أقامت لجنة الإعلام المركزي للحزب الشيوعي العراقي، مطلع هذا الأسبوع، حفلاً نوعياً لإحياء الذكرى التسعين لتأسيس الصحافة الشيوعية، بحضور نخبة من الأكاديميين والصحفيين والمهتمين، حيث ضيّفت اللجنة في ندوة بالمناسبة الأكاديمية د. ازهار صبيح والأكاديمي المعروف د. هاشم حسن والكاتب والصحفي عبد المنعم الاعسم وعضو المكتب السياسي وعضو لجنة الإعلام المركزي علي صاحب.
انطلق الحفل بالوقوف استماعا للنشيد الوطني، تلته كلمة افتتاح الفعالية قدمها الرفيق بسام عبد الرزاق، ثم الوقوف دقيقة صمت تكريماً لشهداء الصحافة الشيوعية وسائر شهداء الوطن، فضلا عن الراحلين ممن عملوا في صحافة الحزب طيلة 9 عقود.
وقدمت الرفيقة دينا الطائي، عضو اللجنة المركزية للحزب وعضو لجنة الاعلام المركزي، كلمة المناسبة "منشورة في مكان آخر من الصفحة".
تأثير الصحافة الشيوعية بالواقع
بعدها، انطلقت مداخلات الضيوف بالمناسبة، دشنتها الاكاديمية د. ازهار صبيح بالحديث عن الصحافة الحزبية في العراق، وتأثيرها وتأثرها بالواقع السياسي بدءا من العهد الملكية مرورا بالجمهورية الأولى، ووصولاً الى أعوام ما بعد 2003، حيث استعرضت مشاهد وتواريخ وأسماءَ لتلك الصحف، لاسيما صحافة الحزب الشيوعي، وتحديدا السرية منها.
الاكاديمية د. ازهار صبيح، قالت في بداية حديثها: ان "رسالتي للماجستير في العام 2004 كانت عن الصحافة الحزبية في العراق ما بعد تغيير النظام، وكان من بين الصحف محل الدراسة جريدة (طريق الشعب) وصحف أخرى إسلامية وكردية".
وأضافت، ان "الصحافة عموما هي ذات سمة سياسية والعلاقة بين الصحافة والسياسة اما ان تكون تكافلية اذا كانت الصحافة مؤيدة، او جدلية اذا كانت الصحافة معارضة"، مشيرة الى ان "الصحافة الحزبية في العراق هي في مرحلة انبثاق الحياة السياسية، بعد أن أصبحت هناك حرية للأحزاب. وبطبيعة الحال هذه الأحزاب تؤسس لها صحفا ناطقة باسمها ومعبرة عن أيديولوجيتها".
وأشارت صبيح الى انه "في العراق ـ وتحديدا في العهد الملكي ـ عندما اجيزت الأحزاب وكانت هناك صحف حزبية، تباينت مواقف هذه الصحف بين المهادنة والمتماهية والمعارضة وأيا كان الموقف من السلطة والمسافة التي تقف عليها الصحافة الحزبية، فهذا لا يلغي ان هذه الصحافة لها وجود فاعل بصرف النظر عن ماهية هذا الوجود".
وأكملت، انه "أحيانا تتعرض الصحف للمضايقات والتعطيل والتوقيف، وهذا مؤشر على فاعليه هذه الصحافة في حياة الناس وفي الحياة الصحفية عموما"، لافتة الى ان "الحريات التي منحت لتأسيس الأحزاب أعطت انطباعا لدى الناس بان الجو الديمقراطي سيسود والحريات ستكون مطلقة الى حد ما، لكن هذا الانطباع سرعان ما جوبه بمحاولات السلطات المتعاقبة إيقاف الصحف وتعطيلها واصدار الأوامر ضد القائمين عليها".
وأضافت، انه "لاحقا في العهد الجمهوري الأول طرأت على الصحافة الكثير من المتغيرات على مستوى الشكل والمضمون. وفي نفس الوقت كان هناك كثير من الاسفاف الذي شهدته الصحافة، فضلا عن قيام جهات معينة بإصدار صحف لتشتيت صحف أخرى او بعض الجهات، ووجود عناصر دخيلة في الصحافة، وهي بالأساس مزروعة من قبل السلطات".
ونوهت الى ان "هذا الشيء دفع الصحافة الى مجابهة السلطة وادى بالنتيجة الى الصدور سريا، والعوامل الفارقة في الصحافة الحزبية السرية في العراق هي ان اول صحيفة سرية في تاريخ العراق كانت صحيفة الحزب الشيوعي العراقي وهذه الصحيفة أحدثت فارقا كبيرا، وكانت علامة فارقة في صحافة الحزب والصحافة الحزبية السرية".
وأوضحت صبيح، ان "المضايقات التي تعرضت لها صحافة الحزب الشيوعي أدت بها الى ان تتوقف وتصدر لاحقا، فالشرارة مثلا كانت تسجل من صحف الحزب الشيوعي السرية، وهي ملتزمة بعض الشيء ولم تعبر عن مطالب الحزب الشيوعي بشكل ثوري، ووصفت حينها بانها بريئة من المشاعر الثورية على العكس من باقي صحافة الحزب الشيوعي".
ولفتت، الى ان "طريق الشعب التي كانت محل دراستي في الماجستير مرت بأربع مراحل مفصلية، الأولى هي مرحلة التأسيس وصدور العدد الاول منها وهو يمجد الإعلان الحكومي ويبارك ذكرى الثورة البلشفية، ويبارك انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي".
وتابعت حديثها، ان "المرحلة اللاحقة التي صدرت فيها شهدت ظروفا فنية صعبة، وكانت المطبعة سرية وتعود للحرب العالمية الثانية ولم تصدر بأعداد متواترة ومنتظمة وبحجمها الكبير المعروف، وتولى تصميم شكلها الطباعي الفنان محمد سعيد الصكار، وتم توزيع 6 ملايين نسخة منها عام 1975، وهي علامة فارقة في الصحافة العراقية، بينما الان لا تحلم أي صحيفة عراقية بتوزيع 6 الاف نسخة".
وبيّنت ان "المرحلة الثالثة جاءت وكان اغلب كتّاب (طريق الشعب) من خارج اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وبهذا خرجت الجريدة من كونها جريدة اللجنة المركزية والحزب الشيوعي الى ان تكون جريدة كل الشيوعيين وهذه علامة مهمة في مسيرة طريق الشعب".
وذكرت ان "المرحلة الرابعة هي مرحلة ما بعد تغيير النظام في عام 2003 تحديدا وكانت او صحيفة توزع في بغداد بتاريخ 11/9/2003 وهذا يليق بطريق الشعب واسم الشيوعيين".
الطوفان الالكتروني
من جانبه، قال الاكاديمي د. هاشم حسن، ان "الحزب الشيوعي العراقي هو الوحيد الذي حافظ على بيته وسمعته، ولم يخرج منه وزير مفسد، ولا سياسي شارك في بيع "خور عبد الله"، فهنيئا لكم وهنيئا للأجيال التي ستقتدي بهذا الجيل".
وأضاف، انه "أولا نحن إزاء طوفان رقمي في كل العالم، ودليلنا الصين، التي جعلت منه وسيلة لخدمة الإنسان وأيضا تأكيد الهوية الوطنية والإنسانية. والاعلام الرقمي بوتيرته السريعة والتكنولوجيا وإدارة الدولة العاجزة عن اللحاق به، سيؤدي الى كوارث ثقافية، وستبقى اجيالنا معلقة بالهواء، وسيؤدي الى القضاء على هويتنا الورقية".
واضاف حسن في مداخلته: "نحن ندعي ان لدينا حكومة الكترونية، واننا تحولنا للمرحلة الرقمية وصرفنا تريليونات. وهنا أقدم مثالا: في مراجعة لتبديل وثيقة (السنوية) وجدتُ 20 شباكا. الواجب الأول هو دفع الضريبة، وعن طريق الدفع الالكتروني، ولكي تصدر هوية جديدة يجب ان تذهب الى الأرشيف، لكن هناك ملايين الأضابير الورقية، التي تضطرك الى الانتظار ساعات طويلة. فاين التحول الرقمي؟".
وزاد حسن بالقول: "حقيقة اننا نحتاج ان يتحول كل تراثنا الصحفي الى الكتروني، ومن خلال الأجهزة اللوحية بإمكاننا تصفح كل الصحف من الزوراء الى طريق الشعب في 2025. وعندما اريد مستندا معينا من هذه الصحف أستطيع الحصول عليه بسهولة"، مبينا انه "كل صحافتنا مهددة بالانقراض، فبمجرد ان تمسك رزمة من الصحف القدمية (الاستقلال، الزمان، الأهالي، البلاد) في دار الكتب والوثائق، تنهار بيدك وتتلف بمجرد محاولة رفعها. ان ما تم تحويله الى "ميكروفيلم" قليل جدا. هذه أزمة".
واستطرد بالحديث: "حين كنت عضوا في هيئة أمناء شبكة الاعلام، اقترحت ان نعمل على إقامة أرشيف لتاريخ الاعلام العراقي: الإذاعة والتلفزيون والصحافة. وامامكم الان في بناية بائسة يعرض تاريخ مشوه ومن دون منهج، برغم ان ميزانية الشبكة تتجاوز 150 مليار دينار. وأيضا اردنا إقامة متحف للصحافة العراقية في كلية الاعلام، بقينا سنوات نتوسل بالوزارة وبالجامعة، لكنهم رفضوا بناء قاعة لعرض تاريخ الصحافة بطرق منهجية، كي يتمكن الطالب في اثناء دخوله القاعة وحتى مغادرتها، من أن يرى بعينه تاريخ الصحافة والإذاعة والتلفزيون. ومن هنا يبدأ التاريخ".
وأشار الى ان "الوثائق تعاني، لاسيما الصحف والمجلات القديمة في بغداد وكردستان، تعاني من العبث. والكثير من المجلدات تتعرض للقطع والنهب. أي شخص لديه موضوع مهم يقتطع جزءا كبيرا من هذه الصحف. بل أن بعض الوثائق تزور أو تسرق. ادن نحن مهددون بالخطر".
ونبّه حسن إلى أن "كثيرا من أرشيف صحافتنا نقل إلى إسطنبول، لا سيما التي بدأت الصدور عام 1908، وحتى في فترة البريطانيين، كانت الوثائق العراقية موجودة في لندن، ولم يحدث أي جهد منظم لإعادة كتابة تاريخ الصحافة بالعودة الى لندن. كما أن أمريكا ساهمت ـ بدور كبير ـ في نهب التراث والوثائق العراقية، وجزء منها نقل الى جامعة بنسلفانيا، وجزء مهم تحول إلى جماعة نتنياهو. لذلك يجب ان يكون هناك قرار وطني باستعادة وثائقنا وتاريخنا، لأن جزءا منها مجلدات من الصحافة العراقية التي لم تؤرخ".
وواصل القول ان "الكثير من صحفنا السرية والعلنية تركها الأجداد للأبناء والابناء تركوها للأحفاد، وأصبحت هذه الصحف عبئا. احدهم صحفي قديم ضاق بيت عائلته على صحفه القديمة وتوسلوا ان يتم التخلص منها، وبأي طريقة. وكذلك أستاذ كبير بالاعلام يتصل نجله من أمريكا طلبا للتخلص من مكتبته، كونهم يريدون بيع البيت، ويرون في المكتبة عائقا".
وأضاف، انه "حتى في محلات الانتيكات هناك كنز من الصحف القديمة، يجر بيعه بأسلوب الابتزاز، وبعضها هي صحف غير موجودة حتى لدى الحكومة"، مردفا بالقول ان "الشيء المهم الذي اكتشفته: ان مكتبات المراقد المقدسة والمساجد، ومن بينها مكتبة الخلاني، فيها مجلدات من صحافة العهد الملكي وجميعها مهملة، ولا يعرفون قيمتها، وفي اي لحظة يبتلعها واحد من الحرائق المستمرة".
وبين حسن، ان هناك الكثير ممن أرخوا للصحافة العراقية، ومن امثالهم: روفائيل بطي في كتابه "الصحافة في العراق"، وولده (فائق) الذي استكمل المسيرة في كتابه "ابي روفائيل بطي"، فضلا عن مؤلفاته الأخرى التي تشكل جوهرة الاعتماد بالدراسات العليا من الموسوعة الصحفية، وكتب كثيرة كان لهما دور ومساهمة كبيران فيها، كذلك فيصل حسون في كتابه (صحافة العراق من اعوام 1945 الى 1970)، وكذلك منير بكر التكريتي (الصحافة العراقية واتجاهاتها السياسية والاجتماعية والثقافية)".
واختتم حسن مداخلته بالقول: ان "الصحافة تؤرخ للسياسة وللثقافة وللمجتمع. ولا ننسى عبد الرزاق الحسني وكتابه (تاريخ الصحافة العراقية) الذي يعد معجما مهما"، مبينا انه "عندما يؤرخ الحزب الشيوعي العراقي او أي طرف آخر، فهو يؤرخ للمجلة والجريدة وتنسى النشرات والشعارات، بينما حتى الشعارات على الجدران جميعها تعد وسائل تعبير، وحتى اللوحات التشكيلية".
سر العلاقة الخاصة
الكاتب والصحفي، عبد المنعم الأعسم، ذكر انه من بين جميع الأسئلة التي نطرحها كل سنة بمناسبة عيد الصحافة الشيوعية، نطرح سؤالا إشكاليا، والحقيقة هو سؤال وارد ومهم، عن "سر العلاقة الخاصة والعضوية بين الحزب الشيوعي العراقي والصحافة؟". نحن الباحثين الذين نطلع على الدراسات، وأستطيع القول على مسؤوليتي ومعرفتي انه ليس هناك حزب عراقي وفي المنطقة أيضا، ارتبط تاريخه بالعلاقة بالصحافة والمطبعة.
وأوضح، ان "الرفيقات المناضلات القديمات، يعرفن كيف كانت تنقل المطابع، اية مداهمة لاي مقر للحزب او وكر، يتبادر للذهن أولا وقبل كل شيء ان نحمي المطبعة. وعندما تنتقل المطبعة الى مكان اخر آمن، يكون التنظيم آنذاك في أمان".
وقال الاعسم، ان الصحافة السرية كانت تقوم على فكرة عقيدة هذه المطبعة وتكريسها وتأمين مكانها اللائق. حتى يمكن القول ان الحزب الشيوعي ولد في مطبعة. واذا تذكرنا الرفيق فهد ـ وهو الصحفي المحترف ـ فانه قبل ان يبادر الى الانخراط بالعمل السياسي وتأسيس الحزب الشيوعي، وهذا الموضوع ينبغي دائما أن نفكر فيه، ما هو سر هذه العلاقة العضوية بين الحزب والصحافة، حيث سنجد مؤشرات مهمة، وفي طليعتها، ان مؤسس الحزب كان صحفيا، ولما نقرأ تاريخه، سنجده كان مراسلا لعدد من الصحف، وكان يحرر صحف الوطن والأهالي، وقام بزيارة بعض البلدان العربية لكتابة تقارير صحفية عن أوضاع هذه البلدان. وعندما انخرط في الشأن القيادي للحزب كانت المهمة الرئيسة عنده هي ان يبدأ تأسيس قاعدة وبنية تحتية لعقيدة الحزب الصحفية. وهنا ترجم فهد بإبداع خلاق مقولة لينين (الصحيفة هي داعية ومنظر) ولم أرَ ترجمة خلاقة لهذه المقولة، كما ترجمها فهد بشكل خلاق ومبدع".
وأوضح، ان "السرديات التي تتعلق بتاريخ الحزب، نجد طائفة من الاخبار والمفارقات عن إيلاء الحزب لدور الصحافة ومكانتها ودور المطبعة اهتماما بالغا".
وبيّن ان "الشيء الآخر الذي يدخل في سر العلاقة، ان القيادات التاريخية للحزب نجد نسبة كبيرة منهم من الصحفيين ونسبة فارقة. ولربما الكثير منهم جاء من مؤسسات صحفية، وكانوا يعملون في مجالات الصحافة والثقافة، وتبوؤا مراكز بالحزب. ومن بينهم سكرتير الحزب سلام عادل، وهو على صلة بالصحافة، فضلا عن كونه فنانا ورساما".
وأشار الاعسم الى ان "القياديين الذين شاركوا في الخلايا الأولى ومن بينهم ذنون أيوب، كان على صلة بالرفيق زكي خيري، وكان مترجما وكاتبا لامعا. والسلسلة الذهبية من القادة الشيوعيين في غالبهم احترفوا وانحدروا من عالم الصحافة. وهذا مهم في الإجابة عن سؤالنا الذي نبحث عنه: لماذا يولي الحزب الصحافة اهتماما خاصا؟".
وتابع، انه "في السجون، هناك صفحة مشرقة. وفي أقسى الظروف والقمع والسجون التي تخيّم عليها أجواء القمع والموت والتهديد والاعدامات، كان الشيوعيون يبحثون عن فرصة مهما كان هامشها من الحرية حتى يصدروا الصحف. في نقرة السلمان كنت احد محرري جريدة يومية تصدر، وفيها جيش من العاملين الذين يعملون في الليل حتى تصدر بحدود 20 نسخة يوميا، وتكون جريدة متكاملة فيها مقال افتتاحي واخبار وسياسة وثقافة وتوزع في اليوم الثاني على القاعات. ويجد السجناء كل صباح الجريدة على طاولة".
ولفت الاعسم الى انه "بموازاة هذه العقيدة الصحفية، نجد ظاهرة مهمة جدا، وهي سعي الحزب للخروج الى العلن والحصول على ترخيص للصحيفة بأي هامش مهما كان ضئيلا، ومهما كان بسيطا. وفي ذاكرتنا طائفة من الصحف، تبدأ من صحيفة الصحيفة الى الأساس والثبات و14 تموز والعصبة، وتجربة العصبة جديرة بالتوقف عندها. وكان يشرف عليها الرفيق فهد، وهي تعبر عن معاداة الصهيونية، لذا أدعو جميع الرفاق للعودة اليها، والاطلاع على محتواها".
إيصال صوت الناس
وعلى هامش مداخلات الضيوف، قال عضو المكتب السياسي للحزب وعضو لجنة الإعلام المركزي، علي صاحب، ان "مسؤولية كبيرة نتحملها نحن العاملين في إعلام الحزب، لاسيما مع الرصيد الكبير في الصحافة المكتوبة، في ظل ما يمكن وصفه بفيضان التكنولوجيا والحاجة الى العمل على هذه الفضاءات واستثمارها في إيصال صوت الناس".
وأضاف، ان "الأدوات اختلفت بالنسبة للصحافة لكن الهدف بقي نفسه، وبالتالي تنويع الأدوات ومحاولة احتلال مساحة من الإعلام الإلكتروني والرقمي بشكل يتناسب مع إمكانياتنا".
وأشار إلى انه "للأسف كل شيء في العراق تعرض للتشويه وحتى الإعلام الإلكتروني، فنحن نتحدث عن مساحة ضمن إمكانياتنا المالية المحدودة مقابل طرف يمتلك جيوشا، فنحن نستعين باشتراكاتنا من رفاقنا وببيع أدبياتنا، في وقت يدفع المقابل رواتب شهرية، وهم كذلك يمتلكون السلطة والمال والسلاح والفساد، ونحن نمتلك القلم وصدق الأهداف والشعارات".
وأوضح، ان "طريق الشعب والطريق الثقافي والثقافة الجديدة وما يصدر من مطبوعات عن المحافظات ستبقى مستمرة، مع تطويرات نجريها باستمرار على هذه المؤسسات. وعلى سبيل المثال، طريق الشعب الان تمتلك مساحة من الاعلام الالكتروني ومحتوى يخلق بالشكل الالكتروني. وهذا ضمن تفكيرنا بالعمل على الاستمرار بشكل متواز بين الطباعة الورقية والعمل الرقمي. و"طريق الشعب" الورقية مع كل هذه الظروف هي ثاني اعلى صحيفة عراقية من حيث التوزيع، بعد الصحيفة الحكومية".
وبيّن صاحب، ان "الشعور بالنسبة الى مستقبل المطبوع خلال العقد القادم، سينحسر على اقل تقدير، لهذا نعمل على تطوير بدائل على مستوى المحتوى الإلكتروني، وعلى مستوى اعلام الحزب وتفكيره، منذ العام 2010، وارتباطا بالتظاهرات وفي ما بعد، وتمهيدا لـ25 شباط، حيث كنا ننشط وندعو ونطالب من خلال السوشيال ميديا. ويمكن القول ان اليساريين والشيوعيين كانوا سباقين في النشاط على مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، واغلبنا كنا نخوض نقاشات هائلة بإمكانات محدودة في ذلك الوقت".
ولفت الى انه "أدركنا مبكرا أهمية وجودنا في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قمنا بتحفيز جميع رفاقنا على امتلاك صفحات وحسابات على هذه المنصات، كي يتولون مهمة نقل أهدافنا وتصوراتنا. وهذا نوع من اللامركزية في الإعلام، اجبرتنا عليه وسائل التواصل الاجتماعي".
وخلص الى القول: ان "هذه المنصات، نفسها، أصبحت مصدرا لنا لفهم حاجات الناس وطريقة تفكيرها، وهي جزء من تقاليد نعمل عليها في السابق عن طريق المكاتب الصحفية، لكن الان الأدوات والمساحات اختلفت".
لم تكن الاشتباكات التي شهدتها مديرية زراعة الكرخ في منطقة الدورة، أمس الاول، حدثاً عابراً أو معزولاً، بل كشفت مجدداً عن عمق الأزمة التي تواجه الدولة، وسط تصاعد الحديث عن "ثنائية الدولة واللادولة"، وتضارب الصلاحيات، واستمرار هيمنة السلاح المنفلت على المشهدين السياسي والأمني، فيما تثار أسئلة أخرى نقول لماذا أصلا هذه الاشتباكات في دائرة الزراعة وماذا تدر على المتحاصصين؟
واندلع، صباح الأحد، اشتباك مسلح بين قوة من الشرطة الاتحادية ومجموعة تابعة لأحد ألوية الحشد الشعبي، داخل مبنى مديرية زراعة الكرخ، أسفر عن مقتل أحد منتسبي الشرطة، وسط صدمة شعبية وردود فعل سياسية غاضبة.
وأعلنت قيادة الشرطة الاتحادية استشهاد المفوض "غزوان كريم سلمان الربيعي"، مؤكدة التزامها "بسيادة القانون وهيبة الدولة"، فيما أعلنت قيادة العمليات المشتركة إلقاء القبض على 14 مسلحاً ينتمون إلى اللواءين (45 و46) التابعين للحشد الشعبي، وبدء إجراءات قانونية بحقهم.
وعلى أثر ذلك، ترأس رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، اجتماعاً طارئاً فور وقوع الحادث، وأصدر توجيهات صارمة بـ"عدم التهاون في تطبيق القانون"، ورفض "أي جهة تعمل خارج سلطة الدولة"، مؤكداً أن "هيبة الدولة خط أحمر".
كما وجّه بتشكيل لجنة تحقيقية عليا لكشف الملابسات الكاملة للحادث، والتعامل معه كتهديد مباشر لبنية الدولة ومؤسساتها.
في المقابل، عقد الإطار التنسيقي اجتماعاً طارئاً أيضاً وأصدر بياناً دان فيه "الاعتداء على إحدى مديريات الزراعة"، واعتبره "خروجاً عن القانون"، مؤكداً دعمه للإجراءات الحكومية والقضائية، ومطالباً بتحقيق شفاف.
إلا أن مراقبين رأوا أن الإطار اكتفى بإدانة شكلية، دون التطرق العميق إلى مسؤولية بعض الفصائل التابعة له أو المحسوبة عليه او دعوة لمعالجة دوافع ما حصل، وهو ما أثار تساؤلات حول جدية التزامه بسيادة الدولة.
مواقف مختلفة
وأصدرت وزارة الزراعة بياناً نفت فيه أي علاقة لها بمديرية زراعة الكرخ، مؤكدة أن الأخيرة تتبع محافظة بغداد منذ نقل الصلاحيات في عام 2016، وهو ما يشير إلى أن الصراع على منصب المدير يأتي ضمن أجواء سياسية ومحلية متوترة، خصوصاً بعد تغيير المحافظ مؤخراً.
فيما سارعت هيئة الحشد الشعبي، من جانبها، إلى إصدار بيان أكدت فيه التزامها التام بتوجيهات القائد العام، وشددت على أنها "لن تتساهل مع أي فرد يخالف الأوامر أو يخرق السياقات الأمنية"، واعتبرت أن الحشد يعمل "تحت مظلة الدولة وقيادتها الشرعية".
فيما علق رئيس كتلة حقوق النيابية التابعة لـ"كتائب حزب الله"، على الاشتباكات، قائلاً إنه "من غير المقبول الوقوع في خطأ الاشتباك ما بين نيران صديقة".
وقال مؤنس في تدوينة، إن "الحادث المؤسف الذي حصل في بغداد، مُدان بكل معنى الكلمة، حيث من غير المقبول الوقوع في خطأ الاشتباك ما بين نيران صديقة، وهو ما يدفع إلى ترصين العمل الأمني أكثر وتوسعة دائرة التنسيق بين القطعات والتشكيلات".
ودعا مؤنس، إلى "عدم فسح المجال للمتصيدين بالماء العكر، الذين يستغلون البيانات الرسمية، التي تصدر عادة باستعجال يسبق التحقيقات الأصولية".
تهديد الدولة من الداخل
وفي هذا الصدد حذر الخبير الأمني والاستراتيجي سيف رعد من خطورة بقاء السلاح خارج إطار الدولة، مؤكداً أن العراق يواجه ثنائية خطيرة في ملف الأمن، تتمثل في “الدولة مقابل اللادولة”، إلى جانب تناقض صارخ بين “شعارات المقاومة” من جهة، و”المشاركة في العملية السياسية” من جهة أخرى.
وقال رعد في حديث "لـ"طريق الشعب"، إن “بعض الفصائل ممن يمتلكون أذرعاً سياسية ومناصب ونفوذاً حكومياً، يعتبرون أن السلاح هو الضامن لبقائهم في السلطة، ويستخدمون شعارات المقاومة كغطاء لهذا الوجود”، مشيراً إلى أن “العراق يدفع ثمن هذه الشعارات منذ أكثر من عقد، سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو العسكري”.
وأضاف أن “مستقبل العراق يجب أن يُبنى على أسس الدولة والدستور والقضاء والمؤسسات، فهي الضامن الحقيقي للاستقرار”، لافتاً إلى أن "تجربة السلاح خارج الدولة أثبتت فشلها".
وختم تصريحه بالقول: “على القوى السياسية أن تدرك أن الحفاظ على النظام الديمقراطي لا يمكن أن يستمر بالشعارات. الدولة تُبنى بالعلم والتكنولوجيا والقرار السيادي".
مستقبل الأمن على المحك
أما الخبير صفاء الأعسم، فأكد أن السيادة والأمن في العراق لا يمكن ضمانهما إلا من خلال حصر السلاح بيد الدولة.
وقال الأعسم في حديث لـ "طريق الشعب"، إن “أي جهة مسلحة لا ترتبط بمنظومة الدولة ولا تلتزم بأوامر القائد العام للقوات المسلحة، لا يحق لها استخدام السلاح، وتُعد خارجة عن القانون”، مضيفاً ان “العراق بحاجة إلى منظومة أمنية موحدة، ولا يمكن القبول بتعدد مصادر القرار العسكري أو الأمني”.
وأضاف الأعسم أن “بعض الفصائل تمتلك نفوذاً سياسياً داخل مؤسسات الدولة، لكن هذا لا يُبرر أي سلوك مسلح خارج الإطار الرسمي”، مشيرا الى أن “مستقبل الأمن في العراق مرهون بالتزام الجميع، بأوامر الدولة، وأي تصرف فردي أو استخدام للسلاح خارج هذا الإطار سيجرّ تداعيات خطيرة، ويتحمل من قام به مسؤوليتها الكاملة أمام القانون والدولة”.
مظاهر الفوضى المسلحة
الى ذلك، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، محمد الشمري، أن بناء دولة حقيقية يتطلب حصر السلاح بيد الدولة، مشددًا على ضرورة إنهاء مظاهر الفوضى المسلحة التي تفاقمت بعد عام 2003.
وقال الشمري إن "السلاح المنتشر اليوم بين بعض الأفراد والجماعات لا يُستخدم دائمًا في مواضعه الصحيحة، بل يُوظف أحيانًا لفرض السيطرة والنفوذ على مناطق معينة"، مشيرًا إلى أن "هذا السلاح يجب أن يُسلَّم إلى الدولة لتكون هي الجهة الوحيدة المخولة باستخدامه والتحكم فيه".
وأوضح أن "ما شهده العراق بعد سقوط النظام السابق أدى إلى انتشار واسع للأسلحة، وأصبحت متاحة لمن هب ودب، ما تسبب في فوضى أمنية مستمرة"، مؤكدًا أن "هذا الوضع مرفوض كليًا ويتنافى مع مقومات الدولة الحضارية والقانونية".
ودعا الشمري إلى "بناء نظام سليم قائم على سيادة القانون والمؤسسات"، مشددًا على أن "حصر السلاح بيد الدولة هو الخطوة الأولى نحو استقرار البلاد وارتقائها نحو واقع أفضل".
الدولة أمام مفترق
ان ما حصل من اقتحام لمديرية الزراعة، وكذلك استمرار هجمات المسيرات على حقول النفط في كردستان، وغيرها من حوادث تقف خلفها قوى مسلحة، يثير القلق من استخدام السلاح لتحقيق مآرب واهداف ضيّقة لهذه المجموعة أو تلك، وخاصة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية. كما أن ذلك يكشف هشاشة البناء المؤسسي للدولة، لذا لا بد من التأكيد على أهمية وضرورة الحصر الفعلي للسلاح بيد مؤسسات الدولة الدستورية وتوحيد القرار العسكري والأمني، فاستمرار السلاح المنفلت يجعل توظيفه في تحقيق مكاسب سياسية، أمرا سهلا، ويخلق دويلات داخل الدولة.
أثار قرار وزارة التربية الأخير برفع أجور الاعتراض على نتائج الامتحانات إلى 5000 دينار للمادة الواحدة استياءً واسعاً في الأوساط الطلابية والتعليمية، وسط اتهامات للوزارة باتباع نهجٍ متكرر في تحميل الطلبة أعباءً مالية إضافية بدلاً من زيادة الإنفاق الحكومي على التعليم.
ويرى مختصون ان هذه الخطوة تأتي في سياق واحد مع اجراءات اخرى تفرضها وزارتا التربية والتعليم العالي، تمثل اوضح صورة للتوجه المتصاعد لدى الوزارتين في التنصّل من واجباتهما الأساسية في تمويل العملية التعليمية، عبر تحميل الطلبة وأسرهم مزيداً من الأعباء المالية تحت مسميات مختلفة.
مجانية التعليم مهددة
وبدلاً من أن تضطلع الدولة بمسؤولياتها في توفير تعليم مجاني يضمن تكافؤ الفرص ويُعد استثماراً حقيقياً في رأس المال البشري، يجري التعامل مع التعليم كمصدر للإيرادات السهلة من خلال الرسوم والجبايات.
ان هذا النهج يعكس بشكل لا يقبل الشك غياب رؤية واضحة للنهوض بالقطاع التعليمي، ويحوّل حق الطالب في الاعتراض أو الحصول على خدمات أساسية إلى امتياز مشروط بالدفع، ما يهدد جوهر مجانية التعليم التي اكد عليها دستور الدولة، ويعمّق الفجوة بين إمكانيات الطلبة وظروفهم الاقتصادية.
سياسات تزيد أعباء الطلبة
في هذا السياق، انتقد سكرتير اتحاد الطلبة/ فرع كربلاء علاء مشتاق، السياسات التي تنتهجها الوزارات المعنية بالتعليم، مشيرا الى أنها تلقي بالعبء المالي على الطلبة بدلاً من تحمّل الحكومة مسؤولياتها في تمويل العملية التربوية والتعليمية.
وقال مشتاق في حديث لـ"طريق الشعب"، إنّ هذه السياسات تتجلى في عدة أشكال، من بينها فرض رسوم على الاعتراضات الخاصة بنتائج الامتحانات، رغم أنّ هذا الحق يُفترض أن يكون مكفولاً ضمن إطار مجانية التعليم، فضلاً عن استيفاء مبالغ تتعلق بإصدار البطاقات الإلكترونية للطلبة، وهو ما بدأ يشمل الجامعات الأهلية ويمتد تدريجياً إلى التعليم الحكومي.
وأضاف أنّ هذا النهج يعكس “عجزاً واضحاً في توفير التخصيصات المالية الكافية للقطاع التعليمي”، مبيناً أنّ الجهات المعنية “تتعامل مع التعليم كعبء مالي على الدولة بدلاً من اعتباره استثماراً في رأس المال البشري”، ما يؤدي في النهاية إلى تحميل الطلبة تكاليف دراستهم بشكل متزايد.
وحذّر في ختام حديثه من أنّ هذه الممارسات “تهدد مبدأ مجانية التعليم في العراق”، معتبراً أنّ “رفع الرسوم التعليمية يأتي كحلّ لسد العجز المالي بدلاً من مطالبة البرلمان ومجلس الوزراء بزيادة موازنات التعليم وتخصيص إنفاق أكبر لهذا القطاع الحيوي بدلاً من استنزاف جيوب اهالي الطلبة”.
سلوك غير مبرر
من جانبه، قال المهتم بالشأن التربوي والتعليمي علي حاكم، إن وزارة التربية “تنتهج سياسة متكررة في استيفاء مبالغ مالية من الطلبة، من خلال فرض رسوم على خدمات وإجراءات متعددة، أبرزها الاعتراضات على النتائج أو أداء الدور الثالث”، مشيراً إلى أنّ هذه الإجراءات “لا تراعي الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة التي تمر بها آلاف العائلات العراقية”.
وأضاف حاكم في حديث لـ"طريق الشعب"، أنّ الوزارة “تبدو في أحيان كثيرة وكأنها تبحث عن تعويضات مالية، فتسعى إلى فرض رسوم بسيطة في ظاهرها لكنها تُطبق على أعداد ضخمة من الطلبة، ما يجعل منها مورداً مالياً كبيراً، من دون وجود شفافية واضحة في كيفية صرف تلك الأموال أو تحديد وجهتها بدقة”.
وتابع أنّ “التحول المستمر نحو فرض رسوم إضافية على مختلف المعاملات التربوية، سواء في المدارس أو الجامعات، هو منهج غير مبرر، خاصة وأنّ غالبية العائلات قد لا تملك حتى هذه المبالغ (رغم بساطتها الظاهرة)، ما يشكل عبئاً حقيقياً على الطلبة”.
وفي ما يتعلق برفع رسوم الاعتراضات، أكد حاكم أنّ “المشكلة لا تكمن فقط في رفع الرسوم، بل في فرضها أساساً على حقٍ أصيل للطالب”، معتبراً أنّ الوزارة “تسعى بهذا الإجراء إلى تقليل عدد المعترضين، بينما يجب أن يُصان حق الطالب في الاعتراض وألا يُقيد برسوم مرتفعة أو غير مبررة”.
وختم قائلاً إنّ “وزارة التربية مطالَبة بالتعامل مع الطالب كطرف له حقوق كاملة، بعيداً عن استغلال حاجته أو لحظة ضعفه، مع ضرورة أن تكون هذه الإجراءات مدروسة وشفافة وبعيدة عن أي دوافع مادية غير مبررة”.
في مواجهة التحديات المالية المتصاعدة وتراجع الإيرادات غير النفطية، أقرت الحكومة مؤخرًا حزمة من القرارات الإدارية والضريبية، وصفت بأنها تهدف إلى تعظيم الإيرادات العامة ومعالجة الاختلالات البنيوية في الجهازين المالي والإداري.
لكن مراقبين وخبراء اقتصاديين يرون أن هذه الإجراءات، التي شملت استقطاعات جديدة وتعديلات في الرواتب وبعض مظاهر الإنفاق، تعكس في جوهرها استجابة اضطرارية لأزمة نقدية تلوح في الأفق، لا مشروع إصلاح مؤسسي حقيقي.
فبينما تؤكد الحكومة أنها ماضية في خطوات إصلاحية لضبط المالية العامة وتقليل الهدر، يشكك مختصون في جدوى هذه السياسات، التي وصفوها بـ”الترقيعية والمؤقتة”، محذرين من أنها قد تؤدي إلى انكماش اقتصادي أوسع إذا لم تُرفق بإرادة سياسية لمعالجة الخلل البنيوي وتبني إصلاحات عميقة وعادلة
حزمة قرارات حكومية جديدة
وأقر مجلس الوزراء، اخيراً، حزمة من القرارات الجديدة التي تهدف بحسب المعلن إلى تعظيم الإيرادات العامة ومعالجة الاختلالات في الجهازين المالي والإداري، وذلك في إطار مساعيه الرامية إلى احتواء الضغوط الاقتصادية المتزايدة وتطوير كفاءة الإنفاق العام.
وتضمنت الحزمة إلزام الشركات النفطية الحكومية باستقطاع نسبة 7 في المائة من مستحقات عقود المقاولين الثانويين في جولات التراخيص، مع قيام وزارة النفط بإرسال البيانات الخاصة بتلك الاستقطاعات إلى الهيئة العامة للضرائب، إلى جانب إخضاع الأرباح المتحققة من فروقات العقود الاستثمارية، وعقود التنازل أو البيع بين المستثمرين، للتقديرات الضريبية وفقاً للأصول القانونية.
كما قرر المجلس فرض ضرائب على العوائد المالية الناتجة عن إيجار الوحدات السكنية من شقق ودور، وشدد على إلزام جميع التشكيلات الحكومية بتحويل الاستقطاعات الضريبية الناتجة عن عقود المقاولات والتعهدات والإيجارات إلى الهيئة العامة للضرائب. وشملت القرارات كذلك توجيه وزارة الخارجية بالتنسيق مع الجهات المالكة للعقارات العراقية في الخارج من أجل استثمارها أو بيع الفائض منها، فيما تم تكليف وزارة المالية توحيد رواتب المديرين العامين ومن هم بدرجتهم، والعاملين ضمن الرئاسات الثلاث، لتصبح مساوية لرواتب نظرائهم في الوزارات والهيئات الأخرى.
وألزم مجلس الوزراء الرئاسات الثلاث بتطبيق قراره المرقم 333 لسنة 2015، المعدّل بالقرار 277 لسنة 2016، بشأن تقنين الامتيازات المالية، في محاولة لضبط الإنفاق الحكومي والحد من الفوارق في الرواتب والمخصصات.
وكان المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، قال إن العراق يعمل على بناء قاعدة إيرادات مستدامة بعيداً عن تقلبات أسعار النفط، من خلال إصلاحات مالية واقتصادية جوهرية تستهدف زيادة الإيرادات غير النفطية وتحقيق الاستقرار المالي.
وأشار إلى أن الاستقرار الداخلي يمهّد الطريق لجذب الاستثمار وتحقيق التنمية، بدليل تحسن التصنيف الائتماني للعراق وإطلاق مشاريع كبرى كانت متوقفة. وأضاف أن الحكومة شرعت في إصلاحات متعددة تشمل: أتمتة الجباية وتوسيع القاعدة الضريبية؛ رفع كفاءة تحصيل الرسوم الحكومية وتفعيل الدفع الإلكتروني؛ تحديث المنافذ الجمركية ومحاربة التهريب؛ إصلاح الشركات العامة وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص؛ استثمار الأصول العامة غير المستغلة؛ وتحسين إيرادات قطاع الاتصالات وتفعيل أدوات التمويل المحلي.
وأكد صالح أن هذه الإجراءات تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط، ودعم خطط النمو الاقتصادي، وتمكين العراق من التحول إلى اقتصاد متنوع ومستقر في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
إجراءات لتسكين الألم مؤقتاً
وفي هذا الصدد، أكد أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي، أن الحزمة الأخيرة من القرارات الصادرة عن الحكومة، والتي تمس الجهازين الإداري والمالي، لا ترقى إلى مستوى مشروع إصلاح مؤسسي مدروس، بل تأتي كرد فعل مباشر على ضغوط مالية متزايدة، في محاولة لتفادي أزمة نقدية تلوح في الأفق نتيجة تراجع الإيرادات غير النفطية وارتفاع فاتورة الرواتب والالتزامات التشغيلية.
وأضاف السعدي في حديث لـ"طريق الشعب"، أن هذه الإجراءات، رغم تقديمها تحت لافتة “الإصلاحات”، إلا أنها "تميل إلى كونها خطوات تقشفية تنفذ بشكل مستعجل، دون أن تستند إلى إطار استراتيجي متكامل، الأمر الذي يفقدها التأثير المستدام المطلوب لمعالجة الخلل المالي البنيوي".
وأشار إلى أن من أبرز الإخفاقات في هذه الحزمة، عدم معالجة التفاوت الكبير في الرواتب بين مؤسسات الدولة ووزاراتها، وهو ما اعتبره أحد أبرز مظاهر التشوه في الهيكل المالي. وقال: "لا يُعقل أن يتقاضى موظف في مؤسسة ما ضعف راتب نظيره في وزارة أخرى رغم تساوي المؤهلات وسنوات الخدمة، فمثل هذا التفاوت لا يكرس فقط شعوراً بالغبن، بل يضعف إنتاجية الجهاز الإداري ويغذي الفساد".
وأضاف السعدي، أن مظاهر الأزمة المالية "باتت تنعكس بوضوح، إذ يواجه المواطنون والتجار تأخيرات في التمويل الحكومي وشحاً في الإنفاق، ما يدل على أزمة ثقة وغياب إصلاح مالي فعلي".
"وبينما تحاول الحكومة تخفيف الضغط على الخزينة عبر مراجعة العقود وتقليص المصاريف وربما تأجيل التعيينات، فإنها لم تقترب بعد من جوهر الإصلاح المطلوب، والمتمثل في إعادة هيكلة الرواتب، وتحسين التحصيل الضريبي، وضبط الإنفاق غير المنتج، وتحفيز القطاعات غير النفطية" يقول السعدي.
وزاد أستاذ الاقتصاد الدولي حديثه بالقول: إن ما تقوم به الحكومة قد يسهم في “تسكين الألم” مؤقتاً، لكنه لن يعالج أصل المرض، محذرًا من أن استمرار هذه الإجراءات دون إصلاحات عميقة قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة المالية، مشيرا الى ان البدائل متوفرة، لكنها تتطلب شجاعة سياسية وإرادة حقيقية.
واشار إلى ان أبرز تلك البدائل "تتمثل بتوحيد سلم الرواتب على أسس عادلة ومنصفة، وتفعيل الضرائب غير النفطية، لا سيما على أصحاب الدخول العالية والأنشطة التجارية الكبرى، اضافة لإصلاح نظام الدعم وتحويله إلى دعم نقدي مباشر للفئات المستحقة، علاوة على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لتوفير فرص العمل خارج الجهاز الحكومي، إطلاق مشاريع استثمارية حقيقية تسهم في زيادة الإيرادات الداخلية وتقليل الاعتماد على النفط".
حلول ترقيعية لن تصمد طويلاً
من جهته، أكّد الخبير الاقتصادي صالح الهماشي أن ما يجري اليوم من إجراءات حكومية متفرقة في الجانب المالي لا يحمل ملامح مشروع إصلاحي حقيقي، بقدر ما يعكس ارتباكاً في إدارة الموارد وعدم فهم كيفية التعامل مع التحديات.
وقال الهماشي في حديث لـ"طريق الشعب"، أن الدولة ما زالت تسلك الطريق الأسهل في مواجهة الضغوط المالية، عبر الضغط على النفقات التشغيلية ومحاولة كبح بعض بنود الإنفاق، دون أن تتجرأ على فتح الملفات الجوهرية التي تشكّل أصل الخلل، وعلى رأسها: فلسفة إعداد الموازنة، وغياب العدالة في التخصيصات، والجمود الذي يقيّد الإيرادات غير النفطية وملف تنويع الموارد الاقتصادية.
وأضاف، ان "الدولة تتعامل مع أزمتها كأنها دفتر حسابات يعاني من عجز، وليست كمنظومة اقتصادية تتطلب إعادة بناء"، مشيراً إلى أن أي خطوة "تتخذ خارج هذا الإدراك ستبقى محدودة الأثر، إن لم تكن عبئاً جديداً بحد ذاتها".
وبيّن الهماشي، أن البلاد دخلت بالفعل في "حلقة مفرغة، حيث تؤدي الأزمة المالية إلى إجراءات تقشف، تُفضي بدورها إلى مزيد من التراجع في الدورة الاقتصادية، خصوصاً مع انكماش الطلب العام، وشح السيولة لدى الأسواق، ما يؤثر حتى على قطاعات غير مرتبطة مباشرة بالموازنة".
ونبه الى أن “المالية العامة أصبحت أسيرة لمعادلة خطرة: اعتماد شبه كلي على النفط، مقابل كتلة إنفاق ثابتة تتزايد سنوياً دون رقابة فاعلة أو كفاءة في التوزيع”، مؤكداً أن هذا الاختلال البنيوي لن يُعالج بسياسات تقشف انتقائية. وهنا نحن بحاجة الى إصلاحات جذرية وحقيقية.
ورأى الهماشي أن الأزمة الحقيقية تكمن في غياب العدالة في توزيع الموارد، اضافة للفوضى التنظيمية وغياب التخطيط المالي الرشيد. وما لم يُعالج هذا الخلل بشكل منهجي، فإن أي خطوة مالية ستظل سطحية وغير مؤثرة.
كما حذر من أن "استمرار السياسات الحالية دون مراجعة جدية قد يفاقم أزمة الثقة بين الدولة والمجتمع، ويؤدي إلى انكماش اقتصادي حاد، لاسيما في ظل تقشف غير معلن يطال قطاعات حيوية ويؤثر سلبًا على حركة السوق".
ودعا الهماشي إلى ما سماه “مصارحة اقتصادية”، تشترك فيها الحكومة والخبراء وممثلو القطاعات الإنتاجية، تُفضي إلى خارطة طريق جديدة تعيد هيكلة الموازنة، وتعزز الإيرادات غير النفطية، وتُعيد النظر في أولويات الإنفاق.
وخلص الى القول: ان "العراق لا يفتقر إلى الموارد، بقدر ما يعاني من ضعف الإدارة وسوء التوزيع. وأي إصلاح لا ينطلق من هذه الحقيقة سيبقى سطحياً ومؤقتاً".
زار الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، منطقتي الثورة (الصدر) والدورة في بغداد، حيث التقى بجمع من عوائل الشهداء والمواطنين والمثقفين والشخصيات المدنية والديمقراطية، في لقاءين جماهيريين شهدا حوارات معمقة حول أوضاع الوطن وهموم الشغيلة والكادحين، وسبل الخروج من الأزمة العامة التي تمر بها البلاد.
حول أسباب تدهور الأوضاع المعيشية
في مدينة الثورة (قطاع ٣٥)، جرى اللقاء بدعوة من عائلة الشهيد الشيوعي جمال سهلو، بحضور أبنائه وذويه، إلى جانب لفيف من أصدقاء الحزب ورفاقه.
وخلال اللقاء الذي امتد لأكثر من ساعتين، جرى نقاش واسع حول تدهور الأوضاع المعيشية، وتفاقم البطالة بين حملة الشهادات الجامعية، وفساد قطاعي الصحة والتعليم، إضافة إلى تشخيص الأسباب البنيوية للأزمة السياسية المرتبطة بمنظومة المحاصصة وتقاسم النفوذ.
وأكد الرفيق رائد فهمي، في حديثه، أن فاجعة مستشفى الكوت الأخيرة كشفت بشكل مأساوي عن الانهيار الشامل في منظومة الإدارة العامة، وأن الفساد وسوء التخطيط باتا يهددان أرواح العراقيين، مشددًا على أن تغيير هذا الواقع بات ضرورة ملحة لا تقبل التأجيل.
تأمين السيادة الوطنية
كما استُضيف الرفيق فهمي في منطقة الدورة، ضمن لقاء احتضنه منزل أحد أصدقاء الحزب، بحضور جمع من الوجهاء والمثقفين والناشطين. وتناول النقاش خلال اللقاء الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتفشي الفقر، إضافة إلى الفشل المزمن في تأمين السيادة الوطنية والتصدي للهيمنة الخارجية والسلاح المنفلت.
كما عرض الرفيق فهمي برنامج الحزب الشيوعي وتحالف البديل الذي يخوض الحزب الانتخابات في إطاره، مبينًا أن هذا التحالف يسعى إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية قائمة على العدالة الاجتماعية والمواطنة الكاملة.
وشدد الحضور في كلا اللقاءين على أهمية التوجه الجاد نحو الانتخابات كوسيلة فاعلة لمحاسبة القوى التي تسببت بالخراب، ورفض الاستسلام لواقع الفساد والمحاصصة، مؤكدين أن المشاركة الواعية والواسعة في الانتخابات القادمة هي الخطوة الأولى نحو التغيير الحقيقي وبناء وطن يستحقه العراقيون.
تفقد الرفاق
من جانب اخر، زار سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الرفيق رائد فهمي وبصحبته عضو قيادة الحزب الرفيق د. صبحي الجميلي، الرفيق المناضل حميد مجيد دبة (أبو ثامر) في منزله بمنطقة الدولعي في مدينة الحرية، وذلك للاطمئنان على صحته.
وبحضور عدد من رفاق تنظيم الحزب في الكاظمية وعائلة الرفيق أبو ثامر، جرى الحديث عن مواقف نضالية مُلهمة لهذه العائلة منذ خمسينيات القرن الماضي. كما تم الحديث عن دور الرفيقة أم ثامر التي وقفت بثبات مع زوجها في نضاله في صفوف الحزب.
ثم تحدث الرفيق فهمي عن الاوضاع السياسية الراهنة في البلاد، وعن آفة الفساد المالي والاداري المستشري في مرافق الدولة، مشددا على أهمية التحرك على الجماهير البعيدة عن الحزب، والتواصل معها كي تساند الحزب في مشروعه الهادف إلى التغيير الشامل.
فضلا عن ضرورة التحرك على العمال والفلاحين والتوجه الى التجمعات الجماهيرية من أجل إيصال افكار الحزب.