شهدت عدة محافظات عراقية في الأيام الأخيرة سلسلة من التظاهرات والاحتجاجات التي نظمها مواطنون طالبوا بحقوقهم المشروعة. من خريجي الجامعات إلى المنتسبين العسكريين، مرورًا بحراس الوقف السني وأهالي القرى الحدودية، تتعدد المطالب التي تتراوح بين التعيينات الوظيفية، توزيع الأراضي، وصرف مستحقات مالية.
خريجو المثنى يطالبون بالتعيين
في محافظة المثنى، جدد العشرات من الخريجين الذين ظهرت أسماؤهم كاحتياط في تعيينات وزارة التربية، وقفتهم الاحتجاجية قرب مبنى ديوان المحافظة، مطالبين بشمولهم بالتعيين في الوظائف المخصصة لهم.
وطالب المحتجون بتخصيص حصة التربية من التعيينات بشكل كامل لهم، مشيرين إلى أن الوزارة لم تعلن عن كافة الأسماء المستحقة للتعيين، ما يزيد من معاناتهم في ظل الظروف الحالية. كما دعا الخريجون الحكومة إلى الإسراع في تنفيذ تعهدات التعيين.
مطالبات بتوزيع قطع الأراضي
في ذات المحافظة، نظم عدد من منتسبي وزارة الدفاع وقفة احتجاجية أمام مبنى ديوان المحافظة، مطالبين بسرعة إكمال ملف توزيع قطع الأراضي المخصصة لهم. وطالب المحتجون بأن يكون التوزيع شاملاً وعادلاً لجميع المنتسبين، معربين عن استيائهم من التأخير الحاصل في تخصيص الأراضي لهم، أسوة ببقية الشرائح.
صرف الفروقات المالية
وفي البصرة، نظم العشرات من حراس الوقف السني وقفة احتجاجية أمام مبنى الوقف، مطالبين بصرف الفروقات المالية المتوقفة منذ عام 2019.
كما طالب المحتجون بصرف تخصيصات الموقع الجغرافي الخاصة بهم، مشيرين إلى أن كافة الكتب الرسمية المتعلقة بالطلبات قد تم إنجازها، لكن وزارة المالية لم تصرف المخصصات المالية بعد. ودعا المحتجون رئيس الوزراء والوقف السني في بغداد إلى إنصافهم وتلبية مطالبهم.
رفض التهجير
في محافظة ديالى، نظم العشرات من أهالي قرية دوخلة التابعة لناحية جديدة الشط، تظاهرة احتجاجية ضد محاولات جهات تدعي امتلاكها أراضي القرية لإزالة منازلهم وتهجيرهم. وطالب الأهالي بتدخل القضاء والحكومة الاتحادية لحسم ملف أراضي القرية وإنصافهم، مؤكدين أنهم لا يزالون يعيشون في أراضيهم التي تعتبرها جهات أخرى ملكًا لها.
رسوم غير قانونية
وأيضًا في ديالى، تظاهر العشرات من أصحاب الشاحنات التجارية أمام منفذ المنذرية الحدودي الدولي مع إيران، احتجاجًا على فرض رسوم جباية غير قانونية عليهم من قبل جهات خارجة عن القانون عبر ساحات غير رسمية قرب المنفذ. وطالب المحتجون بتدخل الجهات المعنية لإنقاذهم من دفع هذه الرسوم التي تؤثر سلبًا على عملهم وتزيد من الأعباء المالية عليهم.
وتكشف هذه التظاهرات عن حالة من الإحباط والتراكمات المالية والإدارية التي يعاني منها المواطنون في مختلف المناطق العراقية، والتي تتطلب تدخلًا حكوميًا عاجلًا للبت في هذه القضايا، وحلها بما يضمن حقوق الجميع.
مع استمرار الاحتجاجات المطلبية في عدد من المحافظات، تستعد العاصمة بغداد لاستقبال احتجاجات كبيرة اليوم وغداً، إذ دعت اللجنة المركزية للتظاهرات كافة العراقيين للمشاركة فيها، والتنديد بتردي ساعات تجهيز الكهرباء. فيما دعت التنسيقية المركزية لخريجي المجموعة الطبية والمهن الصحية والتمريضية إلى مسيرة اليوم الثلاثاء تطالب بتطبيق قانون التدرج الطبي.
احتجاجاً على تراجع الكهرباء
ودعت اللجنة المركزية للتظاهرات، العراقيين الى المشاركة في تظاهرة يوم غد الأربعاء في العاصمة بغداد، احتجاجا على تراجع ساعات تجهيز الكهرباء.
وذكرت اللجنة في بيان طالعته "طريق الشعب"، ان "التظاهرة سوف تنطلق من أمام وزارة النفط الساعة العاشرة صباحًا، قبل التوجه إلى وزارة الكهرباء".
وأكد البيان أن وزارة النفط تتحمل المسؤولية الأساسية في هذه الأزمة بسبب عدم توفير الكميات الكافية من الوقود لمحطات الكهرباء. كما شدد على ضرورة توفير وقود مدعوم للمولدات الأهلية لضمان استمرارية تشغيلها في ظل انقطاع الكهرباء المستمر.
وطالبت اللجنة وزارة الكهرباء بتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب، الذي يعاني من سوء الخدمات الأساسية.
وحذرت من أن عدم الاستجابة السريعة من قبل المسؤولين سيؤدي إلى تصعيد الاحتجاج أمام مكاتب نواب وزعامات الأحزاب المتنفذة في هذه الوزارات.
ودعت اللجنة كافة المواطنين إلى المشاركة في هذا التجمع للتأكيد على حقوقهم المشروعة في الحصول على خدمات أساسية، وعلى رأسها الكهرباء.
تطبيق قانون التدرج الطبي
من جهتها، أعلنت التنسيقية المركزية لخريجي المجموعة الطبية والمهن الصحية والتمريضية دفعة 2023 عن تنظيم مسيرة احتجاجية اليوم الثلاثاء، للمطالبة بحقوقهم المشروعة في حسم تعيينهم وفقا لقانون التدرج الطبي.
وستبدأ المسيرة من أمام وزارة المالية باتجاه وزارة الصحة، حيث يطالب الخريجون بتطبيق قانون التدرج الطبي وقرارات مجلس الوزراء، إضافة إلى توجيهات رئيس مجلس الوزراء بتعيين ما تبقى من دفعة 2023.
وأكدت التنسيقية، أنها ستواصل الاعتصام المفتوح أمام وزارة الصحة حتى تحقيق المطالب. كما ناشدت التنسيقية جميع الخريجين والمتضامنين المشاركة في المسيرة، لدعم حقوقهم القانونية والمهنية.
غضب في الكوت
وشهدت مدينة الكوت مسيرة جماهيرية احتجاجية أمام مجلس محافظة واسط، دعت إليها منسقية "واسط مستمرون" وعدد من الناشطين المدنيين، للمطالبة بحلول جذرية لمشكلة الكهرباء المتفاقمة، ورفضًا لسياسات خصخصة القطاع العام التي تكرس معاناة العراقيين.
خلال التظاهرة، تمت قراءة بيان ندد بإجراءات الخصخصة التي اعتبرها المشاركون عبئًا إضافيًا على كاهل المواطنين، متهمين مجلس المحافظة بعدم تحمل مسؤولياته تجاه أبناء المحافظة.
وأعرب المحتجون عن استيائهم من تجاهل أعضاء المجلس لهذه الاحتجاجات، مؤكدين أن دور المجلس يقتضي الاستماع إلى مطالب الناس واستقبال ممثليهم بدلاً من تركهم في الساحات دون استجابة.
وشدد المشاركون على ضرورة وضع حد للفساد الذي يُعمّق الأزمات في قطاع الخدمات، وطالبوا بإجراءات ملموسة لتحسين الكهرباء التي أصبحت معاناة يومية تثقل كاهل سكان واسط وجميع العراقيين.
مطالبات بتوفير فرص العمل
ونظم العشرات من خريجي الاختصاصات النفطية في قضاء الصادق وقفة احتجاجية، مطالبين بفتح مكتب التشغيل الفرعي في القضاء، بعد تأخير إجراءات الموافقة الأمنية لمدة ستة أشهر.
وقد أمهل الحراك الشعبي في القضاء الحكومة المحلية وشركة نفط البصرة خمسة أيام لحل المشكلة، محذرين من تصعيد الاحتجاج في حال استمرار إغلاق المكتب.
وأكد علاء يوسف، مدير مكتب التشغيل الفرعي، أن المكتب لم يتمكن من تشغيل سوى أربعة أشخاص فقط منذ استحداثه، نتيجة تعطيل عمله بسبب عدم إصدار الموافقات الأمنية.
وأوضح، أن هناك أكثر من 7 آلاف عاطل عن العمل في القضاء، بينهم أكثر من ألفي خريج، مشيراً إلى أن المكتب لا يمتلك إحصائيات دقيقة حول عدد العاملين في الحقول النفطية بسبب تعطيل العمل في المكتب.
من جانبه، قال الشيخ صالح المنصوري، عضو الحراك الشعبي بالقضاء، إنّ احتجاج مهندسي النفط هو جزء من الحراك الشعبي في قضاء الصادق، مطالباً المسؤولين في إدارة شركة نفط البصرة وحقل غرب القرنة 1 بالعمل على تشغيل الشباب الخريجين العاطلين.
وأضاف، أن الحراك أمهل مدير شركة نفط البصرة ومدير هيئة تشغيل حقل غرب القرنة 1 حتى يوم الجمعة المقبل، وفي حال عدم الاستجابة، سيتم التصعيد.
معاناة سائقي الشاحنات
ونظم عدد من سائقي الشاحنات لنقل البضائع في السليمانية احتجاجات على تدهور أوضاعهم المهنية وزيادة التحديات التي يواجهونها في قطاع النقل.
وأوضح ريبوار محمد، أحد السائقين المحتجين، أن الرسوم المفروضة على السائقين العراقيين لنقل البضائع بين العراق وإيران تتراوح بين 700 و750 دولارًا لكل حمولة، وهو مبلغ باهظ مقارنة بالأرباح التي لا تتجاوز 150 دولارًا فقط.
وأضاف محمد، أن الشركات ووكلاء النقل يعطون الأولوية للشاحنات الإيرانية نظرًا لانخفاض الضرائب المفروضة عليها والتي تقل بمقدار 600 دولار مقارنة بتلك المفروضة على الشاحنات العراقية. واعتبر هذا التفاوت تحديًا كبيرًا أمام سائقي شاحنات السليمانية، الذين يعانون من تدهور أوضاعهم المعيشية.
وأشار محمد إلى أن عدد الأحمال الممنوحة للسائقين الكورد قد انخفض بشكل كبير مؤخرًا، حيث كان يصل في السابق إلى ستة أحمال شهريًا، بينما تقلص الآن إلى حملين فقط.
وأوضح، أن الشاحنات الإيرانية تسيطر على السوق بأسعار أقل، مستفيدة من التكاليف المخفضة وإيرادات إضافية من تهريب مواد معينة، ما يزيد من معاناة السائقين العراقيين.
وطالب المحتجون الجهات الرسمية بالتدخل العاجل لإيجاد حلول لمشكلاتهم الاقتصادية، وذلك في ظل الصعوبات المعيشية والضغوط المتزايدة التي يواجهونها في قطاع النقل.
ويواجه قطاع النقل بين العراق وإيران تحديات كبيرة بسبب التفاوت في الرسوم والضرائب المفروضة على الشاحنات العراقية والإيرانية، ما يزيد من حدة المنافسة بين السائقين ويفاقم الأزمة الاقتصادية.
تشرف السنة الحالية على الانقضاء، لكن الأمور لم تتغير بالنسبة للعراقيين الذين يطالبون بأبسط حقوقهم، مثل فرص العمل والخدمات وغيرها. فقد استمرت الاحتجاجات المطلبية في عدة محافظات، حاملة مطالب مشروعة، فيما واصل الآلاف من الموظفين في مدينة السليمانية وضواحيها، يوم أمس الأربعاء، إضرابهم عن الدوام، رغم استلامهم رواتبهم لشهر تشرين الأول.
الاضراب مستمر في السليمانية
وأفاد شهود عيان بأن الموظفين توجهوا إلى دوائرهم لتسلم رواتبهم الخاصة بشهر تشرين الأول، ثم عادوا إلى منازلهم لمواصلة الإضراب.
ويطالب الموظفون بصرف رواتب شهري 11 و12 كشرط أساسي قبل نهاية العام الحالي للعودة إلى العمل في دوائرهم ومواصلة الدوام.
من جهة أخرى، شهدت محافظة حلبجة في إقليم كردستان احتجاجات واسعة بسبب تأخر صرف الرواتب، حيث خرجت جماهير غاضبة للتعبير عن رفضهم لتراجع الجهات الحكومية عن وعودها بتقديم الخدمات وتنفيذ المشاريع.
وأدت هذه الاحتجاجات إلى شلل شبه كامل في الحياة اليومية في السليمانية، حيث توقفت الدوائر الحكومية والمدارس والجامعات والمستشفيات عن العمل. وقد انضم إلى الإضراب، العاملون في المستشفيات والمراكز الصحية، بما في ذلك مستشفى الولادة، بسبب عدم تسلمهم رواتبهم لأكثر من 75 يومًا.
في اليوم الحادي عشر، توسع نطاق الإضراب ليشمل المزيد من الدوائر الحكومية مثل البلديات، والمحكمة، ودائرة الكهرباء، إضافة إلى استمراره في دوائر المرور والتقاعد، والضريبة، وكتاب العدل، ومؤسسات وزارة الصناعة.
كركوك على خط الاحتجاج
من جانب اخر، تظاهر العشرات من الحراس الأمنيين المفسوخة عقودهم، أمام بوابة شركة نفط الشمال، مطالبين بإعادتهم إلى الخدمة أسوة ببقية المحافظات.
وأفاد المتظاهر ريبوار صديق، بأن عدد الحراس الأمنيين المفسوخة عقودهم في حقل باي حسن النفطي يبلغ حوالي 466 شخصًا، مشيرًا إلى أنه تمت إعادة العمل لزملائهم في محافظتي صلاح الدين ونينوى. وطالب صديق شركة نفط الشمال وشرطة نفط الشمال بالعمل على إعادة الحراس الأمنيين إلى الخدمة.
وأضاف المتظاهر: "لقد عملنا في ظروف صعبة، وعندما تم وضع بند يسمح لنا بالعودة، كانت هناك مماطلة في تنفيذ هذا الأمر".
من جانبه، قال سركوت محمد وهو متظاهر آخر، إن "التظاهر حق مشروع، ورسالتنا لشركة نفط الشمال هي ضرورة إعادة تشغيلنا لحراسة الآبار النفطية في حقل باي حسن".
وأكد محمد، أن أعدادهم ليست كبيرة، وأنه يمكن إعادة الحراس إلى العمل من خلال كتاب واحد من شركة نفط الشمال إلى وزير النفط، حيث إن الغطاء المالي موجود في الموازنة.
وأوضح المتظاهرون، أن لديهم عائلات يعيلونها وسط الظروف المالية الصعبة، مؤكدين ضرورة الإسراع في إعادة توظيفهم.
عقود التعداد السكاني
الى ذلك، نظم العشرات من العدادين المشاركين في التعداد العام للسكان، وقفة احتجاجية في وسط مدينة بعقوبة، مركز محافظة ديالى، مطالبين بتعيينهم.
وأفاد مراسل "طريق الشعب"، في المحافظة في ديالى بأن المحتجين، ومعظمهم من الخريجين، طالبوا بتعيينهم إما بعقود مؤقتة أو على الملاك الدائم، تثمينا لمشاركتهم في التعداد السكاني.
البحث عن العمل في البصرة
واحتشد العشرات من أبناء مناطق شمال البصرة أمام بوابات أكبر حقول النفط في العراق، مطالبين الحكومة المحلية بتوفير فرص عمل لهم وتحسين واقع الخدمات في مناطقهم.
وخلال الاحتجاج، طالب المتظاهرون بمساواتهم مع مركز المحافظة في الحصول على فرص العمل والخدمات الأساسية، مشيرين إلى التهميش المستمر الذي يعانون منه برغم احتضان مناطقهم اكبر الموارد النفطية في البلاد، مؤكدين عدم استفادتهم الكافية من هذه الموارد.
وكان المتظاهرون قد رفعوا شعارات تطالب بإنصاف مناطقهم وتحقيق العدالة في توزيع الفرص والخدمات، داعين الحكومة المحلية إلى التدخل الفوري لتحسين الأوضاع المعيشية لسكان تلك المناطق.
محاضرو الديوانية
ونظم عدد من ملحق المحاضرين بوزارة التربية في محافظة الديوانية تظاهرة أمام مبنى الوزارة في بغداد، مطالبين بالمصادقة على الكلف المالية الخاصة بهم قبل انتهاء السنة المالية.
وقال المحتجون، إن تأخير المصادقة على الكلف المالية يؤثر سلبًا على مستحقاتهم المالية، ويعرضهم لتأخيرات إضافية في صرف مستحقاتهم. وطالبوا الوزارة باتخاذ الإجراءات اللازمة لإقرار هذه الكلف في الوقت المحدد، لضمان حقوقهم المالية وعدم التأثير على حياتهم اليومية.
رياضيو الكوت
من جهتهم، نظم رياضيو الألعاب الفردية والجماعية في نادي الكوت تجمعًا أمام مبنى النادي، احتجاجًا على قرار محافظ واسط القاضي بإخلاء المبنى، مطالبين بالتريث في تنفيذ القرار.
واعتبر المدربون واللاعبون، أن هذا القرار سيؤثر سلبًا على تاريخ النادي الذي يمتد لأكثر من 70 عامًا، ويزيد من تدهور الأوضاع المادية للنادي.
وقال عقيل سعد حلاوي، مدرب في النادي، إن "قرار الإخلاء يؤثر على جميع الرياضات الفردية والجماعية في النادي".
وأضاف، ان "القرار سيؤدي إلى تسريح اللاعبين ويعرض مستقبل الشباب والبراعم الرياضيين للخطر. إن الرياضة مكان لتطوير الأجيال، ويجب أن لا يتم التعامل مع النادي بهذه الطريقة".
لم تعد البطالة في العراق مجرّد أزمة اقتصادية عابرة، بل أصبحت تحدياً بنيوياً يُهدد الاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية. وعلى الرغم من التصريحات والوعود الحكومية المتكررة حول تراجع نسب البطالة، تشير الحقائق إلى عجز السياسات الاقتصادية عن تفعيل القطاع الخاص، وضعف الاستثمارات التي من شأنها خلق فرص عمل جديدة.
وفي المقابل، أدت التعيينات الحكومية العشوائية إلى تضخم الجهاز الإداري دون أن تسهم في حل المشكلة جذرياً، ومع غياب خطط التنمية المستدامة وضعف دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، تبقى البطالة واحدة من أبرز القضايا التي تُفاقم معاناة الشباب العراقي.
مليون عراقي سنويا يحتاجون عمل
وفي تقرير لها حول نسب البطالة ومعدلات النمو، قالت صحيفة “ذا ناشونال” إن العراق بحاجة لخلق 350 ألف فرصة عمل جديدة كل عام، لمنع الزيادة السريعة في عدد العاطلين عن العمل، مبينةً أن أعداد من يدخلون إلى السن القانونية للعمل ويحتاجون إلى عمل، تزداد بنحو مليون شخص كل عام.
ووفقاً لتقريرٍ للبنك الدولي، فإن العراق يحتل المرتبة الـ 49 من أصل 50 فيما يتعلق بالضرائب والمنافسة في السوق وإفلاس الشركات، مؤكداً أن التحدي الأخطر الذي يواجه العراق هو النمو السريع في أعداد الباحثين عن عمل، ففي كل عام يكون هناك مليون عراقي في سن يسمح لهم بالعمل.
طريق التنمية.. رافعة للتشغيل
وفي سياق متصل، يقول المستشار المالي رئيس الوزراء، د. مظهر محمد صالح: ان "البطالة هي أحد الهواجس الكبيرة لدى السياسة الاقتصادية في الدولة، في بلد مثل العراق تتدافع الناس فيه اليوم على "الوظيفة العامة العاطلة" بغض النظر عن إنتاجيتها".
ويضيف صالح قائلاً لـ"طريق الشعب"، إنّ هذه المشكلة "يوجد لها حل عبر 3 اتجاهات: الاول هو ما توفره الدولة من وظائف ملحة في القطاع الصحي والامني والقضائي والتعليمي، والاتجاه الثاني هو مبادرات البنك المركزي وصندوق العراق للتنمية والمصارف، بمنح قروض لاقامة مشاريع بالاعتماد على النفس، مع توفير ضمان صحي للعاملين".
وبالنسبة للاتجاه الثالث قال انه "الاكبر والمهم، ويمثل استراتيجية طريق التنمية، اذ سنكون بحاجة ليس الى عمال عراقيين بل حتى أجانب، اذا ما توفرت الفرص الكاملة لتشغيل هذا المشروع الكبير والعملاق. واعتقد انه سيكون حينها رافعة للتشغيل في العراق بشكل كبير جداً".
وبيّن ان "تخفيف التدافع على العمل في القطاع الحكومي، يكون بمساهمة الحكومة وبدعم وتنشيط القطاع الخاص"، مبينا ان "للحكومة شراكة تمويلية بمنح ضمانات سيادية، لتحصيل قروض اجنبية لمشاريع صناعية، فنهضة الصناعة ستمتص 60 في المائة من القوى العاملة".
وخلص الى القول ان "الامل الكبير معقود على طريق التنمية، والذي سيؤدي الى نهضة بثلاث مدن صناعية، ومنطقتين اقتصاديتين، وهذا يحتاج الى قوة عاملة هائلة وملحقاتها، وترتبط بها كل الاعمال الثانوية والمكملة".
تحسين البيئة الاستثمارية
المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، أكد أن "سوق العمل يستقبل سنويا من الخريجين حوالي 300 الف وربما اقل او اكثر، اضافة الى ما يدخل السوق من غير الخريجين، ممن يصلون الى سن العمل"، مبينا "اننا بالنتيجة نحتاج من 250 الى350 الف فرصة عمل، حتى نلبي حاجة الايدي العاملة الداخلة الى سوق العمل سنوياً".
وعلى مستوى السياسات قال الهنداوي لـ "طريق الشعب"، ان "التوجه الان صوب اعطاء مساحة اوسع للقطاع الخاص، ليكون قادرا على تحقيق شراكة في هذا الاتجاه، وتم تشكيل مجلس تطوير القطاع الخاص، الذي يرأسه السيد رئيس الوزراء، ويضم ممثلين عن كل الفعاليات الاقتصادية المنضوية تحت لواء القطاع الخاص، ويتكون من 33 عضوا، وهؤلاء الاعضاء من كل الانشطة والفعاليات الاقتصادية الموجودة في القطاع الخاص".
واكد، ان هناك جهدا حكوميا من أجل تحسين البيئة الاستثمارية في العراق، لتكون أكثر جذباً للمستثمرين على المستويين المحلي والخارجي؛ فكلما كانت هناك حركة استثمارية جيدة في البلد، يتولد لدينا المزيد من فرص العمل للشباب".
واشار الى انه "من المتوقع في ضوء الرؤية والمعطيات الموجودة، أن يوفر القطاع الخاص فرص عمل مناسبة ومهمة، بالاضافة الى المشاريع التي توجهت اليها الدولة، من بينها مشروعا طريق التنمية وميناء الفاو الكبير، ومشاريع المدن السكنية والطرق الحلقية، التي من شأنها أن توفر فرص عمل لائقة للكثير من العاطلين".
وذكر الهنداوي ان "نتائج التعداد العام ستشكل مدخلا مهما للسياسات والخطط و الاستراتيجيات التنموية، لان هدف التعداد تنموي بالدرجة الأولى. ونريد من خلاله أن نؤشر على الفجوات التنموية ومواطن الخلل، وفقا للتركزات السكانية والمزايا المكانية لكل محافظة، فعلى اساسها يتم وضع خطط وسياسات للاستفادة من هذه المخرجات في معالجة المشكلات".
ما هي الحلول؟
من جهته، انتقد المختص بالشأن الاقتصادي صالح الهماشي، عدم قدرة الحكومة على خلق فرص عمل حقيقية للباحثين عنها.
وأضاف الهماشي لـ"طريق الشعب"، أن "سبب هذه المشكلة هو ان الحكومة ما زالت غير قادرة على خلق فرص عمل. وهنا لا نتحدث عن فرص عمل في القطاع العام، بل بتفعيل القطاع الخاص ومنح شهادات استثمار لمشاريع حقيقية، فنسبة 70 في المائة من الاستثمار اليوم ترفيهي، وغير قادر على تغطية هذا العدد الكبير من الايدي العاملة".
وشدد في سياق حديثه على ضرورة ان "تضع الحكومة خطة لجذب استثمار قادر على امتصاص هذا الكم الهائل من الأيدي العاملة سنوياً، وأن توضع خطة خمسية لتوفير كم كبير من فرص العمل، من خلال مشاريع مهمة تحقق هذا الهدف".
وخلص الى ان "صانع القرار حتى اللحظة ليس لديه هذه القدرة والخطة، عدا تخطيط ارتجالي، لم يثمر توفير فرص العمل لجيش العاطلين الذي يُفوج سنوياً".
يتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025، اعلان الحكومة انطلاق المرحلة الثالثة من مشروع تأهيل مدينة بغداد التاريخية، والتي تشمل محور الميدان حتى ساحة الرصافي، ومحور الرشيد، ومن بين أنقاض هذه المساحة المختارة لإعادة التأهيل، رفعت لافتة مؤلمة تكشف عن عرض سينما الخيام"ط للبيع، والتي تعد آخر دور العرض السينمائي في بغداد.
ذاكرة ثقافية منسية
لافتة بيع سينما الخيام، تركت غصة لدى روادها، وهم يرون أول محطات تعرفهم الى "الفانوس السحري" الذي تظهر من مرآته أول الأفلام السينمائية التي شاهدوها على مقاعد هذه السينما، والأماكن المكتظة بالحياة التي كانت تحيط بها، والذاكرة الثقافية والفنية لعاصمتهم بغداد، يرونها وهي تندثر مع سينمات ومعالم أخرى، دون ان يتحرك أصحاب القرار في الدولة لوضع هذه المعالم ضمن الاهتمامات، على الرغم من التخصيصات المالية الكبيرة والتي رصدت لإنتاج الدراما والسينما، لكنها في الغالب لم تلق أماكن مخصصة للعروض.
الصورة التي التقطها السيناريست حامد المالكي للافتة بيع سينما "الخيام"، انتقلت الى صفحات عديدة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن بين من رفقوا الصورة وكتبوا عنها، الصحفي علي السومري، الذي قال في تدوينة على حسابه الخاص في "فيسبوك" ان "كانت هناك نيّة حقيقية لتأسيس وتنشيط السينما العراقية، فهناك فرصة ذهبية، لشراء سينما الخيام، وترميمها لتكون دار عرض محترمة لأعمالنا السينمائية، بدل إنتاج أفلام بائسة بملايين الدولارات كما حدث في بغداد عاصمة الثقافة".
وأضاف، ان "دعم السينما، دعم لدور العرض، فلا توجد سينما دون دور عرض!.. على المختصين والمسؤولين، شراء هذه السينما بدل أن تتحول إلى محال تجارية ومخازن".
مغنية الحي لا تطرب
السيناريست حامد المالكي قال لـ"طريق الشعب"، ان "سينما الخيام تحديدا لديها خصوصية، فصاحب السينما تعاقد مع الفنان جواد سليم لرسم الجدران الداخلية للسينما، وكان سليم في وقتها لم يشرع بتعليق جداريته العظيمة "نصب الحرية" في ساحة التحرير، وكانت شهرته داخل العراق لم تنطلق للعالمية بعد، في هذه الاثناء جاء الى العراق احد الرسامين الايطاليين المغمورين، ولان "مطربة الحي لا تطرب" قام صاحب السينما بإلغاء العقد مع سليم وجعل الرسام الإيطالي يرسم هذه الرسوم "الباهتة" لليالي الخيام".
وواصل المالكي: "لنتخيل لو كانت هذه الرسوم لجواد سليم فكيف ستكون قيمة جدران هذه السينما".
وأضاف، ان "سينما الخيام هي المعلم السينمائي الأخير في بغداد وتقع في شارع مكتظ"، مبينا انه "قبل أيام مررت بالشارع ورأيت اللافتة التي عرضت فيها سينما الخيام للبيع وتعرضت لنوع من الصدمة، بسبب خصوصية هذه السينما التي شاهدت فيها أجمل الأفلام وجعلتني أحب الدراسة والتخصص بالسينما فالتقطت الصورة بألم ونشرتها وانا اشعر بألم كون احلامنا السينمائية نشأت هنا، في هذا المكان".
سياحة بلا معالم
وبين السيناريست، ان "من حق صاحب الملك ان يعرض السينما للبيع كونها ليست ملكا للدولة، لكن ممكن ان تقوم الدولة بشراء وترميم المعماريات الاثرية ومنها البيوت القديمة والسينمات القديمة، ونحن لدينا خمسة بيوت تراثية في شارع حيفا وفي شارع أبو نواس أيضا بيت محسن السعدون رئيس الوزراء عام 1927 وكذلك بيت عالم الري والمؤرخ احمد سوسه صاحب كتاب "العرب واليهود قبل الإسلام"، وان تضع الدولة هذه الأشياء ضمن اهتماماتها". وتساءل المالكي، "حاليا يريدون بغداد ان تكون عاصمة للسياحة والثقافة؟ فهذه هي السياحة والثقافة حين تقول ان هذه السينما شيدت في هذا التاريخ وهذا البيت سكن فيه رئيس وزراء العهد الفلاني واشخاص مهمون من الفنانين والمثقفين تواجدوا هنا".
وأشار الى ان "المفارقة ونحن نتفرج على التلفاز هذه الأيام نرى كيف تسقط تماثيل حافظ الأسد وبشار الأسد في سوريا، وقبلها كيف سقطت تماثيل صدام، ونشاهد فقط تماثيل الشعراء والفنانين هي من تبقى".
ودعا المالكي الى "الاهتمام بالثقافة والفنون كما يجري الاهتمام بالسياسة".
جزء من اهمال كبير
من جانبه قال المخرج السينمائي، رعد مشتت، ان "ما مر به العراق منذ فترة الحرب العراقية الايرانية وغزو الكويت وفترة الحصار وسقوط النظام السابق، دمر قطاع السينما الذي كان متنفساً للعائلة العراقية آنذاك، بينما لم تبد الدولة بعد العام 2003 اهتماما بإعادة الحياة لهذا القطاع الذي عانى من التهميش والاهمال".
واضاف في حديثه مع "طريق الشعب"، ان "قطاع السينما هو جزء من العديد من القطاعات التي عانت التهميش والاهمال على مدى عقدين من الزمن بعد التغيير، فيما أدت الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد الى حرف اهتمام العائلة العراقية عن السينما".
ونوه الى ان "تهميش واهمال دور السينما يعد امراً بسيطاً، قياساً بحجم المعاناة الاكبر على مستوى العاصمة، اذ لم تقدم السلطات شيئاً لبغداد والمدن العراقية الاخرى طيلة الفترة الماضية، حتى يكون هذا القطاع من ضمن اهتماماتها".
ضعف الصناعة السينمائية
وتابع مشتت انه "لا يمكننا القول انه لا توجد دور سينما، وهي موجودة لكن في المولات، وتعرض الاعمال التجارية التي تقدمها هوليوود والسينما المصرية، والتي تدخل ضمن اهتمام الشباب اليوم"، مبيناً ان "العراق حتى الان مازال بلا صناعة سينمائية، رغم المنحة التي قدمتها الحكومة والتي تعد بسيطة، إذا ما أردنا النهوض فعلياً بهذا القطاع".
وأردف بالقول: ان "دور السينما التي تعرض للبيع اليوم هي ملك خاص، ولكن هذه الدور لها مكانة رمزية ومعنوية كبيرة، وكان الاجدر بالدولة شراء هذه الدور واعادة الحياة اليها من جديد".
وأشار الى ان "الثقافة والفن والتاريخ، هي اولويات السائح الذي يزور اي دولة، فما بالك بالعراق الذي يمتلك ارثاً كبيراً في كل واحدة منها، ولا نعرف حقيقة كيف نبرر ان عاصمة السياحة العربية، تُعامل دور السينما العريقة فيها بهذه الطريقة!!".