حذر رئيس مجلس النواب محمود المشهداني، أمس الإثنين، من مخاطر تشكيل حكومة محاصصة في سوريا على غرار النموذج العراقي.
ويعكس هذا التحذير إدراكاً لمخاطر نهج المحاصصة. لكنه يكشف ايضا الازدواجية عندنا في التعامل مع هذا النهج.
فإذا كان نهجا مرفوضا حسب السيد المشهداني، وكما اكد كثيرون قبله، فماذا فعل برلماننا والقوى المتنفذة لتجاوزه ونبذه؟
بل اننا نرى العكس: فالمحاصصة لا تقتصر على تشكيل الحكومات، وانما تمتد لتشمل حتى تشريع القوانين، الذي أصبح يخضع لحساب التوازنات السياسية بين الكتل التي تدعي تمثيل المكونات. وتلك هي المحاصصة.
إن إقرار رئيس السلطة التشريعية بمخاطر المحاصصة، وتقديمه النصح للآخرين بعدم اعتمادها، ليسا مطلوبين فقط، بل ويثيران أسئلة ملحة حول دور البرلمان والقوى النافذة في نبذ نهجها. فمهمة البرلمان ليست مجرد تشخيص المشكلة، بل وتقديم الحلول لها. أم يستمر التهاون ازاء ظاهرة تقويض الديمقراطية، لأجل صفقات سياسية تتجاهل المصلحة العامة؟
في ضوء المتغيرات في وطننا والمنطقة والعالم، نقول ان الوقت حان لنبذ هذا النهج، الذي لم يجن منه العراق والعراقيون سوى الفساد، والاستحواذ على الثروات، والفشل، والتراجع في سائر المجالات.
دعا رئيس الحكومة الجميع، خلال مشاركته في قداس عيد الميلاد، إلى خلق هويّة عراقية عابرة للأطياف والأديان، مشددا على إسهام المسيحيين في بناء حضارة العراق، وعملهم الدؤوب المخلص المتفاني على خدمته، بحيث كان دوماً مركزاً تاريخياً للمسيحية في الشرق الأوسط.
وفي الوقت الذي تلقى فيه هذه الكلمات تعاطف ودعم أغلب العراقيين، فإن وضعها موضع التطبيق الخلاق يتطلب اعتماد الكفاءة والخبرة في اختيار من يتولون العمل العام، بعيداً عن المحاصصة والمحسوبية، ويستلزم منع اي شكل للإضطهاد أو التمييز بسبب المعتقدات الدينية، أياً كان مصدره وأيا كانت مبرراته. كما يفرض حل المشاكل التي يعاني منها المسيحيون، والتي تفاقمت في فترات الإضطراب، خاصة في المدن التي تعرضت لإحتلال الإرهابيين، الى جانب استبعاد اصدار قوانين وقرارات تعرض النسيج الوطني لخطرالتمزق، او تشعر أي عراقي بالتهميش والعزلة. ولا يقل عن هذا اهمية تيسير عودة المهاجرين والمهجرين وتعويضهم، وإعادة إعمار المناطق المتضررة، وتوفير فرص عمل فيها، حتى لا يبقى العراق في المرتبة 16 عالمياً في قائمة الدول، التي يشعر فيها المسيحيون بالخوف.
اتخذ مجلس محافظة بابل، قراراً شبيهاً بما كان قد اقدم عليه نظيره في محافظة نينوى قبل فترة قصيرة، وأبدل وفقا له وبأغلبية اصوات اعضائه، مدراء 12 وحدة إدارية، بآخرين من الموالين لهذه الأغلبية، في استئثار غريب للقوى المتنفذة بكعكة السلطة المحلية وتقاسمها بين الاعضاء كل حسب نفوذه.
وفيما تجاهل القراران غير القانونيين، كالعادة، مبادئ الكفاءة والخبرة وتكافؤ الفرص في التعيين، فانهما سبّبا مشاكل جدية للمجلسين المذكورين، بعد ان اعترض بقية الأعضاء على القرارين احتجاجا على حرمانهم من المناصب والمغانم.
وبيّن هذا من جديد أن ما يجري في مجالس المحافظات هو مظهر حقيقي لما تعانيه هذه المجالس من أزمة بنيوية، جراء طبيعة الانتخابات التي أفرزتها والتي افتقرت الى المصداقية، واصطدمت بالعزوف عن المشاركة فيها من قبل 80 في المائة من الناخبين.
يضاف الى ذلك كون المجالس المذكورة نتاجاً لمنظومة المحاصصة المأزومة، وهو ما يفسر فشلها في الوفاء بوعودها للناخبين من سكان محافظاتها، رغم انقضاء عام على مباشرتها الدورة الحالية. عام كامل لم تستثمره لخدمة الناخبين وعامة المواطنين، وانما قضته في الصراع على المصالح الشخصية والحزبية والتنابز بالألقاب!
كشفت وزارة الصحة عن اعتماد مستشفياتنا على 275 فريقاً طبياً تركياً وهندياً، تم استقدامها خلال السنوات الثلاث الأخيرة لتلافي النقص في امكانياتنا الذاتية، وان تلك الفرق عالجت 15744 حالة مرضية.
وفي الوقت الذي اشتد فيه تدهور اوضاع الرعاية الصحية في البلاد، امتد النقص ليشمل أعداد المستشفيات والمراكز الصحية، وتدنى مستوى خدماتها، وشحت فيها الأدوية والمستلزمات الطبية، وارتفعت أسعار القطاع الخاص وتكاليف العلاج فيه بشكل جنوني، فحقّ للناس التساؤل عن مبرّر فرح الوزارة بما أنجزت، وهو الذي لم يتعّد معالجة حالتين في اليوم الواحد للفريق الواحد وفي كامل مساحة الوطن، علماً أن تكاليف هذا "الإنجاز" بقيت سراً مغلقا.
تجدر الإشارة الى أنه سبق للجنة الصحة البرلمانية أن كشفت، أن ما هو مخصص للصحة في الموازنة لم يتجاوز 17 دولاراً شهريا للفرد الواحد، وهو مبلغ بخس لا يضمن تقديم سوى خدمات متدنية المستوى. وهذا طبعا في حال لم تمتد اليه أيدي الفاسدين المنتشرين في القطاع بأكمله. فيما كشف نواب آخرون عن استيراد الحكومة 15- 30 في المائة فقط من حاجة العراق للأدوية، بينما يتكفل المهربون بتوريد البقية!
حدد رئيس مجلس الوزراء مجموعة من الملفات التي أخفقت حكومته في معالجتها، وكان من بينها ملف توزيع قطع الأراضي على المواطنين. وإذا كانت مراجعة الحكومة لمدى تنفيذ الالتزامات بمنهاجها خطوة إيجابية، فإن ما يثير الاستغراب هو تحول ملف توزيع الأراضي إلى معضلة تعجز عن حلها الحكومات المتعاقبة، وباعترافها المعلن، حتى بدت القضية وكأنها أزمة مزمنة تتطلب جهوداً كبيرة وموارد مالية ضخمة لمعالجتها، في وقت لا تمثل في جوهرها سوى مسألة إدارية وتنظيمية.
وإذا كان الاكتفاء بتوزيع الأراضي على المواطنين ليس حلاً جذرياً لأزمة السكن في البلاد، فإن الأولوية تبقى لتوفير البنية التحتية والخدمات الأساسية لهذه الأراضي قبل توزيعها، لتصبح صالحة للسكن. وإلا فإن مصيرها لن يختلف عن مصير الأراضي التي تم توزيعها في الماضي وظلت جرداء لا قيمة لها.
إن الإخفاق في هذا الملف، إشارة واضحة لوجود خلل إداري أو لتدخل جهات متنفذة تسعى للحفاظ على سوق العقارات كبوابة لتجاراتها المربحة، وهو ما يفسر تعثر تنفيذ هذا الملف ويكشف عمّن يقف وراء هذا الإخفاق.
وأخيراً، يحق للناس التساؤل عن أسباب عدم الشروع ببناء المدن السكنية الجديدة رغم مضي وقت طويل على وضع الحجر الأساس لها، وما علاقة هذا التأخير بما يُشاع عن رفض الشركات المتعاقدة للمباشرة بالأعمال قبل أن يتم تمليكها الأراضي؟!