تزايدت في السنوات الاخيرة، تجارة المخدرات وتعاطيها في بلادنا، التي أضحت طريقا أساسيا لتهريبها والاتجار بها، برغم تعزيز القوات الأمنية عملياتها في ملاحقة تجار المخدرات في الآونة الأخيرة، والإعلان بشكل شبه يومي عن وضع اليد على كميات من المخدرات واعتقال عصابات ومهربين.
وفي كانون الثاني، اشتبكت قوات الأمن مع تجار مخدرات في محافظة كركوك، ما أدى إلى مقتل تاجر وإصابة آخرين بالإضافة الى أفراد من القوات الأمنية. وفي محافظة ذي قار، تمكنت قوة من جهاز مكافحة المخدرات من اعتقال تاجريّ مخدرات بعد اشتباك مسلح معهما في منطقة المهيدية وسط مدينة الناصرية.
وقال زعيم التيار الوطني الشيعي السيد مقتدى الصدر، أخيرا، أن مشكلة تجارة المخدرات وانتشارها في العراق، يقف وراءها مستفيدون من داخل الحكومة وخارجها، مرجحاً وجود أسباب سياسية وراء ذلك.
طرق ترويج مبتكرة
يقول مصدر أمني، إن موضوع تجارة المخدرات في العراق يخضع لرعاية وترويج كبيرين من قبل قوى متنفذة ومسلحة، تعمل على ترويج بيع المخدرات على نطاق واسع.
ويضيف المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "القوات الأمنية تقوم بدورها في ملاحقة المتاجرين بالمخدرات، لكنها تعجز عن تجفيف مصادر دخولها بشكل كامل"، مشيرا الى أن "القوات الأمنية بدأت تواجه مشكلة جديدة بعد إقرار قانون العفو العام، الذي رفع حجم حيازة المخدرات إلى 50 غرامًا للمتعاطين، وهو أمر من شأنه تسهيل عملية تجارة المخدرات وزيادة عدد المروجين".
وينبه المصدر إلى أن "المستفيدين من تجارة المخدرات قريبون من صناع القرار، وإلا كيف يمكن تفسير تمرير قرار منع المشروبات الكحولية، وهو قرار يفتقر إلى المنطق في ظل هذه الظروف؟"، مبينا أن "القوات الأمنية لاحظت ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد متعاطي المخدرات بالتزامن مع حملة إغلاق محال المشروبات الكحولية وارتفاع أسعارها".
ويواصل كلامه مشيرا إلى أن "تجار المخدرات يقومون حاليًا بالترويج لبضائعهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة إنستغرام، حيث تم رصد إحدى الصفحات وهي تروج لمادة الكريستال عبر استخدام اسم اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو كغطاء. وهذه واحدة من الطرق العديدة التي يتبعها هؤلاء التجار".
اعتقال 100 تاجر دولي
وفي السياق، أكد المتحدث باسم مديرية شؤون المخدرات في وزارة الداخلية، حسين التميمي، أن الوزارة نقلت ملف مكافحة المخدرات من إطار العمل الشرطي التقليدي إلى نهج استخباراتي، ما أسفر عن اعتقال 100 تاجر دولي خلال العام الحالي وحده.
وقال التميمي، أن تركيز الوزارة ينصب على استهداف كبار التجار، مشددًا على أن وزارة الداخلية تعتبر المتعاطين "ضحايا"، وقد افتتحت 15 مركزًا لإعادة التأهيل، نجحت في تأهيل 3500 متعاطٍ منذ إنشائها.
وأضاف، أن مادة الكريستال تُعد الأخطر بين المواد المخدرة المتداولة، وتدخل العراق من جهة الشرق، في حين يتدفق الكبتاغون من الغرب، نافيًا بشكل قاطع وجود أي تواطؤ من قبل ضباط التحقيق في تحويل التهم من المتاجرة إلى التعاطي.
وعن الترويج للمخدرات عبر منصات التواصل الاجتماعي، كشف التميمي عن وجود فرق متخصصة تعمل على مدار الساعة لرصد ومكافحة أي نشاط إلكتروني متعلق بتجارة أو ترويج المخدرات، واتخاذ الإجراءات اللازمة فورًا.
استخدام أساليب خطرة
من جانبها، كشفت عضو لجنة المخدرات والمؤثرات العقلية، مديحة الموسوي، عن أساليب خطيرة تُستخدم في تهريب المخدرات إلى العراق، مؤكدةً أن بعض هذه المواد تدخل عبر المنافذ الرسمية بتواطؤ من جهات أمنية، فيما يُهرب بعضها الآخر تحت التهديد.
وقالت الموسوي، أن تجار المخدرات يعتمدون أساليب غير تقليدية في تهريب المواد المخدرة، من بينها إجبار الحيوانات مثل الخراف على تناول هذه المواد، ليتم استخراجها منها بعد وصولها إلى نقاط التوزيع. وأكدت أن هذا النمط من التهريب يعكس مدى تعقيد عمل الشبكات الإجرامية التي تعمل في هذا المجال.
وانتقدت الموسوي ما وصفته بـ"التساهل القانوني" تجاه تجار المخدرات، مشيرةً إلى أن تعديل القوانين سمح بزيادة الكمية المسموح بحيازتها من المخدرات من مجرد غرامات إلى 50 غرامًا، ما جعل حاملها يُعامل كمتعاطٍ بدلاً من تاجر، وهو ما اعتبرته الموسوي إجراءً يصب في مصلحة تجار المخدرات بدلاً من مكافحتهم. كما حذرت من استغلال عائدات تجارة المخدرات في القطاع العقاري، مشيرةً إلى أن الأموال الناتجة عن هذه التجارة تجد طريقها إلى الاستثمار في مشاريع عقارية ضخمة، ما يجعل مكافحتها أكثر تعقيدًا.
وكشفت الموسوي عن انتشار تعاطي المخدرات في المدارس والجامعات العراقية، مشيرةً إلى ضبط 43 ألف متهم بالمتاجرة بالمخدرات خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بينهم 15% من النساء.
وذكرت أن السلطات الأسترالية أبلغت العراق بوصول طرد يحتوي على مواد مخدرة مصدره العراق، وهو ما يعكس امتداد نشاط شبكات التهريب إلى خارج الحدود.
وفي ما يتعلق بجهود علاج المدمنين، انتقدت الموسوي قصر مدة التأهيل في المصحات، والتي لا تتجاوز 14 يومًا، معتبرةً أنها مدة غير كافية لإعادة تأهيل المدمنين وإعادتهم إلى المجتمع، داعيةً إلى تكثيف الجهود لتجفيف مصادر دخول المخدرات إلى البلاد.
حدود مخترقة
وتحذر النائبة نيسان الزاير، عضو مجلس النواب، من خطورة استمرار ظاهرة تهريب المخدرات إلى البلاد، مؤكدة أن "الحدود مخترقة، وهو ما يتيح لتجار المخدرات تمرير بضائعهم السامة"، مشيرة إلى وجود تواطؤ من بعض الجهات السياسية في تسهيل هذه العمليات.
وتجد الزاير في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "خطر المخدرات أشد فتكًا من أي احتلال؛ لأنه يستهدف العقول، ويفسد المجتمع، ويؤدي إلى انحلال القيم وتدمير مستقبل الشباب"، مشيرة الى أن "عمليات تهريبها تتم برعاية ودعم من أطراف متنفذة، ما يجعل التصدي لهذه الظاهرة أمرا معقدا".
تجارها يحظون برعاية ودعم
الخبير الأمني سرمد البياتي، يقول إن "تجارة المخدرات في العراق مستمرة بسبب وجود دعم وحماية لتجارها"، مشددًا على أن "هذه التجارة الخطرة والمؤذية لا يمكن أن تستمر بهذا الشكل، دون وجود جهات تساندها وتوفر لها الغطاء".
ويضيف البياتي لـ "طريق الشعب"، أن "من الطبيعي أن تجارة المخدرات، بما تشكله من خطر على المجتمع، يقف خلفها من يسندها ويحمي ممارسيها، وإلا لكان من المفترض أن يتم كشف هؤلاء التجار وإيقافهم بسهولة. لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، حيث تستمر هذه التجارة، رغم أن وزارة الداخلية تحدثت عنها مرارًا، وأكدت سعيها لمكافحتها".
ويؤكد، ان "حدودنا مع سوريا لا تشكل وحدها مصدر الخطر، بل هناك حدود أكثر خطورة. فالعراق يمتلك حدودًا طويلة وصعبة السيطرة، منها 1450 كيلومترًا مع إيران، و312 كيلومترًا مع تركيا، إضافة إلى امتدادات أخرى مع دول الجوار.
كثير من هذه المناطق الحدودية مفتوحة، ما يجعل ضبطها أمرًا في غاية الصعوبة، ويسهم في استمرار التهريب".
وينبه الخبير الأمني إلى أن "ملف المخدرات يتطلب جهدًا أمنيًا كبيرًا، وإجراءات حازمة بعيدًا عن المجاملات، لأن هذه الآفة تضرب الشباب، وتنعكس آثارها السلبية على المجتمع بشكل عام".
ملف يرتبط بأبعاد سياسية
يقول عصام كشيش، الإعلامي الذي يقدم برنامجا تلفزيونيا يحاور فيه المتعافين من إدمان المخدرات: إن ملف المخدرات يعد اليوم من أخطر الملفات التي تحظى باهتمام البرلمان والحكومة، مشيرًا إلى أن هذا الملف أصبح في مقدمة أولويات السلطات بعد ملفي الإرهاب والفساد. ويضيف كشيش في حديث لـ "طريق الشعب"، أن هناك إجراءات حكومية صارمة وقوية جدًا في مواجهة هذه الظاهرة، لافتًا إلى وجود دلائل عدة على ذلك، من بينها ارتفاع سعر غرام المخدرات إلى ستة أضعاف، وهو مؤشر على صعوبة وصول المواد المخدرة إلى الأسواق.
ويشير الى أن المصحات الإجبارية التي افتتحتها وزارة الداخلية أسهمت بشكل كبير في علاج المدمنين، موضحًا أن هذه المصحات تمثل بديلًا عن السجون، إذ يُحكم على المتعاطي بقضاء فترة تتراوح بين أربعة إلى ستة أشهر في هذه المصحات التأهيلية، بدلًا من إدخاله السجن، الأمر الذي ساعد الكثير من المدمنين على التخلص من الإدمان.
ويربط كشيش ملف المخدرات بأبعاد سياسية أيضًا، مشددًا على أن العراق محاط بدول جوار تنتهج سياسات مختلفة، لذلك تُستخدم جميع الوسائل المتاحة من بعض الدول لمحاربة الدول الأخرى أو للدفاع عن مصالحها. واستشهد بما حدث مؤخرًا في سوريا، حينما تم العثور على معمل لصناعة حبوب الكبتاغون، وكانت هذه الحبوب تُصدّر للعراق ودول الخليج، ما يدل على أن هناك جانبًا سياسيًا واضحًا في ملف المخدرات.
وينبه إلى أن بعض وسائل الإعلام بدأت تركز على هذه الظاهرة، كما أن منظمات المجتمع المدني بدأت تعمل على المساعدة في مكافحتها.
عقوبة هزيلة
ويقول الخبير القانوني علي التميمي إن "قانون المخدرات العراقي رقم ٦٨ لسنة ١٩٦٥ عاقب بالسجن لمدة ١٥ عاما لمتعاطي المخدرات، بالرغم من أن المخدرات لم تكن متفشية كما الان". وتابع قائلاً: "بعدها جاء قانون جديد للمخدرات رقم ٥٠ لسنة ٢٠١٧، الذي خفف عقوبة المتعاطي بين سنة وسنتين وغرامة مالية قدرها 10 مليون دينار عراقي، في المادة ٣٢". ويضيف التميمي لـ "طريق الشعب"، أن "هذه العقوبة هزيلة، ولا تتناسب مع خطورة ملف المخدرات، خاصة وأن العراق أصبح سوقاً للمتعاطين أكثر مما هو منتج للمخدرات"، لافتا الى أن "تعاطي المخدرات يزداد عادة في المقاهي والنوادي الليلية، طبقا لتقارير الاعلام".
عقدت اللجنة العليا للتيار الديمقراطي العراقي، اجتماعها الدوري يوم الجمعة الموافق 21 شباط 2025، حيث ناقشت آخر التطورات السياسية والأمنية على الصعيدين المحلي والإقليمي. وجاء الاجتماع في ظل تصاعد التحديات التي تواجه العراق، سواء بسبب التغيرات في موازين القوى الإقليمية أو نتيجة استمرار الأزمات الداخلية التي تعصف بالبلاد.
وأكد التيار الديمقراطي العراقي في بيانه الصادر عن الاجتماع أن العراق يمر بمنعطف خطر، خاصة بعد المواقف المعلنة للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، والتي تتضمن تهديدات بفرض ضغوط اقتصادية قد تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين.
وأشار البيان إلى استمرار قوى الفساد والمحاصصة السياسية في نهجها الذي يعتمد على تكريس المصالح الفئوية الضيقة على حساب تطلعات الشعب العراقي في بناء دولة مدنية ديمقراطية عادلة.
وشدد على ضرورة التصدي لهذا الواقع وعدم السماح باستمرار السياسات الفاشلة التي رهنت مستقبل البلاد لصراعات النفوذ والمصالح الضيقة.
وأكد، أن الانتخابات القادمة تشكل فرصة حقيقية للتغيير، داعيًا إلى مشاركة جماهيرية واسعة لضمان تحقيق هذا الهدف.
محاور الاجتماع والتوصيات
وتمحور الاجتماع حول عدة نقاط رئيسية، حيث أكد التيار الديمقراطي العراقي التزامه بخوض الانتخابات القادمة ضمن قائمة "التحالف المدني الديمقراطي"، معتبرًا أن هذا التحالف يمثل الأساس لتجميع القوى المدنية والديمقراطية والخيار الوطني القادر على كسر احتكار السلطة وفتح أفق سياسي جديد.
ودعا التيار جماهير الناخبين والقواعد الشعبية وأعضاء التيار الديمقراطي العراقي إلى تحديث سجلاتهم الانتخابية على وجه السرعة، مؤكدًا أن هذه الخطوة تعد حاسمة لضمان التغيير الحقيقي.
وأكد التيار، أن معركتهم الأولى هي ضمان أن يكون لكل عراقي حر صوته، ولن يسمح باستمرار التلاعب بإرادة الشعب.
وكلف الاجتماع كافة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي بالتحرك الميداني الفوري والتواصل المباشر مع المواطنين، بهدف حث الجماهير على المشاركة الفاعلة في الانتخابات القادمة.
وأكد التيار، أن الانتخابات تشكل مفصلاً جوهريًا في المسيرة الديمقراطية، ولن يكون هناك تغيير بدون موقف شعبي واضح ضد الهيمنة السياسية الحالية.
الانتخابات معركة فاصلة
وبيّن التيار، أن الانتخابات القادمة ليست مجرد استحقاق انتخابي، بل هي معركة فاصلة بين نهج القوى المدنية الديمقراطية الساعية إلى التغيير، ونهج المحاصصة والفساد الذي يحاول إعادة إنتاج نفسه، داعيا كافة القوى الديمقراطية إلى الاصطفاف في جبهة واحدة لمواجهة محاولات تزييف إرادة الناخبين.
وتم خلال الاجتماع مناقشة عدة محاور عمل، واتخاذ القرارات اللازمة، بما في ذلك استعراض الأداء التنظيمي للتنسيقيات، مع الإشادة بعدد منها، وذلك لجهودها في تعزيز التواصل مع القواعد الشعبية. كما جرى الاطلاع على تقارير اللجان التخصصية ومناقشة مقترحاتها لتعزيز العمل في مجالات التنظيم والعلاقات والإعلام والنقابي، بالإضافة إلى توسيع الصلات مع الأكاديميين والنساء والشباب.
وناقش التيار مقترح المكتب التنفيذي بعقد جلسة حوار مفتوحة تحت عنوان "المشاركة في الانتخابات: فرص وآفاق التحالف المدني الديمقراطي"، مع التأكيد على ضرورة تهيئة المستلزمات لإنجاح هذا الحوار.
واستعرض التيار عددا من المقترحات المقدمة من الأعضاء، والتي تهدف إلى تطوير العمل التنظيمي وتعزيز حضور التيار المدني الديمقراطي سياسيا وإعلاميا.
قرارات وتوصيات
واختتم الاجتماع بعدد من التوصيات والقرارات، أبرزها تفعيل الحراك الجماهيري: التأكيد على تفعيل الحراك الجماهيري المساند لخيار المشاركة الانتخابية، وتوسيع قاعدة الاتصال المباشر مع المواطنين.
ومواصلة الجهود الرامية إلى توحيد الصف المدني الديمقراطي وفتح قنوات الحوار مع القوى المؤمنة بالإصلاح السياسي والديمقراطي.
كما وجه التيار توجيه رسالة واضحة إلى الرأي العام بأن التيار الديمقراطي العراقي مستمر في نضاله من أجل دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، ولن يسمح للفساد والمحاصصة بإجهاض تطلعات العراقيين نحو مستقبل أفضل.
تُعدّ الجرائم العابرة للحدود من أخطر التحديات الأمنية التي تواجه العراق، حيث باتت هذه الأنشطة الإجرامية، مثل تهريب المخدرات والأسلحة والاتجار بالبشر والآثار وغيرها، تتفاقم نتيجة للحدود الممتدة مع دول تعاني أيضًا من أزمات أمنية واقتصادية، ما يجعل السيطرة عليها أكثر تعقيدًا.
وما يزيد هذه الجرائم تعقيدا، هو الحديث عن حمايتها ورعايتها من قبل جهات سياسية متنفذة، الأمر الذي يجعل مكافحتها أكثر صعوبة. ورغم الجهود الأمنية التي بُذلت في السنوات الأخيرة لتعزيز السيطرة على المنافذ الحدودية وإبرام اتفاقيات تعاون مع الدول المجاورة، إلا أن العراق لا يزال يعاني من فجوات أمنية كبيرة تُستغل من قبل شبكات الجريمة المنظمة.
وأعلن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، استعداد العراق للتعاون مع جميع المنظمات والمؤسسات المختصة بمواجهة مخاطر المخدرات والجرائم العابرة للحدود.
وشدد على أهمية التنسيق بين الدول في ما يتعلق بهذا الملفّ الخطير، واستعداد العراق للتعاون مع جميع المنظمات والمؤسسات المختصة بمواجهة مخاطر المخدرات والجرائم العابرة للحدود.
وكان رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي فائق زيدان، أكد الشهر الماضي، العمل على تطوير نظام قضائي قادر على التعامل مع الجرائم العابرة للحدود.
وأشار الى ان "جهود العراق في مكافحة الجريمة المنظمة مستمرة، ويجري العمل على تطوير نظام قضائي قوي، ومؤسسات قانونية قادرة على التعامل مع هذه الجرائم العابرة للحدود"، موضحا أن " الجريمة المنظمة لا تقتصر على تهريب المخدرات، أو الاتجار بالبشر، أو تهريب الأسلحة، بل تشمل أيضا جرائم إلكترونية معقدة، وعصابات تجارية تهدد المصالح الاقتصادية للدول والشعوب".
واحتل العراق في العام 2023 مرتبة متقدّمة على لائحة الدول الأكثر مواجهة لظاهرة الجريمة المنظمة، ضمن أحدث مؤشّر نشرته "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية"، حيث أظهر المؤشّر احتلال البلد خلال المرتبة الثامنة عالميا من بين 193 دولة، والمرتبة الثانية قاريا من بين 46 دولة آسيوية، فيما احتل المرتبة الأولى من أصل 14 دولة تمثّل منطقة غرب آسيا.
ولا تتناسب هذه المراتب المؤشرة مع المقدّرات البشرية والمادية الضخمة التي يخصصها العراق للجانب الأمني، لكنّها تعكس ضعفا أمنيا وسوء تخطيط وإدارة.
حماية سياسية
وفي هذا الصدد، قال المتخصص بمجال مكافحة الفساد سعيد ياسين: ان "العراق شهد في السنوات الماضية تأثرًا كبيرًا بالجرائم العابرة للحدود، والتي تشمل تهريب السلاح، النفط، المخدرات، البشر، والأحجار الثمينة".
ووفقًا للمكتب المعني بالجريمة ومكافحة المخدرات في الأمم المتحدة، هناك خمسة أطر قانونية دولية رئيسية لمكافحة هذه الجرائم.
واضاف ياسين لـ"طريق الشعب": ان هذه الجرائم "تفاقمت في العراق نتيجة النفوذ المسلح والحماية السياسية التي توفرها بعض الأطراف لهذا النفوذ؛ فالجرائم العابرة للحدود غالبًا ما تتم عبر دول الجوار".
وفصل ياسين الحديث عن الجرائم قائلا: "كان تهريب النفط والأسلحة مع حدود سوريا قبل أن يتحول التركيز لاحقًا إلى المخدرات فقط. أما تهريب البشر والأحجار الثمينة، فيرتبط أكثر بجهة تركيا. في حين أن تهريب المخدرات يتم بشكل رئيس عبر حدود إيران، التي تعد جزءًا من “المثلث الذهبي” المشهور عالميًا بتهريب المخدرات، والذي يضم أيضًا أفغانستان وباكستان".
وتابع ياسين ان "جهود مكافحة هذه الجرائم في العراق بدأت عام 2019 من خلال تحليل البيئة الخاصة بالتهريب، حيث أُحرز تقدم في الحد من تهريب المخدرات، وتم الكشف عن شبكات منظمة تتورط فيها جهات حكومية وتجار دوليون".
ونوه الى ان "هذه الجرائم لا تتم بمعزل عن العالم، بل تُدار غالبًا تحت إشراف أجهزة مخابرات دولية لتمويل عمليات غير مشروعة"، لافتا الى ان "العراق أبرم خلال العامين الماضيين اتفاقيات ثنائية مع سوريا، تركيا، وإيران لمكافحة الجرائم العابرة للحدود، لا سيما تهريب المخدرات. كما اتخذت وزارة الداخلية إجراءات حدّت من بعض الأنشطة الإجرامية، لكن تهريب النفط والسلاح لا يزال قائمًا بسبب سيطرة جماعات مسلحة تدعي الحماية السياسية، ما يمنع اتخاذ إجراءات حازمة ضدها".
وفي ما يخص تهريب الأحجار الثمينة، أكد ياسين انه "مستمر أيضًا، لا سيما تهريب الذهب عبر تركيا"، منوهاً الى ان "هذه الجرائم تندرج ضمن عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث يتم تبييض الأموال عبر العقارات أو إعادة تصديرها إلى الأسواق لدمجها بالاقتصاد الرسمي".
سياسة مشجعة
وزاد بالقول: ان "استمرار هذه الجرائم يؤثر على سمعة العراق دوليًا، حيث تُعتبر تهديدًا للأمن العالمي، خاصة أن الأموال المغسولة يتم ضخها في اقتصادات دول أخرى، ما يضر بالاقتصاد الدولي"، مضيفا انه هذه الأموال تفرز ضررا داخليا أيضا: بدلا من ملاحقة الفاسدين والمتورطين في تهريب الأموال وغسلها، يتم فرض قيود وتدابير حكومية عادة ما تكون غير مدروسة فيطال ضررها المواطنين البسطاء".
ما المطلوب؟
من جهته، كرر الخبير الأمني أحمد الشريفي القول بأن الجرائم العابرة للحدود، مثل تهريب المخدرات، البشر، والأسلحة، تحظى بحماية ورعاية من أطراف سياسية متنفذة تستفيد منها بشكل أو بآخر، مما يعقد جهود مكافحتها.
وقال الشريفي في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "أي نقاش حول أمن الحدود يجب أن يأخذ بعين الاعتبار التعاون الدولي"، مبيناً ان "الحدود تعني وجود طرفين، أحدهما يمثل الدولة العراقية، والآخر يمثل الجهة المقابلة، ما يستلزم تكاملًا في العلاقات الدولية لضمان الاستقرار الأمني".
وأضاف أن "غياب هذا التكامل يجعل تأمين الحدود أمرًا صعبًا"، مستشهدًا بالوضع على الحدود العراقية - السورية التي لا تزال تشهد اضطرابات أمنية.
وشدد الخبير الامني على أن تحقيق الأمن الحدودي يتطلب "علاقات دولية متينة قائمة على التعاون المشترك، ويشمل ذلك تبادل المعلومات، الزيارات الرسمية، وتفعيل أدوات الردع الأمني، وهو ما يعزز الإجراءات الاستباقية ويجعلها أكثر فاعلية".
هل العراق قادر؟
وحول قدرة العراق على مواجهة هذه الجرائم، أوضح الشريفي أن "أي تورط سياسي في هذه الأنشطة يعني عمليًا انه سيصار لفتح الحدود أمام هذه الجرائم"، مذكّرا بأن تنظيم داعش اعتمد على “كسر الحدود للدول” كاستراتيجية تهديد عابر للحدود. لذا يجب ان تحصن الدولة نفسها بإجراءات صارمة لسد أي ثغرات داخلية قد تُستغل لزعزعة الأمن الحدودي والداخلي، لذا فأن مسألة كسر الحدود واردة سواء بتواطؤ سياسي ام عن طريق عصابات الجريمة المنظمة".
وأكد أن كل هذا يتوقف على "قوة الدولة في ضبط حدودها وقوة صانع القرار السياسي، وبالتالي فإن ضعف صانع القرار يؤدي الى استباحه حدوده. بينما يعزز القرار السياسي القوي المؤسسات الأمنية ويفرض إجراءات مشددة تضمن السيطرة الكاملة على الحدود".
واختتم الشريفي حديثه بالتأكيد على ان "التعاون المشترك بين الدول المتجاورة هو العامل الأهم في تحقيق أمن الحدود"، معتبرا أن "الحدود العراقية - السعودية تعد مثالًا على الاستقرار، نتيجة التنسيق والتعاون الأمني الفعال بين الجانبين".
في خضم الاعتماد شبه الكلي على عوائد النفط كمصدر رئيس لتمويل الموازنة العامة للبلاد، تطفو على السطح تحذيرات متكررة من مخاطر تراكمية تهدد استقرار العراق ماليا، لا سيما مع تذبذب الأسعار العالمية، وتصاعد الضغوط الداخلية على الاحتياطي النقدي الأجنبي.
ويحذّر اقتصاديون من أن البلاد تقف على حافة منحدر خطر، قد يؤدي إلى اهتزاز الثقة بالعملة المحلية واختلال التوازنات الكلية، خاصة مع استمرار النمط التقليدي في الإنفاق العام غير المدعوم بإصلاحات هيكلية.
ويشير الخبير الاقتصادي د. نبيل المرسومي إلى أن تراجع الاحتياطي الأجنبي بمقدار 15 مليار دولار خلال 2024، وارتفاع حوالات النافذة إلى 81 مليار دولار، يعكسان فجوة تآكلية تهدد قدرة البنك المركزي على الحفاظ على سعر الصرف الثابت، وهو ما قد يُفاقم أزمات سابقة كتلك التي عصفت بالبلاد عامي 2014 و2020. ومن جهة أخرى، يرى المستشار الحكومي د. مظهر محمد صالح أن الوضع "مطمّن" طالما التزمت الدولة بحدود اقتراض لا تتجاوز 3% من الناتج المحلي الإجمالي.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يكفي التطمين لمواجهة سيناريوهات الانهيار المحتملة، خصوصًا مع استمرار الهشاشة الهيكلية لاقتصاد ريعي، لم ينجح في تنويع موارده؟ الواقع يشير إلى أن العراق، رغم تحسن أسعار النفط مؤقتًا، لم يستثمر الفرص السابقة لبناء صندوق سيادي أو خفض الدين العام، بل زاد من اعتماده على الإنفاق التضخمي، ما يجعله عُرضة لأي صدمة خارجية مفاجئة.
وهنا تبرز أزمة الحوكمة المالية كخيط ناظم في المشهد: فالإفراط في الإنفاق، وغياب الشفافية، وتراكم الديون، كلها عوامل تذكر بضرورة الانتقال من "إدارة الأزمات" إلى "بناء المناعة الاقتصادية"، قبل فوات الأوان.
الاحتياطي النقدي.. خط أحمر
ويجد المرسومي، أن "الدول تتعامل مع الاحتياطي النقدي الأجنبي كخط أحمر، حيث يعتبر هذا الرصيد داعمًا أساسيًا لسعر التعادل الثابت للعملة تجاه العملات الأجنبية"، مؤكداً أن "خصم الحوالات يعتبر دينًا داخليًا، وعندما يكثر خصم الحوالات، فإن ذلك يؤثر على رصيد البلد وقدرته على دعم سعر التعادل الثابت للعملة".
ويقول إن الحكومات المتعاقبة لم تتعظ من تجارب الآخرين، ولا من تجارب الماضي، حيث واجه العراق انخفاضًا في أسعار النفط في أعوام سابقة مثل 2014 و2020، ما أدى إلى أزمات مالية وارتفاع الدين العام.
ويضيف، أن "الفائض الذي تحقق في عهد الحكومة السابقة والبالغ 23 تريليون دينار لم يتم استثماره بشكل صحيح، عبر وضعه في صندوق سيادي، بل تم استخدامه في الإنفاق العام، ما أدى إلى نفاد هذا الفائض".
انخفاض بمقدار 15 مليار دولار
وينبه المرسومي إلى أن الاحتياطي الأجنبي انخفض خلال العام الماضي بمقدار 15 مليار دولار، وذلك بسبب ارتفاع مبيعات البنك المركزي العراقي من خلال النافذة التي بلغت 81 مليار دولار، في حين كانت مشتريات البنك من الدولار من وزارة المالية أقل من هذا الرقم، مشيراً إلى ان "هذه الفجوة تؤدي إلى بدء مسار تنازلي في الاحتياطي الأجنبي، حيث يبدأ الاحتياطي بالنفاد مع استمرار المركزي بيع كميات كبيرة من الدولار مقابل مشتريات أقل".
ويحذر المرسومي من أنه "في حال واجه العراق أزمة مالية، فإن رصيد وزارة المالية من العملة الأجنبية سينخفض، ما يؤثر على مبيعات البنك المركزي مقابل زيادة كبيرة في حجم مبيعاته عبر النافذة. وهذا سيؤدي بالتأكيد إلى استمرار المسار التنازلي للاحتياطي الأجنبي، والذي بدأ بالفعل منذ العام الماضي، وقد يتصاعد بشكل حاد خلال هذا العام".
ويقول المسؤول السابق في البنك المركزي العراقي محمود داغر، أن طرح السندات المالية يساعد في دعم العجز النقدي، ويكون ديناً على الحكومة.
ويضيف داغر، أن "عملية طرح السندات المالية لا يشترط أن يكون هناك عجز مالي، حيث أن كثيرا ما تطرح السندات لغرض توفير أدوات مالية وتشجيع السوق المالية في البلد"، مشيرا الى أن "ما يطرح من سندات من قبل وزارة المالية، يساعد في دعم العجز الذي قد يكون مؤقتا وليس دائما".
وينوه المرسومي بالقول: إنّ "العراق يعاني حاليا من صعوبات مالية كبيرة، حيث أصبح الدين الداخلي الأكبر في تاريخ البلاد، إضافة إلى الوضع المالي غير الرصين، بسبب الإفراط في الإنفاق العام وعدم ترشيد المالية العامة"، متسائلا عن "مصير الاقتصاد العراقي في حال انخفض سعر النفط إلى 65 دولارًا للبرميل، حيث ستكون الأوضاع أكثر خطورة على البلاد؟".
وطبقا لرئيس مؤسسة عراق المستقبل للتحليل الاقتصادي منار العبيدي، فان الدين الداخلي للعراق شهد زيادة كبيرة بمقدار 13 تريليون دينار عراقي خلال عام واحد.
وبحسب البنك المركزي، فإن الدين الداخلي للعراق وصل إلى 81 تريليون دينار عراقي في شهر تشرين الثاني 2024.
تصورات حكومية مطمئنة
من جانبه، قدّم المستشار المالي لرئيس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح، تصورات مطمئنة بشأن الوضع المالي للعراق.
وقال صالح، إن "نسبة تغطية العملة الأجنبية إلى عرض النقد متعادلة وفق معايير الاستقرار النقدي المعتمدة، ولا توجد أي مشكلة في هذا الجانب"، مضيفا أن "الرقم القياسي العام السنوي للأسعار بلغ نموًا بنسبة 3%، وهو يعتبر معتدلاً في المقاييس المحلية ويشير إلى استقرار نسبي".
وشدد صالح على ضرورة السير في مبدأ الانضباط المالي، والذي أطلق عليه "التعزيز المالي"، من خلال اتجاهين رئيسيين: الأول هو خفض رصيد الدين العام بكل أشكاله تدريجيًا من خلال مؤشرات الموازنة العامة الاتحادية، والثاني هو عدم تجاوز العجز السنوي الممول بالاقتراض نسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا.
وأوضح صالح، أن "تحقيق هذين الهدفين يعد من لوازم الاستدامة المالية في مواجهة أية مفاجآت قد تنتج عن دورة الأصول النفطية وتأثيرها على أوضاع الموازنة العامة"، مشيراً إلى أنّ "العراق يسعى إلى تنويع مصادر الدخل الوطني، حيث يشكل الإنفاق الحكومي قرابة 50% من إجمالي الدخل السنوي، وتصل آثاره إلى أكثر من 85% في تحريك مفاصل الاقتصاد ونشاط السوق".
وسجلت مبيعات البنك المركزي العراقي، أمس الأربعاء، نسبة تجاوزت 97% من إجمالي الحوالات الخارجية.
وباع البنك في مزاده، يوم أمس، 287 مليوناً و406 آلاف و857 دولاراً، وغطاها بسعر صرف أساس بلغ 1310 دنانير لكل دولار للاعتمادات المستندية والتسويات الدولية للبطاقات الإلكترونية، وبالسعر ذاته للحوالات الخارجية، فيما بلغ سعر الصرف 1305 دنانير لكل دولار في المعاملات النقدية.
وخصصت معظم مبيعات الدولار لتعزيز الأرصدة في الخارج على شكل حوالات واعتمادات، حيث بلغت قيمتها 278 مليوناً و556 ألفاً و857 دولاراً، بنسبة 97.49%، مقارنة بالسحوبات النقدية التي بلغت 7 ملايين و850 ألف دولار.
تشهد تجارة الذهب في العراق تحولات كبيرة أثرت على طبيعة المهنة، حيث تقلص دور الحرفيين الصاغة بشكل ملحوظ، وتحولت السوق لصالح تجار الجملة والمفرد. ويعتمد تسعير الذهب على بورصة عالمية، وسعر صرف الدولار، وسياسات الدول، الى جانب تزايد الطلب المحلي عليه.
وأسهمت عمليات غسل الأموال وتهريب الذهب في تشويه السوق ورفع الأسعار، ما تسبب في فقدان الدولة لإيرادات جمركية مهمة.
ويدعو مختصون إلى تشديد الرقابة على المنافذ الحدودية، وضبط تجارة الذهب، للحد من هذه الظواهر وضمان استقرار السوق.
عوامل ارتفاع الأسعار
يقول مصدر حكومي مسؤول، رفض الكشف عن اسمه، إن "الذهب الصناعي كان يُستورد تاريخيًا عن طريق السلطة النقدية على شكل سبائك، ليعاد بيعه إلى قطاع الحرفيين المجازين الذين يقومون بتحويله إلى مشغولات ذهبية بمختلف العيارات، تُستخدم للزينة وحفظ الثروة الشخصية".
ويضيف المصدر في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "تسعير الذهب يعتمد على السعر المركزي مضافًا إليه كلفة التصنيع وهامش ربح، ليُعرض لاحقًا على الجمهور عبر محال الصاغة. هذه العملية كانت تخضع لرقابة صارمة من الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، لضمان خلو المصوغات من الغش الصناعي".
ويبين أن "التحولات المهنية أدت إلى تقليص عدد الحرفيين الصاغة، لتتحول تجارة الذهب إلى قطاعين رئيسيين: تجار الجملة وتجار المفرد"، موضحا أن "عمليات الاستيراد أصبحت تخضع لإجازات تمنح لتجار كبار، بينما يتم بيع الذهب محليًا عبر تجار المفرد الذين يتأثر تسعيرهم بعدة عوامل".
ويواصل المصدر حديثه، أن "العامل الأول هو سعر الذهب في الأسواق العالمية، حيث يرتبط سعر الاستيراد بقيمة الدولار وما يُعرف بدورة أصول الذهب وتحركات السوق الداخلية مقارنة بالسوق العالمية"، مشيرا الى ان "العامل الثاني يرتبط بسعر صرف الدولار في السوق الموازية. فيما يتصل العامل الثالث بسياسات دول الجوار تجاه الذهب: كلما زادت التشديدات وارتفعت الأسعار عن المؤشرات العالمية، يتحرك الذهب المحلي لاستخدامه في عمليات المتاجرة العابرة للحدود".
ويشير المصدر الى أن "هذه الأعمال غير قانونية، وتندرج ضمن جرائم غسل الأموال، وتخضع لملاحقة الأجهزة الرقابية"، لافتا الى ان "الآونة الأخيرة شهدت عمليات استيراد للذهب بشكل كبير من قبل الامارات وتركيا، وهذا يؤشر وجود عمليات لتهريب الدولار، بخاصة ان الدولار يجري التعامل به في هذه المهنة بالسعر الرسمي، عبر منصة خاصة، وهذا ما يحقق أرباحا كبيرة لبعض هؤلاء المهربين".
غسل الأموال أبرز الأسباب
أما الباحث الاقتصادي أحمد عيد، فيقول إنه "في ظل تزايد مخاوف المواطنين من التضخم، وعدم استقرار الوضع المالي والنقدي، أصبح الذهب خيارًا مثاليًا لحفظ القيمة".
ويكرر عيد ما ذهب اليه المصدر الحكومي من أن "عمليات غسل الأموال لعبت دورًا مهمًا في دفع الأسعار للارتفاع".
ويضيف عيد لـ "طريق الشعب"، أن "العديد من الجهات تلجأ إلى شراء الذهب كوسيلة لإخفاء مصدر الأموال غير المشروعة لديها، سواء كانت متأتية من تجارة المخدرات، أو تهريب الأموال، أو الرشوة، أو حتى من عمليات فساد أخرى. وهذا ما يشكل سببا رئيسا أدى إلى ارتفاع أسعار الذهب في العراق، وهو مشابه لما حدث في سوق العقارات".
ويحدد عيد طريقين لدخول الذهب إلى العراق: يدخل عبر قنوات رسمية وأخرى غير قانونية، موضحا أن "القنوات الرسمية تشمل استيراده عبر المعابر الجمركية والمطارات، حيث يتم تسجيل الذهب وفقًا للإجراءات القانونية المعتمدة من قبل البنك المركزي العراقي وهيئة الجمارك. غالبًا ما يأتي الذهب من دول مثل تركيا والإمارات وسويسرا، ويتم استيراده بواسطة تجار معتمدين وشركات مرخصة. هذا الذهب يخضع للفحص للتأكد من مطابقته للمواصفات القياسية، ويتم تحصيل الرسوم الجمركية والضرائب المفروضة عليه لصالح الحكومة".
ويردف كلامه بالقول: انه "إلى جانب القنوات الرسمية، هناك تهريب للذهب عبر الحدود، وذلك بسبب ضعف الرقابة على بعض المعابر. وفي هذه الحالة، يتم تهريب الذهب عبر شبكات غير رسمية، تهربا من الضرائب أو لغرض غسل الأموال".
ووفقًا لتقارير، فانه يتم إدخال الذهب إلى العراق على شكل سبائك أو مصوغات ذهبية مخبأة في شحنات بضائع أخرى، أو من خلال الأفراد عبر المنافذ البرية غير الخاضعة للرقابة المشددة.
ويجد عيد أن الذهب المستورد عبر القنوات الرسمية يعتبر آمنًا من حيث الجودة والمطابقة للمعايير، ولكنه قد يتأثر أحيانًا بالتلاعب بأسعار الصرف أو بعض ممارسات الفساد الإداري.
ومن الناحية الاقتصادية، يشير عيد إلى أن "دخول الذهب بطريقة غير قانونية يؤدي إلى تشويه السوق بشكل كبير، حيث يغرق السوق المحلي بكميات غير مسجلة من الذهب. هذا التشويه لا يؤثر فقط على الأسعار، بل يقلل من إيرادات الدولة الجمركية، التي كانت يمكن أن تُستخدم في دعم الاقتصاد الوطني".
ويختتم عيد حديثه بالتأكيد على ضرورة تشديد الجهات المعنية الرقابة على المنافذ الحدودية والجمارك، بالإضافة إلى ضرورة فرض آليات تتبع واضحة على تجارة الذهب. ومن بين الإجراءات المقترحة، تسجيل جميع عمليات بيع وشراء الذهب، مكافحة شبكات التهريب، وتعزيز التعاون الإقليمي لضبط عمليات التهريب. "كل هذه الخطوات من شأنها أن تسهم في الحد من ارتفاع الأسعار غير المبرر، وتحقيق الاستقرار في السوق" طبقا لرأي عيد.
تداعيات اقتصادية
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطوان، إن هناك شبهات فساد وتداعيات اقتصادية تحيط بموضوع استيراد ودخول الذهب إلى العراق، مشيرًا إلى أن جهات متنفذة تتحكم في هذه العملية، مما أدى إلى خلق نوع من المضاربة بين الدولار والذهب والدينار. كذلك مع باقي العملات.
ويوضح، أن هذه المضاربة تسهم في عدم استقرار السوق، حيث يسعى المضاربون إلى عدم وضع “البيض في سلة واحدة”. بمعنى تنويع استثماراتهم بين العملات والذهب لضمان تعويض الخسائر في حال انخفاض قيمة إحدى هذه الأدوات.
ويشير الى أن "هذه الممارسات تؤدي إلى عدم تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتخلق حالة من التشتت في السوق"، ما يفتح المجال أمام دخول ما وصفه بـ"الطفيليين" إلى العملية التجارية.
ويجد انطوان أن "الفئات الفقيرة هي الأكثر تضررًا من هذه المضاربات، حيث تتحمل أعباء التضخم النقدي الناتج عن تلك الممارسات"، منبها الى أن الاقتصاد العراقي يعاني بشكل كبير من هذه الظواهر.
ويعتقد المتحدث أن "أحد الحلول لإعادة التوازن الاقتصادي هو جعل البنك المركزي مسؤولا عن استيراد الذهب، ومنع المضاربين من السيطرة على السوق. والعمل على تشجيع توجيه رأس المال نحو القطاعات الإنتاجية، كالصناعة والزراعة، بدلاً من تركيزه على المضاربات في العقارات، وبيع وشراء العملات والذهب".
ويخلص الى "ضرورة اعتماد البنك المركزي آليات فعالة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، والحد من نشاط المضاربين الذين يستغلون الفجوات الاقتصادية، لتحقيق أرباحهم على حساب المجتمع".
4 مراكز لفحص الذهب
ويوجد في العراق مراكز لفحص الذهب تتواجد في اربعة مطارات، وهي بغداد والنجف والبصرة وكركوك.
ويقول المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، إن "هذه المراكز تعمل على مدار الساعة"، مشيرا إلى وجود إجراءات دقيقة تتولاها وحدات الفحص، حيث لا تستغرق وقتاً طويلاً بسبب اعتمادها أجهزة متطورة.
ويضيف الهنداوي في حديث خص به "طريق الشعب"، أن "هذه الإجراءات سهلت كثيراً من عمل الصاغة وقللت الكلف التي كان يتحملها المستورد في عملية نقل الذهب من المطار أو من أي منفذ آخر إلى مقر الجهاز المركزي للتقييس لأجل فحصها ووسمها"، مؤكدا انه "بمجرد وصول الشحنة الى المطار يتم نقلها عبر الجمارك الى وحدة الفحص الموجودة وخلال وقت قصير ربما لا يتجاوز الساعتين الى ثلاث ساعات تنتهي كل هذه الإجراءات، ويتسلم المستورد الذهب ويخرج من المطار مفحوصاً وموسوماً".
ويختتم الهنداوي تصريحه بأن "هناك زيادة في عملية استيراد الذهب، حيث يسجل يومياً كمعدل عام للذهب بحوالي من 50 الى 75 كيلوغراماً عبر المنافذ الرسمية".