مع بدء التحضيرات للانتخابات النيابية بدورتها السادسة، المقرر إجراؤها نهاية العام الجاري، يتجدد الجدل حول دور المال السياسي وتأثيره في نزاهة المنافسة الانتخابية، إذ تتصاعد التساؤلات بشأن فاعلية الضوابط القانونية ومدى التزام الجهات المعنية بمراقبة مصادر التمويل الانتخابي، في وقت يبدي فيه عدد من المراقبين والمرشحين والناشطين قلقاً من غياب معايير الشفافية والعدالة.
والمفارقات الغريبة هنا، تتمثل بشكاوى قيادات نافذة في العملية السياسية، حكومية وحزبية، من ان الانتخابات المرتقبة تقوم على المال السياسي، وتفتقد الحزم إزاء محاولات التلاعب وشراء الأصوات.
وفي هذا الصدد، يرى مراقبون ان هذه المفارقة تكمن في أن القيادات السياسية المتذمرة الان هي عينها قد عملت من خلال كتلها في البرلمان على تكريسها، بدءا بقانون الانتخابات، مرورا بعدم الضغط على المؤسسات المعنية بمراقبة الأحزاب ومصادر تمويلها، ووصولا الى إجراءات مفوضية الانتخابات في هذا الخصوص.
مساءلة مفوضية الانتخابات!
عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، ياسر السالم، يرى ان تناقضا صارخا يبرز في المشهد السياسي لا يمكن تجاهله. فالأطراف التي تمسك بزمام القرار داخل مجلس النواب، وتمتلك أدوات التشريع والرقابة، لم تبادر بأي خطوات جادة لكبح جماح المال السياسي أو ضبط إيقاعه ضمن معايير العدالة الانتخابية، لا في تشريع قانون الانتخابات، ولا من خلال مساءلة مفوضية الانتخابات، ورغم ذلك تتصاعد الشكاوى من قادة الكتل السياسية حول تغلغل المال السياسي في الحملات الانتخابية!
ويقول السالم في حديث لـ"طريق الشعب"، ان "استمرار هذه المفارقة يشكّل تهديداً مباشراً لنزاهة العملية الانتخابية، ويؤسس لحالة من اللاعدالة التي تمنح الأفضلية لمن يملك النفوذ المالي على حساب من يمتلك الرؤية والكفاءة والنزاهة".
مطلوب جرأة الملاحقة
ويحذر السالم من ان "المال السياسي لم يعد مجرد ظاهرة طارئة، بل تحول إلى بنية متغلغلة في مفاصل المنظومة السياسية، تُستخدم للتأثير على المرشحين والناخبين، وشراء الذمم، مستفيدة من ضعف الرقابة وانعدام الشفافية في تمويل الحملات".
ويتابع ان "التراخي في مواجهة هذه الظاهرة يعد من عوامل إنتاج المنظومة الفاشلة نفسها، ويمنع أي تغيير حقيقي، ويقود بالتالي إلى إحباط الناخب وتآكل ثقته في صندوق الاقتراع كأداة للتغيير السلمي"، لافتا الى ان "الأسوأ من ذلك، أن سيطرة المال السياسي على الحملات الانتخابية تؤدي إلى تسليع الصوت الانتخابي، وتُحول الناخب إلى متلقٍ للعطايا لا إلى مقرر، وفقا للمبدأ الديمقراطي".
قوانينصارمة
ويشير السالم الى ان "الحزب الشيوعي يؤكد أن العدالة الانتخابية لا تتحقق بالشعارات، بل بقوانين صارمة تكشف مصادر التمويل وتُجرّم شراء الأصوات، وبآليات رقابة مستقلة محايدة، وببيئة سياسية تعترف بالتداول السلمي"، مطالبا "القوى الوطنية، ومنظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، بالتصدي لهذه الظاهرة بجرأة، من خلال الضغط على الهيئات الرقابية والقضاء، وملاحقة المخالفين، وفضح الممارسات غير المشروعة".
مرشح بلميارين!
الباحث في الشأن السياسي، د. سيف السعدي، كشف لـ"طريق الشعب، عن "أنواع من المرشحين للانتخابات، ووصل سعر المرشح الذهبي الى أكثر من ملياري دينار والمرشح السوبر مليار دينار، وحقيقة ان هناك فرقا شاسعا في سقف الانفاق الانتخابي بين هذه الأحزاب وبين تلك التي لا تمتلك وزارات واقتصاديات تغذي مرشحيها ودعاياتها الانتخابية".
وقال ان "العزوف عن الانتخابات له أسبابه الكثيرة منها الفساد وتكرار نفس الوجوه وعدم الإيمان بالطبقة السياسية وعدم تقديم نموذج انتخابي يعيد ثقة الناخبين بالانتخابات"، مبينا أن "المسؤولية تتحملها عدة جهات في مقدمتها ما يتعلق بتطبيق قانوني الانتخابات والأحزاب، وأيضا المفوضية باعتبارها مسؤولة عن هذا الشيء".
أجنحة مسلحة!
وبين السعدي، ان "المادة 30 من قانون الانتخابات اشارت ضمنا الى عدم السماح للأحزاب التي تمتلك جناحا مسلحا بالاشتراك في الانتخابات. وهذا واحد من الأسباب في عدم تطبيق قانون الانتخابات".
ونوه بان "المادتين 30 و31 من القانون ذاته، أشارتا الى انه يحظر على الأحزاب ان تتلقى أموالا مشبوهة وعن طريق حوالات من الخارج، وبعكسه تحاسب وتحظر هذه الأحزاب، وأيضا لا تطبق فقرات هذا القانون".
واعتبر السعدي، ان "الدورة النيابية السادسة سوف تكون الأعلى من ناحية سقف الإنفاق الانتخابي، وهو امر سيؤثر على الأحزاب التي لا تمتلك وزارات واقتصاديات. والمال سيكون معيارا لصعود مرشحين الى البرلمان وليس معيارا للكفاءة والنزاهة والأهلّية لتمثيل هذا الشعب".
هيمنة على المقاعد
من جانبه، قال المختص في الشأن الانتخابي درير توفيق، ان "مجلس النواب يعكس رغبات وسياسات الاحزاب المتنفذة فيه، وبالتالي فان هذه الأحزاب هي من يضع البنود والمواد التشريعية ضمن قانون الانتخابات بما يخدم مصالحها ومشاريعها السياسية لا مصلحة البلد والمواطنين. إنما هدفها الأساس هو المحافظة على السلطة والهيمنة والمكاسب".
وأضاف توفيق في تصريح لـ"طريق الشعب"، ان الكتل المتنفذة في مجلس النواب لا رغبة لديها بان تكون هناك إدارة تنظيمية مؤثرة، كي لا تقطع وعودا وتلتزم بها أمام الناخبين، ومن ثم تحاسب أمامهم".
وأشار إلى ان "هذه القوى ترى ان طريقها الأفضل هو شراء أصوات الناخبين، وهؤلاء بطبيعة الحال لا يفكرون بمحاسبة من صوتوا لهم، لان أصواتهم جاءت بطريقة شراء الذمم".
شعارات لا برامج
من جهته، أكد الأكاديمي إياد العنبر، أن العملية الانتخابية في العراق لا تقوم على أسس ديمقراطية راسخة، بل ترتكز على منطق "الزبائنية السياسية"، حيث تُقدَّم الوعود والشعارات لا باعتبارها برامج عمل، بل كوسيلة لاسترضاء جمهور محدد.
وقال العنبر إن "كل الانتخابات في الأنظمة الديمقراطية تقوم على أساس الدعاية والوعود، وهذا طبيعي، لكن ما يجري في العراق مختلف، إذ إن العملية الانتخابية تعتمد بدرجة أساسية على الزبائن، لا على الناخبين كمواطنين واعين". وأضاف أن "الكثير من الأحزاب السياسية تكرر ذات الشعارات التي تُستهلك إعلامياً، دون أن تكون جزءًا من برنامج عمل واضح تلتزم بتنفيذه".
وأشار إلى أن "الأحزاب لا تقدم برامج جادة تستجيب لتطلعات المجتمع، بل تخاطب جمهورها على أساس ما يريده، دون أي التزام حقيقي تجاه تفاصيل تلك الوعود"، لافتاً إلى أن "الحكومات المتعاقبة بدورها لا تلتزم حتى بالبرنامج الحكومي، بل تكتفي بتكرار الشعارات نفسها التي طُرحت قبل عشرين عامًا".
وشدد على أن "الإصلاح الحقيقي للنظام السياسي هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الدائرة، من خلال إنتاج مخرجات سياسية قادرة على إنهاء المال السياسي ومكافحة الفساد"، مضيفًا أنه "عندما تبدأ مكافحة الفساد فعليًا، حينها يمكننا الحديث عن إنهاء توظيف المال السياسي في الانتخابات، والسيطرة على العملية الديمقراطية".
المفوضية لا تمتلك أدلة
عضو الفريق الإعلامي في مفوضية الانتخابات، حسن هادي زاير، تحدث مؤخرا في لقاء متلفز عن إمكانات المفوضية في تحييد المال السياسي ومراقبة الأموال لدى الأحزاب وتحديد مصادرها.
وقال ان "المفوضية تعمل في إطار الأنظمة، ومنها نظام الإنفاق الانتخابي وهذا النظام يبدأ العمل من خلاله بعد المصادقة على المرشحين وبدء الحملة الانتخابية، ولا يمكن وفق هذا النظام محاسبة أي شخص لم يصادق بعد على ترشيحه".
وعن الأموال التي تدفع للمرشحين من طرف الكتل قبل الشروع في حملات الدعاية الانتخابية، والتي تستخدم في استقطاب الناخبين، بيّن زاير ان "المفوضية لا تمتلك ادلة، وهذا أمر خاص بين المرشح وكتلته"، لافتا الى ان "أموال التبرعات للأحزاب شأن خاص. وهناك قيود في قانون الأحزاب تمنع الحصول على أموال بطرق غير مشروعة".
وأشار الى ان "المال السياسي واستخدام موارد الدولة ليس من مسؤولية المفوضية وحدها، بل هو مسؤولية دولة كاملة"، مبينا ان "المفوضية تتابع سجلات الأموال داخل الحزب، ولا تستطيع الاطلاع على الأموال التي تصل الى الأحزاب من أطراف خارجية".
التقى الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب، بحضور عدد من الرفيقات والرفاق أعضاء قيادته، مساء الأربعاء (25-6-2025)، مع سكرتاريي المحليات وأعضائها، وعدد من كوادر الحزب ونشطائه في بغداد.
تحدث الرفيق فهمي عن المتغيرات على الصعيد الدولي والإقليمي، وبين أن السياسات المتبعة من قبل الإدارة الأمريكية، لاسيما بعد تسنم ترامب للرئاسة فيها، وعدد من حلفائها الأوربيين وكذلك الكيان الصهيوني، قادت إلى توتر الأجواء، وخرق المواثيق الدولية، وإضعاف دور الأمم المتحدة، فيما الأمن والسلم الإقليميين والعالميين يتعرضان إلى مخاطر جدية، وأخذ الأمر بعدا خطرا مع عدوان الكيان الصهيوني على إيران وشعبها بدعم ومشاركة أمريكية، ومع تواصل حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، لاسيما في قطاع غزة، واستمرار الحرب الروسية – الأوكرانية.
وبين أنه في حالة عدم الاستقرار الراهنة واللايقين على صعيد العالم، يزداد سباق التسلح وترتفع التخصيصات الدفاعية، لاسيما في أوربا، وكل ذلك هو على حساب اضعاف دعم وإسناد الفئات والقطاعات الهشة في المجتمعات، وعلى حساب الإنفاق الاجتماعي.
وتطرق الرفيق إلى الصعوبات والمشاكل الجدية التي تعاني منها اقتصاديات الدول الرأسمالية، وما فيها من إشكاليات حيث يتباطأ النمو وترتفع مستويات التضخم، ويتراكم الدين الخارجي والداخلي مع تهميش قطاعات واسعة.
وأشار إلى أنه في الوقت الذي تسعى دول عدة ومنها الصين وروسيا الاتحادية والبرازيل والهند إلى الدفع باتجاه عالم متعدد الأقطاب وتشجيع التجارة العالمية، تسعى أمريكا وحلفاؤها إلى استمرار الأحادية وسياسة الهيمنة والتوسع، وفرض منهج ترامب عبر الاملاءات والتهديد والعقوبات الاقتصادية و"سلام القوة".
وتحدث سكرتير اللجنة المركزية للحزب عن العدوان الصهيوني والأمريكي على إيران، مبينا انهما حلقات في مسلسل واحد لتنفيذ ما بات يطلق عليه بـ "الشرق الأوسط الجديد" وتحقيق الهيمنة الأمريكية – الإسرائيلية المطلقة على شؤون المنطقة، من النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتحطيم إرادة الرفض والممانعة لدول المنطقة وشعوبها.
وتوقف الرفيق فهمي مطولا عند الأوضاع في بلدنا وحالة الحذر والقلق خلال الأيام الماضية، والمخاطر الجدية التي كانت قائمة والخشية من أن يتحول العراق إلى ساحة للمواجهة بين الأطراف المتصارعة. وأظهرت التطورات الأخيرة الضعف البيّن في إمكانية توفير حماية فاعلة لأجواء العراق التي انتهكت كثيرا، وسلامة مواطنيه وأراضيه.
وفي حديثه بيّن الرفيق تداعيات الأزمة العامة البنيوية في بلادنا، في المجالات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، مبيّنا جوانب الفشل في مجالات عدة ومنها في السياسة الاقتصادية والمالية والنقدية، والخلل الكبير في الموازنات وتعاظم الإنفاق العام وارتفاع الدين الداخلي وانخفاض الرصيد في البنك المركزي العراقي، واستمرار الاعتماد على عائدات النفط التي بالكاد الآن في ظل انخفاض أسعار النفط تغطي الرواتب في ظل التوسع الكبير، غير المدروس والزبائني في التوظيف الحكومي. وعرج كذلك على العديد مما اسماه بـ "القنابل الاجتماعية" ومنها البطالة وخاصة بين الشباب، إضافة إلى ضعف الخدمات العامة والتوجه إلى فرض زيادات في الرسوم، ما يشكل عبئا إضافيا على المواطنين، ويسهم في إضعاف القدرات الشرائية لهم.
وتحدث فهمي عن الجديد في مشاكل البيئة، وشح المياه والحاجة إلى إجراءات عديدة، ومنها المطالبة بحصة عادلة في مياه نهري دجلة والفرات وترشيد استهلاك المياه وتوفيرها للاستخدامات المختلفة. وأشار أيضا إلى ضعف التنمية، وقلة الاستثمار وعدم توفر الظروف المناسبة له، وفي استجابة شركات رصينة للعمل في العراق.
وبيّن انه رغم الإجراءات المعلنة في مكافحة الفساد، فكل يوم يمر يعلن عن ملفات جديدة ما يؤشر إلى تفاقمه وتفشيه، وحالة التعشيق بين الفاسدين والمتنفذين في مؤسسات الدولة، فيما يستمر تغول السلاح المنفلت وعدم اتخاذ خطوات جدية لحصره بيد الدولة ومؤسساتها المخولة دستوريا.
وعرج على عناوين أخرى لها صلة بالأزمة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم والملفات العالقة ومنها رواتب موظفي الإقليم، وغياب هيبة وسلطة الدولة وضعفها والتداخل بين السلطات، وما يمكن تسميته بأزمة العلاقة في مؤسسات القضاء، متوقفا عند تداعيات استقالة أعضاء المحكمة الاتحادية على جوانب عدة، ومنها ما يخص الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وأضاف بان المنظومة الحاكمة بمنهجها المتبع الراهن لا يمكن لها ان تقدم حلولا، ولذا قلنا بأن بلدنا بحاجة إلى المشروع الوطني الديمقراطي، والذي يحمل توجها يفضي إلى مأسسة الدولة ويحقق قدرا من العدالة الاجتماعية، والمشروع ما زال بحاجة إلى تبريز وتجميع القوى والإمكانات لدفعه قدما إلى أمام، وفرض إرادة الشعب وكسر احتكار السلطة وإحداث التغيير الشامل المنشود، مؤكدا بأن أحد روافع ذلك هو المشاركة الواسعة، والفاعلة في الانتخابات البرلمانية القادمة، ومبينا أن الحزب سيشارك فيها ضمن تحالف "البديل" الانتخابي، وصيغ أخرى، وبين بالتفصيل الأهداف المتوخاة من تلك المشاركة.
وتوقف الرفيق فهمي عند مهام الشيوعيين في راهن الحال، مؤكدا على الدور الكبير الذي تنهض به محليات بغداد وعموم الرفاق في إعلاء شأن الحزب ودوره وتمتين صلاته مع الجماهير، وتحقيق التعبئة السياسية والجماهيرية، وتمتين الصلات مع جماهير وقطاعات مختلف الشرائح الاجتماعية لاسيما المهمشة منها والكادحة، والعمل على تبني مطالبها والدفاع عنها، وكل ذلك وغيره يتطلب المبادرة وترتيب الأولويات وتفعيل عناصر القوة وما يملكه الحزب من رصيد معنوي وسياسي واجتماعي.
وفي مداخلته بين الرفيق بسام محيي، نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب، أهمية التعبئة السياسية والجماهيرية، وتحديد المهام، مؤكدا على أهمية التوجه إلى الناس في تجمعاتهم، وإبداء الاهتمام بالفئات الكادحة، وتفعيل العمل بين النساء والشباب والطلبة. وتحدث تفصيلا عن مشاركة الحزب في الانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني 2025، دوافعها واهميتها، وضرورة ان يحقق الحزب فيها ما يتناسب مع مكانته ودوره.
هذا وقدم العديد من الرفاق مداخلاتهم وأسئلتهم، التي تناولت جوانب مختلفة في سياسة ومواقف الحزب، وفي عمل المنظمات الحزبية، والتي أجاب عليها الرفيق رائد فهمي مؤكدا أهمية التخطيط والمتابعة والمبادرة في تنفيذ برامج الحزب وتوجهاته.
عقدت عشرة أحزاب شيوعية في البلدان العربية اجتماعاً استثنائياً، عبر النافذة الإلكترونية، بدعوة من الحزب الشيوعي العراقي، ناقشت فيه التطورات الخطرة التي تشهدها المنطقة في أعقاب الاعتداء العسكري الأمريكي – الإسرائيلي على إيران، والانخراط المباشر للولايات المتحدة في الحرب الدائرة.
وشاركت في الاجتماع وفود تمثل قيادات هذه الأحزاب، وضمت عددا من أمنائها العامين. وهي: الحزب الشيوعي اللبناني، حزب الشعب الفلسطيني، الحزب الشيوعي الأردني، الحزب الشيوعي السوري الموحد، الحزب الشيوعي المصري، الحركة التقدمية الكويتية، الحزب الشيوعي السوداني، حزب التقدم والاشتراكية المغربي، الحزب الاشتراكي اليمني.
وقال الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، في تصريح خاص لـ"طريق الشعب"، إن الاجتماع جاء استجابة لمخاوف متصاعدة لدى الاحزاب الشقيقة والقوى التقدمية في العالم العربي من تداعيات التصعيد العسكري والعدوان الأمريكي الأخير، وما يمثله من انتهاك صارخ لسيادة دولة مستقلة، وتدخل سافر في شؤونها الداخلية، في خرق فاضح لميثاق الأمم المتحدة وكافة المواثيق الدولية.
وأوضح فهمي، أن مداولات الاجتماع شهدت إجماعاً بين الأحزاب المشاركة على اعتبار هذا العدوان تطوراً نوعياً خطيراً، لا يهدد إيران فحسب، بل يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من تنفيذ "مشروع الشرق الأوسط الجديد"، القائم على فرض الهيمنة الأمريكية – الصهيونية على المنطقة، وتقويض استقلال الدول وسيادتها الوطنية وحقها في اختيار مساراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف أن العدوان الأمريكي لم يأتِ من فراغ، بل هو امتداد لحرب طويلة الأمد، تتداخل فيها المصالح الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، مستهدفةً بالدرجة الأولى حق الدول في السيادة الوطنية.
وأشار إلى أن أحد المحاور الأساسية للنقاش تمثل في تساؤلات حول احتمالات توسع العمليات العسكرية، ومخاطرها على استقرار المنطقة بأكملها، وما تمثله ايضا من تهديد للسلم العالمي، مؤكداً أن ملامح مشروع الهيمنة الأمريكية – الصهيونية باتت أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، خصوصاً في ظل ما حدث في سوريا ولبنان واليمن، وما يجري اليوم من محاولات لتفكيك الدولة الإيرانية.
وشدد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي على أن هذا المشروع لا يستهدف إيران فحسب، بل يمتد ليشمل كل دول المنطقة، بهدف إضعاف قدرات شعوبها، وعرقلة مسارات التنمية الوطنية المستقلة، وتعميق التبعية للنظام الإمبريالي العالمي.
واتفقت الأحزاب المشاركة في الاجتماع على إصدار بيان مشترك يُعلن لاحقاً، ويتضمن موقفاً موحداً تجاه هذه التطورات. كما بحثت إمكانية تنسيق تحركات جماعية لقوى اليسار العربي، للضغط على حكومات بلدانها من أجل اتخاذ مواقف واضحة ضد هذا التصعيد العسكري، ورفض تحويل البلدان العربية إلى ساحات للعدوان أو منصات للمشروع الإمبريالي.
كما دعا الاجتماع إلى تعزيز التضامن الأممي، والتواصل مع القوى التقدمية والإنسانية في العالم، والتوجه نحو القوى الدولية التي سبق أن أدانت العدوان الأميركي – الإسرائيلي، بهدف توسيع الجبهة العالمية المناهضة للحرب، وتصعيد حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني ضد حرب الابادة الصهيونية والمطالبة بوقفها فورا وتلبية حقوقه المشروعة بإقامة دولته الوطنية المستقلة، كاملة السيادة على ارضه. وعبّر المجتمعون ايضا عن تضامنهم مع الشعب السوداني وقواه الوطنية لوقف الحرب الكارثية وبناء دولة مدنية ديمقراطية مستقلة وموحدة.
وأكد المشاركون في الاجتماع على رفض الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية مشاريع الهيمنة الامبريالية – الصهيونية والتصدي لأية مخططات تسعى لتفتيت بلدانها وفرض الاملاءات عبر القوة الغاشمة على شعوبها بالضد من مصالحها.
يرى مراقبون أن تدخل الولايات المتحدة المباشر في استهداف المنشآت النووية الإيرانية لا يمثّل فقط تصعيداً عسكرياً، بل يحمل تداعيات استراتيجية واسعة على السلم الإقليمي والدولي. فهذه الخطوة قد تعيد ترتيب الأولويات الأمنية في الشرق الأوسط، وتدخل واشنطن في مواجهات مباشرة، وتزيد من احتمالات اندلاع حرب إقليمية متعددة الأطراف.
كما أن تصعيداً من هذا النوع قد ينعكس على أسواق الطاقة، ويُربك ممرات التجارة العالمية، لا سيما إذا ما قررت إيران استخدام أوراقها في مضيق هرمز أو عبر تدخل حلفائها في اليمن ولبنان والعراق وسوريا. وهذه التطورات يمكن ان تفضي الى المزيد من التوترات في العلاقات الدولية، وقد تجد روسيا والصين في هذا التوتر فرصة لتعزيز اصطفافات جديدة تُضعف الهيمنة الأميركية، وتفتح المجال أمام مزيد من الانقسام في النظام الدولي.
وبالتالي فان سياسات إدارة ترامب الهادفة إلى فرض الهيمنة الأمريكية على دول المنطقة ضمن "مشروع الشرق الأوسط الجديد"، تهدد السلام الاقليمي والعالمي بمخاطر جسيمة غير مسبوقة، خاصة مع استمرار دعم واشنطن اللامحدود للكيان الصهيوني.
تفويض مفتوح لإسرائيل
ووصف عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، الرفيق سلم علي، الهجوم الأميركي الأخير على المنشآت النووية الإيرانية بأنه "تطور بالغ الخطورة في سياق الحرب والمواجهة الدائرة بين إسرائيل وإيران، والتي تصاعدت منذ العدوان الإسرائيلي على طهران في حزيران الجاري".
وقال علي في حديث لـ"طريق الشغب"، إن "خطورة هذا التطور تكمن في دخول الولايات المتحدة بشكل مباشر على خط المواجهة، من خلال استهداف منشآت نووية إيرانية استراتيجية، لا سيما الموقع المحصن في فوردو، ما يُعد انحيازاً كاملاً من قبل واشنطن، وتحديداً إدارة ترامب، لصالح إسرائيل ونظام نتنياهو، تحت ذريعة منع امتلاك إيران للسلاح النووي”.
وأضاف أن “هذا الهجوم جاء في أعقاب فشل القوات الإسرائيلية في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ما دفع الإدارة الأميركية إلى التدخل العسكري المباشر، وهو ما يُعد تفويضاً مفتوحاً لإسرائيل لتفعل ما تشاء، في التوقيت والطريقة التي تختارها، دون رادع أو محاسبة”.
وأكد علي أن “هذا الدعم الأميركي غير المسبوق لإسرائيل، يكشف عمق التبعية بين الجانبين، حيث تُعد إسرائيل في نظر الكثيرين الولاية الأميركية الحادية والخمسين، وهو ما يعكس الارتباط العضوي بين مشروع الهيمنة الأميركية في المنطقة واستراتيجيات الأمن القومي الأميركي”.
وأشار إلى أن “ما يجري في الشرق الأوسط يجب أن يُفهم في سياق السياسة الخارجية والعسكرية التي تتبعها إدارة ترامب، لا سيما في إطار استعدادها لمواجهة دولية محتملة مع الصين. فبسط السيطرة على الشرق الأوسط يمثل جزءاً من مشروع (الشرق الأوسط الجديد)، الذي تعمل عليه الإدارات الأميركية المتعاقبة، والهادف إلى بناء تحالف أمني –عسكري – اقتصادي تتولى إسرائيل قيادته، مع ضمان تفوقها المطلق عسكرياً، ودعمها اقتصادياً من قبل أنظمة الخليج”.
ازدواجية واضحة في المعايير
وتابع عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي: ان “الاتفاقات الإبراهيمية، وما سبقها من خطوات تطبيعية، تندرج جميعها ضمن هذا المشروع، وقد كانت السعودية بصدد الالتحاق بهذا التحالف قبل اندلاع حرب السابع من أكتوبر2023”.
وعن المواقف الدولية، قال علي: “ما عبّرت عنه الصين وروسيا وبعض الدول الأوروبية من مخاوف وتحذيرات، يعكس القلق من تداعيات هذا التصعيد. اضافة الى ان بعض الدول ـ رغم كون بعضها حليفاً تقليدياً لواشنطن ـ تطالب بالتهدئة والعودة إلى طاولة المفاوضات. ولكن، وكما هو معتاد، نشهد ازدواجية واضحة في المعايير، خاصة حين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية”.
وأشار الى ان “الشعب الفلسطيني يعاني من حرب إبادة ومحاولة لتصفية قضيته. والمطلوب اليوم ليس فقط بيانات إدانة، بل خطوات ملموسة، في مقدمتها الاعتراف بدولة فلسطين من قبل المجتمع الدولي والدول الكبرى مثل الصين وروسيا".
واختتم الرفيق علي تصريحه قائلاً: “من الصعب التنبؤ بعواقب العدوان الأميركي على إيران، أو برد الفعل المحتمل من طهران أو القوى والتنظيمات المرتبطة بها، والتي أظهرت حتى الآن مستوىً غير مسبوق من الانضباط. لكن تبقى احتمالات تنفيذ عمليات تستهدف قواعد أميركية قائمة. وأي خطأ في الحسابات قد يقود إلى تصعيد كارثي، يُشعل حرباً مدمرة تجرّ المنطقة بأكملها إلى الفوضى، وتمثل تهديداً حقيقياً للسلم والأمن العالمي، وليس الإقليمي فقط، وهو ما تحذر منه اليوم كل القوى المحبة للسلام في العالم”.
تحول نوعي في طبيعة الصراع
أما الباحث في الشأن السياسي د. مجاشع التميمي فقد حذر من أن دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة بين إسرائيل وإيران، عبر مشاركتها في ضرب منشآت نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان، يُشكّل تحولاً نوعياً في طبيعة الصراع، ويمثّل تجاوزاً واضحاً للخطوط الحمراء التي رسمتها طهران على مدى السنوات الماضية.
وقال التميمي لـ"طريق الشعب"، إن هذا التطور “ينذر بتوسّع إقليمي خطير، ويضع إيران أمام معادلة دقيقة: استعادة الردع عبر ردّ موجع، من دون الانجرار إلى حرب شاملة قد تفتح أبواب المجهول في المنطقة”.
وأضاف أن الرد الإيراني المرجح قد يتخذ طابعاً مزدوجاً، من خلال تنفيذ ضربات دقيقة ضد قواعد أميركية أو إسرائيلية في المنطقة، إلى جانب احتمالية تدخل الفصائل المرتبطة بها ضمن نمط “الحرب بالوكالة”، دون تبنٍّ مباشر لتلك الهجمات.
وأشار إلى أن العراق سيكون من أكثر الدول تأثراً بهذا التصعيد، نظراً لوجود فصائل مسلحة، تجعل من الساحة العراقية مرشحة لمزيد من التوتر في حال استمرار العدوان على إيران.
ولفت التميمي الى انه "بينما تسعى الحكومة إلى الحفاظ على موقف محايد ومنع انزلاق البلاد إلى دائرة الاشتباك، فإن بعض الفصائل قد تلجأ إلى تحركات رمزية إذا طال أمد القتال أو تطورت الهجمات".
وخلص الى ان “الدعم العراقي الرسمي لإيران سيأخذ طابعاً سياسياً وشعبياً في الغالب، مع إمكانية تحركات محدودة لبعض الفصائل، بهدف توجيه رسائل دون الانخراط في مواجهة واسعة على الصعيد غير الرسمي".
من جهته، قال الكاتب المختص في العلاقات الدولية حسين شعيتو، أن "المنطقة على شفا حرب كبيرة خصوصاً بعد التدخل المحدود للجيش الأمريكي في الحرب الإسرائيلية ضد إيران، كي تظهر واشنطن للمجتمع الأمريكي والرأي العام بأنها تدخلت للحد من التخصيب الإيراني، لكنها حرصت على عدم تدمير هذه المنشآت لتجنب الذهاب لمرحلة اللاعودة".
وأضاف شعيتو أن "الجانب الأمريكي يعتقد أن إيران بهذا الاستهداف المحدود قد تذهب إلى التهدئة بعد أن ترد بشكل محدود، لذلك من المتوقع أن ترد إيران على هذه الضربة سواء على القطع البحرية في الخليج، أو على قاعدة أمريكية في إحدى الدول، وعلى إثر حجم الرد الإيراني، سيتقرر التصعيد من عدمه".
في الوقت الذي بدأ فيه التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل يأخذ منحى أكثر خطورة، مع استهداف متبادل لمواقع استراتيجية ومنشآت نفطية وغازية، تتزايد المخاوف من انزلاق المنطقة إلى حرب طاقة شاملة، قد تتجاوز الحسابات السياسية والعسكرية التقليدية.
اضطراب غير مسبوق
السؤال الذي بات مطروحاً بجدية والذي تتداوله أوساط اقتصادية وسياسية هو: ماذا سيحدث إذا اتسعت رقعة الضربات العسكرية لتشمل البنى التحتية للطاقة في المنطقة؟ وهل اغلاق مضيق هرمز والذي تمر عبره نحو ربع صادرات النفط العالمية، وارد في ظل تلويح ايراني بذلك؟
وفي حال تحقّق هذا السيناريو بحسب خبراء اقتصاد، فإن العالم سيواجه اضطراباً غير مسبوق في إمدادات الطاقة، سيرفع أسعار النفط إلى مستويات قياسية، ويضع الاقتصادات المستوردة في مواجهة تضخم متسارع، وركود محتمل، وسط تصاعد القلق من انهيار سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف التأمين والنقل.
التداعيات الاقتصادية الأوسع مقلقة
في هذا الشأن، يرى خبير الطاقة، د. بلال الخليفة أن تطور الصراع الايراني – الاسرائيلي إلى مواجهة أوسع ينذر بتداعيات خطرة على أمن الطاقة العالمي، لا سيما في حال تدخلت أطراف إقليمية ودولية، الأمر الذي قد يفضي إلى تهديد مباشر لممرات تصدير النفط في الخليج.
وقال الخليفة في تصريح لـ"طريق الشعب"، أن أحد أكثر السيناريوهات تطرفاً هو إقدام إيران على إغلاق مضيق هرمز، الذي تمر عبره نحو ربع صادرات النفط العالمية، ما قد يرفع أسعار برميل النفط إلى أكثر من 300 دولار في حال توقف الإمدادات بشكل كلي.
لكنه استدرك بالقول: إن هذا السيناريو "رغم انه ممكن لكن قد يكون مستبعداً حالياً لأسباب سياسية، أبرزها مرتبط بسعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحسب تصوره لتحقيق اختراق دبلوماسي يمنحه مكاسب سياسية، وربما يسعى من خلاله للفوز بجائزة نوبل للسلام كما صرح في اكثر من مناسبة”.
وأشار الخليفة إلى أن "الضربات المتبادلة التي طالت مصافي نفط في إيران وإسرائيل حتى الآن لم تُحدث تأثيرًا جوهريًا على الإمدادات العالمية، لكنها خلقت موجة قلق واسعة لدى المستهلكين، وهو ما انعكس في ارتفاع الأسعار بنسبة 12% خلال أيام قليلة".
وأضاف أن العراق، بصفته دولة ريعية تعتمد على النفط كمصدر أساس للدخل، "قد يستفيد مالياً من ارتفاع الأسعار في المدى القصير، كما حدث خلال الحرب الروسية – الأوكرانية، حين تجاوز سعر البرميل 120 دولارًا، إلا أنه نبه إلى أن "هذه المكاسب لا تخلو من كلفة وتداعيات اقتصادية اوسع".
وأوضح الخليفة، أن اتساع رقعة الصراع "سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين على البضائع المستوردة من الخليج، مما سيُفضي إلى زيادة أسعار السلع في السوق العراقية، خاصة وأن هناك اعتمادا كبيرا على الواردات من دول الخليج".
كما أشار إلى أن "أي اضطراب في إمدادات الطاقة البحرية سيؤدي إلى ارتفاع كلفة الوقود المستخدم في الشحن، وهو ما سيتحمله المستهلك في نهاية المطاف".
واختتم بالتأكيد على أن "العراق ليس طرفا في المواجهة حالياً، لكنه ليس بعيداً عن تداعياتها وتبعاتها، إذ إن أي ارتفاع في منسوب التوتر الإقليمي سينعكس اقتصادياً على المواطن العراقي، سواء من بوابة الأسعار أو من خلال تراجع الاستقرار العام في أسواق الطاقة".
تداعيات خطرة
من جهته، حذّر الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي من تداعيات نفطية واسعة قد تنجم عن تفاقم الصراع بين إيران وإسرائيل، مشيراً إلى أن أي هجوم إسرائيلي على منشآت الطاقة الإيرانية، أو رد انتقامي إيراني يستهدف مضيق هرمز، قد يُفضي إلى أزمة طاقة عالمية حادة.
وقال المرسومي في تعليق لـ"طريق الشعب"، أن "إسرائيل تمتلك القدرة على توجيه ضربات مؤقتة للبرنامج النووي الإيراني، لكنها قد تتجه بدلاً من ذلك إلى استهداف منشآت نفطية تعتبر أكثر عرضة للهجوم".
وأضاف المرسومي أن "طهران، في حال تعرضت لمثل هذه الضربات، قد تلجأ إلى إغلاق مضيق هرمز أو استهداف ناقلات النفط والغاز، ما سيؤدي إلى تعطيل ربع حركة تجارة النفط العالمية".
وتابع أن "منظمة أوبك+ تمتلك طاقة إنتاجية فائضة يمكن أن تُستخدم لسد أي عجز في الإمدادات، إلا أن تصاعد التوترات قد يعقّد الاستفادة من هذه القدرة، خصوصاً إذا تأثر أمن الملاحة البحرية في المنطقة".
وبحسب المرسومي، فإن "أبرز التداعيات المحتملة ستشمل، ارتفاع تكاليف التأمين على شحنات النفط بسبب المخاطر المتزايد، وانسحاب ناقلات النفط من الخليج في حال تصاعد التهديدات، ما سيقلل الإمدادات للأسواق، ناهيك عن محدودية قدرة “أوبك+” على زيادة الإنتاج، خاصة مع اعتماد عدد من الدول الأعضاء على مرور النفط عبر مضيق هرمز".
ولفت الى ان "إغلاق مضيق باب المندب سيزيد من جهته تعقيد المشهد ويعيق حركة الطاقة، كما ان اتساع نطاق الحرب إلى منشآت نفطية خليجية، سيؤثر بشكل مباشر على إمدادات النفط الخام والغاز المسال".
واشار المرسومي الى تقديرات بنك جي بي مورغان التي ذكرت أن أسعار النفط قد تصل إلى 130 دولاراً للبرميل في “السيناريو الأسوأ”، ما سيؤدي إلى انخفاض نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 0.4%، اضافة لارتفاع أسعار البنزين والوقود والمنتجات المشتقة من النفط، مثل البلاستيك والكيماويات والأسمدة، على إثر ذلك".
وخلص الى القول انه "سينعكس سلباً على الاستثمارات والتوظيف ويهدد بدخول العديد من الاقتصادات في حالة ركود".
حرب الأصول الاستراتيجية
فيما حذّر أستاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، من أن أي تصعيد واسع في الصراع بين إيران وإسرائيل، يتجاوز الضربات المحدودة الحالية ليصل إلى استهداف مباشر للبنى التحتية للطاقة، قد يدفع العالم نحو واحدة من أخطر الأزمات الاقتصادية منذ عقود.
وقال السعدي: إن قصف منصة غاز من الجانب الإسرائيلي، ورد إيران بضرب مصفاة في حيفا، يمثلان مؤشرات أولية على احتمال اندلاع ما وصفها بـ”حرب الأصول الاستراتيجية”، التي تتحول فيها منشآت النفط والغاز إلى أهداف عسكرية، مع ما لذلك من تداعيات على الإمدادات وأسواق الطاقة.
وأضاف أن "أمن الطاقة العالمي سيكون أول المتضررين"، لافتاً إلى أن "مضيق هرمز، الذي تسيطر عليه ايران جغرافياً، تمر عبره أكثر من ربع صادرات النفط العالمية"، منوها بأن أي "تهديد فعلي لهذا الممر الحيوي — سواء عبر اغلاقه او من خلال القصف المباشر أو زرع ألغام بحرية — سيؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط، قد يصل إلى 130 دولاراً للبرميل في سيناريو التعطيل الجزئي للملاحة".
وأشار إلى أن هذه الزيادة في الأسعار "ستضغط بشدة على اقتصادات الدول المستوردة، لاسيما في آسيا وأوروبا، وتدفع باتجاه موجة تضخم عالمي جديدة".
ونبه أيضا الى أن التداعيات ستصل الى سلاسل الامداد، التي ستتأثر في قطاعات النقل والصناعة الثقيلة، بسبب ارتفاع تكاليف الوقود، ما يؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية وتباطؤ في النمو قد يبلغ حد الركود إذا طال أمد الصراع".
وذكر السعدي، أن دول الخليج "لن تكون في مأمن، رغم بعدها النسبي عن ساحة المواجهة، حيث تبقى منشآت الطاقة فيها عرضة لهجمات صاروخية أو سيبرانية محتملة، ما يعمّق أزمة الإمدادات".
أما العراق، فرأى السعدي أن تداعيات النزاع عليه ستكون ذات وجهين: "فمن جهة، قد يستفيد من ارتفاع أسعار النفط على المدى القصير، لكنه بالمقابل سيكون في وضع حرج إذا أُغلقت المضائق أو تعطلت خطوط التصدير، خصوصاً مع استمرار توقف خط جيهان، واعتماده الكامل حالياً على الخليج كمنفذ وحيد".
واختتم السعدي حديثه بالقول: إن "تطور النزاع إلى حرب طاقة شاملة لن يبقى محصوراً في بعده الأمني أو الجيوسياسي، بل سيتحول إلى صدمة اقتصادية عالمية، قد تكون أعمق من تلك التي شهدها العالم عقب الحرب في أوكرانيا، مع تغييرات محتملة في خارطة التحالفات ومراكز النفوذ الاقتصادي".