دعت هيئة النزاهة الاتحادية، يوم امس، إلى تأليف لجنة عليا تتولى مهام الإشراف والمراقبة على تنفيذ مشاريع "مترو بغداد"، و"مدينة الصدر الجديدة"، و"الخارطة الأساسية لمدينة بغداد"، مؤكدة أهمية تحديد سقوف زمنية واضحة لإنجاز تلك المشاريع، والتعامل بفعالية مع المعيقات التي تؤخر تنفيذها.
وذكرت الهيئة في تقرير موسع اطلعت عليه "طريق الشعب"، أن فريقاً من دائرة الوقاية أجرى زيارات ميدانية إلى وزارات التخطيط، والإعمار والإسكان والبلديات، إضافة إلى أمانة بغداد، للاطلاع على واقع هذه المشاريع الحيوية، التي تستهدف تطوير البنية التحتية وتعزيز منظومة النقل العام والخدمات في العاصمة.
تأخر في التنفيذ
وأشار تقرير الهيئة إلى أن العمل لم يُباشر فعلياً حتى الآن في مشروعي "مترو بغداد" و"الخارطة الأساسية"، بينما لا يزال مشروع "مدينة الصدر الجديدة" غير مكتمل الإجراءات، على الرغم من إحالة تنفيذه إلى شركة صينية حكومية متخصصة. وبحسب التقرير، فإن مشروع "مترو بغداد" لا يزال قيد الدراسة، ولم يُدرج ضمن الموازنة الاستثمارية لأمانة بغداد، حيث ما زالت وثائق المستثمرين قيد التدقيق لدى البنك المركزي، ولم تتم المصادقة أو التوصية بالإحالة إلى أي جهة استثمارية حتى الآن.
وأوضح التقرير أن مجلس الوزراء وافق على إدراج مشروع إعداد الدراسات والتصاميم ضمن موازنة عام 2023 بكلفة تجاوزت 913 مليار دينار، على أن يتحمل المستثمر كامل كلفة التنفيذ. كما تم إدراج الخدمات الاستشارية ضمن موازنة عام 2024 بكلفة 451 مليار دينار، تشمل تقييم المستثمرين والإشراف على التنفيذ. وكان مستشار رئيس الوزراء لشؤون النقل، ناصر الأسدي، أعلن أن الحكومة تعمل على إعادة تقييم المعايير المالية والفنية بشأن مشروع مترو بغداد، مؤكدًا أن المشروع سيُنفذ وفق أعلى المواصفات العالمية.
وقال الأسدي في تصريح أخير، إن "مشروع مترو بغداد لا يزال قائمًا وتحت الدراسة، والحكومة تعمل على إعادة تقييم المعايير المالية والفنية لضمان تنفيذه بطريقة صحيحة وممولة وفق رؤية اقتصادية دقيقة".
وأضاف أن "مشروع مترو بغداد طُرح أمام التحالفات والشركات للاستثمار والتنفيذ، وقد جرت مراجعة دقيقة للوثائق الفنية والمالية الخاصة بالشركات المتقدمة"، وفق وكالة الأنباء العراقية "واع". وأوضح أن "الوثائق الفنية أظهرت وجود شركات ممتازة وذات كفاءة، لكن من الناحية المالية لم تكن معظم العروض بالمستوى المطلوب، ولم تمنحنا ثقة كافية للمضي بالتعاقد معها". وقال إنه "تم إعادة تقييم المعايير المعتمدة، وطرح آليات جديدة لتنفيذ المشروع بما يضمن أفضل صيغة عملية ومالية"، وتابع: "مترو بغداد هو مشروع حساس ومرتبط مباشرة بحركة المواطنين وتنقلاتهم اليومية، ويجب أن يُنفذ ويُموّل بشكل سليم ومدروس".
وأوضح الأسدي أن "الباب لا يزال مفتوحًا أمام جميع الشركات الكبرى الراغبة في التقديم للمشاركة في تنفيذ المشروع"، مشيرًا إلى أن "التكلفة التقديرية لإنجاز المترو تعتمد على المواصفات التي يقدمها المستثمر أو الشركات المتقدمة".
مشروع الخارطة الأساسية
ودعت الهيئة إلى الإسراع بتنفيذ "الخارطة الأساسية الرقمية لمدينة بغداد"، لما لها من أهمية استراتيجية في دعم مشروعي المترو والبنى التحتية. وأوضحت أن المشروع يهدف لإنشاء قاعدة بيانات هندسية دقيقة وشاملة للمدينة، من خلال استخدام تقنيات المسح الجوي والطوبوغرافي المتقدمة، إلا أن تنفيذه تعطل منذ 2013 نتيجة الحرب على الإرهاب.
ورغم إدراج المشروع في موازنة 2025 بكلفة تجاوزت 37 مليار دينار، إلا أن التنفيذ الفعلي لم يبدأ بعد، ما يستدعي — بحسب الهيئة — تجاوز المعوقات الفنية والإدارية والإسراع بالإجراءات.
مدينة الصدر الجديدة
وفي ما يخص "مشروع مدينة الصدر الجديدة"، الذي يضم 11 ألف وحدة سكنية، أوصى التقرير بالإسراع في استكمال مراحل إنجازه، باعتباره مشروعاً استراتيجياً يهدف إلى التخفيف من أزمة السكن وتحفيز التنمية المستدامة وخلق فرص عمل. وأشار التقرير إلى أنه تم التعاقد مع ائتلاف من الشركات الاستشارية بقيمة 10.5 مليار دينار، وإدراج مكون إعداد التصاميم بكلفة تجاوزت 11.9 مليار دينار، إضافة إلى إنجاز المسح الطوبوغرافي من قبل الهيئة العامة للمساحة، وإجراء فحوصات التربة من قبل المركز الوطني للمختبرات الإنشائية.
وشددت الهيئة على ضرورة التنسيق الكامل بين الجهات ذات العلاقة، لتلافي التداخل والازدواجية، وترشيد الإنفاق، وضمان تنفيذ سريع وفعّال للمشاريع وفق جداول زمنية واضحة. كما حذّرت من أن التأخر في إنجاز هذه المشاريع، رغم تخصيص المبالغ اللازمة لها، يعكس خللاً في آليات التخطيط والتنفيذ، ويهدد بتكرار سيناريوهات تلكؤ سابقة لمشاريع استراتيجية. وفي 25 حزيران المنصرم، أعلن رئيس مجلس المضي قدمًا في تنفيذ مشروع مدينة الصدر الجديدة، مؤكداً على ضرورة تنفيذ مكونات المشروع السكنية والخدمية بالتوازي مع البنى التحتية، بهدف ضمان تكامل التنفيذ وتحقيق نقلة عمرانية مدروسة في العاصمة بغداد.
ويمثّل مشروع مدينة الصدر الجديدة خطوة طموحة ضمن استراتيجية الحكومة العراقية لمعالجة أزمة السكن المزمنة في بغداد، وتوسيع نطاق التخطيط الحضري المنظّم، ويضم المشروع في مرحلته الأولى ما مجموعه 11 ألف وحدة سكنية، تم تصميمها وفق نموذج اقتصادي ومعماري يوازن بين الحداثة والكفاءة، مع مراعاة احتياجات شرائح المجتمع المختلفة.
برغم مرور أكثر من عقدين على التغيير السياسي في العراق، ما تزال الحكومات المتعاقبة تُحجم عن تقديم الحسابات الختامية للموازنات، برغم الإلزام الدستوري والقانوني، في سلوك بات يُنظر إليه على نطاق واسع كغطاء لتبرير الفوضى وحتى الفساد في إدارة المال العام، والتستر على اختلالات مالية باتت متجذّرة في بنية الدولة بعد عام 2003.
ويحذّر خبراء اقتصاديون من أن هذا الإخفاق تجاوز كونه قصورا إداريا فحسب، بعد ان أصبح يُعد ممارسة ممنهجة لإخفاء الانحرافات المالية، ويكرّس منطق الإفلات من المساءلة، ويُضعف أدوات الرقابة البرلمانية، في وقت تتصاعد فيه الدعوات لتصحيح المسار المالي، واعتماد الحوكمة الرشيدة
وفي تشرين الثاني من العام 2023 أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارا يلزم الحكومة بتقديم الحسابات الختامية مع كل موازنة ترسل الى البرلمان، بناءً على الدعوى التي أقامها سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، بعد خوضه الكثير من جولات المرافعات القضائية لحسم هذا الملف، إلا أن الحكومة التي لم ترسل جداول موازنة 2025 حتى الآن الى مجلس النواب، لم تلتزم بهذا القرار، لتضاف هذه السنوات الى سنوات ماضية لم تنجز فيها الحسابات الختامية لغاية اليوم.
تحدٍ للحكومة
واتهم النائب ياسر الحسيني، الحكومة بعدم الالتزام بمبدأ الشفافية المالية، متسائلًا عن مصير الحسابات الختامية للعامين الماضيين، والتي قال إن إنفاقها تجاوز 420 تريليون دينار.
وفي منشور له على صفحته في فيسبوك قال الحسيني: “بعد مقتل البرلمان بنيران الحكومة، نتحدى السوداني أن يرسل الحسابات الختامية للسنتين الماضيتين والتي كانت أكثر من 420 ترليون دينار”.
تجاهل دستوري
في هذا الصدد، أكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن الشيخلي أن الحسابات الختامية، التي تُعد وتُدقّق من قبل ديوان الرقابة المالية، تُعد من أبرز أدوات الشفافية المالية، وتشكّل ركيزة أساسية لضمان سلامة الإنفاق العام ومنع الفساد والعبث في صرف مستحقات الموازنة.
وأوضح، أن الدستور العراقي أشار بوضوح في المادة (62/أولاً) إلى أهمية هذه الحسابات، معتبراً أن عدم تقديمها يمثّل خرقاً دستورياً يُحاسب عليه قانوناً. كما أشار إلى أن هذا الإخلال يتعارض صراحةً مع المادة (34) من قانون الإدارة المالية رقم (6 لسنة 2019)، والتي تنص على وجوب تقديم الحسابات الختامية من قبل المؤسسات الحكومية إلى مجلس الوزراء، تمهيداً لرفعها إلى مجلس النواب.
واعتبر الشيخلي في حديث لـ "طريق الشعب"، الامتناع عن إرسال الحسابات الختامية "خرقاً فاضحاً للدستور وتجاوزاً قانونياً، يجب أن تُحاسب عليه الجهات غير الملتزمة"، مشيراً إلى أن "الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003 سعت للتهرب من كل ما من شأنه تعزيز الشفافية، في محاولة للتغطية على تفشي الفساد المالي والإداري الذي استفحل بعد الاحتلال الأميركي".
وأضاف أن غياب هذه الحسابات "يتيح المجال لاستخدام المال العام لأغراض لا تتطابق مع أبواب الموازنة، ويُسهم في توجيه الموارد نحو الكسب السياسي والدعاية الانتخابية، بل وربما لأغراض شخصية، على حساب المصلحة العامة".
واتم الشيخلي حديثه بالتحذير من استمرار هذا النهج، مشدداً على أنه "يعيق رسم سياسات مالية دقيقة، ويفاقم حالة الفوضى المالية، لذا بات من الضروري اعتماد سياسات واضحة للحوكمة الرشيدة وتعزيز الرقابة والمساءلة داخل مؤسسات الدولة".
وقال إنه “على مستوى الأسرة الصغيرة ستواجه مشاكل جمة في حالة غياب الشفافية، فكيف بدولة بحجم العراق تُدار وفق أهواء المتنفذين السياسيين، بعيداً عن أي اعتبار للمصلحة الوطنية؟”.
إفلاتٌ من المساءلة والرقابة
من جانبه، أكد المختص في الشأن الاقتصادي صالح الهماشي أن عدم الالتزام بتقديم الحسابات الختامية، يمثّل أحد أخطر مظاهر الفوضى المالية في العراق، لما يشكله من تهرّب مباشر من المساءلة القانونية والمؤسساتية، وتغييب متعمد للرقابة البرلمانية على الإنفاق العام.
وأوضح الهماشي أن الحسابات الختامية "تُعد بمثابة المرآة التي تعكس الأداء المالي الفعلي للحكومة، بعيداً عن الأرقام التخطيطية المجردة، ومن دونها لا يمكن التحقق من مدى الالتزام بأبواب الموازنة، أو كشف الانحرافات المالية وتحديد المسؤولين عنها".
وأشار في حديث لـ"طريق الشعب"، إلى أن هذا الإهمال المتعمد يتسبب بـ”تدوير الفساد بدل تدوير الفائض حيث يُستغل غياب البيانات الختامية في إعادة توجيه الأموال العامة لجهات نافذة أو لمشاريع وهمية، ما يسهم في ترسيخ بيئة مالية غير منضبطة تخدم مصالح ضيقة على حساب المصلحة الوطنية".
وأضاف الهماشي، أن المادة (34) من قانون الإدارة المالية ألزمت صراحةً جميع الجهات بإعداد وتقديم حساباتها الختامية، وأن عدم الالتزام بذلك لم يُعد فقط مخالفة قانونية، بل يمثل أيضاً مؤشراً على خلل جوهري وهذا الخلل تحول الى سلوك"، داعياً إلى "تفعيل الأدوات الرقابية، سواء من البرلمان أو من ديوان الرقابة المالية، لمواجهة هذا التراخي الخطير".
واعتبر الهماشي أن “استمرار تغييب الحسابات الختامية يُبقي المالية العامة في دائرة العتمة، ويُفرغ الموازنات من مضمونها الرقابي، بل ويحوّلها إلى أداة للترضية السياسية والمحاصصة، بعيداً عن منطق الكفاءة والعدالة في توزيع الموارد”.
وفرغ الى القول أن “التحول نحو شفافية مالية حقيقية لا يبدأ بطرح الخطط الرنانة، وانما بإرساء الالتزام الصارم بالحسابات الختامية وتقديمها للرأي العام”، مشدداً على أن “أي إصلاح اقتصادي جاد لا يمكن أن ينهض في ظل دولة لا تلتزم مؤسساتها بأبسط معايير الشفافية والإفصاح المالي”.
الاتحادية تلزم والحكومة تتجاهل!
وفي حديث سابق للمحامي زهير ضياء الدين، الى "طريق الشعب"، أكد أن "الالزام الذي صدر عن المحكمة الاتحادية يضع الحكومة امام مسؤولية انجاز الحسابات الختامية، وحتى من دون قرار المحكمة الاتحادية يجب على الحكومة والبرلمان انجاز الحسابات الختامية".
وأوضح ضياء الدين، ان "الدولة ومؤسساتها ملزمة بتقديم الحسابات الختامية للسنة السابقة مع كل موازنة ترسل الى مجلس النواب، لغرض تدقيقها ومعرفة تفاصيلها لغرض تشخيص الخلل ومعرفة وجه القصور، لكن هذا الموضوع مهمل بشكل كبير ومنذ سنوات".
وجّه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في 19 حزيران الماضي بتشكيل لجنة مختصة لدراسة أسباب انتفاء الحاجة إلى 28 مشروعاً في محافظة البصرة، على الرغم من صرف مبالغ مالية وإنجاز نسب متفاوتة في بعضها. يأتي هذا التوجيه في ظل تصاعد الانتقادات حول توقف عدد كبير من المشاريع التنموية في المحافظة، وغياب الرقابة الفعالة، ما أسهم في تأخر التنفيذ وهدر الموارد.
الرقابة معطلة
وقال مراقبون، أن ضعف الرقابة الشعبية والحكومية، وصعوبة الوصول إلى أصحاب القرار المسؤولين عن تنفيذ العقود، أدى إلى غياب المحاسبة ومواصلة التلكؤ في تنفيذ المشاريع. كما أبدوا قلقهم من عدم وضوح تفاصيل هذه المشاريع وأصحاب العقود المتعاقد معهم، ما يعزز مخاوف الفساد وسوء الإدارة.
وقال عمار سرحان، مراقب للشأن المحلي، ومدير منظمة بصرياثا، إن أغلب المشاريع المتلكئة والمتوقفة في المحافظة تعود إلى الوزارات الاتحادية، مشيراً إلى أن "ضعف الرقابة سواء الشعبية أو الحكومية يعد السبب الرئيس وراء هذا التلكؤ".
وأضاف سرحان في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "الجهات الرقابية تجد صعوبة كبيرة في الوصول إلى صاحب القرار المسؤول عن تنفيذ هذه المشاريع والعقود، مما يؤدي إلى غياب المحاسبة".
وتابع أن "نحو 90 في المائة من المشاريع الوزارية في البصرة متلكئة، في حين أن النسبة في العاصمة بغداد لا تتجاوز 10 في المائة ما يعكس فجوة كبيرة في مستوى الأداء والمتابعة بين المركز والأطراف".
وفي المقابل، أشار إلى أن بعض المشاريع المحلية التي نفذتها الحكومة المحلية في البصرة حققت نجاحات ملموسة، مشددا على ضرورة تعزيز التنسيق بين المحافظات من خلال هيئة التنسيق المشترك، والتي يُفترض أن تلعب دورا شفافا في عرض ومتابعة المشاريع المنفذة".
وأشّر سرحان عددا من المشاريع المتلكئة، من بينها مشروع مجمعات سكنية تابع لوزارة الإعمار والإسكان، ومشروع لتحلية المياه، بالإضافة إلى مشروع "مدينة النخيل السكنية" الذي بدأ في عام 2013 وتوقف دون إنجاز يُذكر.
واختتم حديثه بالقول: "هناك مئات المشاريع في البصرة تعاني من الإهمال أو تم إيقافها دون مبررات واضحة، ما يتطلب وقفة جادة من الجهات المعنية ومراجعة شاملة لآليات الرقابة والتنفيذ على مستوى المشاريع الوزارية".
الاعمار والإسكان: ليست مشاريعنا
وتواصل مراسل "طريق الشعب" مع وزارة الإعمار والإسكان للاستيضاح بشأن المشاريع المُشار إليها خلال اجتماع رئيس الوزراء بالهيأة العليا للتنسيق بين المحافظات، حيث أوضح المتحدث باسم الوزارة، المهندس نبيل الصفار، أن تلك المشاريع لا تعود للوزارة: انها "تابعة للحكومة المحلية في البصرة". دون الإشارة الى نوعية المشاريع وتفاصيلها.
وأوضح الصفار، في حديث لـ"طريق الشعب"، أن هناك مشاريع تنفذها الوزارة في المحافظة، منها مشروع إنشاء جسر الشهيد عز الدين ومشروع إزالة الجسر الحديدي المؤقت وإنشاء جسر العلي الكونكريتي ضمن قطاع الطرق والجسور.
وتابع الحديث عن قطاع المجاري بالقول: ان "المديرية العامة للمجاري تُشرف على تنفيذ المرحلتين الرابعة والخامسة من مشروع محطة المعالجة (مركز تصفية حمدان)، بينما تتولى المديرية العامة للماء المرحلة الأولى من مشروع ماء البصرة الكبير".
وأشار الى انه في ما يخص قطاع الإسكان فان "العمل مستمر على إنشاء مجمع شط العرب 2 السكني. كما تنفذ شركة الفاو الهندسية العامة عدداً من المشاريع لصالح المحافظة، منها إعادة إنشاء وتأهيل محطة تعبئة وقود المربد الحكومية، وإنشاء مدرسة الأحرار (18 صفاً) في حي الأحرار".
فساد واضح ومفسدون في الظل!
الناشط السياسي حكيم العيداني، قال لـ"طريق الشعب"، أن مستوى المشاريع المنفذة في محافظة البصرة لا يرتقي إلى حجم الخيرات التي تمتلكها المحافظة، مؤشر تقصيرا واضحا في المتابعة والرقابة من قبل ممثلي البصرة في مجلس النواب وأعضاء مجلس المحافظة. واضاف العيداني، "إذا أردنا تقييم المشاريع في البصرة، فسنجد أنها قليلة جدًا مقارنة بما تستحقه المحافظة من خدمات وبنى تحتية. في المقابل، نشهد هدرا كبيرا في المال العام، والسبب في ذلك يعود إلى ضعف المتابعة من نوابنا وأعضاء مجلس المحافظة".
وأشار إلى أن بعض المقاولين يستغلون هذا الغياب في الرقابة لتحقيق أرباح خيالية، موضحا انه "قد يُمنح المقاول مشروعا بكلفة مليار دينار، لكنه يسجله على الورق بعشرة مليارات. هذا الفرق الكبير يمر بسبب غياب الدور الرقابي الفعّال من الجهات المعنية".
الارباح تتضاعف عشر مرات
واسترسل المتحدث بأن "أحد الجسور في المحافظة بلغت كلفته 80 مليار دينار، وهو مبلغ ضخم يكاد يوازي تكلفة ناطحة سحاب. وفي المقابل، ما زلنا نعاني من مشكلات مزمنة مثل انقطاع الكهرباء وتفاقم أزمة المياه المالحة".
وذكر العيداني أن المليارات صُرفت على مشاريع تحلية المياه ومحطات ضخ المياه، ومشاريع من الفاو إلى مركز المدينة، من دون أن تظهر نتائج واضحة على أرض الواقع، معتقدا ان "الخلل يكمن في مجلس النواب وأعضاء مجلس المحافظة الذين من المفترض أن يتولوا المتابعة والتشريع والمحاسبة، لكن للأسف، خلال السنوات الماضية لم نرَ لهم أي دور حقيقي".
واردف العيداني: أن الهدر في المال العام ليس حكرا على البصرة فقط، بل يشمل معظم المحافظات العراقية، لكنه أكد أن البصرة لها وضع خاص كونها "أم النفط، وأم الخير، وأم الموانئ"، ويجب أن تحصل على ما تستحقه من موازنات عادلة ودعم مركزي.
وأضاف أن هناك العديد من المشاريع الوزارية المتلكئة، إضافة إلى المشاريع المحلية التي تعاني من عدم صرف الأموال، وهو ما يعرقل تنفيذها، مضيفا أن "الوزارات الاتحادية تتحمل جزءًا من المسؤولية بسبب الفساد الإداري والتلكؤ، فضلًا عن الصراعات بين الحكومة المحلية والحكومة الاتحادية".
وانتقد العيداني الهيئة التنسيقية للمحافظة، قائلاً: "لم تُبين الهيئة ما هي المشاريع المتلكئة، ولم توضح من هي الجهات المتعاقدة والمسؤولة، ولا من يقف وراء الفساد".
وخلص الى ان محافظة البصرة لديها 25 نائبا في البرلمان وهناك 22 عضوا في مجلس المحافظة، متسائلا: أين هم من مسؤوليتهم الرقابية، إذا كانت هناك سرقات أو شبهات فساد؟ أين اللجان الرقابية؟ وأين المحاسبة؟".
انتقادات لاذعة
من جهته، وجّه نائب رئيس لجنة الأقاليم والمحافظات النيابية، جواد اليساري، انتقادات لاذعة للجهات التنفيذية بشأن الإهمال الحاصل في مشاريع خدمية متلكئة منذ سنوات، مشيراً إلى أن العديد من هذه المشاريع اندثرت رغم صرف أموال طائلة عليها.
وقال اليساري، إن "الهيئة التنفيذية غابت طوال هذه الفترة عن متابعة المشاريع، رغم أن بعضها مضى عليه أكثر من 14 عامًا"، متسائلاً عن دور الحكومة الاتحادية الحكومات المحلية والوزارات المختصة في التعامل مع هذه المشاريع.
وأضاف أن "بعض المشاريع التي أُهملت كان من الممكن أن تخدم آلاف المواطنين، مثل المدارس المتهالكة التي أصبحت بلا نوافذ ومهددة بالانهيار"، مشيراً إلى أن "غياب الجدية في المحاسبة ورفع الدعاوى القضائية ضد المقاولين أو الجهات المنفذة أسهم في اندثار هذه المشاريع".
وكشف اليساري عن لقائه ببعض المقاولين الذين أشاروا إلى أن "غياب الصرف الحكومي، وتوقف المشاريع خلال فترة سيطرة داعش، وارتفاع أسعار المواد الإنشائية، دفعهم لترك المشاريع بسبب الخسائر".
وضرب مثالاً بمشاريع حيوية قال إنها ما تزال متوقفة، مثل مشروع النبراس للبتروكيماويات، وأكاديمية المحاربين، ومحطة معالجة مياه المجاري في أبو الخصيب، مؤكداً أن هذه المشاريع مهمة لمعالجة مشكلات التلوث والملوحة، لكنها تعاني من نقص التمويل.
وأشار اليساري إلى أن "المحافظات لا تحصل إلا على جزء بسيط من تمويل المشاريع"، موضحاً أن "المحافظة التي يُخصص لها 100 مليار دينار، لا تستلم سوى 35 ملياراً، والباقي يُدوَّر دون أن تعيد وزارة المالية ضخه مجدداً".
قاد تأخر إقرار الموازنة العامة للعام الحالي، والذي يتكرر سنوياً نتيجة الخلافات السياسية الحادة، إلى تعطيل مشاريع استثمارية وخدمية أساسية، وتجميد الإنفاق الحكومي في قطاعات حيوية. كما أدخل الاقتصاد المحلي في مرحلة تباطؤ ملحوظة، نتيجة تداخل عوامل داخلية وخارجية، عمّقت من الأزمة المالية والمعيشية، وفاقمت الضغوط على الفئات الضعيفة وحتى الفئات المتوسطة.
وفي وقت تعتمد فيه البلاد على النفط كمصدر رئيس للإيرادات، تسبب تراجع أسعاره في الأسواق العالمية خلال الأشهر الأخيرة في تقليص الموارد المالية، وهو ما انعكس سلباً على الإنفاق الحكومي، وقدرته على مواجهة الالتزامات المتزايدة؛ إذ أن الاعتماد المفرط على النفط، وضعف تنويع الاقتصاد وتراجع قدرة الدولة على تنفيذ إصلاحات مالية حقيقية، جعلت البلاد في وضع هشّ تنعكس ارتداداته بشكل مباشر على المواطنين عموما.
مالية البرلمان: تأخر الموازنة غير مبرر
ويصف عضو اللجنة المالية النيابية، معين الكاظمي، تأخر الحكومة في إرسال جداول الموازنة المعدلة إلى مجلس النواب بأنه "أمر غير مبرر"، ويؤثر بشكل مباشر على الوضع الإداري والمالي للبلاد، خصوصاً ما يتعلق برواتب الموظفين والمتقاعدين والمستفيدين من الرعاية الاجتماعية.
وقال الكاظمي، إن "لقاء سابقاً جرى قبل نحو شهر مع رئيس مجلس الوزراء تم خلاله التأكيد على ضرورة الإسراع بإرسال جداول الموازنة"، مضيفاً أن السوداني وجه وزارة المالية بالشروع في إعداد الجداول، وقدمت الوزارة بالفعل نسخاً أولية إلى مجلس الوزراء، لكن بعض الجوانب ما زالت بانتظار رأي من رئيس الوزراء والمجلس الوزاري، ولم يصل أي رد حتى الآن.
وأضاف أن "جداول وزارة المالية معروفة وتشمل رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية وشراء الحنطة والأدوية والمصروفات التشغيلية للوزارات. والوزارة تمتلك خبرة متراكمة تخولها إنجاز الجداول خلال أسبوع واحد فقط"، مشيراً إلى أن "الجداول الاستثمارية جاهزة من قبل وزارة التخطيط، وأي تأخير في إرسالها لا يمكن تبريره إلا إذا كانت الحكومة ماضية في تسيير الأعمال وفق تقدير رئيس الوزراء".
ونوّه الكاظمي إلى أن "تأخر المصادقة على جداول الموازنة انعكس سلباً على الموظفين والمواطنين، حيث ربطت وزارة المالية تنفيذ الكثير من الإجراءات الإدارية والمالية بالمصادقة على الجداول، مثل النقل بين الوزارات أو حتى داخل الوزارة الواحدة، بالإضافة إلى صرف العلاوات والترفيعات التي تخص نحو 4 ملايين موظف، فضلاً عن تأثر ملايين المتقاعدين والمشمولين بالرعاية الاجتماعية".
وأشار إلى أن "وزارة المالية إذا ما قررت فك الارتباط بين هذه الإجراءات الإدارية والمالية وبين مصادقة الجداول، فإنها قد تمتص ردود الفعل الغاضبة من تأخرها، خاصة أن الحكومة تواصل الصرف المالي رغم عدم مصادقة البرلمان".
الحكومة تعتمد على جداول 2024؟
وفيما يتعلق بالمشاريع الاستثمارية، أوضح الكاظمي أن "رئيس الوزراء عقد قبل أيام اجتماعاً مع المعنيين لمتابعة المشاريع المستمرة مثل بناء المدارس والمستوصفات والمستشفيات، والتي توقفت خلال الشهرين أو الثلاثة أشهر الماضية"، لافتاً إلى أن "هذا التصرف عليه إشكالات قانونية لأن المادة (77) من قانون الموازنة تلزم الحكومة بتقديم جداول معدلة، ولا يجوز استمرار العمل بجداول موازنة 2024 نفسها في عام 2025".
وبيّن الكاظمي أن "جداول موازنة عام 2024 كانت مُقدّرة بـ211 تريليون دينار، بينما لم يُصرف فعلياً سوى 156 تريليون فقط، لذا فإن اللجنة المالية تطالب الحكومة بتقديم جداول واقعية لا تتجاوز 150 تريليون دينار، وهو مبلغ يمكن تغطيته من الإيرادات النفطية وغير النفطية".
وشدد الكاظمي على أنه "لا يجوز بقاء الوضع على ما هو عليه"، داعياً الحكومة إلى "تقديم الجداول في أقرب وقت، حتى يضع مجلس النواب يده على الملف ويصادق عليها في جلسة واحدة، من دون الحاجة إلى قراءة أولى أو ثانية"، موضحاً أن "عودة البرلمان إلى الانعقاد في 9 تموز المقبل يجب أن تتضمن إدراج جداول الموازنة كأولوية في جدول أعماله".
ضعف الاستقرار وتراجع الدولة عن التزاماتها
أما الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان، فيرى أن الانتعاش الاقتصادي في العراق لا يمكن تحقيقه من دون توفر بيئة آمنة ومستقرة سياسيًا وأمنيًا، مشيرًا إلى أن التوتر الحالي في البلاد ينعكس سلبًا على حركة السوق.
ويقول انطوان في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "الأجواء غير المستقرة تدفع المواطنين لتقليص نفقاتهم والتريث في الشراء، وهو ما يؤدي إلى انخفاض الطلب على البضائع ويُسهم في حدوث ركود اقتصادي"، مضيفًا أن "الدولة، من جانبها، تعاني من عجز في تسديد التزاماتها تجاه المواطنين والمقاولين، ما يُفاقم من جمود السوق".
ويضيف أن "انخفاض أسعار النفط، ولو بشكل مؤقت، زاد من حالة القلق في المشهد الاقتصادي، خصوصًا في ظل غياب مؤشرات ثابتة لعودة الأسعار إلى مستويات مطمئنة"، لافتًا إلى أن "الأزمات الاقتصادية لم تعد محلية فقط، بل باتت تؤثر على العالم بأسره، نتيجة اضطرابات في سلاسل الإنتاج والشراء".
ويؤكد أن "المواطن العراقي بات يُفضّل الاحتفاظ بمدخراته بدلاً من ضخها في السوق، تحسبًا لأي تطورات مفاجئة، خاصة في ظل تفاوت قيمة العملة والصرف".
ويجد انطوان أن هذا الانخفاض "يعكس أزمة أعمق في البنية الاقتصادية للعراق"، مشدداً على أن "الاقتصاد المحلي ما يزال “ريعياً” ويعتمد بشكل كامل على إيرادات النفط، دون وجود قاعدة إنتاجية متنوعة في القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية والخدمية".
ويوضح أن الحل يكمن في "تحوّل الحكومة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، ما سيؤدي إلى خفض الطلب على الدولار وتقليل خروجه من البلاد"، داعيًا إلى "التركيز على تنشيط القطاعات الإنتاجية بدلاً من الاعتماد فقط على الضرائب والرسوم كمصادر بديلة للدخل".
سببان رئيسيان
من جانبه، رأى الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه أن تراجع مبيعات الدولار في البنك المركزي العراقي في الوقت الحالي، يعكس ركوداً قائماً أصلاً في السوق، نتيجة عوامل عدة، أبرزها انخفاض أسعار النفط وتأخر إقرار الموازنة العامة.
وقال عبد ربه في حديث لـ"طريق الشعب"، إن البلد دخل في الشهر السابع من العام دون موازنة، وهو ما ينعكس سلباً على حركة السوق، إذ أن إطلاق الموازنة غالبًا ما يُفعّل النشاط الاقتصادي من خلال صرف مستحقات المقاولين ومنح العلاوات، مما ينعكس على زيادة الطلب وحركة السيولة.
وأضاف أن ما يدعو "للقلق ليس انخفاض مبيعات الدولار، بل القلق الحقيقي يظهر عندما ترتفع هذه المبيعات بشكل كبير ومبالغ به، لأن ذلك يعكس ضعفاً في الإنتاج المحلي وزيادة في الاعتماد على الاستيراد".
ودعا إلى "توسيع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد العراقي، لا سيما في مجالي الزراعة والصناعات الغذائية، والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي كخطوة أولى قبل التفكير بالتصدير".
وأشار إلى أن الركود الحالي "لا يرتبط فقط بعوامل مالية، بل أيضاً بتردد الحكومة في إطلاق مشاريع جديدة، نتيجة عدم وضوح الرؤية الاقتصادية في ظل تذبذب أسعار النفط"، مطالباً بإطلاق حزمة اصلاحات جادة.
وفسّر حزمة الاصلاحات المطلوبة بأنها تشمل "الإسراع بإقرار قانون الموازنة، تشكيل مجلس تنسيق اقتصادي أعلى يضم البنك المركزي ووزارة المالية وهيئة الاستثمار، إجراء إصلاحات تشريعية في القطاع المصرفي، إطلاق مشروع الدينار الرقمي العراقي وتوسيع سلة التعاملات التجارية بعملات بديلة عن الدولار، مثل اليوان الصيني، الروبية، واليورو، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل القومي".
وخلص عبد ربه الى القول إن "استمرار الوضع على حاله سيُبقي السوق في حالة ركود عميق، ما لم تُتخذ قرارات إصلاحية واضحة ومدروسة خلال الفترة القريبة القادمة".
وكشف الخبير في الشأن الاقتصادي منار العبيدي، عن تسجيل البنك المركزي العراقي تراجعاً في إجمالي مبيعات الدولار الأمريكي خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025 بنسبة 4%، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، محذرًا من أن هذا الانخفاض قد يكون مؤشرًا مبكرًا على دخول السوق العراقية في حالة من الركود.
تشهد ظاهرة المخدرات في العراق تنامياً مقلقاً، وسط تحذيرات من تحول البلاد إلى مركز ناشط في تجارة وتصنيع المواد المخدرة على مستوى المنطقة، في وقت تتزايد فيه معدلات التعاطي بين فئة الشباب تحديداً. وتُظهر المعطيات الميدانية وجود محاولات موثقة لإنتاج المخدرات في محافظات مختلفة، من الجنوب إلى الشمال، بالتزامن مع نشاط شبكات التهريب والترويج عبر الحدود. وبينما تكثف الجهات الأمنية حملاتها لملاحقة المهربين وتجار المخدرات، يرى متخصصون أن المعالجة لا تكتمل من دون تطوير البنى الصحية المخصصة للعلاج والتأهيل، وتعزيز الوعي المجتمعي، وتفعيل دور المؤسسات الرقابية والتشريعية، مؤكدين أن المخدرات باتت "تهديداً صامتاً" يضرب في عمق الأسرة والمجتمع، ويستدعي استجابة شاملة تشمل جميع المستويات: الأمنية، الصحية، والتعليمية.
وكشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر بغداد الدولي الثاني لمكافحة المخدرات في وقت سابق عن تنامي خطر تحول العراق إلى نقطة رئيسية لإنتاج وتجارة المواد المخدرة في منطقة الشرق الأوسط. ولفت التقرير إلى محاولات موثقة لإنتاج المخدرات في محافظات عراقية، أبرزها المثنى جنوبي البلاد، إلى جانب كركوك وطوزخورماتو في الشمال.
وأشار التقرير الأممي إلى أن الشباب هم الفئة الأكثر تضرراً من انتشار هذه الظاهرة، والتي تغذيها عوامل عدة أبرزها البطالة وتراجع مستويات الرقابة الأمنية والمجتمعية. كما حذر من أن العراق، إلى جانب دول المنطقة، بات مهدداً بأن يكون بيئة خصبة لعمليات التهريب والتصنيع غير المشروع.
وقدم التقرير سبع توصيات أساسية، شملت تفعيل الاتفاقيات الإقليمية الخاصة بمكافحة المخدرات، وتعزيز التعاون بين العراق وجامعة الدول العربية ودول الخليج، إلى جانب الدعوة لإنشاء مركز إقليمي متخصص بإنفاذ القانون ومكافحة المخدرات.
ترابط العنف مع الإدمان
أكد عصام كشيش، رئيس منظمة التعافي للحد من خطورة المخدرات، أن هناك علاقة مترابطة بين العنف والإدمان، مشيرا إلى أن العنف الأسري قد يدفع بعض الأفراد نحو تعاطي المخدرات، في حين يؤدي الإدمان بدوره إلى سلوكيات عنيفة وتوترات داخل الأسرة والمجتمع.
وقال كشيش أن "الإجراءات الحكومية في مواجهة الإدمان كانت واقعية وسريعة، ولم تنتظر تشريعات البرلمان، على عكس التحركات البرلمانية التي اتسمت بالبطء في إقرار القوانين المرتبطة بالإدمان".
وأضاف أن تلك الجهود الحكومية أسهمت بشكل كبير في الحد من انتشار الظاهرة خلال النصف الثاني من عام 2024 وبداية 2025، رغم التقارير السابقة التي تحدثت عن تزايد أعداد المدمنين.
وبيّن أن العراق لا يزال يعاني من ضعف في البنى التحتية الصحية لعلاج الإدمان، مشيرا إلى وجود مستشفيين فقط في جانب الكرخ ببغداد، فيما تفتقر المحافظات إلى مراكز متخصصة وتكتفي بأقسام ضمن المستشفيات العامة. ودعا إلى إنشاء مستشفى متخصص في كل محافظة، وهو ما يتطلب موافقات برلمانية ومخصصات مالية.
الظاهرة تنحسر
ونوّه كشيش بدور وزارة الداخلية، وجهود مكافحة المخدرات، فضلاً عن دور الإعلام في التوعية، رغم عدم وصوله إلى المستوى المطلوب بعد. كما نوه بمساهمة منظمات المجتمع المدني وشيوخ العشائر في جهود العلاج والحد من الظاهرة.
وأشار إلى أن منظمته "تعافي" عالجت أكثر من 3,000 حالة إدمان خلال السنوات الثلاث الماضية، بين ذكور وإناث، مؤكدًا أن العراق يشهد حالي تحسن نسبي في مواجهة الإدمان، لكنه شدد على أن "الظاهرة لم تنتهِ بعد، بل انحسرت بشكل واضح بفضل تعاون عدة جهات".
واختتم كشيش بالتحذير من أن المخدرات لا تُعد فقط ظاهرة صحية أو اجتماعية، بل تُستخدم أحيانًا كسلاح من قبل أجهزة استخبارات دولية لزعزعة استقرار الدول.
المنافذ الحدودية.. ثغرة كبيرة
من جهته، حذر الخبير الأمني سرمد البياتي من تفاقم خطر المخدرات في العراق، مؤكدًا أن تأثيرها الأمني والاجتماعي لا يقل عن خطر السلاح، خاصة على فئة الشباب.
وقال البياتي في حديث لـ "طريق الشعب"، انه "في عام 2014، كان التهديد الأكبر بالسلاح الناري، أما اليوم فالمخدرات تقتل بشكل صامت، وتدمر الشباب من الداخل".
وأشاد البياتي بالجهود التي تبذلها وزارة الداخلية لمكافحة المخدرات، لا سيما بالتعاون مع دول الجوار. لكنه شدد في الوقت نفسه على ضرورة السيطرة المحكمة على المنافذ الحدودية، كونها تمثل مدخلا رئيسيا لتهريب المواد المخدرة.
ودعا البياتي إلى فرض عقوبات مشددة على تجار المخدرات، قد تصل إلى الإعدام، مع ضرورة تنفيذ هذه العقوبات بشكل صارم، مؤكدا أن التغاضي عنها سيفاقم المشكلة على المدى البعيد.
واكد أن استمرار تجارة المخدرات دون رادع سيؤدي إلى آثار مدمرة ليس فقط على المستوى الأمني، بل الاجتماعي والاقتصادي أيضًا.
تفكيك 74 شبكة
أما الناشطة في مجال مكافحة المخدرات إيناس كريم، فأكدت ما ذهب اليه المتحدثان السابقان بأن العراق يشهد جهودا أمنية حقيقية ومتواصلة في مكافحة شبكات تهريب وترويج المخدرات، مشيرة إلى أنه "من عام 2023 وحتى عام 2025 تم تفكيك أكثر من 74 شبكة في مختلف المحافظات العراقية، وذلك بفضل التعاون بين عدة أجهزة أمنية".
وأضافت كريم لـ "طريق الشعب"، أن "هناك تحسنا ملحوظا في الجانب العلاجي أيضا، حيث تم افتتاح 16 مصحة قسرية لمعالجة المتعاطين الذين يُحالون إليها بدلا من السجون، في خطوة مهمة نحو التركيز على إعادة التأهيل بدلاً من العقاب فقط".
كما أشارت إلى وجود "مراكز علاجية متخصصة تابعة لوزارة الصحة، منها مركز القناة للتأهيل الاجتماعي ومركز العطاء في بغداد، بالإضافة إلى مستشفى جديد يُتوقع افتتاحه خلال هذا العام في منطقة العامرية بجانب الكرخ".
وفي ما يتعلق بالإطار الوطني لمكافحة المخدرات، كشفت كريم عن مشاركتها في إعداد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات 2025 – 2030، التي وصفتها بأنها "خطة شاملة، تم اعتمادها وتطبيقها على جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها، تحت إشراف مستشاري الأمن القومي"، مشيدة بتعاون كل الأطراف في صياغتها.
وأشارت إلى أنها تمكنت خلال عام 2025 من معالجة حوالي 420 حالة إدمان من خلال مؤسستها، التي تنفذ حملات توعية واسعة تستهدف المدارس والجامعات والمنتديات الشبابية.
وحول تقييمها لتقرير الأمم المتحدة بشأن الوضع في العراق، أكدت كريم دقته من ناحية الاشارة الى وجود تداعيات اجتماعية واقتصادية وصحية، لكنها قالت إن "الوضع اليوم بات أقل خطورة مما كان عليه، بفضل الجهود الأمنية المتواصلة، وتزايد أعداد المتعافين من الإدمان".
وشددت على "الحاجة الملحة لضبط الحدود والمطارات بشكل أكبر، وتوسيع شبكة المستشفيات والمراكز العلاجية، إضافة إلى تفعيل دور الإعلام في نشر الوعي، من خلال البرامج والمسلسلات والمحتوى الرقمي المؤثر". واختتمت كريم حديثها بالتحذير من خطورة تعاطي المخدرات، واصفة الظاهرة بـ"الإرهاب الناعم أو الإرهاب الصامت، لأنه "ينخر في جسد المجتمع دون أن يشعر به أحد، ويتسلل إلى البيوت والمدارس والجامعات، ويستهدف فئة الشباب بشكل مباشر".
وأكدت أن المتعاطين، في حال عدم تلقيهم العلاج المناسب، قد يتحولون إلى مصدر خطر على أسرهم ومجتمعاتهم، مشيرة إلى أن "الإدمان على مخدرات مثل الكريستال يمكن أن يقود إلى سلوكيات عنيفة قد تصل إلى الاعتداءات الجسدية أو الجنسية".
وأضافت أن "المدمن غير المعالَج أشبه بقنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة".
كما أعربت عن أملها في "تحويل المتعافين من الإدمان إلى معالجين يساعدون الآخرين على التعافي، مما يخلق سلسلة أمل وإنقاذ جديدة داخل المجتمع".