بعد آخر، يطالب مربو الجاموس بإعلان حالة الطوارئ البيطرية، وإيقاف استيراد المواشي مؤقتًا، وتوفير اللقاحات والعلاجات الفعالة.
تشهد المستشفيات العراقية، خصوصًا تلك التابعة للقطاع الأهلي، تزايدًا في المخاطر الصحية وعلى السلامة المهنية، نتيجة الإهمال وضعف إجراءات الأمان. وبرغم حملات التفتيش التي عادة ما تضع يدها على مخالفات خطرة، مثل غياب معدات الإطفاء وسوء التخزين، لا تزال الحوادث تتكرر، ما يهدد سلامة المرضى والعاملين أيضا.
أبرز المخالفات
وأكد مشرق عبد الخالق، المدير العام للمركز الوطني للصحة والسلامة المهنية في وزارة العمل، أن المركز يقوم باتخاذ إجراءات هامة لحماية العاملين في القطاع الخاص، خصوصاً في المستشفيات الأهلية.
وأضاف عبد الخالق، أنه في إطار تلك الإجراءات، تم تنفيذ حملة تفتيشية العام الماضي شملت زيارة عدد من المستشفيات الأهلية. وخلال الزيارة، تم رصد عدد من المخالفات المتعلقة بمعايير الصحة والسلامة المهنية.
وأوضح، أنه من أبرز المخالفات التي تم تسجيلها: عدم وجود خدمات طوارئ، ولا معدات إطفاء الحريق، وعدم الالتزام بالاشتراطات المتعلقة بالسلامة مثل الأسلاك الكهربائية، مؤكدا أنه تم إعداد تقرير مفصل حول هذه المخالفات وإرساله إلى المستشفيات المعنية.
وطالب عبد الخالق بالالتزام بالاشتراطات والمعايير الصحية والسلامة المهنية، لضمان بيئة عمل آمنة وصحية للعاملين والمرضى على حد سواء.
وأظهرت وثيقة صادرة عن وزارة الصحة والبيئة عام 2021 وجود توجيه صادر بعدم استخدام المستشفيات التي أُنشئت حديثاً لمواجهة جائحة كورونا، حفاظا على سلامة المرضى والعاملين في المستشفيات كافة من خطر الحرائق، كونها تخلو من شروط السلامة المهنية ومستلزمات الدفاع المدني.
وصدرت هذه الوثيقة على أثر الحريق الذي وقع في مستشفى ابن الخطيب بالعاصمة بغداد، وتسبب باستشهاد 82 شخصاً وإصابة أكثر من مئة آخرين. وفي حينها اندلع حريق داخل مركز الشفاء الذي كان مخصصاً لمرضى كورونا، وهو أيضاً عبارة عن "كرفانات" في مستشفى الحسين التعليمي بمحافظة ذي قار، وتسبب باستشهاد أكثر من 90 شخصاً.
ولم تنته حوادث المستشفيات بل استمرت حالات الحريق طوال هذه السنوات، حيث اندلع مؤخرا حريق في الطابق الأول بمستشفى الكفيل في محافظة كربلاء.
نقص التدريب
يقول طبيب اختصاص، احمد العامري، أن "مشكلة الحرائق في المستشفيات تؤثر بشكل مباشر على صحة وسلامة المرضى والكوادر الطبية على حد سواء".
ويعزو العامري في حديثه لـ "طريق الشعب"، الأسباب الرئيسة لوقوع هذه الحوادث داخل المستشفيات إلى "نقص التدريب المتخصص لكافة العاملين في المستشفى، سواء كانوا من الأطباء أم الممرضين أم العاملين في الأقسام الأخرى"، مضيفا أنه "للأسف، لا يتم تدريب الكثير من العاملين على التعامل مع المواد والآلات الطبية بشكل آمن، ما يزيد من احتمالية الحوادث. فحوادث الحريق قد تحدث نتيجة التعامل الخاطئ مع الأجهزة الطبية التي تعتمد على الحرارة، مثل أجهزة التعقيم أو الأجهزة الجراحية. وحتى الأدوات الكيميائية المستخدمة في بعض العلاجات، يمكن أن تكون مصدرًا خطيرًا، إذا لم يتم استخدامها بشكل صحيح".
إضافة إلى ذلك، فإن نقص الأنظمة الفعالة للسلامة في العديد من المستشفيات يعزز من فرص حصول هذه الحرائق. ففي بعض المستشفيات، لا تتوفر تجهيزات السلامة بشكل كامل، مثل أنظمة الإطفاء. كما أن بعض المستشفيات لا تتمتع بنظام مراقبة أو إشراف دائم، ما يترك المجال لحصول هذه الحوادث.
تقادم المعدات الطبية
ومن العوامل الأخرى التي يؤشرها العامري على أنها تسهم في هذه الحوادث هي "التهالك والتقادم في بعض المعدات الطبية. حيث إن استخدام الأجهزة القديمة أو غير الصالحة للاستخدام في بعض الأحيان يمكن أن يؤدي إلى حدوث مشاكل قد تصل إلى الحرائق، خاصةً إذا كانت هناك أعطال تقنية لم يتم اكتشافها في الوقت المناسب".
وفيما يتعلق بسلامة الكوادر الطبية، يبين أن "العديد من العاملين في المستشفيات لا يتلقون تدريبًا كافيًا على كيفية التصرف مع حالات حدوث حريق أو أي طارئ آخر. من الضروري أن يتم تجهيز العاملين في كافة الأقسام بمهارات الوقاية والتعامل مع الحوادث، بالإضافة إلى توفير التدريب المستمر على التعامل مع الحوادث الطارئة".
أما بالنسبة لـسلامة المستشفيات، فإنه من المهم جدًا أن تكون هناك خطة شاملة وفعّالة لإدارة المخاطر. يجب تحديث المنشآت الطبية بشكل دوري لتتوافق مع المعايير الحديثة للسلامة، مثل توفير أنظمة إطفاء حريق حديثة ومتطورة في كل قسم، وتحديث وتطوير الأجهزة بشكل مستمر.
إهمال وسوء تنظيم
ويحذر حيدر أحمد النوري، مدرب الإسعافات الأولية في منظمة الصليب الأحمر، من تزايد المخاطر الصحية والسلامة العامة في المستشفيات والمؤسسات الصحية، نتيجة الإهمال وسوء التنظيم، مشيرًا إلى أن المشاكل تتراوح بين سوء التخزين والتخلص غير السليم من النفايات، وصولًا إلى تفشي ظواهر خطيرة مثل التدخين داخل المستشفيات.
ويؤكد النوري لـ "طريق الشعب"، أن "أحد أبرز المشاكل يتمثل في التخزين العشوائي للمواد، حيث تُحفظ الأدوات والمستلزمات في أماكن غير مناسبة، ما يؤدي إلى تكدس المواد التالفة وعدم التخلص منها بشكل صحيح".
ويضيف، أن مشكلة البناء العشوائي ما زالت قائمة، لا سيما استخدام الكرفانات والمواد غير الآمنة مثل ألواح الساندويتش، ما يزيد من احتمالية وقوع حرائق كارثية، مشيرا الى أنه برغم الحديث المتكرر عن ضرورة التخلص السليم من النفايات الطبية، إلا أن هذه التوصيات غالبًا ما تبقى "حبراً على ورق"، حيث لا تزال بعض المستشفيات تفتقر إلى إجراءات واضحة وفعالة للتعامل مع هذه المخلفات.
ويسترسل النورس بالحديث، أن ظاهرة التدخين داخل المستشفيات عادت للانتشار، حيث لم يعد هناك التزام بالقيود السابقة، الأمر الذي يؤدي إلى إلقاء أعقاب السجائر في أماكن غير مخصصة، بعضها قد يحتوي على مواد قابلة للاشتعال، ما يزيد من مخاطر الحوادث.
ويشدد على أن الحل يكمن في تفعيل دور الدفاع المدني من خلال لجان رقابية مختصة تتابع المحال التجارية والمنشآت الصحية، لضمان أن اعتماد البناء والتخزين لمواصفات قياسية. كما يرى ضرورة وجود قسم متخصص بالدفاع المدني داخل وزارة الصحة، على غرار ما هو معمول به في وزارات أخرى، كي يتولى التفتيش الدوري والتأكد من معايير السلامة.