تواجه حقول النفط الكبرى في إقليم كردستان موجة غير مسبوقة من الهجمات بطائرات مسيّرة مفخخة، استهدفت لليوم الثالث على التوالي مواقع استراتيجية في محافظتي أربيل ودهوك، ما أدى إلى توقف الإنتاج في حقلي خورمالة وسرسنك، في تطور يضع علامات استفهام حول أمن الطاقة واستقرار بيئة الاستثمار في العراق.
وأفاد جهاز مكافحة الإرهاب في الإقليم بأن أربع طائرات مسيّرة استهدفت بهجمات منفصلة ثلاثة مواقع نفطية في إدارة منطقة زاخو المستقلة ومحافظة دهوك.
وكان حقلا "خورمالة" و"سرسنك" النفطيان في محافظتي أربيل ودهوك قد تعرضا، أول أمس الاثنين وصباح أمس الثلاثاء، لهجمات بثلاث طائرات مسيّرة مفخخة، دون تسجيل خسائر بشرية، بحسب ما أعلنته وزارة الثروات الطبيعية في الإقليم.
توقف الانتاج في أكبر الحقول
الأكاديمي والخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، تحدث عن جملة عوامل ترتبط باستهداف حقول النفط في الإقليم، بالتزامن مع طلب امريكي موجه الى الحكومة العراقية يحثها على توفير الحماية لشركات النفط العاملة في الإقليم.
وقال المرسومي لـ"طريق الشعب"، ان "هذه الضربات لا تتزامن فقط مع الرسالة الامريكية للحكومة العراقية بحماية حقول نفط إقليم كردستان من هجمات الطائرات المسيرة"، مبينا انه يأتي كذلك تزامنا مع تقرير وزارة الخزانة الامريكية حول اتهام العراق بتهريب النفط الإيراني، ويتزامن أيضا مع توقيع الحكومة الاتحادية اتفاقية مع شركة HKN الامريكية لاستثمار حقول النفط في حمرين، وهي نفس الشركة المشغلة لحقول نفط في الاقليم".
وأوضح المرسومي، ان "الحقول المستهدفة من أكبر حقول النفط في اقليم كردستان، حيث ينتج حقل (خورمالة) 130 ألف برميل وحقل (سرسنك) 60 ألف برميل"، لافتا الى ان هذه الحقول تزود الإقليم بالمشتقات النفطية ويؤدي استهدافها الى خلق ازمة كبيرة، لاسيما ان تصدير النفط من الإقليم عبر خط جيهان التركي متوقف منذ 2023.
وأعرب استاذ الاقتصاد في جامعة المعقل عن خشيته من استمرار هذه الضربات: "قد تطال مواقع الغاز".
يشار الى ان حقل كرومور الغازي في محافظة السليمانية كان قد تعرض في وقت سابق الى 11 هجوماً بالمسيرات.
وتوقع المرسومي، ان تطال الهجمات المجهولة "حقولا ومصادر الطاقة في وسط وجنوب العراق"، الامر الذي يفرز أجواء غير آمنة لعمل الشركات الاستثمارية الأجنبية في العراق. وبالتالي فان ذلك سيدخل البلاد التي يعتمد اقتصادها كليا على النفط، في أزمة كبيرة.
عجز حكومي عن الردع
الخبير الأمني د. احمد الشريفي، خمّن ان يكون هناك عامل مشترك بين الضربات التي استهدفت الرادارات العسكرية والهجمات التي طالت المواقع النفطية في إقليم كردستان.
وكانت مواقع عسكرية عراقية قد تعرضت، لضربات بطائرات مسيرة، استهدفت رادارات عسكرية في قاعدتي التاجي والناصرية، عشية اعلان الرئيس الأمريكي بوقف إطلاق النار بين ايران وإسرائيل.
وكشف رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في لقاء صحفي أخير، عن تقديم حكومته طلبا للتحالف الدولي للمساعدة في تزويدها بمعلومات عن منفذي ومواقع انطلاق المسيرات.
وقال الشريفي لـ"طريق الشعب"، ان ما تحدث به السوداني "تبرير غير مقنع"، متسائلا "كيف لا تستطيع دولة بمؤسسات عسكرية وامنية متضخمة ان تحمي اجواءها من المسيرات؟".
وأضاف ان "الحكومة تعاني من حالة حرج شديد في قضية كشف الجهات التي تقف خلف عمليات استهداف حقول النفط في إقليم كردستان والرادارات" في اشارة الى انها تعرف هوية مدبر ومنفذ الهجومات، لكنها لا تستطيع اتخاذ أي اجراء.
وأشار إلى ان "الوسائل والأساليب وحتى المواقع المستهدفة تتعدد بحسب المتغيرات، ولكن الهدف واحد، وواضح جدا ان هذا هدف واحد وتقف خلفه نفس الجهة".
ولفت الى ان "قضية الاستثمار واحدة من القضايا الخلافية بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان وقد يكون هذا عنصر فاعل في هذه الاحداث"، مبينا انه "لا توجد رغبة في ان يكون للإقليم استقلالية مالية واستثمارية، وقد تكون هناك مؤثرات خارجية، لكن الابعاد الحقيقية والدوافع هي داخلية وتتعلق بالاقتصاد".
دعوات لموقف حازم
من جهته، دعا الاتحاد الوطني الكردستاني، أمس الأربعاء، الحكومة الاتحادية والبرلمان إلى اتخاذ موقف واضح وحازم من الهجمات المتكررة التي تستهدف إقليم كردستان، مشيراً إلى أن استمرار هذه الاعتداءات يهدد الأمن الداخلي والاستقرار السياسي في البلاد.
وقال الاتحاد في بيان، اطلعت عليه "طريق الشعب"، إنه "في الوقت الذي يبذل فيه جهوداً سياسية ودبلوماسية حثيثة لإنهاء أزمة رواتب موظفي الإقليم وتسوية الخلافات بين بغداد وأربيل، تواجه مناطق عدة من الإقليم، ولا سيما المواقع النفطية، موجات من الهجمات الجوية المسيّرة بشكل شبه أسبوعي".
وأضاف أن "مصدر هذه الهجمات وأطرافها المسؤولة مهما كانت، تمثل انتهاكاً صارخاً لمبادئ حماية الأمن الداخلي والسيادة الوطنية، ما يستدعي من الحكومة الاتحادية وضع حد واضح لهذه الانتهاكات".
فيما كشفت وزارة الثروات الطبيعية في إقليم كردستان، أمس، أن أضراراً فادحة لحقت بالمواقع النفطية المستهدفة بواسطة طائرات مسيرة مفخخة في إدارة منطقة زاخو المستقلة، ومحافظة دهوك.
شهد العراق، خلال النصف الأول من العام الحالي، 443 فعالية احتجاجية، توزعت على مختلف المحافظات، طبقا لرصد أجرته "طريق الشعب"، حيث تنوعت تلك الفعاليات بين تظاهرات ووقفات احتجاجية وإضرابات واعتصامات، عبّرت بمجملها عن تصاعد حالة الغضب الشعبي من تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، وسط استمرار عجز السلطات الرسمية عن تقديم حلول واقعية أو تنفيذ وعودها المتكررة.
وتحدث الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، عن امكانية تصاعد الحراك الجماهيري في المرحلة المقبلة، مرجعا تصوره الى "استمرار الازمات الاقتصادية والاجتماعية".
واعتبر فهمي أن "أية محاولة لتصوير الاحتجاجات المقبلة على أنها ذات طابع خارجي أو مدفوعة بأجندات مشبوهة، هي محاولة لتشويه المطالب المشروعة التي تنبع من واقع اجتماعي واقتصادي مأزوم"، مشيراً الى أن غالبية الاحتجاجات "تعبر عن معاناة حقيقية لم يتم التعامل معها بجدية، وهي بالتالي تستند إلى أسباب مشروعة وطبيعية".
واكد ان "الحزب الشيوعي العراقي يقف الى جانب الاحتجاجات السلمية ذات المطالب المشروعة".
وعجزت الحكومتان الاتحادية وفي الإقليم، وكذلك الحكومات المحلية، عن إيجاد حلول واقعية للمشاكل التي طرحها المواطنون خلال فعالياتهم الاحتجاجية.
ورصدت "طريق الشعب" خلال تقاريرها المتواصلة منذ بداية العام الحالي حتى منتصف تموز الجاري، اقامة تظاهرات غاضبة وسلمية، بشكل يومي تقريباً، وبمعدل تظاهرتين في اليوم.
الازمات مستمرة والاحتجاجات قد تعود
والتقى مراسل "طريق الشعب" بالرفيق رائد فهمي، للتعليق حول التقرير الاحصائي، حيث أكد ان "دوافع الاحتجاجات الشعبية، سواء في انتفاضة تشرين أو غيرها، لا تزال قائمة، نتيجة غياب الحلول الحقيقية والجذرية من قبل المنظومة الحاكمة"، ولفت الى "امكانية تصاعد الحراك الجماهيري في المرحلة المقبلة، بسبب استمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتفاقمها".
وقال ان "بقاء الازمات يؤدي الى مزيد من الاحتجاجات خصوصاً تلك المتعلقة بالرواتب والاجور وسوء الخدمات وشح المياه. بينما تقف المنظومة الحاكمة عاجزة عن تقديم حلول فاعلية ومجدية لها".
وحذّر سكرتير الحزب من "محاولات تصوير الاحتجاجات على أنها ذات طابع خارجي أو مدفوعة بأجندات مشبوهة"، مشدداً على ان القصد من ذلك هو "تشويه المطالب المشروعة التي تنبع من واقع اجتماعي واقتصادي مأزوم"، مؤكداً أن "الحزب يدعم الاحتجاجات، إذا ما اندلعت، والتي ستكون تعبيراً عن معاناة حقيقية لم يتم التعامل معها بجدية، وهي بالتالي تستند إلى أسباب مشروعة وطبيعية".
تحديات سياسية واقتصادية
وعن الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ادت الى استمرار خروج الاحتجاجات في مختلف المحافظات العراقية، وبشكل يومي تقريباً، اشار الرفيق رائد فهمي الى ان "المؤشرات الاقتصادية لا تبعث على التفاؤل، بالخصوص الاعلان عن ايقاف التعيينات في وقت يبقى فيه نمو القطاع الخاص ضعيفاً جداً، وهو ما يعني انعدام النشاط الاقتصادي الكفيل بخلق فرص عمل بديلة، وبالتالي فإن البطالة ستستمر وتتفاقم".
ونبه الى ان "ارتفاع الاسعار وكلف الخدمات الاساسية كالتعليم والصحة، بات يشكل عبئاً ثقيلاً على المواطنين حتى اولئك الذين لديهم وظائف حكومية وعمل"، مضيفا ان "ملفات المياه والكهرباء والنظافة والصحة تعاني من تدهور كبير، وهذا ما يعمق معاناة المواطنين".
وأشار إلى أن "القوى السياسية يجب أن تتعامل بجدية مع هذه المؤشرات، وتقرأها جيداً، لأن التحديات المقبلة ليست اقتصادية فحسب، بل سياسية أيضاً، وتعكس فشل المنظومة المتنفذة في إدارة الدولة".
موقف الحزب الشيوعي العراقي
وفي ما يتعلق بدور الشيوعي العراقي إزاء ذلك، بيّن فهمي "نحن ندعو إلى إقامة دولة مدنية قائمة على العدالة الاجتماعية، وتوفير الخدمات ومكافحة الفساد بكل أشكاله"، مبيناً أن "برامجنا الانتخابية تعكس هذه الرؤية، ونعمل من خلال المشاركة السياسية على إيصال ممثلينا إلى مجلس النواب، من أجل الإسهام في تحقيق الإصلاح والتغيير".
وأكد أن "تحقيق هذه الأهداف يتطلب ضغطاً شعبياً واسعاً، وتنوعاً في وسائل المطالبة، ولا يمكن الاكتفاء بالمسارات الانتخابية فقط، بل إن التحركات الجماهيرية وأشكال الاحتجاج السلمي تشكل جزءاً أساسياً من مشروع التغيير".
وشدد فهمي على أن "الحزب لا يتعامل مع الاحتجاجات من منظور توظيف سياسي ضيق، بل ينطلق من حرص حقيقي على تحقيق مطالب الناس"، مضيفاً "نحن سنكون إلى جانب الجماهير المحتجة، ونسعى بكل ما نستطيع إلى دعم هذه المطالب، سواء كانت جزئية أو شاملة".
النظام في حالة إنكار
وتعليقاً على ما اورده التقرير، أكد الباحث في الشأن السياسي د. غالب الدعمي أن المنظومة السياسية الحاكمة بعد عام 2003، ورغم ما ترفعه من شعارات ديمقراطية، عجزت تمامًا عن فهم مشكلات الجمهور العراقي أو معالجتها، مشيراً إلى أن "الطبقة الحاكمة" تعيش في عزلة تامة عن الواقع الاجتماعي الذي يعانيه المواطن.
وقال الدعمي في حديث لـ"طريق الشعب"، إن "السلطة السياسية الحالية، منذ نشأتها، لم تبذل جهداً حقيقياً لفهم ما يريده الناس، بل تعاملت معهم بعدائية غير مبررة".
واضاف أن هذا القصور البنيوي أدى إلى تكرار موجات التظاهر والاحتجاج، وقد يُفضي مستقبلًا إلى انهيارات سياسية محتملة، إذا ما استمر الانفصال بين الحاكم والمحكوم.
وتابع أن "الصدمة الكبرى ستكون لحظة خروج الناس مجددًا إلى الشوارع. حينها سيُطرد الفاسدون ويُحاسَبون حساباً عسيراً"، محذرا من أن "العودة إلى الشارع هذه المرة ستكون بدوافع أكثر خطورة، أبرزها الجوع والانهيار الاقتصادي والمعيشي، ما سيجعلها مختلفة تماماً من حيث الشكل والمضمون والتأثير".
البصرة تتصدر
وبالعودة الى تفاصيل الرصد، فقد تصدرت البصرة الحراك الاحتجاجي؛ اذ شهدت 81 فعالية احتجاجية، تلتها محافظة المثنى التي كان مجموع تظاهراتها 56، بعدها السليمانية بـ57، وخلفها بغداد بـ47 فعالية. وكان نصيب محافظات الفرات الأوسط (الديوانية، النجف، كربلاء) 67 فعالية متنوعة. اما محافظات الجنوب (ميسان، ذي قار، واسط) فكانت حصتها 51 تظاهرة واعتصاما واضرابا عن الدوام. وبرزت فيها مطالب توفير المياه والتوظيف والخدمات.
ازمة رواتب الكردستانيين
اما إقليم كردستان، فكان السبب الرئيس في تصاعد الحركة الاحتجاجية، هو قطع الرواتب عن الموظفين والمتقاعدين بسبب الخلافات القانونية بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان، ولم تنفع الحوارات السياسية التي بينت على أساس هش، من توفير لقمة العيش للمواطنين في إقليم كردستان؛ اذ غابت الحلول الاستراتيجية المبنية على أساس الدستور والمصالح المشتركة. وخلال المدة بين كانون الثاني وتموز 2025 خرجت في محافظات أربيل، السيلمانية، دهوك، وحلبجة 79 فعالية احتجاجية، تركز معظمها في شهر شباط بحسب جهات مدافعة عن حقوق الانسان. وشهدت محافظة السلمانية اكبر عدد من الاعتصامات والتظاهرات الغاضبة على المنظومة الحاكمة؛ اذ خرج المواطنون والموظفون مطالبين بتوفير سبل العيش الكريم.
محافظات شمال بغداد الأقل عدداً
فيما شهدت محافظات ديالى وكركوك والموصل والانبار وصلاح الدين عددا أقل من الفعاليات الاحتجاجية، بواقع 40 فعالية احتجاجية، حيث تصدرت محافظة ديالى المشهد بـ18 فعالية، فيما كان نصيب الانبار وصلاح الدين فعالية احتجاجية واحدة لكل منهما.
الجميع يحتج
وسجل رصد "طريق الشعب" خروج شرائح اجتماعية واسعة ومتعددة، في هذه الفعاليات، وتصدرت المناطق السكنية اكبر عدد من الاحتجاجات بواقع 180 تظاهرة واعتصاما واضرابا، تلاها الموظفون بـ60 فعالية احتجاجية، ثم الفلاحون بـ 48 فعلا احتجاجيا. اما الخريجون الباحثون عن العمل فنظموا 37 فعالية احتجاجية، ثم المعلمون 31، والعاطلون عن العمل 16، والعمال 12، اما منتسبو القوات الأمنية والحشد الشعبي من المفسوخة عقودهم، والمتقاعدون والنساء وذوو الشهداء والكسبة والمرضى والأطباء والاستاذة الجامعيون والمقاولون والمحاسبون واسرى حرب الخليج والسجناء السياسيون وأصحاب العقود، فكان عدد تظاهراتهم 59 فعالية بين اضراب واعتصام وتظاهرة ووقفة.
العيش الكريم ابرز المطالب
وتنوعت مطالب المحتجين بين المطالبة بالعدالة والعيش الكريم وتوفير الخدمات والتوظيف وتوفير الرواتب وحل ازمة السكن ومعالجة شح المياه وحفظ السيادة وكشف ملفات الفساد وتوفير الكهرباء ورفض المحاصصة.
وصنف هذا التقرير الفعاليات كما يأتي: 152 عيش كريم، 72 توفير الرواتب مع العلم ان هذا المطلب لم يخص إقليم كردستان فقط، 60 توظيف العاطلين والخريجين والمعلمين والمهندسين وغيرهم، 49 خدمات مثل الكهرباء والماء والصرف الصحي وتعبيد الشوارع، 38 سكن وشملت توفير السكن اللائق وتوفير البدائل، 19 كهرباء بسبب نقص التجهيز خصوصاً مع بدء الصيف، 18 شح المياه وملوحته وعدم توفر مياه السقي، 13 كشف ملفات الفساد المتعلقة بسوء الإدارة، 9 توفير الادوية والمستلزمات الطبية خصوصاً للامراض المزمنة ومرضى السرطان، 7 المحافظة على البيئة وملوحة المياه، 3 للحفاظ على السيادة وبالخصوص ما يخص اتفاقية خور عبد الله، 2 لمناهضة العنف ضد المرأة وحقوق الانسان، وواحدة ضد المحاصصة الحزبية الضيقة.
أنواع الفعاليات وآلية التنظيم
ومن اللافت ان نصيب التظاهر كان الأبرز في هذه الموجة الاحتجاجية؛ اذ نظمت 295 تظاهرة، نظمها عدد كبير من المشاركين، ورفعت مطالب عامة. اما فيما يخص الوقفات الاحتجاجية فخرجت 112 وقفة. وفي هذا النوع يكون عدد الحضور اقل من التظاهر، وعادة ما يكون التجمع في مكان معين امام الدوائر الحكومية وذات مطالب محددة. اما الإضرابات فكانت بواقع 24 اضرابا. نصيب المعلمين والممرضين كان الأكبر. والاعتصامات كان عددها 11 فقط، سجلت غالبيتها في محافظة السليمانية، وطالب منظموها بتوفير الرواتب.
اما في ما يخص آلية التنظيم فمثلت هذه الاحتجاجات 325 فعالية عفوية، خرجت بدون وجود تنسيقي منظم للتظاهر. بمعنى ان منظمي هذه التظاهرة اتفقوا على موعد معين وشعارات محددة لرفع مطالبهم، وعادة ما يبرز فيها عدد من الناشطين والقادة، لكنها سرعان ما تنفض مع انتهاء الفعالية الاحتجاجية. اما الفعاليات المنظمة فكانت 117 فعالية وهذا يعني ان هذه الفعاليات خرجت بدعوة من جهات نقابية ومهنية وتنسيقيات للخريجين والعاطلين والمهندسين. ويجري في الغالب استثمار مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيم معظم الفعاليات الاحتجاجية وتحديد شعاراتها وأهدافها.
على مَن خرجت الاحتجاجات؟
وتوجهت مطالب المحتجين بالدرجة الأساس إلى الحكومات المحلية، والى حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية وبقية الوزارات.
وخرج المواطنون بتظاهرات غاضبة ضد الحكومات المحلية بواقع 124 فعالية، وحكومة الإقليم 76 فعالية. اما الحكومة الاتحادية فتوجهت المطالب لها بواقع 63 فعالية احتجاجية متنوعة.
وزارة الكهرباء كان لها النصيب الأكبر في التظاهرات، اذ تلقت 27 فعالية بين المطالبة بتجهيز الكهرباء وبين التوظيف والمولدات الاهلية وغيرها. اما الشركات النفطية فقد خرج الأهالي الساكنون بقربها مطالبين بالتوظيف وتحسين البيئة وتوفير الخدمات بواقع 27 فعالية. اما وزارة التربية فخرجت ضدها 26 تظاهرة من قبل المعلمين في العراق والاقليم، في حين واجهت وزارة الزراعة 20 فعالية، اما الصحة فتوجهت ضدها 19 فعالية، والبلديات كان نصيبها 10 فعاليات نظمها العمال، والنقل 8، والموارد المائية 7، والدفاع 4، اما الصناعة والمالية والنفط ومجلس الخدمة الاتحادي فكان نصيب كلٍّ منها 4 فعاليات. في حين ان وزارة التعليم والحشد الشعبي ووزارة الداخلية خرج ضدها المواطنون بواقع 3 فعاليات. فيما بقية الوزارات وهي التجارة والتخطيط والاتصالات فكانت 5 فقط.
منظومة المحاصصة تتحمل المسؤولية
ويؤكد مراقبون للشأن السياسي، ان "منظومة المحاصصة الفاسدة تتحمل مسؤولية خروج هذا العدد من التظاهرات الاحتجاجية بسبب ديمومة الازمة البنيوية التي تشهدها البلاد"، فيما اكد آخرون إمكانية تصاعد وتيرة الاحتجاجات خلال النصف المتبقي من السنة الحالية 2025، وذلك لغياب الحلول اللازمة واستمرار نهج المحاصصة والفساد المتبع في الحكومة الحالية.
واكد ناشطون في الحركة الاحتجاجية، ضرورة تغيير المنظومة السياسية الحاكمة ونهجها الفاشل، من خلال مشاركة واسعة ونوعية في الانتخابات المقبلة. كذلك عبر تعزيز حركة الاحتجاج وتطوير شعاراتها وتحويلها الى فعاليات احتجاجية سياسية تطالب بالتغيير الشامل.
في مشهد مهيب يليق بعظمة المناسبة، احتشدت جماهير واسعة، أمس الاثنين، في ساحة التحرير وسط بغداد، إحياءً للذكرى السابعة والستين لثورة الرابع عشر من تموز 1958. في فعالية وطنية جسدت الوفاء لثورة غيّرت وجه العراق، ووقفة احتجاجية صاخبة ضد واقع اختطفته منظومة المحاصصة والفساد، وسط حضور لافت لقوى وطنية ونقابية وشخصيات سياسية واجتماعية، أكدت جميعها المضي بثبات نحو مشروع التغيير الجذري.
وقبل يوم من إحياء المناسبة في ساحة التحرير، دعا الحزب الشيوعي العراقي الى اعتبار يوم ١٤ تموز عيدًا وطنيًا ويومًا لتأسيس الجمهورية، لما له من قيمة وطنية وشعبية، وقبول من أطياف الشعب العراقي كافة، وكونه رمزًا من رموز الكفاح الوطني للخلاص من التبعية ولنيل الحرية والاستقلال والسيادة الكاملتين.
الثورة أسست للعدالة والسيادة
وانطلقت الفعالية من ساحة النصر، حيث توجّه المشاركون سيرًا على الأقدام نحو ساحة التحرير تحت نصب الحرية، رمز الشعب المنتفض والحالم بالكرامة والسيادة والعدالة الاجتماعية. وعند الوصول، افتتح الرفيق أيوب عبد الحسين الحفل بكلمة ترحيبية أعادت التأكيد على أن "14 تموز لم تكن يومًا عاديًا في التاريخ العراقي، بل لحظة فارقة في وجدان الناس، عندما نهض الشعب بجيشه ليعلن الكلمة الفصل ضد الاستبداد والتبعية".
الكلمة الافتتاحية للاحتفال شددت على أن "ساحة التحرير اليوم لا تحتفي بذكرى غابرة، بل تحتضن جوهر الثورة وقيمها المتجددة. فثورة 14 تموز أرست أسس السيادة الوطنية، وأسقطت الحكم الملكي التابع، وأطلقت برامج الإصلاح الزراعي، ومجانية التعليم، وبناء الصناعة الوطنية، ومكّنت المرأة من خوض غمار الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية".
لم تخلُ الكلمات من انتقادات حادة للواقع الراهن، حيث اتهمت القوى الحاكمة بتقويض ما تحقق من منجزات وطنية، وقالت: "غُيّبت العدالة، وأُهملت الخدمات، وضُرب التعليم، وانعدمت فرص العمل، وتكرّس التمييز الطائفي على حساب المواطنة، حتى باتت الدولة مرتعًا للفئوية والغنائم".
المشاركون في الفعالية لم ينسوا اجراء المتنتفذين بإلغاء العطلة الرسمية ليوم 14 تموز، معتبرين ذلك "تنكّرًا صريحًا للثورة ومحاولة مكشوفة لطمس ذاكرتها من الوعي الجمعي"، مؤكدين أن "المنظومة الحاكمة تخشى روح تموز، وتخشى أن تعود إرادة الشعب لتصنع الفجر الجديد".
نعيش نقيض حلم الثورة
وخلال الفعالية، ألقت السيدة سهير القيسي، كلمة اللجنة المركزية لتخليد ثورة 14 تموز، التي حملت بُعدًا تحليليًا عميقًا لوضع البلاد، وربطًا بين إنجازات الثورة وتراجع الوضع الراهن.
قالت القيسي: "في فجر 14 تموز 1958، لم يكن العراقيون على موعد عادي مع التاريخ، بل مع ولادة صفحة جديدة في سجل الكرامة الوطنية. لقد أشرقت شمس الحرية، وسقط نظام التبعية، وبدأت ملامح عراق جديد يرسمه أبناؤه لا أوصياء عليه".
وأضافت ان "ثورة تموز كانت انحيازًا كاملاً للشعب، وصرخة في وجه الظلم، ورهانًا على دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية. خلال سنوات قليلة، أنجزت الثورة ما لم تحققه أنظمة حكم عقودًا طويلة: أنهت الإقطاع، وأطلقت التعليم المجاني، وشيدت آلاف المدارس والمستشفيات، وأرست قاعدة وطنية للصناعة، وحررت القرار السياسي من الهيمنة الأجنبية".
القيسي أكدت أن "تموز لم تكن مجرد انقلاب في السلطة، بل محطة تأسيسية بين القرار الوطني والإرادة الشعبية، ولهذا لم تُنسَ رغم محاولات التغييب والتشويه من السلطات المتعاقبة، التي تنكرت لأبسط مبادئ الثورة وطمستها من المناهج والاحتفاء الرسمي".
وتابعت "نعيش اليوم نقيض حلم تموز. فالسلطة الحاكمة غارقة في المحاصصة، حولت الدولة إلى مزرعة حزبية، وتخاف حتى من أصوات الناس. لم تعد الدولة مشروعًا وطنيًا بل تحولت إلى غنيمة، فيما تمتهن الكرامة وتُنهب الثروات، وتُصادر الحقوق، وتُستبدل دولة المواطنة بدولة الولاء الحزبي والطائفي".
واختتمت القيسي كلمتها بالقول: "لسنا بحاجة لاستنساخ تموز، بل لاستحضار روحها. بحاجة إلى شجاعتها، ووطنيتها، ونزاهتها. إلى مشروع وطني يعيد الثقة للمواطن، ويستأصل الفساد من جذوره. تموز ليست ذكرى بل امتحان متجدد لضميرنا السياسي. العراق لا يزال يستحق الأفضل، والتغيير ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية".
صوت العمال
من جهته، ألقى النقابي عدنان الصفار كلمة النقابات والاتحادات العمالية، التي اعتبرت ثورة تموز محطة لا تمحى في الذاكرة الطبقية والوطنية، إذ أعادت الاعتبار لدور الطبقة العاملة، وساهمت في تحقيق تحولات جذرية في أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية.
وقال الصفار ان "ثورة تموز لم تكن مجرد تغيير سياسي، بل إعلان حقيقي لتحول اجتماعي وإنساني، أنهى الحكم الملكي التابع، وأطلق جمهورية العدالة والمساواة والسيادة". وأضاف أن "الثورة شرعت قانون الإصلاح الزراعي، وأرست أسس الصناعة الوطنية، وأطلقت مشاريع التعليم والصحة والسكن الشعبي، وفتحت الأبواب أمام المرأة للمشاركة".
وأشار إلى أن "الطبقة العاملة العراقية احتفلت لأول مرة بعيدها الوطني في الأول من أيار 1959، بتظاهرة وطنية جامعة، شارك فيها كل أبناء الشعب، وأعادت للعامل كرامته ودوره القيادي في المجتمع".
وأوضح الصفار أن "الثورة رفعت أجور العمال بنسبة 52%، وأقرت قوانين للضمان الاجتماعي، وبنت أحياء للفقراء، وقللت الفوارق الطبقية، وحددت ساعات العمل بثمانٍ، وشرعت الحد الأدنى للأجور، وفرضت على أصحاب المعامل بناء مساكن لعمالهم، وأطلقت حرية التنظيم النقابي".
واختتم كلمته بالتشديد على أن "ثورة تموز ستبقى يومًا وطنيًا خالدًا، وواحدة من أعظم محطات النضال الشعبي في تاريخ العراق، وذاكرة لا يمكن طمسها، لأنها نبض الكرامة والعدالة في وجدان هذا الشعب".
بإجماع الحاضرين، عبّرت الفعالية عن أن روح 14 تموز لا تزال حيّة، وأن شعب العراق، الذي نهض في 1958، لن يقبل بالذل، وسينهض من جديد لإعادة بناء الوطن، واستعادة دولته المختطفة من الفاسدين والفاشلين.
رغم التحديات الأمنية المعقدة التي تحيط بالعراق، لا تزال المؤسسة العسكرية في البلاد تواجه فجوة واسعة في مجال التكنولوجيا الدفاعية الحديثة؛ ففي الوقت الذي باتت فيه الحروب تُدار باستخدام الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة والهجمات السيبرانية والتشويش الإلكتروني، يقف العراق متأخراً عن ركب التطور، معتمداً على منظومات تقليدية وتسليح لا يواكب طبيعة التهديدات المتصاعدة.
يقول مختصون ان هذا التراجع سببه القصور في الرؤية الاستراتيجية وغياب الاستثمار الجاد في البنية التحتية العسكرية والصناعات الدفاعية.
الصين وروسيا نموذجاً
تُعد الصين وروسيا مثالين بارزين على الدول التي أدركت مبكراً أهمية التكنولوجيا في إعادة صياغة مفاهيم القوة العسكرية الحديثة. فقد استثمرت بكين بشكل هائل في التكنلوجيا العسكرية والذكاء الاصطناعي، وتطوير الطائرات المسيّرة، والحرب السيبرانية، وصولاً إلى بناء منظومات دفاع جوي متقدمة مثل HQ-9 ومشاريع الطائرات الشبحية J-20، في إطار رؤية استراتيجية لتحويل جيشها إلى قوة عالمية بحلول منتصف القرن.
أما روسيا، فاعتمدت نهجاً مختلفاً قائماً على تحديث الصناعات العسكرية التقليدية بالتوازي مع إدماج قدرات إلكترونية ومعلوماتية متطورة، وركّزت على تطوير أنظمة صواريخ فرط صوتية مثل “أفانغارد” ومنظومات الحرب الإلكترونية التي أثبتت فعاليتها في النزاعات المعاصرة. ويأتي ذلك ضمن عقيدة عسكرية تسعى للحفاظ على التوازن الاستراتيجي مع الغرب، ومجابهة التفوق التكنولوجي الأميركي عبر حلول غير تقليدية.
وبينما تراكمت لدى هاتين القوتين خبرة نوعية في المزج بين التصنيع العسكري والتطور التقني، لا يزال العراق في بداية الطريق ويعتمد على التسليح الغربي الذي بات واضحاً انه لا يرغب بوجود عراق مُسلح بشكل متكامل، ويواجه تحديات تشريعية ومالية وبنيوية تعرقل تحوّله إلى جيش عصري قادر على الدفاع عن سيادته في زمن لا يرحم من يتأخر تقنياً.
العراق يفتقر للتكنولوجيا العسكرية
من جانبه، أكد الخبير الأمني عدنان الكناني أن الجيش العراقي ما زال يفتقر إلى التكنولوجيا العسكرية الحديثة، في وقت باتت فيه الحروب تُدار بالأقمار الصناعية وأجهزة الحرب السيبرانية والطائرات المسيّرة والتشويش الإلكتروني، كما هو واضح في المواجهة الجارية بين إيران وإسرائيل.
وقال الكناني في حديث لـ"طريق الشعب"، إن “الصراع العسكري اليوم أصبح معتمداً على تقنيات متقدمة جداً، تشمل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة ومنظومات الحرب الإلكترونية والتشويش والرادارات المتطورة”، مبيناً أن إيران – رغم الحصار المفروض عليها – تمكنت من مواكبة هذا النوع من الحروب، بل وأصبحت نداً عسكرياً يحسب له حساب أمام إسرائيل وأمريكا، بفضل استثمارها في قدراتها الذاتية".
وأضاف أنه “في المقابل، لا يزال الجيش العراقي بمثابة وليد حديث الولادة، لم يدخل بعد في مضمار التكنولوجيا القتالية، ما يستوجب البدء من الصفر في إعداد برامج استراتيجية لتأهيل المؤسسة العسكرية، بالاعتماد على الكفاءات الشابة من خريجي الجامعات والمعاهد الفنية والعلمية”.
وشدد الكناني على أن “المعركة اليوم لا تُكسب فقط بالسلاح، بل بالعلم والتخطيط والمعرفة التقنية، وأن الاقتصار على معسكر تسليحي واحد – سواء شرقي أو غربي – خطأ استراتيجي، لأن أي توتر في العلاقات السياسية قد يؤدي إلى شلل عسكري”، داعياً إلى “تنويع الشراكات العسكرية والتدريبية مع دول تمتلك خبرات في التكنولوجيا العسكرية، كالصين وروسيا ودول أخرى”.
ولفت إلى أن “غياب التكنولوجيا العسكرية المتقدمة يجعل العراق هدفاً سهلاً لأي جهة تمتلك نوايا عدوانية، وقد شاهدنا خروقات متكررة لأجوائنا، ومنها اختراق 60 طائرة إسرائيلية الأجواء العراقية مؤخراً، دون أن يُسجل أي رد يُذكر، ما يكرس هشاشة السيادة ويغري الطامعين”.
وفي ما يتعلق بواقع الأمن السيبراني والاستخباري، أشار الكناني إلى وجود “خلل بنيوي خطير”، قائلاً: “لدينا أكثر من 28 جهاز مخابرات أجنبيا ينشط داخل العراق، بعضهم يستخدم واجهات سياسية أو حزبية وحتى برلمانية، وبعض الشخصيات السياسية والأحزاب باتوا أدوات لأجهزة مخابرات أجنبية تعمل ضد مصلحة العراق”، مؤكداً أن “هذا الأمر يتطلب تفعيلًا عاجلًا لقانون مكافحة التجسس، ومراجعة جذرية لمنظومة الأمن الوطني”.
وحمّل الكناني الأجهزة الأمنية جزءاً من المسؤولية، قائلاً: “بعض الأحيان نجامل أداء الأجهزة الأمنية بحجة وجود تهديدات خارجية، لكن الواقع يثبت أنها غير قادرة على كشف أو تفكيك شبكات التجسس داخل العراق، والدليل أنه منذ عام 2003 وحتى اليوم، لم يُعلن عن ضبط شبكة تجسس كبرى أو القبض على عميل فاعل، رغم أن دولًا مثل إيران –رغم إجراءاتها الأمنية المشددة– تعلن بين فترة وأخرى عن تفكيك خلايا تجسس فكيف الحال بالعراق”.
وفرغ الى القول: “إذا أردنا أن نحمي سيادة العراق ونصون دماء العراقيين، فعلينا أن نبدأ بإصلاح جذري في بناء المؤسسة الأمنية والعسكرية، يقوم على المعرفة، والتكنولوجيا، والتخطيط بعيد المدى، وليس على ردود الفعل اللحظية أو الاستعراضات الإعلامية”.
سباق تكنولوجي عسكري
من جهته، قال الخبير الأمني صفاء الأعسم إن التكنولوجيا أصبحت عنصراً محورياً في بناء الجيوش الحديثة، مشيراً إلى أن المؤسسة العسكرية العراقية لا تزال متأخرة تقنياً مقارنة بدول متقدمة، رغم الكفاءة العالية التي يمتلكها العنصر البشري في الجيش العراقي من حيث العقيدة والانضباط والغيرة الوطنية.
وأضاف الأعسم، في تصريح صحفي، أن “العراق اليوم يواجه تحديات أمنية معقدة، في ظل عالم اصبحت تتحكم فيه تقنيات متطورة في ميدان المعركة، خصوصاً مع تصاعد أهمية الحرب السيبرانية والهجمات الدقيقة والطائرات المسيرة والصواريخ بعيدة المدى”.
وأوضح أن “قوات التحالف الدولي التي دخلت العراق منذ منتصف عام 2014 تولت بشكل كبير ملف حماية الأجواء العراقية، لكنها لم تقدّم، دعماً حقيقياً لتطوير منظومات الدفاع الجوي، ولم تردع الخروقات التي تعرض لها العراق، سواء من إسرائيل أو غيرها، رغم تكرار الضربات التي طالت قيادات ومواقع داخل الأراضي العراقية”.
وأشار إلى أن “الجيش العراقي يمتلك إمكانيات بشرية قوية، لكن التطوير التكنولوجي لا يزال دون المستوى المطلوب”، مضيفًا أن “العقود الأخيرة التي أبرمها العراق مع دول مثل فرنسا وكوريا الجنوبية لتجهيز طائرات الرافال والكركال ومنظومات دفاع جوي حديثة من نوع (MSAM) تُعدّ خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن مدى المنظومات ما زال متوسطًا ولا يكشف الطائرات الشبحية مثل F-35، ما يضع العراق في موقع مكشوف أمام اي تهديدات محتملة”.
وانتقد الأعسم ما وصفه بـ”عدم الجدية الأميركية في تسليح العراق بسلاح كفوء”، معتبرًا أن “العراق تحول بعد 2003 من عقيدة تسليح شرقية إلى عقيدة غربية، دون أن يحصل على مستوى التسليح الذي يلائم التحديات الراهنة”.
وأضاف: “بينما تطور إيران، المحاصرة اقتصاديًا، قدراتها العسكرية بالاعتماد على الذات منذ أكثر من 35 عامًا، فإن العراق لم ينجح حتى الآن في تأسيس قاعدة صناعية عسكرية حقيقية”، مؤكداً أن “جهود التصنيع الحربي ما زالت محدودة، رغم بعض المحاولات مثل إدخال إنتاج المسدسات إلى الخدمة”.
ودعا الأعسم إلى “تحقيق شراكة استراتيجية حقيقية مع دول تمتلك صناعات عسكرية متقدمة، مع ضرورة استكمال ما بدأته الحكومة الحالية من تنويع لمصادر التسليح وتجاوز الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة”.
وأكد في ختام حديث أن “النهوض بالمؤسسة العسكرية العراقية يتطلب إعادة بناء مصانع التصنيع الحربي، وتوفير بنية تحتية تكنولوجية متطورة، لأن بناء الجيوش الحديثة لم يعد قائمًا فقط على العقيدة والانضباط، بل على امتلاك أدوات الردع والتكنولوجيا المتقدمة”.
كشف مرصد "العراق الأخضر"، أمس الاثنين، عن تسجيل موجة نزوح داخلي واسعة في محافظة ذي قار جنوبي البلاد، طالت أكثر من 10 آلاف عائلة، نتيجة تفاقم أزمة الجفاف، في حين أعلنت المحافظة عن خسارة نحو 11 ألف رأس جاموس منذ عام 2023.
وقالت عضو المرصد في ذي قار، بشرى الطائي، في بيان، إن "10,450 عائلة نزحت من قرى وأرياف أقضية البطحاء، وسيد دخيل، والرفاعي، والشطرة، والدواية، والغراف، وناحية الفجر، وقلعة سكر، والنصر، فضلاً عن أهوار الطار والجبايش، إلى مراكز أقضية الناصرية، وأور، والبطحاء، والإصلاح، وسوق الشيوخ، وكرمة بني سعيد، والشطرة، والدواية، والغراف، وأقضية أخرى".
وأوضحت الطائي أن "دائرة الهجرة في المحافظة قدمت مساعدات إغاثية للعائلات المتضررة شملت سلات غذائية وأجهزة كهربائية، بالإضافة إلى تنظيم دورات للتوعية والتنمية البشرية لمساعدتهم على التكيّف مع ظروفهم الجديدة".
وفيما يتعلق بالخسائر الاقتصادية، أشارت الطائي إلى أن "المحافظة فقدت منذ عام 2023 وحتى الآن نحو 11 ألف رأس جاموس بسبب الجفاف، حيث تراجع عدد رؤوس الجاموس من 21 ألفاً إلى 10 آلاف فقط".
وأضافت أن "مربي الجاموس يواجهون تحديات إضافية تتمثل في الإجراءات الأمنية التي تفرضها السيطرات داخل المحافظة، والتي تمنعهم من الانتقال مع حيواناتهم إلى مناطق تتوافر فيها المياه، وتُجبرهم على البقاء في مناطقهم لحين وصول المياه".
وتعكس هذه الأزمة المتفاقمة التداعيات الخطيرة للجفاف وشح المياه في مناطق الأهوار والريف، وسط مطالبات محلية ودولية بتكثيف الدعم وتوفير حلول مستدامة لأزمة المياه والبيئة في جنوب العراق.
من جانب آخر، أعلنت وزارة الموارد المائية عن المباشرة بإعداد دراسات متقدمة لإنشاء عشرة سدود جديدة مخصصة لحصاد المياه في المناطق الصحراوية، ضمن خطة وطنية لمواجهة أزمة الشح المائي التي تُعد الأخطر في تاريخ العراق.
وتهدف السدود إلى خزن مياه السيول والأمطار لتعزيز الخزين الاستراتيجي، خصوصاً في المحافظات التي تفتقر للموارد السطحية.
الوزير عون ذياب عبد الله أكد أن الإجراءات تأتي ضمن استراتيجية عاجلة لضمان الأمن المائي وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية، مشيراً إلى أن 12 محافظة باتت تعتمد على المياه الجوفية فقط، والتي تواجه تحديات خطيرة بسبب الآبار غير المرخصة وسوء التوزيع.
الوزارة أكملت تصاميم سدّي أبو طاكية والأبيض، وتدرس إنشاء سدود جديدة في ديالى، نينوى، كربلاء، المثنى، والنجف، مؤكدة استمرار تنفيذ خطط الحصاد المائي لمواجهة تأثيرات التغير المناخي وظاهرة النينو المتفاقمة.