عقد الحزب الشيوعي الكردستاني – العراق مؤتمره الثامن في دهوك للفترة من 18 – 21 حزيران 2025.
حضر اعمال المؤتمر الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، والرفيق بسام محي، نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب.
وفي جلسة الافتتاح للمؤتمر، القى الرفيق فهمي، كلمة الحزب وجاء فيها:
الرفيقات والرفاق الأعزاء أعضاء المؤتمر
الضيوف الكرام
أتوجه اليكم باسمي وباسم رفاقكم في اللجنة المركزية للحزب بالتحيات النضالية للمؤتمر ومندوبيه، ومن خلالهم إلى جميع الرفيقات والرفاق أعضاء الحزب وأصدقائه وهم يخوضون النضال في مختلف الساحات دفاعا عن حقوق ومصالح الشغيلة وعموم أبناء شعب كردستان وعن تطلعاتهم إلى مستقبل أفضل.
نحن نولي اهتماما كبيرا لأعمال المؤتمر ووثائقه ومناقشاته، متمنين له النجاح والخروج بنتائج تعزز عمل الحزب الشيوعي الكردستاني ووحدتَه ومكانتَه ودورَه النضالي في الحياة السياسية والاجتماعية في الإقليم، وذلك من مواقع الرفقة النضالية الطويلة للشيوعيين على مدى عقود في إطار الحزب الشيوعي العراقي، والتي تتواصل اليوم من خلال العلاقات الوثيقة بين حزبينا على قاعدة منهجنا وإرثنا المشترك واهدافنا وتطلعاتنا الراهنة والمستقبلية.
لقد لعب الشيوعيون دورا رياديا في النضال الوطني والطبقي منذ بدايات تأسيس الدولة العراقية، وفي الدفاع عن الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي وفي دعم حركته التحررية، وخوض الكفاح المشتركة ضد الأنظمة المعادية للديمقراطية التي تعاقبت على الحكم، ومن أجل الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي ومن ثم الفدرالية لكردستان.
وكان للشيوعيين ونضالٍهم الفكري والسياسي دورٌ رئيس في النضال ضد التمييز القومي، والتصدي للأفكار والممارسات الشوفينية، كما خاض الشيوعيون الكفاح المسلح في إطار الحركة الأنصارية الباسلة حيث سالت على ارض كردستان دماء الشيوعيين الزكية، عربا وكردا ومن سائر أطياف الشعب العراقي. ولعب هذا النضال المشترك، وتضامن الحركة الوطنية الديمقراطية العراقية مع الحركة القومية التحررية للشعب الكردي، دورا أساسيا في تحقيق المنجزات على طريق تقرير الشعب الكردي لمصيره في الظروف الملموسة للعراق، والتي مرت بمراحل مختلفة وصولا إلى الفدرالية.
الرفيقات والرفاق الأعزاء
ينعقد مؤتمركم في ظروف دولية وإقليمية بالغة الدقة والخطورة. فمنطقة الشرق الأوسط تمر بتحولات عميقة وأوضاعا متأزمة، وتشهد أحداثا وتغييرات إقليمية متسارعة تتصدرها حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وسقوط نظام الأسد في سوريا وما تبعه. وقد أدّت هذه التطورات إلى حدوث اختلال كبير في موازين القوى الإقليمية، فيما كثفت الولايات المتحدة وإسرائيل سياساتها من أجل إحداث تغيير عميق في الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط ضمن “مشروع الشرق الأوسط الجديد” الهادف إلى تحقيق الهيمنة السياسية والعسكرية للولايات المتحدة وإسرائيل على المنطقة، ودمج اقتصاداتها بالسوق الرأسمالية العالمي، وفتح أسواقها ومواردها الطبيعية أمام الاستثمارات الخارجية، والأمريكية بشكل خاص.
وفي الأيام الأخيرة شهدت المنطقة تصعيدا شديد الخطورة بشن إسرائيل هجوما عسكريا واسع النطاق على إيران في انتهاك صارخ للقوانين والمواثيق والأعراف الدولية. ومرّت عدة أيام على العمليات العسكرية وهي في تصاعد مستمر ما يزيد من مخاطر توسع نطاقها وانخراط قوى أخرى فيها.
ونرى ضرورة قيام الحكومة العراقية بواجبها الوطني في تجنيب شعبنا ووطننا أية تداعيات محتملة، والدفاع عن مصالح الوطن وحمايتها، وتمتين عوامل ومستلزمات التماسك الوطني الداخلي ومقومات سيادة البلاد ووحدة قرارها الوطني المستقل.
وعلى الصعيد الداخلي، تعاني البلاد من آثار ونتائج الأزمة البنيوية لمنظومة الحكم القائمة على نهج المحاصصة، المتمثلة بالفشل في بناء دولة مواطنة ومؤسسات، واستشراء الفساد في مفاصل الدولة بحيث أصبح جزءا من تكوينها. وترتب على ذلك الفشل في توفير الخدمات الأساسية وفي تحقيق التنمية الاقتصادية، وفي إيجاد حلول مستدامة لمشاكل البلاد، ما يتسبب في معاناة متنامية لأوسع القطاعات الشعبية.
وتؤكد تجربة السنوات الماضية، إنه لا يمكن النظر للأوضاع في الإقليم بعيدا عن أوضاع البلد ككل، برغم هامش الاستقلالية الكبير الذي يتمتع به الإقليم.
كما تؤكد ضرورة إدراك التلازم ما بين الأوضاع في الإقليم وتطور الأوضاع على صعيد العراق ككل. فأي محاولة للحكومة الاتحادية لمعالجة أزمات البلاد على حساب الإقليم، وكذلك توقع تحقيق تقدم ونجاحات راسخة في الإقليم في أجواء عدم ثقة مع الحكومة الاتحادية، سوف تلحق الضرر بجميع الأطراف وتنعكس سلبا على أوضاع الشعب في الإقليم، وفي العراق ككل.
فأي تقدم يحدث في الإقليم هو رافعة، أو ينبغي أن يكون كذلك، لتعزيز الوضع على المستوى الاتحادي، كما يصح ذلك في الحالة المعاكسة.
إلاّ أن العلاقة بين بغداد وأربيل قد اتسمت بالتوتر الدائم والتفاوض غير المثمر، حيث لا تزال الملفات الجوهرية العالقة بين الطرفين بلا حسم حقيقي. ومنها ملف رواتب موظفي الإقليم الذي تحول إلى ورقة ابتزاز، يُستخدم فيها الموظف كرهينة في صراع سياسي مفتوح!
ومن المؤسف أنه بعد مرور أكثر من نصف عام على الانتخابات البرلمانية في الإقليم، لا تزال مؤسسات السلطة في حالة شبه شلل كامل. ويبدو أن الانقسام بين القوى السياسية النافذة في الإقليم لا يتعلق فقط بتوزيع المناصب، بل يمتد إلى الرؤية السياسية لهوية الإقليم ومستقبله، ولعلاقته ببغداد وبالإقليم المحيط.
وتلقي كل هذه التطورات بتداعياتها السلبية على الظروف المعيشية لقطاعات شعبية واسعة في الإقليم، ولاسيما في أوساط ذوي الدخل المحدود وعموم الشغيلة والكادحين، والتي اشتدت معاناتها بسبب تدهور أوضاعها.
وارتباطاً بكل تلك التطورات، يجدد حزبنا الشيوعي العراقي دعوته الى القوى الكردستانية للعمل سريعا على تشكيل حكومة الإقليم وفق برنامج ينسجم مع التحديات التي يواجهها. كما آن الأوان أن تتعامل الدولة العراقية – بكل مكوناتها – مع العلاقة بين بغداد واربيل كمسألة بناء دولة، لا مجرد تفاهمات سياسية ظرفية. فاستمرار التوتر والجمود في الإقليم، وتصدّع العلاقة مع الحكومة الاتحادية، لا يهددان فقط مستقبل الإقليم، بل مستقبل الدولة العراقية وبناؤها الديمقراطي الاتحادي.
إن تجاوز هذه اللحظة الحرجة يتطلب رؤية جديدة جذرية، من شأنها تحويل العلاقة بين الإقليم والمركز من علاقة شدّ وجذب، إلى علاقة شراكة وطنية حقيقية تُسهم في بناء عراق ديمقراطي اتحادي مزدهر.
إن أمامَ المؤتمر وأعمالِه طائفةً من التحديات السياسية والفكرية والتنظيمية، وهي تواجه الشيوعيين عموما، على صعيد العراق والعالم، بالارتباط مع التغييرات والتحولات والتناقضات والأزمات الناجمة عن العولمة الرأسمالية وعن التطورات المتسارعة على الصعيد العلمي والتكنولوجي، وفي وسائل الاتصال وتناقل المعلومات.
ويجعل كل ذلك من التجديد في الفكر والتنظيم، وفي أساليب العمل، ضرورةً لمواكبة هذه التطورات والتعامل معها بصورة سليمة، استنادا إلى الفكر الماركسي المتجدد ومنهجه العلمي، بعيدا عن الجمود والدوغمائية.
إن طبيعة المهام التي تواجهنا تتطلب تعزيز النضال المشترك للشيوعيين وتمتين الروابط الكفاحية بين الحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي الكردستاني وتطويرها، والعمل على بناء الاصطفافات السياسية التي توحد عمل القوى المدنية والوطنية الديمقراطية واليسارية من اجل الدفاع عن مصالح الشعب وكادحيه، وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
كما ينبغي العمل على تقوية وتطوير العلاقة مع الأحزاب الشيوعية والقوى التقدمية في المنطقة والعالم وتوثيق أواصر التضامن ما بينها.
المجد والخلود للشهداء الابرار
النجاح للمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الكردستاني
معا في نضالنا من أجل الحريات الديمقراطية والسلام والتقدم والعدالة الاجتماعية
كشف إعلان استقالة ستة من القضاة الأعضاء الأصليين وثلاثة من الاحتياط في المحكمة الاتحادية العليا، خلال الأيام الماضية عن حجم الخلافات العميقة بين السلطات في العراق.
فهذا الحدث الذي لم يكن متوقعاً، رغم ان بوادره ظهرت قبل شهور، يعد غير مسبوق في أعلى هيئة دستورية في البلاد، لكنه اعاد الحديث الى السطح من جديد عن الخلافات الحادة داخل المؤسسة القضائية، والضغوط الناجمة عن صراعات بين السلطات الثلاث.
امتداد لازمات متراكمة
يقول الباحث والأكاديمي د. غالب الدعمي إن الأسباب الدقيقة وراء الاستقالات الجماعية في المحكمة الاتحادية العليا لم تُعلن بشكل رسمي حتى الآن، إلا أن رسالة رئيس المحكمة إلى البرلمان العراقي ألمحت بوضوح إلى وجود خلافات داخل المؤسسة القضائية.
ويضيف الدعمي في حديثه لـ"طريق الشعب"، أن "بعض التقديرات تربط الاستقالات بتفرد رئيس المحكمة الاتحادية في اتخاذ القرارات، وقيامه بإبداء الرأي في قضايا تشريعية بصورة مخالفة للدستور وقانون المحكمة نفسه، ما أثار تحفظات داخلية".
ويجد الدعمي أن هذا السلوك "دفع بعض القضاة، إلى تقديم استقالاتهم، الأمر الذي أدى فعليًا إلى شلل المحكمة".
ويشير الدعمي إلى أن الفترة الأخيرة شهدت تصاعداً في حدة التباين بالمواقف بين المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى، إذ قامت محكمة التمييز الاتحادية بنقض العديد من القرارات التي أصدرتها المحكمة الاتحادية، في مؤشر واضح على وجود اختلافات جوهرية في التفسير القانوني".
ويحذّر الدعمي من أن "تداعيات هذا ستؤثر على المصادقة على نتائج الانتخابات المقبلة"، معتبراً أن "ما يجري اليوم هو امتداد لأزمات متراكمة، قد تتبعها أزمات أخرى أكثر تعقيداً".
مستشار السوداني مع تعديل الدستور
وبخلاف ما ذهب اليه الدعمي، فان مستشار رئيس الوزراء للشؤون الدستورية حسن الياسري، استبعد تأثير استقالة أعضاء المحكمة الاتحادية على إجراء الانتخابات النيابية.
وقال الياسري، أنه "لا تأثير مباشراً لاستقالة أعضاء المحكمة الاتحادية العليا، كلهم أو بعضهم، في إجراء الانتخابات النيابية المقبلة، إذ يمكن إجراؤها من الناحية الدستورية المجردة في وقتها المحدد، ولا طعن في شرعيتها"، مردفا أن "ثمة تأثيراً غير مباشر لهذه الاستقالة، يتمثل بضرورة المصادقة على نتائج الانتخابات النهائية من قبل المحكمة، ما يفضي بالضرورة إلى القول بصحة إجراء الانتخابات المقبلة من جهة، وتعليق العمل بها لحين المصادقة عليها من قبل المحكمة من جهة أخرى، ولا تنافي بين الأمرين".
وأضاف، "نجدد الدعوة لتعديل الدستور مستقبلا وإلغاء النص الدستوري المتعلق بوجوب مصادقة المحكمة على نتائج الانتخابات، إذ لا فائدة من هذه المصادقة لسببين: أولهما فهو لكون المصادقة شكلية لا تنصرف إلى المضمون. وأما الآخر فهو لكون المفوضية العليا للانتخابات تتمتع بالاستقلالية التامة، وهي تستعين بلجان قضائية في عملها، سواء على مستوى الإشراف أو على مستوى الطعون الانتخابية"، مؤكدا أنه "لا تأثير لهذه الاستقالة، مباشراً أو غير مباشر، في بقاء الحكومة وشرعيتها أو في استمرار عمل مجلس النواب وشرعيته".
وبيّن أن "بالإمكان الخروج من هذا المأزق وحل المشكلة عبر آليات ثلاث: الأولى تتمثل برجوع المستقيلين عن استقالتهم. والثانية تتمثل باستقالة الأعضاء الآخرين، لغرض تنفيذ المادة الأولى من قانون تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 25 لسنة 2021، التي تنظم آلية اختيار أعضاء المحكمة، بغية اختيار أعضاء جدد للمحكمة. مع التنويه بأن لا مانع من تجديد عضوية البعض في المحكمة الجديدة. والثالثة تتمثل بقيام مجلس النواب بتعديل القانون المذكور آنفاً، بغية إعادة تأليف المحكمة من جديد.
مناكفات بين جميع السلطات
من جانبه، عّد المراقب للشأن السياسي جعفر الكعبي، استقالة هؤلاء القضاة سابقة خطيرة وغير مسبوقة في تاريخ القضاء العراقي الحديث.
وقال الكعبي لـ"طريق الشعب"، أن "تتبع تسلسل الأحداث خلال العام الأخير، يكشف عن مناكفات متكررة بين المحكمة الاتحادية ومحكمة التمييز، وكذلك بين المحكمة والسلطتين التشريعية والتنفيذية، لا سيما بشأن تفسير القوانين والصلاحيات المتداخلة".
وأضاف ان هذا الصراع انعكس سلباً، على أداء المحكمة وأدى في نهاية المطاف إلى حدوث هذه الاستقالات الجماعية، مشيرا إلى أن المحكمة الاتحادية، وفق الدستور العراقي النافذ وقانونها الخاص "تضطلع بمهام حساسة تشمل الرقابة الدستورية على القوانين، تفسير النصوص الدستورية، الفصل في النزاعات بين السلطات، البت في الاتهامات الموجهة لرئيسي الجمهورية والوزراء، والبت في الطعون النيابية، فضلاً عن الفصل في التنازع بين الحكومة الاتحادية والإقليم".
ويؤكد أن غياب هذه المحكمة يخلق فراغاً دستورياً خطيراً قد يهدد مسار الدولة.
ويعتقد الكعبي أن الاستقالات جاءت نتيجة "تقاطعات كبيرة حول قضايا تمس اختصاص المحكمة، وعلى رأسها قضية خور عبد الله، وما أثارته من توتر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من جهة، وداخل المحكمة الاتحادية من جهة أخرى"، معتبراً أن "هذه القضية تمثل السبب الأقوى بين مجموعة الأسباب".
ويلفت الكعبي الى أن رئيس المحكمة الاتحادية طلب لقاءً مع عدد من القادة السياسيين المؤثرين، إلا أن كثيراً منهم اعتذر".
ويلمح الى ان" المحكمة وقعت في خطأ بإقحام نفسها في هذا المسار، فهي تمثل أعلى سلطة قضائية في البلاد، وكان الأولى بها الحفاظ على مبدأ الفصل بين السلطات، إذ لا سلطان على القضاء سوى القانون”.
ويخلص الى أن ما يحدث حالياً "يمس جوهر دور المحكمة الاتحادية ومكانتها الدستورية كضامن للتوازن بين السلطات"، محذراً من أن "استمرار هذا الانقسام المؤسسي قد ينعكس سلباً على الاستقرار السياسي والقانوني في البلاد".
لقاء مرتقب يجمع السلطات الثلاث
وكشف النائب عن اللجنة القانونية محمد عنوز، أن رئيس المحكمة الاتحادية طلب عقد لقاء موسع يضم السلطات الثلاث من أجل حل الإشكاليات التي تواجه عمل المحكمة، خاصة بعد استقالة الأعضاء بسبب الضغوط بشأن العديد من الدعاوى، ومنها دعوى اتفاقية خور عبد الله.
وقال عنوز إن "الوضع القضائي في المحكمة الاتحادية غير مستقر"، مؤكدًا أن قرار محكمة التمييز الأخير أثار شكوكًا كبيرة، ويعكس أزمة أعمق في بنية النظام السياسي العراقي، ما يجعل إقرار قانون المحكمة الاتحادية، الذي ظل معلقًا منذ إعلان الدستور، أمرًا ملحًا لا يمكن تأجيله".
بينما تتصاعد وتيرة المواجهة الإقليمية بين إيران وإسرائيل المعتدية، يجد العراق نفسه محاصراً بتداعيات اقتصادية متزايدة تهدد أمنه الغذائي واستقراره المالي؛ فقد أدى إغلاق المجال الجوي وتعطل المنافذ الحيوية إلى خسائر يومية، تقدّر بعشرات ملايين الدولارات، اضافة لتوقف التبادل التجاري مع ايران.
وسط كل هذا يحذر خبراء الاقتصاد من أن خطط الطوارئ التي تراهن عليها، لن تصمد في حال استمرار الأزمة لفترة طويلة. وفي وقت يتقلص فيه المخزون الاستراتيجي للمواد الغذائية وتتزايد كلفة النقل والاستيراد، سيبقى العراق عرضةً لتداعيات أعمق في حال تطور الصراع واتساع رقعته الجغرافية.
عقم في التخطيط
في هذا الصدد، أكد الخبير الاقتصادي صالح الهماشي أن التصعيد الإقليمي المتواصل بين إيران وإسرائيل يضع العراق في دائرة الخطر المباشر، ليس فقط من الناحية الأمنية، بل من زاويته الاقتصادية حيث باتت أكثر هشاشة في ظل استمرار الحرب، وتعطل حركة الطيران، وتأثر خطوط التجارة والنقل.
وقال الهماشي في حديث لـ "طريق الشعب"، ان "الأزمات الكبرى – سواء كانت حروباً أو كوارث طبيعية – تُصنّف ضمن المخاطر التي يتعامل معها الاقتصاد العالمي عادة من خلال أدوات التأمين وإدارة الطوارئ"، مضيفاً أن "الشركات التجارية الكبرى غالباً ما تكون مؤمّنة ضد هذه المخاطر، لكن الشركات غير المؤمنة ستتحمل الخسائر الكاملة، وهو ما يكشف ثغرات في التخطيط الاقتصادي لدى بعض الفاعلين في السوق العراقي".
وأضاف أن شركات التأمين قد تتراجع عن تغطية بعض الأضرار في ظروف الطوارئ القصوى، مشدداً على أن الأزمة الحالية "لا تقتصر تداعياتها على العراق، بل تمتد إلى دول عدة في المنطقة، إذ تغيّرت مسارات شركات الطيران، وتوقفت مطارات في كل من بغداد ودمشق وطهران وعمّان عن استقبال بعض الرحلات، في حين قلّصت شركات دولية رحلاتها إلى دول الخليج باستثناء الحالات الضرورية".
وفي ما يتعلق بالعراق، رأى الهماشي أن "الوضع الاقتصادي حساس بطبيعته، ويتأثر بأي أزمة، غير أن الصراع المفتوح بين ايران والكيان الصهيوني يحمل تهديداً مضاعفاً، بسبب موقع العراق الجغرافي الحساس يستخدمه الطرفان كممر جوي مباشر، ما يجعل أراضيه ساحةً متداخلة في معركة لا يملك أدوات إدارتها".
تراجع القوة الشرائية للمواطنين
وأضاف ان "القلق يخيّم على الأسواق، والقوة الشرائية تراجعت، والتجار ينتظرون نتائج الحرب بخوف، وسط توقف استيراد كثير من البضائع، وتأخر وصول شحنات أساسية، منها السلع الغذائية والمواد الطبية، في وقت بدأت فيه تكاليف النقل والخدمات بالتضخم".
وتابع الهماشي حديثه بالقول: انه برغم كل هذا "تراهن الحكومة على خطط طوارئ مؤقتة لحماية الأمن الغذائي. إلا أن هذه الخطط تعتمد بالدرجة الأولى على الخزين الاستراتيجي الموجود حالياً، والذي يكفي – بحسب تقديري – لمدة تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر فقط. وإذا ما نفد هذا المخزون، فسيصعب جداً إدخال بضائع جديدة في ظل المخاطر الراهنة".
ونوّه الهماشي إلى أن "المنافذ الشرقية، خصوصاً مع إيران، أصبحت مهددة، فيما يظل المنفذ البحري عبر البصرة معرضاً للمخاطر بسبب قربه من مناطق التوتر، وفي حال أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز، فإن صادرات النفط العراقية ستتوقف عملياً، باستثناء خط جيهان التركي، الذي لا يملك القدرة على تصدير كميات كبيرة، ما يُفاقم الأزمة".
واستبعد ان تتمكن خطط الحكومة، خصوصاً وزارة التجارة، من الصمود في حال طال أمد الحرب، لأن العراق يفتقر إلى منظومة استراتيجية متكاملة لإدارة الأزمات الكبرى والمخاطر الطارئة، وهي فجوة لا بد من معالجتها سريعاً قبل تفاقم الأضرار".
خسائر كبيرة
أما الخبير الاقتصادي عبد الرحمن الشيخلي فقد حذر من التداعيات الاقتصادية الخطيرة الناجمة عن توقف حركة الملاحة الجوية في العراق، مؤكداً أن استمرار هذا التوقف يُكبّد البلاد خسائر مباشرة تُقدّر بمئات الملايين من الدولارات شهرياً، بما يعادل نحو 5 ملايين دولار يومياً.
وقال الشيخلي لـ"طريق الشعب"، إن "الإيرادات المتأتية من مرور الطائرات عبر الأجواء العراقية تُعد مورداً مهماً يعزز الإيرادات غير النفطية للدولة"، مشيراً إلى أن "تعليق هذه العمليات ألحق ضرراً مباشراً بالعوائد السيادية، لا سيما وأن تلك الأجور تُستوفى بموجب اتفاقيات دولية مع شركات الطيران".
وأضاف أن "الخسائر لا تقتصر على رسوم عبور الأجواء فحسب، بل تمتد إلى تراجع إيرادات بيع التذاكر، وتوقف عمليات الشحن الجوي، وتأثر نشاطات الاستيراد والتصدير، فضلاً عن التزامات العراق المالية تجاه شركات الطيران التي أبرمت عقوداً تجارية قائمة على تشغيل الأجواء والمطارات العراقية".
وأشار الشيخلي إلى أن "الحكومة حاولت احتواء جزء من الأزمة عبر تشغيل مطار البصرة لساعات محددة، وهو إجراء جزئي لا يعوض الخسائر الفعلية"، معربا عن أمله في استئناف العمل في مطارات أخرى خلال الأيام المقبلة.
وانتقد الشيخلي أداء وزارة النقل في ما يتعلق بإدارة ملف الأجواء العراقية، مبينا أن "الوزارة لم تكن تستوفي أجور مرور الطائرات منذ نحو عقدين، ما يعني أن تصريحاتها بعدم اعتبار تلك الأموال ضمن بند الخسائر تفتقر إلى الدقة".
وتابع ان "هذه الإيرادات كانت تُهدر، وكان من الممكن أن تُسهم في تخفيف الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للتمويل".
وحول الوضع الأمني وتأثيره على حركة الطيران، نبه الشيخلي الى أن "الظروف الحالية جعلت الأجواء العراقية من بين أخطر المسارات الجوية في المنطقة"، لافتاً إلى أن "المخاطر الأمنية تبرر جزءاً من الخسائر، خاصة في ظل تهديدات غير متوقعة من طرف مثل إسرائيل، الذي لا يلتزم بأي قواعد أو مواثيق دولية، وقد يرتكب أي عمل عدائي دون اعتبار للقانون الدولي".
مرحلة حرجة اقتصاديا
وضمن السياق، أكد المراقب للشأن الاقتصادي حسنين تحسين أن التطورات الأمنية الأخيرة في المنطقة تُنذر بتداعيات خطرة على الاقتصاد الوطني، خاصة إذا استمر إغلاق المجال الجوي وتعطلت حركة المنافذ الحدودية.
وقال تحسين في حديث لـ"طريق الشعب"، إن "الاقتصاد العراقي يواجه مخاطر حقيقية في ظل التصعيد الأمني المستمر، وعدم وجود بوادر لوقف إطلاق النار أو تهدئة طويلة الأمد"، مضيفًا أن "استمرار هذا الوضع يعني دخول العراق في مرحلة حرجة اقتصاديًا، خصوصًا مع اعتماده الكبير على الواردات من إيران في السنوات الماضية”.
وأضاف أن “إغلاق المجال الجوي يعطّل نقل المواد الحيوية، مثل الأدوية والمستلزمات الطبية، التي تصل عادة عبر الطيران، ما يؤدي إلى نقص محتمل في هذه المواد وارتفاع أسعارها”، محذرًا من أن “المدة التي سيستمر فيها هذا الإغلاق غير واضحة، ما يضيف حالة من الضبابية والقلق في الأسواق”.
وتحدث تحسين أيضًا عن سيناريوهات أكثر تعقيدًا قد تؤثر بشكل مباشر على الصادرات النفطية، قائلًا: “في حال تطور الصراع وشاركت الولايات المتحدة عسكريًا، قد تقدم إيران على خطوات تصعيدية مثل إغلاق مضيق هرمز أو زرعه بالألغام البحرية، وهو ما سيؤدي إلى شلل تام في صادرات النفط العراقية التي تمر عبر هذا المضيق الحيوي”.
وأوضح أن “رغم أن أسعار النفط سترتفع حينها، إلا أن العراق لن يتمكن من الاستفادة من هذه الزيادة، لأنه ببساطة لن يكون قادراً على تصدير نفطه، وبالتالي تتحول الأزمة إلى ضربة مزدوجة تضرب قطاع الاستخراج النفطي وتفقد البلاد موردها الأساسي”.
وانتقد تحسين افتقار الحكومة لخطط فاعلة لتنويع الشراكات التجارية، قائلاً: “كان من الممكن التخفيف من آثار الأزمة الحالية لو أن العراق عمل في السنوات الماضية على تنويع وارداته من دول أخرى، وتطوير المنافذ الحدودية الجنوبية، خصوصًا مع المملكة العربية السعودية”.
وأشار في هذا السياق إلى أن “منفذ عرعر لا يزال الوحيد الفعّال رغم الامتداد الحدودي الواسع بين البلدين، بينما بقي مشروع فتح منفذ الجميمة متعطلاً لسنوات، وهو ما يعكس سوء التخطيط ويؤثر سلباً على سلاسل الإمداد الخاصة بالمواد الغذائية والسلع الأساسية التي يعتمد عليها السوق العراقي بشكل كبير”.
وفي هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي محمد الحسني، ان استمرار اعتماد البلاد على الاقتصاد الريعي "انتج مجتمعاً استهلاكياً واضعف قاعدة الإنتاج الوطني".
واضاف الحسني، ان الحكومة العراقية لم تتحرك "لتطوير قطاعات الإنتاج الصناعة والزراعة المتنوعة من أجل تنشيط قطاع التجارة الخارجية للدولة، ولتحقيق أعلى قدر من الإيرادات المالية التي تساهم في تحقيق أعلى عائد للدخل الوطني وخزينة الدولة العراقية".
وكانت وزارة المالية كشف في وقت سابق بأن حجم الإيرادات في الموازنة الاتحادية منذ كانون الثاني وحتى آذار عام 2025 تجاوز 27 ترليون دينار، مع مساهمة النفط بنسبة 91% من مجموع الإيرادات.
وأظهرت جداول صادرة عن وزارة المالية في حزيران الحالي لحسابات الربع الأول من العام، طالعتها "طريق الشعب"، ان النفط ما يزال يشكل المورد الرئيس للموازنة العامة، مما يكرّس الطابع الريعي للاقتصاد العراقي".
ويبقي اعتماد الدولة المستمر على النفط كمصدر وحيد للإيرادات، يعرض العراق للأزمات العالمية التي تؤثر على أسعار النفط، ما يدفع البلاد إلى اللجوء المتكرر إلى الاستدانة لتغطية العجز، وهذا ما يعكس ضعفاً في إدارة الدولة وصناعة القرار، وعجز المنظومة الحاكمة عن تطوير بدائل تمويلية فعالة.
في بلد يواجه أزمات متعددة، تتصدر أزمة القطاع الصحي مشهد المعاناة اليومية للمواطن العراقي، حيث أصبح الحصول إلى علاج بسيط يشكل تحديا مرهقا في ظل تراجع الخدمات وندرة المستلزمات الطبية.
وتكشف شكاوى متزايدة من داخل المؤسسات الصحية عن خلل عميق يتجاوز ضعف التمويل، ليطال منظومة إدارية تعاني من الفساد وغياب الكفاءة.
وفي وقت تهدر فيه المليارات على عقود مشبوهة، يُترك المرضى، لا سيما المصابون بالأمراض المزمنة والسرطانية، في مواجهة مصيرهم، وسط نظام صحي ينهار بفعل المحاصصة والولاءات السياسية.
تراجع صحي كبير
وقال الصيدلي الممارس زيد شبيب، إن قطاع الصحة في العراق يشهد تراجعا كبيرا، مرجعا ذلك إلى قلة التخصيصات المالية للوزارة ومؤسساتها، بالإضافة إلى تدهور البنية التحتية الصحية، مشيرًا إلى أنه حتى الوحدات الصحية التي تم إنشاؤها حديثًا، يعاني أغلبها من التعطيل بسبب سوء الإدارة المالية والإدارية.
وأكد شبيب لـ"طريق الشعب"، أن "الفساد مستشر داخل الوزارة، خصوصا في ما يتعلق بالعقود الخاصة بشراء الأجهزة والمستلزمات الطبية والأدوية"، موضحا أن هذه العقود تشوبها الكثير من الملاحظات والشبهات، وتفتقر إلى الشفافية والرقابة.
وأشار إلى حادثة شهيرة جرت في عهد أحد وزراء الصحة السابقين، حين حاول توريد أجهزة ومستلزمات طبية بقيمة تقارب 2 مليار دولار، في حين أن نفس الكميات والمواصفات كانت تُورد سابقا بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار، وهو ما يوضح الخلل الكبير في آليات التعاقد وتفاوت الأسعار بشكل غير مبرر.
وشدد شبيب على أن مرضى الأمراض المزمنة والسرطانية هم الأكثر تضررا من هذا التراجع، حيث تؤثر قلة الميزانية المخصصة للصحة مباشرة على قدرتهم في الحصول على العلاج والرعاية المناسبة.
وأضاف ان "ما نعيشه اليوم هو نتيجة نهج إداري قائم على المحاصصة، حيث تُدار المؤسسات من قبل أشخاص لا يمتلكون الكفاءة، بل يمثلون محاصصات سياسية وجهات متنفذة، الأمر الذي أدى إلى حالة من التناحر والصراع داخل المؤسسات، على حساب صحة المواطن العراقي".
معوقات إدارية
وقال الدكتور سعد بداي، عضو نقابة الأطباء، إن مصطلح "السيولة" لا يُستخدم بشكل دقيق عند الحديث عن تمويل المستشفيات والمؤسسات الصحية الحكومية، موضحا أن التمويل يتم عبر موازنة الدولة السنوية المخصصة لوزارة الصحة، والتي تُوزع على دوائر الصحة في المحافظات والمستشفيات التابعة لها.
وأضاف البداي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "مشكلة نقص الموازنات تعد من أبرز التحديات التي تواجه النظام الصحي الحكومي، وتؤثر بشكل مباشر على قدرة المؤسسات على شراء الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية لاستمرار العمل". وتابع انه "في كثير من الأحيان، بل في معظم الأوقات، توجد شحة كبيرة في موازنة وزارة الصحة، وهذا يؤدي إلى نقص حاد في المواد والمستلزمات الأساسية".
وبيّن أن وزارة الصحة منحت بعض الصلاحيات لإدارات المستشفيات للسماح لهم بشراء بعض المواد بشكل مباشر دون الرجوع إلى دوائر الصحة، وذلك ضمن حدود معينة، في محاولة لتجاوز بعض المعوقات الإدارية.
ومع ذلك، أكد أن شح التمويل ينعكس سلبًا على المرضى، حيث يُضطر الكثير منهم إلى شراء مستلزمات طبية من خارج المستشفى لاستكمال عمليات جراحية أو علاجات، ما يثقل كاهلهم ماليًا ويضعف من جودة الرعاية الصحية المقدمة.
معدات طبية بأسعار مضاعفة
من جهته، ذكر الناشط السياسي علي القيسي أن "ما يجري داخل وزارة الصحة من فساد إداري ومالي ممنهج لا يمكن السكوت عنه، لأنه ينعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين وصحتهم".
وأضاف القيسي لـ "طريق الشعب"، أن "عقود بمليارات الدنانير توقع دون رقابة حقيقية، ومعدات طبية تُشترى بأسعار مضاعفة، بينما يعاني المواطن من نقص أبسط المستلزمات في المستشفيات الحكومية، هذا دليل واضح على أن الفساد أصبح جزءًا من بنية الوزارة".
وأشار إلى أن "المشكلة لا تتعلق فقط بالأموال، بل بمنظومة متكاملة من المحاصصة السياسية والولاءات الحزبية التي تحكم عمل الوزارة، وتمنع الإصلاح الحقيقي".
وتابع انه "من غير المقبول أن يبقى المواطن العراقي رهينة لصراعات الكتل وتناحر المصالح، بينما يفقد المريض حقه في العلاج والكرامة".
واختتم القيسي بالقول "نحن بحاجة إلى مساءلة حقيقية، وفتح جميع ملفات الفساد في وزارة الصحة أمام القضاء والرأي العام، وإلا فإن هذا الانهيار سيتواصل، وسيدفع ثمنه الأبرياء من المرضى والفقراء".
مع تصاعد حدة المواجهات بين إيران وحكومة الكيان الصهيوني واتساع نطاقها الجغرافي، تتصاعد في العراق مخاوف جدية من انزلاق المنطقة إلى حرب أوسع، وسط مشهد مرير يتمثل في انتهاك سيادة البلاد بشكل صارخ، حيث تصول وتجول مختلف أنواع الاسلحة في أجواؤها. هذا الواقع كشف هشاشة المنظومة الدفاعية العراقية، وألقى بظلال قاتمة على فكرة الاتكال على الولايات المتحدة لحماية هذه الأجواء، خاصة بعدما سهلت الأخيرة ـ بحسب اتهامات عراقية رسمية ونيابية ـ ضربات إسرائيلية على أهداف ايرانية عبر الأجواء العراقية.
استنكار حكومي وتضامن مع إيران
ودعا رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، أمس الإثنين، المجتمع الدولي والولايات المتحدة إلى "التحرك الفوري لإيقاف التصعيد المتزايد بين إيران وإسرائيل، وإلى اعتماد الحلول السلمية من خلال استئناف المفاوضات". وفي لقائه برؤساء بعثات دبلوماسية آسيوية وأمريكية، حمّل السوداني المجتمع الدولي مسؤولية الحفاظ على السلم العالمي، "في ظل فشله في كبح العدوان المتواصل" الذي ترتكبه "حكومة الاحتلال الصهيوني منذ أحداث 7 أكتوبر، دون أي احترام للقوانين الدولية والإنسانية".
وأكد تضامن العراق مع إيران كـ"دولة إقليمية ذات سيادة"، ودان القصف الإسرائيلي الذي استهدف أراضيها، معتبراً إياه "تهديداً مباشراً لاستقرار العراق والمنطقة بأكملها".
وشدد على أن "أي خرق للسيادة العراقية، سواء من قبل الكيان الإسرائيلي أو غيره، مرفوض تماماً"، كاشفاً عن تقديم بغداد شكوى رسمية إلى الهيئات الدولية والأممية بهذا الشأن.
تواطؤ واضح
من داخل أروقة البرلمان، جاءت المواقف أكثر حدة؛ حيث دان رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية كريم عليوي، القصف الإسرائيلي عبر الأجواء العراقية، مؤكداً أن هذه الأجواء "تقع تحت إشراف الولايات المتحدة بموجب الاتفاقية الأمنية الثنائية". واعتبر عليوي أن "التغاضي عن هذا الخرق يُعد تواطؤاً واضحاً وشراكة في الاعتداء"، محمّلاً الإدارة الأمريكية "المسؤولية الكاملة".
وحذّر عليوي من استمرار الانتهاكات، مؤكداً أن البرلمان "لن يقف مكتوف الأيدي إزاء تحويل أجواء العراق إلى ممر للعدوان". ودعا المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى "التحرك لردع إسرائيل وفرض عقوبات صارمة ضدها"، مؤكداً أن "الشعب العراقي والقيادات السياسية سيواصلون الدفاع عن سيادة البلاد بكل الوسائل المشروعة، ولن يسمحوا بتحويل أجوائه إلى ساحة مستباحة للاعتداءات الخارجية".
تشخيص الخلل: الاعتماد على الخارج
فيما ألقى عضو اللجنة ذاتها النائب علي البنداوي، الضوء على جذر الأزمة. واعتبر أن "ما يفاقم خطورة هذا التطور هو استخدام الأجواء العراقية كمنطلق للهجوم الصهيوني"، ما يضع الحكومة والبرلمان "في موقف حرج".
وانتقد البنداوي بقوة استمرار "اعتماد العراق على الاتفاقيات الأمنية مع الولايات المتحدة التي لم تمنع حدوث هذا الانتهاك"، معرباً عن "يقين" بأن "واشنطن سهلت مرور الطائرات التي نفذت الهجوم عبر أجوائنا".
وشدد البنداوي على أن "الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية أو أي طرف خارجي في حماية الأجواء العراقية والاكتفاء بذلك خطأ لا بد من معالجته"، داعياً إلى "أخذ الدروس والعبر مما يجري الآن".
وكشف عضو لجنة الامن والدفاع النيابية عن عقد البرلمان جلسة طارئة اليوم الثلاثاء لمناقشة التطورات واتخاذ قرار حاسم يدعم إيران ويمنع انتهاك الأجواء، مع توصية الحكومة بـ"ضرورة حماية الأجواء العراقية".
وأوضح البنداوي أن منظومات الدفاع الجوي العراقية الحالية "قصيرة المدى ومحدودة الفاعلية، ولا تستطيع التصدي لطائرات متطورة من طراز F-35 أو F-16 أو F-15".
وانتقد "الضعف المؤسسي في التعامل مع ملف التصنيع الحربي"، مشيراً إلى أن "هيئة التصنيع الحربي تحوّلت إلى مجرد واجهات استثمارية بلا إنتاج فعلي"، مقارنا ذلك بنجاح إيران رغم الحصار في "تطوير منظوماتها الدفاعية محلياً". وختم بالدعوة إلى "تنويع مصادر التسليح".
انهيار منهجي وتحذير من كارثة
وذهب الخبير الأمني عدنان الكناني إلى أبعد من ذلك، محمّلاً "الطبقة السياسية في البلاد مسؤولية الانهيار المنهجي للأمن والسياسة"، محذرا من أن "البلاد تقف على حافة خطر إقليمي وأزمة داخلية قد تتحول إلى كارثة حقيقية مع تفاقم الصراع".
ووصف الكناني منظومات الدفاع الجوي المتاحة بأنها "معدات ميدانية لا تفي بالغرض، عاجزة عن مواجهة الطائرات المتطورة"، مؤكداً أن "ما نُصب منها هو مجرد حيلة شكلية للتضليل الإعلامي".
واعتبر أن "ملف الدفاع الجوي كان ضحية للتسويف السياسي وسوء التخطيط"، داعياً إلى "إعادة هيكلة الصناعات العسكرية وتفعيل التصنيع الحربي المحلي".
وحذّر الكناني من تحول الصراع إلى "حرب استنزاف طويلة الأمد"، مشيراً إلى أن استمرار القصف المتبادل قد يدفع "الفصائل المسلحة في العراق إلى الانخراط في المواجهة"، خاصة إذا تدخلت قوى دولية لصالح إسرائيل. كما نبّه إلى خطر اقتصادي جسيم، محذراً من أن "العراق يفتقر إلى خزين استراتيجي كافٍ للغذاء والسلع الأساسية، وأن وزارة التجارة لا تمتلك خطة طوارئ واقعية"، مما يعني أن "المواطن العراقي سيدفع الثمن باهظاً" إذا تعطلت التجارة العالمية.
وختم الكناني بالقول: ان "ما نعيشه اليوم هو نتاج سنوات من الفساد والعبث وسوء الإدارة. واليوم حتى قوت الفقراء لم يسلم من جشعهم. هذه ليست أزمة أمن فقط، بل أزمة ضمير ووجود".
أما المحلل السياسي أحمد الياسري، فرأى أن "الجلسة الطارئة للبرلمان، رغم أهميتها من ناحية مناقشة التطورات الإقليمية، قد تكون أيضًا محاولة من الكتل السياسية لتبرير فشلها في إدارة الدورة البرلمانية، وفشلها في تقديم ما يخدم مصالح الشعب".
إعادة ترتيب الأولويات
في محاولة لمواجهة التحدي، دعا عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ياسر وتوت إلى "إعادة تموضع القوات العراقية، عبر تقليص الانتشار البري وتحويل الجهد العسكري نحو تعزيز قدرات منظومات الدفاع الجوي والطيران العسكري".
وأكد أن "تأمين الأجواء والمنشآت الحيوية بات يتصدر لائحة الأولويات في هذه المرحلة الحساسة".
من جانبه، رأى عميد كلية العلوم السياسية السابق في جامعة بغداد، عبد الجبار أحمد، أن المواجهة الحالية بين إيران وإسرائيل ألغت مبدأ الردع، ودخل الطرفان في مواجهة قد تكون محدودة أو موسعة.
وأشار إلى أن طبيعة العلاقة مضطربة منذ سنوات، لافتاً إلى أن الضربة الحالية "تختلف كلياً عن سابقاتها"، لأنها "لا تخضع لقواعد الاشتباك"، مع "تصاعد متواصل" يسعى فيه كل طرف "لإثبات قدرته على تقويض إرادة الآخر"، ما يجعل الوضع "مصدر خشية إقليمية".
وحذّر أحمد من أن "أبسط سيناريو" محتمل سيكون "عنصر هدم لاستقرار المنطقة سياسياً واقتصادياً وأمنياً".
وسط هذا المشهد، يبدو سؤال المساءلة للطبقة السياسية الحاكمة عن "الانهيار المنهجي" للأمن والدفاع، هو الجوهر. فهل تتحول صيحات الإنذار والجلسات الطارئة إلى إرادة حقيقية لاستعادة زمام السيادة، أم ستظل أجواء العراق ساحة مستباحة في حسابات الصراعات الإقليمية؟